[إبداع] (رواية توم جونز)-من ترجمتي-

[ شظايا أدبية ]


النتائج 1 إلى 20 من 26

العرض المتطور

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المـشـــاركــات
    56
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: رواية توم جونز تعود من جديد

    (7)

    حارس الطرائد وطائر الحجل





    مرّت الآن عدة سنوات كبر توم جونز و بليفيل حيث أظهر كل منهما طباعه الحقيقية .
    كان الاعتقاد السائد هو أن توم قد وُلد ليُشنق , إذ برهن على أنه لص , فقد سرق بطة وتفاحاً من إحدى المزارع كما سرق كرة من جيب بليفيل . لكن بليفيل الصغير هذا , كان مختلفاً تماماً , فقد كان هادئاً , وحسن السلوك بل كان أفضل من أي صبي في سنّه . لقد كسب حب كل من عرفه , بينما لم يكن لتوم جونز سوى صديق واحد هو حارس الطرائد الذي يعمل لدى السيد أولوورثي , وكانت مهمته تنحصر في منع الناس من صيد أو سرقة الطيور , كالحجل مثلاً , من أرض المالك وغابته. وكلن حارس الطرائد هذا يدعى بلاك جورج .

    في أحد الأيام , خرج توم جونز لصيد الطيور مع بلاك جورج على أرض السيد أولوورثي , وبينما هما هناك , طارت بعض طيور الحجل وحطت على بعض الشجيرات على مسافة مائتي أو ثلاثة مائة ياردة خارج أرض السيد أولوورثي . فقال توم لصديقه : " هيا ! اذهب وأطلق النار على أحدهما , وأنا أعدك أنني لن أخبر أحداً . لم يكن جورج يريد القيام بذلك لأنه كان يعلم أنه لو فعل فإن السيد أولوورثي سيغضب كثيراً ويطرده من منزله وعمله . ولكن توم وعده بأنه لن يخبر أحداً .
    كانت ملكية الأرض المجاورة لأرض السيد أولوورثي تعود لشخص يدعى السيد وسترن , وقد كان هذا السيد يمتطي جواده على مقربة من المكان الذي يقف فيه توم وصديقه , عندما سمع صوت طلقتين ناريتين , فتوجه نحو مصدر الصوت ليجد توم جونز هناك , فقد اختبأ حارس الطرائد بين الشجيرات.
    فتش السيد وسترن (( توم )) فوجد طائر الحجل. فذهب إلى السيد أولوورثي في منزله وقال له : " أنا أعرف أنه كان ثمة شخص آخر هناك لأنني سمعت طلقتين , ولكني لم أستطع العثور عليه " .
    قام السيد أولوورثي باستدعاء توم وعندما وصل قال : " ولكن الطيور يا سيدي قد طارت من أرضك أنت " .
    " من هو الشخص الذي كان برفقتك " ؟
    أجابه توم : " لا أحد . لقد كنت وحدي " .
    حضر حارس الطرائد بعد أن استدعاه السيد أولوورثي .
    ولأنه كان يثق بالوعد الذي قطعه توم فقد أكدّ : " لا لم أكن معه " . وقال السيد أولوورثي بعد ذلك مخاطباً توم : " سننتظر حتى صباح الغد , فإذا لم تخبرني حتى ذلك الوقت أضعك بتصرف السيد ثواكم " .
    كان السيد ثواكم هذا مسؤولاً عن تدريس الصبيين .
    وفي الصباح التالي تلقى توم ضرباً مبرحاً منه , ومع ذلك رفض البوح باسم من كان معه . فأغضب هذا السيد ثواكم كثيراً وأخذ يضرب توم بشدة جعلت السيد أولوورثي يبدأ في الظن بأن السيد وسترن قد يكون مخطئاً .
    وقام باستدعاء توم وقال له : " أظن أنني قد ظلمتك , وقد نلت عقاباً لا تستحقه " . ثم أعطاه حصاناً صغيراً.
    فصاح توم : " أه يا سيدي , إنك طيب جداً معي " . وكاد أن يبوح بالسر , إلا أنه فكر بما قد يحدث لبلاك جورج وعائلته , فبقي صامتاً .
    ولكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد , فقد حدث شجار بين توم و بليفيل الصغير سببه أن بليفيل الصغير دعا توم بـ "اللقيط الحقير " , فضربه توم على أنفه . إن اللقيط هو الطفل المجهول الأبوين , ومن الفظاعة أن ندعو أي أحد بهذا اللقب.
    ذهب بليفيل إلى السيد أولوورثي و ثواكم والدم يسيل من أنفه والدموع تنهمر من عينيه وقال : " إن توم جونز هو الذي فعل هذا بي " .
    فسأله السيد أولوورثي : " لماذا فعلت هذا يا توم " ؟
    " فعلت هذا لأنه دعاني باللقيط الحقير ".
    فقال بليفيل : " هذا كذب ! فأنا لا اسمح لألفاظ كهذه أن تخرج من فمي " .
    " ولكنه فعل " , قال توم .
    فأجابه بليفيل : " إن من يكذب مرة يمكنه أن يفعل ذلك بسهولة مرة أخرى : .
    " أيّ كذب " ؟ سأله السيد ثواكم .
    " لقد قال أنه وحده عندما قتل طائر الحجل . ولكنه اعترف لي أن بلاك جورج كان معه , وجعلني أعده بعدم البوح بالسر " .
    " هل هذا صحيح " ؟ سأله السيد أولوورثي .
    فقال توم : " لقد رجاني بلاك جورج ألاَّ أدخل أرض السيد وسترن , ولكني أنا الذي دفعته إلى الدخول ووعدته بألا أخبر أحداً بالأمر لأنه كان يخشى أن تطرده وبذلك يفقد عمله وبيته . أرجوك يا سيد أولوورثي أن ترأف بحال عائلة هذا الرجل المسكين . خذ حصاني , ولكن أرجوك أن تصفح عن جورج المسكين " .
    كان على السيد أولوورثي الآن أن يصدر حكمه : " يجب أن يكافأ توم , لا أن يعاقب , لأنه حافظ على وعده . كما يجب ألا يعاقب لضربه بليفيل لأن بليفيل لم يفِ بوعده لتوم . أما حارس الطرائد فيجب أن يعاقب لأنه ترك توم يتلقى ذلك الضرب المبرح بينما كان بإمكانه أن يعترف بالحقيقة وينجيه من العقاب " . وهكذا فقد بلاك جورج عمله كحارس للطرائد .
    وأخذ الخدم والناس في القرية يرددون : " إن بليفيل صبي صغير وشقي ومخلوق كريه , بينما توم إنسان شجاع وصادق " . لم يكن بلاك جورج محبوباً لديهم . ولكنهم كانوا يشفقون عليه .
    كان السيد أولوورثي قد أمر ثواكم أن يعدل بين الصبيين , إلا أن المعلم كان يعامل بليفيل بلطف ورقة شديدين , بينما يعامل توم بخشونة وقسوة . وذلك لأن الأول كان يُظهر له الاحترام دوماً , كما كان يذكر ويكرر أفكار ثواكم الدينية وكان هذا ينمّ عن حكمة تدعو إلى الدهشة بالمقارنة مع كل من هم في سنّه .
    أمّا توم جونز فلم يظهر أي احترام لأستاذه , وكان في أغلب الأحيان ينسى نزع قبعته أمامه . لقد كان فتى مرحاً لا مبالياً , يضحك على بليفيل ويسخر من سلوكه الرزين .


    (8)

    الحصان الصغير وانجيل




    كان يعيش في منزل السيد أولوورثي رجل يدعى السيد سكوير .لم يكن ذكياً جداً , ولكنه طوّر نفسه بدراسة أعمال أفلاطون وأرسطو , الكاتبين الإغريقيين العظيمين . وكان يختلف كثيراً عن السيد ثواكم فيما يتعلق بآرائهما حول الطبيعة البشرية . فقد كان الأول يعتقد أن الإنسان طيّب بطبعه وأن ارتكاب الخطأ أمر غير طبيعي , مثله مثل المرض في الجسم الطبيعي . أما الآخر فاعتقاده هو أن الإنسان شرير بطبعه , وأن التدين وحده يطهر نفسه وينقي قلبه .

