لا أحبّ المقدّمات ... لندخل في الموضوع ...
\\\\
كنت جالساً مع معلّميْ .. نتأمّل ...ظلام الليل والتعمّق في البحث عن المعاني الحقيقيّة ..مترفّعين عن كلّ ماديّ محسوس ...لم أدرِ لم تذكّرتُ الانتحار ...فسألتُ معلّمي ... - أعلم الإجابة .. ولكن كلماتِه الدقيقة .. البارعة في اختيار الألفاظ .. تعجبني - ...قلْتُ :لمَ يصِفون من يُقدم على الانتحار بأنّه جبان يستحقّ الشفقة .... ؟! ...
\\\\
فأجابني :" هُم يِفعَلُونَ كَمَا يَفعَلُ التَّاجِرُ المُبْتَدِئُ .. حِيْنَما يُرِيْد تَرْويْجَ بِضَاعَتِهِ ... قَائِلاً : خِلالَ سَنَوَاتِي الطَّويْلةُ فِي التِّجَارَةَ .. لَمْ أرَ أفضَلَ مِنْ هَذهِ القِطْعَة .. وَالأعْجَبُ مِنْه .. هُوَ مَنْ يُصدّقُ تُرّهَاتِهِ الفَاشِلةَ البَائِسَة "
\\\\
استغربت من كلامه .. فكلامه كأنّه ينفي ... أردْت الحديث .. ولكنّه قرأَ ما بداخلي وقال :"نَعَم .. نَعَم .. تَعَوَّدْ ألاّ تنْظُرَ للأمُوْرِ مِنْ مِنْظَارٍ وَاحِدٍ .. أوْ مِنْ خَارِجِهَا .. فَقَط ْ ... فَلَسْتَ أنْت .. إلاّ شَابٌّ .. لا بَأسَ بِجَمَالِهِ الخَارِجِيّ .. مَثَلُكَ ..كَمَثَلِ أيّ شَابٍّ .. وَلَكِنْ .. عِنْدَمَا أتَأمّلُ وأغُوْصُ فِيْ أعْمَاقِك لَرُبَّمَا أَرَى لُؤْلُؤْةً بَيْضَاءَ رَاْئِعَة ..."
\\\\
أخجلني كلامه .. ولكنني اعتدت على عدم مُقاطعته للقيام بالرسميات كشكره على مديحي ...لذا فقد تَابَع :
\\\\
"اسْمَع يَا مُحَمَّد نُوْر ... إذَا أَردْتَ وَلَو فِيْ لَحْظَةِ جُنُونٍ مُرْعِبَةً .. أنْ تُمسِكَ بِالسّكّيْنِ وأنْ تغْرُسَهَا فِيْ قَلْبِكَ بَيْنَ أحْشَاْئِكْ .. أَلَنْ تَتَرَدَّدَ .. كَثِيْرَاً .... ؟! ...حِيْنَهَا سَتُدْرِكُ .. أنّ كُلّ شَيْءٍ سَيَذْهّبُ هَبَاءً ... إلَى الأَبَدْ .....لِذَا مَنْ يَسْتَطِيْعُ أنْ يُقْدِمَ عَلَى خُطْوَةٍ كَهَذِهِ . ستَكُوْنُ لَهُ مِنَ الجُرْأةِ مَا يَلْزَمْ ليَكُونَ مَيّتّاً ....وَلكِنّهُ أحْمَقٌ .. لأنّهُ انْتَحَرَ هَربَاً مِنَ المَتَاعِبِ .. إلَى مَتَاعِبَ لمْ يُدْرِكْ خَطَرَهَا بَعْدُ .... فَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَهَنّم ... إلى الأبَدْ ...ومَاذَا يُمْكِنُ أنْ يَحْدُثَ أسْوَأُ مِنْ هَذَا ؟! ....وَلاَ أسْتَطيْعُ التَّعْلِيْقَ عَلَى المُلْحِدِ الّذيْ يَنْتَحِرْ ... فهُوَ يَهْرُبُ مِنْ حَياةٍ مُرّةٍ للغَايَة - ولو لم تكن كذلك لم يفعل - إِلىْ رَاحَةٍ أبَديّةَ .. حسْبَ اعتِقَادِه ...لذا لا تَتَسَرَّع وتَقُوْلَ بأنّ مَنْ ينْتَحِرُ .. هُوَ جَبانٌ .... بَلْ قُلْ :المُنَتِحِرْ هُوَ إنْسَانٌ جَبَانٌ شُجَاعْ ......"
\\\\
أذهلني كلامه للمرّة الألف ... نعم .. هذا هو مُعلّمي ....
المفضلات