باسم الله فاتحة حديثي
أتى أحدهم، ووضعنا في متاهة عملاقة جدًا، بها الكثير من الفخاخ والكثير من المغريات
بينما هناك الكثير من الدلائل التي تدلنا على الطريق الصحيح، بطبيعة الحال لن ينجو إلا
من بحث عن هذه الدلائل وتعب ولم يجعل عقله في سبات أليس كذلك؟
الحمقى وحدهم من سيُشغَلون بتلك المغريات
وقد يقرروا العيش في تلك المتاهة لأن الحياة هناك تعجبهم ولا ينقصهم شيء كما يدّعون
بالرغم من كونهم محبوسين فيها إلا أنه برؤيتهم القاصرة يرون أنفسهم في نعيم وسعادة تامة
هذه المتاهة هي الحياة، الدلائل هي القرآن والسنة، التفكير والبحث والتأمل، الكتب والعلوم
بينما المغريات أمور لا تحصى من يقع بها تراه يتشبث بهذه الحياة بشكل غريب ويفزع ويهلع
إن ذُكّر بالموت ولذا تراه لا يحب أن يسمع عنه كثيرًا لأنه مؤمن بشكل ما أن مصيره بعد الموت
قد لا يسره؛ بسبب إهمال منه.
وعلى ذكر الموت
فما لاحظته أثناء تواجدي في هذه الحياة، أن البشر هنا متعلقون ببعضهم بشكل يثير استنكاري
فترى الفتى أو الفتاة تبكي بحرقة وتنوح وقد تصاب بالإغماء والإنهيار في حالة وفاة قريب
-سواء أحد الوالدين أو الأقارب أو الأبناء وربما الأصدقاء-
لكن هذا بنظري تصرف غريب جدًا وليس بجيد، لماذا؟
لأن -المؤمنون والمؤمنات- عليهم أن يكونوا على ثقة تامة من أن الأموات قد انتقلوا لعالم أفضل بإذن الله
في الحقيقة البكاء الشديد والرغبة بعودة الميت للحياة ما هي إلا أنانية منا
فكيف نجرّه من النعيم إلى هذه الدنيا البائسة كي يبقى بجوارنا فقط؟ هذا تفكير قاصر أولا توافقوني؟
وعلى أية حال، من البديهي أننا نفقد في حياتنا أشخاص، لكن الله لم يجعلنا في عزلة تامة بحيث إن
ماتت عائلتي فسأكون وحيدًا على وجه هذه الأرض، إنما هناك الكثير الكثير
وإن كانوا ليس بمقام من فقدناهم، لكننا وعلى نحو ما، قادرون على التعايش وتقبل الأمر
يخبرني أحدهم: لكني أحب أمي جدًا، ولا أظنني قادرًا على إكمال حياتي بشكل طبيعي بدونها!
بحق الله أي هراء هذا؟ في نظري أنه عند محبتك لشخص ما بشدة
فإنك لن تحزن كثيرًا حين مفارقته، لأنه يجب عليك أن تُفضّل راحته بجوار الله
على الشقاء في هذه الدنيا أليس كذلك؟
الأمر ذاته ينطبق على على هذين الإمرأتين، ففي يوم ما دار حوار بين أم وابنتها على مسمع مني:
الإبنة: ان شاء الله يومي قبل يومك يأمي
الأم: لا ان شاء الله يومي قبل
وأنا في حيرة من أمري كيف يحصل أن يتفوها بهذه الأمور؟ برأيي أن كلا منهما
يجب أن يتمنى أن يموت الآخر قبله -إن كان بالفعل يحبه-
كأن تتمنى الإبنة أن تموت والدتها قبلها، لماذا؟ ليس طمعًا بالعيش أطول، لا بكل تأكيد
بل لكي لا تفتقدها والدتها وتحزن عليها إن ماتت الإبنة قبلها، أليس كذلك؟ أليس صحيحًا؟
على البشر هنا ألا يجعلوا قلوبهم رقيقة جدًا، لا يجب أن نجعل شيء ثمين لدينا
-كالقلب-رقيقًا في هذه الحياة؛ لأن الحياة حتمًا ستكسره وتحوله إلى أشلاء
الأمر ذاته ينطبق على باقي الأمور، تثير ثائرة خلايا عقلي حين أرى خصام تافه يجري بين شخصين
أو سب ولعن هناك وهناك من أجل أمور دنيوية، ما هذا يا بشر؟
هل هذا ما أراده الله من ذرية آدم؟ هذا عار علينا، عار
أن يكون جل اهتمامنا أمور لا ولن تفيد البشرية وتقودنا نحو القمة، بالفعل أشعر بالحزن حين مروري
من خلال منفذ ما يتواجد به كمية لا بأس بها من البشر وأسمع ما يتحدثون حوله بشكل عام
لا أعلم، الأمر محزن وبائس وحسب.
فأي شخص تريد أن تكون؟
المفضلات