    بعد وفاة الكابتن بليفيل , استقطبت أرملته اهتمام هذين الرجلين , وأخذ كل منهما يغتنم كل فرصة لكسب رضاها من خلال معاملة ابنها بلطف وتفضيله على الصبي الآخر . كانت السيدة بليفيل تعي نواياهما تماماً , ولم تكن تنوي الزواج مرة ثانية ولكنها كانت تسلي نفسها بإظهار اللطف لأحدهما تارة وللآخر تارة أخرى . وقد أدّى هذا إلى نشوء الكراهية بينهما . إلا أنهما كانا مخطئين في معاملتهما المختلفة لكل من الغلامين , إذ أن السيدة بليفيل كانت تكره زوجها وبالتالي فهي لم تكنّ حباً كبيراً لأبنه . وفي الواقع كانت نادراً ما تراه أو ترعاه
    لقد كبر توم الآن وأصبح في الثامنة عشرة من عمره وأخذت تظهر عليه علامات الشجاعة والأخلاق الرفيعة التي تثير إعجاب جميع النساء . وقد وجدت السيدة بليفيل نفسها تحبه أكثر مما تحب أبنها بكثير , وكانت تبدوا سعيدة جداً في صحبته حتى أن الناس بدؤوا يتكلمون عن ذلك . وقد زاد هذا من كراهية كل من ثواكم و سكوير لتوم .
    كان السيد أولوورثي قد أعطى توم حصاناً صغيراً , فاحتفظ به توم مدة ستة أشهر تقريباً ثم أخذه إلى المدينة وباعه هناك .
    سأل ثواكم توم : " ماذا فعلت بالمال الذي حصلت عليه من بيع الحصان " ؟
    " لن أخبرك " أجابه توم .
    " ألن تفعل ؟ حسناً , سأضربك حتى تخبرني " .
    وفيما كان ينهال عليه بالضرب , دخل السيد أولوورثي إلى الغرفة , فأخذ توم إلى غرفة أخرى وطرح عليه السؤال ذاته .
    فأجابه توم : " آه يا سيدي , لو أن الحصان الصغير يستطيع الكلام لأخبرك كم كنتُ مولعاً به . لقد حزنت كثيراً لفراقه , ولكنني أعتقد أنك كنت ستفعل الشيء نفسه في حالة كهذه , إذ لا يوجد من هو أكثر تعاسة منهم " .
    " أكثر تعاسة مِنْ مَنْ " ؟ سأله السيد أولوورثي .
    " مِن حارس الطرائد المسكين وعائلته الكبيرة , إذ لم يكن لديهم طعام ولا كساء وأنا أعلم أنها غلطتي . أنا كنت سبب تعاستهم " , ثم بدأ يبكي وهو يقول : " لقد بعت الحصان الصغير الذي أعطيتني إياه لأنقذهم من الهلاك " .
    وقف السيد أولوورثي صامتاً وقد امتلأت عيناه بالدموع , ثم قال : " كان عليك أن تطلب مني مساعدتهم " .
    بعد فترة قصيرة اكتشف ثواكم أن توم قد باع إنجيلاً جميلاً كان السيد أولوورثي قد أعطاه إليه , كما أنه كان قد أعطى إنجيلاً آخر إلى بليفيل . وقد باع توم إنجيله إلى بليفيل الذي كان يقرأ فيه باستمرار ويسأل ثواكم أن يفسر له بعض الكلمات التي فيه . ولاحظ ثواكم اسم توم مكتوباً عليه , فسأله : " من أين حصلت على هذا الإنجيل ؟ " .
    فأجاب بليفيل : " لقد باعني إياه توم " . فقام ثواكم بضرب توم على الفور ثم أخبر السيد أولوورثي بالأمر , فكان ردّه : " حسناً , ما دام الصبي قد نال عقابه فلا حاجة بي لقول المزيد " .
    في إحدى الأمسيات , وبينما كان السيد أولوورثي يمشي مع توم وبليفيل خارج المنزل , أخذه توم إلى المنزل الذي يعيش فيه بلاك جورج وعائلته .
    قدّم السيد أولوورثي لهم بعض المال فقالت له المرأة : " إننا لا نملك من الطعام والملابس سوى ما أعطانا إياه توم جونز " . وكان توم قد أعطاهم المال الذي حصل عليه من بيع الحصان والإنجيل بالإضافة إلى أشياء أخرى .
    قال السيد أولوورثي : " لقد عانى هذا الرجل ما فيه الكفاية من جرّاء ما مضى , لذلك فإنني سأسامحه وأجد طريقة ما لإعالته هو وأسرته " . ولكن لم يكن بليفيل سعيداً بما كان يحدث .
    عندما فقد بلاك جورج عمله عند السيد أولوورثي , وقبل أن يقوم توم بمساعدته , كان يشكو من وطأة الجوع . لقد رأى ذات مرة أرنباً برياً في حقل من حقول السيد وسترن , فضربه على رأسه وباعه لرجل في المدينة , ولكن هذا الرجل أخبر السيد وسترون بالأمر .
    علم بليفيل بما حدث وأخبر السيد أولوورثي قائلاً : " إن بلاك جورج يصطاد الأرانب البرية في أرض السيد وسترن " . فغضب السيد أولوورثي من هذا كثيراً وقال لتوم : " إن لديّ الآن سبباً جديداً يجعلني أغضب من حارس الطرائد , لن أفعل أي شيء لمساعدته هو أو عائلته , لا تحدثني بأمره مرة أخرى . فقد خالف القانون , ولا يبدو أن هناك ما يردعه عن ذلك ".
    كانت أواصر الصداقة قد توطدت بين توم والسيد وسترن الذي كان كثيراً ما يدعوه للعشاء . وكان السيد وسترن خشناً وفظّاً بقدر ما كان السيد أولوورثي رقيقاً ومهذباً ؛ وقد أحب توم لشجاعته , فسمح له باستخدام كلابه وبنادقه وجياده . ولذلك قرر توم الاستفادة من هذا الفضل الذي يلقاه من السيد وسترن لمساعدة صديقه بلاك جورج .



