يمطر الخير مطرًا.. على من يتأمل في يوم آت لا محالة، قرب أم بعد.. إنه يوم عصيب، حين تغرب فيه شمس الدنيا، وينزل به ملك الموت، وينزع روحه من جسده، كيف تكون خاتمته وحاله مع ربه؟ يوم عظيم وسكرات شديدة «اللهم أعني على سكرات الموت» تحيي في قلبه الخوف من شدة ذلك اليوم.
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: { ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن؟ أول يوم يجيئك البشير من الله -تعالى-، إما برضاه، وإما بسخطه، ويوم تعرض فيه على ربك آخذًا كتابك، إما بيمينك، وإما بشمالك، وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور ولم تبت فيها قط، وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة، ويرجف قلبه إذا تذكر قول الله -عز وجل-: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37]، ويتذكر مشهد يوم عظيم ولحظات وأيام عصيبة { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:2].
يمطر الخير مطرًا،، على من علم أن الزارع يسأل ويبحث ويدقق؛ حتى يكون زرعه مستقيًا سالمًا من الأمراض والآفات!
تيقن أن الدنيا مزرعة الآخرة، لذا سعى لمعرفة الطريق إلى الجنة بطلب العلم الشرعي فهو أسهل الطرق إلى الجنة. قال صلى الله عليه وسلم:
{ من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سهل الله له طريقًا إلى الجنة } [رواه البخاري].
يمطر الخير مطرًا،، على من أمطر الخير على نفسه قناعة باليسير وزهدًا في الدنيا، ورغبة فيما عند الله، فقام بالتقريب إلى الله -عز وجل- بالطاعات والنوافل، وأصبح همه الوحيد الطاعة والعبادة!.
قال ابن القيم -رحمه الله-: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده، تحمل الله -سبحانه- حوائجه كلها. وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته. وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها، وأخطارها، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره» تأمل في الكلام النفيس، ثم بدأ يحاسب نفسه على ذلك.
ويمطر الخير مطرًا،، على من استنزل حسن الخلق على نفسه بالصبر والمجاهدة، وأخذ أعماله بالتربية الجادة؛ لأطرها على حسن الخلق وطيب المعشر التي من علاماته عشر خصال: قلة الخلاف، وحسن الإنصات، وترك طلب العثرات، وتحسين ما يبدو من السيئات، التماس المعذرة، واحتمال الأذى، الرجوع بالملامة على النفس، والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره، وطلاقة الوجه للصغير والكبير، ولطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه.
ويمطر الخير مطرًا ،، على من عيناه تنظر إلى أعلى، وقلبه يتحرك إلى أعمال تكون سببًا في دخوله الجنة. وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفًا لا حساب عليهم، ثم قال في وصفهم:
{هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون}
عندها سارع إلى كتب التوحيد ليعرف أقصر الطرق وأسهلها وأسرعها إلى جنة عرضها السموات والأرض. ودعا الله -عز وجل- أن يكون من الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم.
ويمطر الخير مطرًا،، على من هو حسن الخلق قولاً وفعلاً.. يظهر ذلك الخلق الجميل والنفس الطيبة مع الصغير، والخادم، والفقير، والمسكين، وحين تشح الأنفس وتضيق، يسعى لمجاهدة نفسه، رغبة فيما عند الله -عز وجل- قال صلى الله عليه وسلم:
{إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم}[رواه أبو داود].
وهو يرغب في المنزلة الرفيعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
{ إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا...}[رواه الترمذي].
يمطر الخير مطرًا،، على من تفقد قلبه من الغل والحقد والحسد، فإذا الأمر قريب منه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :
{لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث} [رواه البخاري].
فبدأ يصلح قلبه ويطهره من تلك الأمراض التي قال فيها ابن سيرين: ما حسدت أحدًا على شيء من أمور الدنيا؛ لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة! وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار.
ويمطر الخير مطرًا،، على من جعل لسانه رطب من ذكر الله، حتى لكأنه يلهم الذكر، ألا ترى صاحب الشعر الماجن والغناء كيف يردد ما يحفظ في كل حين -والعياذ بالله-؟
أصحاب الخير أمطروا الخير ذكرًا، وتعظيمًا وتقديسًا لله -عز وجل- ولأسمائه وصفاته، قال صلى الله عليه وسلم :
{أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت} [رواه مسلم].


رد مع اقتباس


المفضلات