بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وسطَ الزحامِ
إشارتُ المرورِ لا تَهدأُ،
تضيء وتنطفئ.. وتنير ثلاثةً وتخبو واحدةً واحدةً.. لا ترتاحُ البتة!
طفلٌ متسخ يتنقلُ بين زجاج سيارةٍ واقفة منتظرةٍ وزجاجٍ آخر، رُبما يكونُ أكثرَ لمعاناً ، وربما يكونُ أكثر دفئاً.
تعتليه ملامحُ رجاءٍ، يفترضُ ردَّها بشفقةٍ
لكن،
هو لن ينتظر،
بل سيمضي إن لم تكنْ الشفقة جاهزة مباشرةً.
* * *
وسطَ الزحامِ،
سقطتْ قطعةُ حلوى من طفلٍ على بداية الرصيفِ،
فاشتمت نملةٌ العسلَ
ونادتْ، أيا قومُ.. هلموا اجمعوا الرزقَ
ودارتْ في دوائر، فجاءت النملاتُ على استحياءٍ
كيفَ نخرجُ في وضحِ النهار، ووسطَ الزحامِ..
هناكُ مركباتٌ فضائيةٌ كثيرة، ماذا لو أُبدنا في مجزرة؟!
.. لن نحصل على العسل
نموتُ أو العسل
هذا هو السؤال
نموتُ أو نموتُ
هذا هو السؤال الصحيح
نموتُ في كلا الحالتين
نموتُ إن لم نجرّب،
* * *
وسطَ الزحامِ،
ومطرٌ شديد.. ولا رؤيةٌ واضحة
دوك دوك دوكا، دوك دوك دوكا
بكعبِ حذائها العالي طقطقت الأرضَ وخرجتْ
مطلقةً خصلاتها الطوال للريحِ
وعلى أنغامِ المطر فردت يديها هازةً كتفيها
ترقص!
نادوا عليها "أيّ مجنونة" "ماذا دهاكِ" "أورثتِ شيئاً من الهنود الحمر؟!" " أم هي طقوس الجنون؟!" "ستموتين في لحظةٍ عابرة، عودي!"
فضربتْ الأرضَ بطول كعبها، وصرخت
"لا تقتلوني بحياتكم، إنها حياتي
فلأرقص خيبتي، على أنغامِ المطر المتناثرة ولتدهسني سياراتكم.. فهنا تنتهي رقصتي.. تحتَ المطر"،
* * *
وسطَ الزحامِ،
راقبَ خطَّ السياراتِ الطويل، وتنهد طويلاً
ربتت عليه يد راكبُ المقدمة،
.. لاشيء
فلستُ كباقي السائقين، همومي خزينتي وحدي!
-أتعرفني ؟
-لا
-أعرفُك؟
-لا أعرفْ!
-إذاً.. أنا غريب.. وحديثُ الغرباء ينتهي حالما.. يرحلون
-...
أرادَ تحريك شفتيه، لكنّ خط السيارات تحرك، فحركَ قدميه وداس على الوقود أي امضِ.. فلم يتكلم شيئاً قط، وذاك توقفَ عند أول منعطف، وخرجْ،
* * *
وسط الزحامِ،
فوق،
في الأعلى.. حيثُ لا تراه.. ينام على رأسك، ويتلحفُ شعرك
مشغولٌ وغير مشغول،
مرتاحٌ وغير مرتاح،
حيثما سار به المزاجُ.. رسى
وفجأةً دونَ سابقِ إنذار، يصرخ، ينتفض، يشتعل،
هناكَ آلااااااااااااااااف الأفكارِ
حشدتْ سيوفها ومتارسيها.. للقتالِ فيما بينها
حشدٌ مهول من الأفكار في وجهِ حشدٍ آخر،
والخاسر-،
يموتُ من رهقِ التفكير
يموتُ من حساباتٍ وهمية لا طائل منها
لا تنتهي،
فيه يعرفُ نفسه.. ويخسرها، أو يعرفها ولا يتذكرها..
ذاكرةٌ خالية.. من المفرادتِ الثقيلة،
ذاكرةُ معطوبةٌ من البيانات المفيدة،
وذاكرةٌ أكل عليها الزمن وشربَ مخدراً ونام،
وذاكرةٌ
تفكر بكل صغيرة ولا كبيرة.. فهو
غارقٌ وسطَ الزحامِ، البعيد عن حشد البشر، النمل، القطط، الشجر، السيارات..
فارحمْ
قلباً تعبَ
وخذه لمكانٍ بعيدٍ عن الزحام،
أيها الغبيّ
الذي لا يفهم
يومٌ متعبٌ جديد
13/1/2013
المفضلات