    (9)

    صوفيا وسترن



    كانت صوفيا هي الابنة الوحيدة للإقطاعي وسترن . قامتها تميل إلى الطول , شعرها طويل وعيناها سوداوان براقتان , شفتاها قرمزيتان وبشرتها ناصعة البياض . لقد كانت في الواقع فتاة لطيفة وجميلة جداً . وكان السيد وسترن يحبها أكثر من أي شيء آخر , ولكن حبه لها لم يكن بالطبع يفوق حبه لكلابه وجياده وبندقيته.
    كانت صوفيا تكره بليفيل , وقد بدأت هذه الكراهية منذ زمن . وكان السيد أولوورثي وعائلته يزورون السيد وسترن كثيراً . وذات مرة ذهبوا لتناول طعام الغداء في منزله . كانت صوفيا عندئذ في الرابعة عشر من عمرها , وكان لديها طائر صغير عزيز على قلبها كثيراً , علمته الغناء والوقوف على إصبعها , ولكنها كانت تبقي رجله مربوطة بخيط حتى لا يطير بعيداً ويضيع. عندما رأى بليفيل مدى تعلقها بطائرها قال لها : " أرجو أن تدعيني أمسكه قليلاً " , فسألته صوفيا : " هل ستحرص عليه "؟
    وما إن أمسك بليفيل به حتى نزع الخيط من رجله ورماه في الهواء , فطار وحط على إحدى الأشجار .
    وصاحت صوفيا ط أوه , لقد طار طائري الصغير وذهب بعيداً " .
    سمع توم صوتها , فجاء يجري إلى حيث كانت تقف , وسرعان ما خلع معطفه وتسلق الشجرة , وكاد أن يمسك بالطائر لولا انكسار الغصن الذي كان يقف عليه وسقوطه في الجدول .
    أخذت صوفيا تصرخ : " أنقذوه! أنقذوه ! لقد وقع توم المسكين في الجدول " , فخرج الآخرون من المنزل وجاؤوا يركضون , وكان توم في هذه الأثناء قد وصل إلى الضفة بأمان ولكنه كان مبللاً يرتجف من البرد .
    بدأ ثواكم على الفور بتوجيه اللوم إلى توم , إلا أن السيد أولوورثي نظر إلى بليفيل وقال : " ما سبب كل هذا ".
    فأجاب بليفيل : " في الحقيقة , إنني آسف جداً لما فعلت يا خالي . فقد كان طائر الآنسة صوفيا في يدي , وتصورت أنه يريد أن يكون حراً , فأعطيته ما أراد , إلا أنني لم أتخيل أنها ستحزن إلى هذا الحد كما أنني لم أتوقع ما سيحصل له " .
    عندما تسلق توم الشجرة ووقع في الماء , طار العصفور فانقض عليه طائر كبير وحمله بعيداً , فأخذت صوفيا المسكينة تنتحب بصوت عالٍ. فوعدها السيد أولوورثي بأن يعطيها عصفوراً آخر , ولكنها قالت : " لا , لا يمكنني أن أقتني غيره أبداً " .
    فقال لها السيد وسترن : " ينبغي ألا تبكي على طائر تافه كهذا , ولو أن بليفيل هذا ابني لأشبعت مؤخرته ضرباً بعصاي هذه " .
    بعد ذلك ذهبت صوفيا للعيش في لندن مع عمتها الآنسة وسترن مدة ثلاث سنوات , ولكنها لم تنس توم , ولم تنس كراهيتها لبليفيل .


