يا أهلاً وسهلاً بالكاتبة الجميلة غصن البان , كم تمنيت لو حظيت بالرد الأول !
ولكن للأسف , كتب لي - لأسباب مختلفة - أن أكون بهذا التأخر
كبرا معًا... عاشا كلّ تفاصيل حياتهما معًا، أحبّا بعضهما أكثر من أي شيء، فهي لم تعرف قطّ غيره رجلًا ولا ترى الحياة بدونه، وهو لم يعرف ولم يحبّ فتاةً غيرها، كانا يكمّلان بعضهما، كان هو الصديق، الأب، الأخ، الرجل اللذي تحتاجه هي، وهي كانت الأم والصديقة والأخت اللطيفة، اللتي مهما بدت معالم الضعف وقلة الحيلة والجوع عليها، إلا أنها غاية في الرقة في تعاملها معه.
وربّ ضارّة نافعة , ففقدهما لأبويهما جعل علاقتهما مترابطة وقوية , وأصبحت الأدوار التي يقومون بها أكبر من عمرهما , وأكثر من مجرد إخوة ..
تألّما معًا كثيرًا، لكنهما فرحا أكثر، كانت ا لحياة بالنسبة لكل واحدِ منهما هي الطرف الآخر، يستيقطان معًا قبل بزوغ الفجر بقليل، يغسلان وجهيهما ويتبادلان أطراف الحديث، أحيانًا يتابعون حديث الأمس، وأحيانًا يفتحون موضوعًا جديدًا... يصلّيان الفجر وينطلقان للعمل، تذهب هي إلى سيدة عجوز تسكن على بعد عدة أميال من منزلهما، كانت تلك السيدة ميسورة الحال، تقطن منزلًا قد يصنّف على أنه كبيرٌ -بعض الشيء- بالنسبة إلى امرأةٍ واحدةٍ تعيش فيه، تساعدها على التنظيف والترتيب والخياطة وتسلّيها إلى غروبِ الشمس، ثم تقبض منها أجرها، ويختلف أجرها من يومٍ إلى آخر، فمرة تأخذ طعامًا، ومرة مبلغًا من المال، ومرة ملابس لها ولأخيها اللذ يبدأ يصبح رجلًا...
أبلغتِ الوصف هنا ..
يمكنني تخيل كم عانوا كثيرًا : (
بعد عدّة أيّام، وجدت ورقةً أسفل الباب، مهترئةً بعض الشيء، تحمل رائحته، هرعت إليها وحملتها، احتضنتها وقبّلتها قبل كل شيء، ثم فتحتها، قرأت شيئًا أدمى قلبها، مكتوبٌ بيدٍ بدا لها أنها كانت ترتجف، وقلمٌ باهتٌ جدًّا:
"بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الحبيبة، لا يسعدني أنكِ استيقظت ولمتجديني معكِ، ولا تحسبي ذلك عليّ هينًا، لقد كنت أبكي لوحدي كل يوم لأنني كنت على علمٍ بقدوم هذا اليوم لا محالة.
أختي الصغيرة، قد لا تستوعبي ذلك، لكنني مضطرٌ للابتعاد عنكِ، سآزوركِ أو أوافيكِ بأخباري كلّما سنحت لي الفرصة.
أحبكِ"
والمؤلم أكثر: أنّه لم يخبرها سبب رحيله !
وأكثر ما يمزّق القلب – غير الوداع نفسه- هو عدم وجود تبرير له , فلا يدري الشخص المرحول عنه لم رحل الراحل؟
هل الخطأ منه ؟ أم هل لديه مشكلة يخفيها عنّي لئلا يحزنه ؟
قلبها الصغير لا يستوعب شيئًا... الشيء الوحيد اللذي يستوعبه هو رغبته الجامحة بوجود أخيها إلى جانبها، فالحياة لم تعد حياةً بعدم وجوده، ولا الفرح ما عاد فرحًا وهي لا تدري لماذا وإلى أين ذهب... أدركت الحزينة -في تلك اللحظة فقط- أن العالم أكبر مما كانت تتخيل، أدركت كم هو موحشٌ ويحوي الكثير من الظلمة، أدركت أن قلبها يجب أن يتألم، أدركت أن وحده القادر على المستحيل هو الواحد الأحد الصمد...
هكذا فقط... ببساطة... تجويفٌ ما أصاب قلبها، فضعف، ضعف كثيرًا... العديد من التساؤلات تجتاح رأسها، كيف سيبدو العالم بدونه؟ كان هو البصر بالنسبة لها، هو حواسّها الخمسة، هو هذه الحياة!
آه , ويا لفظاعة هذا الحزن المشوب بالخوف من المجهول الذي ينتظر الحبيب , ويا للوعة الفراق الذي لا ندري هل سنلتقي بعده أم لا؟
أحببت كلمة : "حواسها الخمسة" :")
فكأنّي بهذا أتصور أنّه أجمل ما تراه عيناها , وأعذب صوت تسمعه , وهكذا ..
الحياة لم تعد حياةً بعدم وجوده، ولا الفرح ما عاد فرحًا وهي لا تدري لماذا وإلى أين ذهب... أدركت الحزينة -في تلك اللحظة فقط- أن العالم أكبر مما كانت تتخيل، أدركت كم هو موحشٌ ويحوي الكثير من الظلمة، أدركت أن قلبها يجب أن يتألم، أدركت أن وحده القادر على المستحيل هو الواحد الأحد الصمد...
وهكذا تغدو الحياة , بعد رحيل أعزّ شخص على كلّ إنسان ...
وكأنها كانت عمياء لم تدرك عماها إلا بعد رحيل من كان يمسك بيدها ويدلها الطريق .
شيءٌ ما: أحسبني لم أراجعها ولم أنقّحها، فتجاوزوا عن أخطائي ونبّهوني عليها (أعني النحوية والبلاغية والإملائية). ولك -أيّها القارئ- مطلق الحرية في رسم النهاية، ارسمها كما تحبّ، اجعلمها سعيدَيْن، أو أشقياء إن أردت! فوالله إني أجهلها أنا الأخرى...
لا تنسوا إخوتنا المسلمين في كلّ مكان من دعواتكم.
دمتم بلا أوجاع.
بالنسبة لي لم ألحظ أي خطأ , لغتك سليمة , وأوصافك ترحل بالقارئ إلى مكان الحدث , وتشعره بالضبط بما تشعر به بطلة القصة .
بإمكاني تصور نهاية ؟
حسنًا كانت رحلة قصيرة أخذها للترفيه عن نفسه – بما أنه ضحى كثيرًا- , وعاد إلى أخته مجددًا محملاً بالهدايا والاعتذار عن طول الغياب , وعاشا معًا بسعادة إلى الأبد .
*ديزني P:
غصن البان , من لديه مثل قلمكِ يكتب كثيرًا ... اكتبي المزيد , والمزيد ...
شكرًا لمشاركتنا هذه الأقصوصة المميزة
المفضلات