(14)
كبَّه .. وزَقَفَه!!
من أبي عمّار المغامسي بالمدينة المنورة، وردني هذا السؤال: هل كلمة (كبَّ) التي نستعملها بمعنى سكب فصيحة؟ وهل قولنا: (زقفتُ الشيءَ) بمعنى أمسكتُ به بعد أن رُمي عليَّ، صحيح أيضًا؟ وما مفرد كلمة: (حليب)، (ذهب)، (هواء)؟
وأجيبُ على السؤالين الحسنين الأملحين بإيجاز، فأقول: الزّقفُ في لغة العرب: التلقّف، وهو بمعنى ما ذكرته سواءً سواءً، وفي الفائق في غريب الحديث للزمخشري: (يأخذ الله السموات والأرض يوم القيامة بيده، ثم يتزقفها تزقّف الرمّانة.. التزقف والتلقف أخوان، وهما الاستلاب والاختطاف بسرعة). وذكر آثارًا أخرى، والحديث مذكور في النهاية لابن الأثير، ولا يختلف أهل اللغة في صحة هذه اللفظة بمعناها المذكور سواء صح لفظ الحديث أم لم يصح.
كما لم يختلفوا في صحة كلمة (كبَّ) ومعناها كفأ وقلب، وفي تكملة المعاجم : (كبَّ: صبَّ، وسكبَ، وأَراق. وكبَّ القَدَحَ: أفرغ ما فيه). وهذه المعاني مردودة إلى ما ذكرته أمهات كتب اللغة، وهاتان اللفظتان (زقفه وكبّه) من روائع الكلم التي حفظتها قبائل الجنوب ونطقت به.
وأمّا السؤال عن مفرد كلمة الحليب، والذهب، والهواء، فجوابه: أنّ هذه الألفاظ وما شابهها، كلفظ: الماء، واللبن، والعسل، لا مفرد لها، بل هي من نوع الإفراد، واصطلح على تسميتها باسم الجنس الإفرادي، يُطلق اللفظ منها على القليل والكثير، فما يملأ الكأس يُسمّى ماء، وما ملئ به البحر هو ماء أيضًا، كالمصدر ، يطلق على القليل والكثير، فضرب رجل سوطًا واحدًا كضرب رجل ألف سوط، كل ذلك ضرب، وإنّما لم يكن له مفرد لأنّه ليس له جزء يصدق على مسمّاه ينفصل وحده، كما تتميز التمرة عن التمر، وإنّما يتميّز بالقلة والكثرة، فقليل من الهواء هواء، وكثيره هواء، وبعض القليل هواء، وكلّه إذا جمعته هواء.
ولك شكري على ما أبديته من عنايتك بفصيح اللغة وصحيحها، وما سجلته من إعجابك الشديد، وثنائك على (لحن القول)، وإن كنا وأنتم وصالحُ المؤمنين لا نحمد لحنَ القول الذي جردَّنا أقلامنا لنبذه بالعراء بلا مراء.

رد مع اقتباس


المفضلات