    (10)

    توم جونز يطلب معروفاً




    عندما عادت صوفيا من لندن كانت قد بلغت الثامنة عسر من عمرها , فجعلها السيد وسترن مسؤولة عن منزله , وأخذت تترأس مائدته , فقد أصبحت سيدة منزل .
    كانت عودتها بعد أيام قليلة من حادثة طائر الحجل . ذهبت وعمتها لتناول الغداء غي منزل السيد أولوورثي , وهناك سمعت قصة الحجل بكاملها .
    وفي تلك الليلة , بينما كانت خادمتها السيدة أونور تساعدها على خلع ملابسها , قالت لها : " أعتقد أنك قد رأيت الفتة بليفيل اليوم " ؟
    فأجابتها صوفيا بغضب : " إنني أكره سماع اسم بليفيل هذا . إنه شخص منحط وكاذب ومخادع " . وبعد ذلك سردت الحكاية كلها على خادمتها ثم قالت : " ألا تعتقدين أن توم فتى نبيل " ؟
    كان توم آنذاك في العشرين من عمره , وقد أصبح صديقاً حميماً للإقطاعي وسترن . كما كان معروفاً بين نساء المنطقة بتهذيبه ولطفه الشديدين , وربما كان يعامل صوفيا باحترام أكثر من غيرها بسبب جمالها وثروتها وحسها المرهف ولطفها , ولكنه لم يكن يفكر في كسب ودها أو إظهار الحب لها .
    كانت صوفيا تبدوا أكثر سعادة وإشراقاً حينما تكون بصحبته . ولكن لم يبد أن أياً من توم أو السيد وسترن قد لاحظ ذلك .
    في إحدى الأمسيات وجد توم صوفيا وحدها فقال لها بكل جدية : " أود أن أطلب منك معروفاًَ كبيراً " . لم يكن هناك سبب يدعوها للاعتقاد بأنه ينوي مغازلتها , ولكنها ما أن سمعت كلماته هذه حتى شحب لون وجنتيها ثم همست : " ماذا يا توم " ؟.
    " أريد أن أطلب منك أن تفعلي شيئاً من أجل حارس الطرائد , فالسيد وسترن يهمّ برفع دعوة قضائية ضده لأنه قتل أرنباً برياً . هذا الأمر سيودي به وبعائلته " .
    فابتسمت صوفيا ابتسامة عذبة : " أهذا هو المعروف الكبير الذي طلبته بكل تلك اللهجة الجدية ؟ سأفعل ما طلبت بكل سرور فأنا أشفق حقاً على ذلك المسكين , وقد أرسلت بعض المال والملابس لزوجته البارحة " .
    عند ذلك سأل توم : " هل يمكنك الطلب من والدك أن يجد له عملاً عنده ؟ إنه حقاً إنسان مخلص جداً . ووالدك بحاجة لحارس طرائد " .
    فأجابت : " سأحاول , لا أستطيع أن أعد بالكثير ولكنني سأفعل ما بوسعي , فأنا حقاً آسفة على ما حصل لهذا المسكين وعائلته . والآن يا سيد جونز , سأطلب منك معروفاً ".
    وصاح توم : " معروفاً " ! ثم تابع قائلاً : " يسعدني أن أتلقى أية أوامر منك , وأقسم بأني أضحي بحياتي في سبيل مساعدتك " . وأمسك بيدها وقبّلها , فعاد الدم الذي فارق وجنتيها منذ قليل على التدفق بعنفوان محولاً لون وجهها وعنقها إلى الأحمر القاني , واعترتها مشاعر لم تألفها من قبل .وربما كان القارئ يستطيع تخمين ماهية تلك المشاعر .
    وأخيراً قالت له : " أرجو ألا تقود أبي إلى الكثير من المخاطر أثناء الصيد " . فوعدها توم بتنفيذ طلبها .
    كان السيد وسترن يحب الاستماع إلى ابنته وهي تعزف بعض الأنغام بعد تناول الغداء . وكانت صوفيا تحب عزف المقطوعات الجيدة لموسيقيين كبار مثل هاندل , إلا أن والدها كان يريد دوماً سماع معزوفاته المفضلة مثل " أولد سير سايمون – Old Sir Simon " و " جمبينغ جوان – Jumping Joan " وغيرها.
    في هذا المساء عزفت صوفيا له جميع معزوفاته المفضلة ثلاث مرات فسُر لهذا كثيراً وقام من مقعده ليقبّلها . عندئذ طلبت منه أن يفعل شيئاً من أجل حارس الطرائد , فقال لها : " إذا عزفت لي أولد سير سايمون مرة أخرى سأفعل ما تطلبين " .
    في الصباح التالي ذكّرته بوعده لها , فأرسل في طلب محاميه وأمره بوقف الدعوى ضد بلاك جورج .
    غضب بليفيل كثيراً لدى سماعه هذه الأنباء , وقال : " إن بلاك جورج شخص سيء , وليس هناك مبرر لمساعدة شخص كهذا . والسيد أولوورثي سيستاء لهذا كثيراً " . وشاركه الرأي كل من ثواكم وسكوير إلا أن السيد أولوورثي قال : " إنني مسرور بما قام به توم من عمل جيد . فعلى الإنسان أن يقف إلى جانب أصدقائه في أوقات ضيقهم " .



    (11)

    مولي سيغريم




    قد يعجب القارئ من سلوك توم تجاه صوفيا , فقد كانت فتاة ثرية وجميلة ولطيفة جداً , كما أنها كانت تحبه كثيراً . كان توم معجباً بجمالها ورقة طبعها , إلا أن الأمر لم يتعد هذه الحدود , إذ أنها لم تمس شفاف قلبه ولم يقع في حبها . فما هو السبب يا ترى ؟ في الواقع كانت هناك امرأة أخرى هي التي امتلكت قلبه . لقد كان توم يحب امرأة أخرى .
    كان الاسم الحقيقي لبلاك جورج هو جورج سيغريم . وقد كانت عائلته تتألف من زوجته وخمسة أطفال , ومولي هي ثانيتهم . وكانت من أجمل الفتيات في المنطقة كلها وعندما بلغت السادسة عشر كان توم في التاسعة عشر من عمره وبدأ عندئذٍ بالتطلع عليها , ولكنه تدارك نفسه معتقداً أنه من الفظاعة أن يظهر لها الحب ووالدها يعتبر صديقاً له , ولذلك فقد قرر ضبط مشاعره , فلم يذهب إلى منزل آل سيغريم أو ير ابنتهم أشهراً ثلاثة .
    كانت مولي فتاة مهذبة إلا أنها كانت جريئة ومقدامة جداً . فكلما كان توم يحاول التراجع والابتعاد عنها أكثر ,كانت هي تندفع نحوه أكثر . ظلت مولي تلقي بنفسها في طريقه حتى حصلت على ما كانت ترغب فيه بعد فترة قصيرة . وظن توم أنه قد فاز بها ولكن الحقيقة أنها هي التي فازت به . كان يعتقد أنه قد يتسبب في مشاكل جمّة لهذه الفتاة المسكينة , وكان يشعر بالأسى والأسف من أجلها ,إلا أنه كان لا يزال يريدها . فإذا ما أخذنا هذين الشعورين المختلفين معاً , أمكننا أن ندعوهما " الحب ".
    وهذا يفسر سلوك توم تجاه صوفيا . إذ لم يكن بإمكانه أن يترك فتاته مولي وهي على تلك الحال من البؤس وعدم الحيلة . وفي الوقت ذاته كان عليه أن يكون صادقاً مع صوفيا .
    كانت صوفيا قد أرسلت فستاناً جميلاً إلى السيدة سيغريم , فقامت هذه الأخيرة بإعطائه لمولي عندما لاحظت التغير الذي طرأ على شكل جسمها . فقد كان الفستان يخفي معلم هذا التغيير . لبست مولي الفستان ووضعت على رأسها قبعة جميلة جداً وذهبت إلى الكنيسة مسرورة بمظهرها . وهناك أخذ الناس يتهامسون فيما بينهم متسائلين عمن تكون هذه الفتاة . وعندما عرفوا الحقيقة جعلوا يضحكون ويسخرون . وانزعج السيد أولوورثي كثيراً من صدور تصرف كهذا في الكنيسة .
    كانت صوفيا موجودة هناك أيضاً , وقد سرّت بجمال الفتاة ولكنها شعرت بالأسف عليها بسبب الطريقة الساذجة التي ارتدت بها ملابسها والتي جعلت أهل القرية يسخرون منها .
    وعندما وصلت صوفيا إلى المنزل أرسلت في طلب حارس الطرائد . ولدى حضوره بادرته قائلة : " سأجعل مولي خادمة لي " .
    وكان سيغريم المسكين يعلم بتغير شكل مولي فلم يدر ما يقول ولكنه في نهاية الأمر قال لصوفيا : " إنها لن تكون ذات نفع لك , فهي لا تعرف شيئاً عن هذا العمل إذ أنها لم تعمل في خدمة أحد من قبل قط " .
    فأجابته صوفيا : " ستتحسن . أن الفتاة تعجبني وقد قررت أن أجربها " .
    عندما خرجت مولي من الكنيسة تبعتها نساء القرية وأخذن يقذفنها بالأقذار , فاستدارت لترد هجومهن , واندلعت معركة حامية في فناء الكنيسة .؟ أخذت مولي ترمي الحجارة عليهن فأصابت رجلاً يدعى جيمي تويدل في مؤخرة رأسه . كان الجميع يهاجمونها من كل الجهات , فتمزقت ملابسها وتلطخت بالطين . وفي تلك اللحظة ذاتها مرّ كل من السيد سكوير وبليفيل وتوم جونز وهم على جيادهم . وقفز آخرهم من فوق السور وأنقذ مولي . ثم أركبها على جواده وأخذها إلى منزلها إلى كوخ آل سيغريم .



    وبعد ذلك بقليل عاد بلاك جورج من زيارته لصوفيا , وقال لابنته : " كيف عساي أجيب السيدة وأنت على هذا الشكل " ؟ .
    وبعد حديث طويل تقرر أن تذهب السيدة سيغريم إلى الآنسة وسترن وتحاول إقناعها بأن تستعيض عن مولي بأختها الكبرى . ولكن الحظ كان عدو هذه الأسرة البائسة , فما كانوا يرمون إليه لم يحدث قط .
    في صباح اليوم التالي ذهب توم مع السيد وسترن إلى الصيد , فدعاه هذا الأخير إلى الغداء . كانت صوفيا في ذلك اليوم مشرقة وفاتنة جداً إلى حد أنها سحرت توم بجمالها .
    وكان السيد سابل أيضاً , وهو القس في كنيسة السيد أولوورثي , مدعواً إلى الغداء في منزل السيد وسترن .
    قال السيد سابل مخاطباً صوفيا : " عندي بعض الأخبار لك يا آنسة صوفيا . أعتقد أنك رأيت شابة ترتدي أحد فساتينك في الكنيسة البارحة ز إنها ابنه حارس الطرائد بلاك جورج . وقد سخر الناس منها أثناء القداس , ثم نشب شجار في فناء الكنيسة وأثناء الشجار رمت حجراً أصاب جيمي تويدل فاشتكاها لسيد أولوورثي الذي أمر بإحضارها , وكان يمكن أن يبعدها بعد أن ينذرها , ولكن تبين له أنها تنتظر مولوداً . وقد سألها السيد أولوورثي عن هوية الوالد فرفضت الإجابة , فقرر السيد أولوورثي إرسالها إلى الإصلاحية (( وهي نوع من أنواع السجون ترسل إليه الفتيات من هذا النوع حتى ينلن عقابهن ويتعلمن كيفية التصرف بصورة أفضل في المستقبل )) .
    قال له السيد وسترن : " هل هذه كل أخبارك ؟ مجرد فتاة تنتظر مولود ؟ " .
    فأجابه السيد سابل : " إنها غير متزوجة " .
    " نعم أعرف ذلك " قال السيد وسترن وتابع قائلاً : " هيا توم اشرب النبيذ الذي في كأسك واملأها ثانية " .
    ولكن توم نهض عن الطاولة وقال : " إنني آسف يا سيدي , يجب أن أغادر حالاً إذ أن عملاً هاماً يجب القيام به " . ثم أسرع خارجاً .
    فقال السيد وسترن : " اللعنة عليه . أستطيع أن أخمن ما هو عمله . لابد أن توم هو والد الطفل , لقد طلب مني أن أساعد والد الفتاة . نعم توم هو الأب " .
    قال السيد سابل : " إنني آسف لهذا " .
    " لماذا أنت آسف " ؟ .
    " أخشى أن يسيء إليه هذا في نظر السيد أولوورثي .
    " يسيء إليه في نظر أولوورثي ؟ إن أولوورثي نفسه يحب إحدى الفتيات . ألا يدري الجميع ابن من يكون توم ؟ إنني أذكر السيد أولوورثي عندما كنا في الكلية . فقد كان لكل منا العديد من المغامرات مع الفتيات حينئذ . اطمئن , لن يؤثر هذا على علاقة توم بأولوورثي . اسأل صوفيا . إن شيئاً كهذا لا يجعل رأيك بشاب ما أسوأ أليس كذلك يا فتاتي " ؟ .
    كان هذا السؤال قاسياً على صوفيا المسكينة , لقد لاحظت تغير لون وجه توم لدى سماعه قصة السيد سابل , ورأته وهو يغادر فجأة . فقامت ثم غادرت الغرفة .
    بعد تناول الغداء , أخذ السيد وسترن قيلولة لمدة نصف ساعة , ثم طلب من ابنته أن تعزف له بعض الموسيقى . فاعتذرت منه قائلة : " اعذرني أرجوك , إذ أنني أعاني من الصداع . وأرجو أن تسمح لي بالتغيب عن العشاء " .
    كان توم قد ركب إحدى جياد السيد وسترن, لذا وجب عليه أن يعود إلى المنزل سيراً على الأقدام . فقطع الطريق بطوله عدواً , وفي اللحظة التي وصل فيها إلى بوابة منزل السيد أولوورثي رأى الشرطي وهو يخرج آخذاً مولي إلى الإصلاحية . كانت هذه الإصلاحيات أماكن سيئة جداً , ضررها بالفتيات أكثر من نفعها لهن ......
    وأخذ توم مولي بين ذراعيه وقال : " سأقتل أول رجل يلمسها " . ثم وجه حديثه إلى مولي قائلاً :
    " لا تخافي , سأذهب معك أينما ذهبت " . وتابع حديثه مع الشرطي : " تعال معي إلى والدي , وأنا متأكد من أنه سيطلق سراح الفتاة عندما يستمع إلى ما سأقوله " . وقد دعا توم السيد أولوورثي بـ (( والدي )) حتى يرغم الشرطي على طاعته . وعندما دخلوا إلى منزل السيد أولوورثي , بحث توم عنه حتى وجده ورمى بنفسه عند قدميه قائلاً : " أتوسل إليك أن تصبر عليّ وتسمعني . أنا والد طفل مولي . إنني أرجوك أن تشفق على الفتاة المسكينة . وإذا كان هناك أحد يقع عليه أي ذنب فهو أنا . إنه ذنبي . فلا ترسلها إلى مكان سيدمرها بالتأكيد " .
    لم يكن ما قاله السيد وسترن عن السيد أولوورثي صحيحاً . إذا أن هذا الأخير لم يذهب إلى الكلية قط , وكان ينزعج كثيراً من سلوك الآخرين المتهتك . وقد غضب من تصرف توم مع مولي ولكنه سر بقول توم الحقيقة واعترافه بالذنب . كان اعتراف توم في كل من مسألة طير الحجل والحصان والإنجيل قد أسعد السيد أولوورثي .والآن في هذه الحادثة اعترف توم بخطئه مرة أخرى . لذلك أمر السيد أولوورثي الشرطي بإطلاق سراح مولي .
    التعديل الأخير تم بواسطة مضر ; 26-6-2007 الساعة 08:07 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...