تجربة مثيرة لسيد فاضل أصيل أن يجلس كعامة الناس و ينتظر !



كنت على الكرسي الرخامي آلهة يونانية ، حولي الهالة المشعة التي لا تفارقني أبدًا ، واضعًا رجلًا فوق رجلٍ في جلسة متأنقة ، أحشو غليوني كعادتي في ذلك الوقت من النهار !


طبعًا ، انا لا أدخن ؛ فأنا رجل مثقف .. و لكنها عادة ، إضافة لكونه من أجود و أندر الأنواع ، لذلك أحمله معي و أحشوه بين الفينات .. لا لشيء ، للمتعة فقط !




أذكر أني كنت أرتدي بذلتي الجديدة باهظة التي اشتريتها من باريس في رحلتي الأخيرة منذ خمسة عشر يومًا المصنوعة من الحرير النفيس !


و ساعة سواتش المصنوعة من الذهب الأبيض المرصعة بالألماس في معصمي .. حذائي قديم نوعًا ما ، عمره شهر تقريبًا ، مصنوع من جلد الأفعى الإفريقية السوداء النادرة !


ارتديته للمرة الثانية ، و عادة ما ألبس الشيء مرة واحدة فقط .. و لأني كنت أسير على طرق و أرصفة عامة الناس ، هو الأنسب لهذه السبل المتسخة بما أنه قديم !




مهووس أنا ؛ و غالبًا ما يكون المهووسين من الأثرياء ؛ شغوف بتناسق و جمالية اللون الأسود و الأبيض ، لذلك كل أشيائي تحمل هذين اللونين!


إنه تصريح بوجودي و دليل على مروري !




قطعًا ، لا يجب أن يحدث أي خطأ أو مشكل ، فأنا هنا في هذا المكان انتظر مع عامة الناس
لم يكن الانتظار بهذا السوء حتى ، على أي حال لم يدم طويلا .. فها هي من بعيد تتردد أصوات احتكاك الدواليب الحديدية بالسكة .. تجربة مميزة ، لم أسمع من قبل هذه الصوت ، معتاد على دوي محرك طائرتي الخاصة ..


هاته التجربة وليدة تحدٍ بيني و بين أحد أصدقائي المرموقين من العائلة الملكية الإنجليزية ، كان يعتقد اني بسبب غمرة الغنج و تحليق الخدم من حولي ، حيث يلبون كل طلباتي و لو أردت التنفس تحت الماء ، لن أستطيع ان أجلس على مقعد عادي مصنوع من اسفنج رخيص مغلف بكتان رديء ، على عكس كراسيَّ المختارة بعناية في كل حضورٍ لي لأحد المزادات العالمية أو الصفقات أو الاجتماعات الكبيرة او حفلات المشاهير و الأغنياء ، و التي تمر أولا عبر محطات مختلفة عبر العالم بحيث يرفع طلب تصميمها قبل الموعد بشهر ، و تصنع تحت رقابة مكثفة و باستعمال أجود و أندر المواد و الأدوات ، لأكون الأكثر لمعانًا بكرسي و هندامي ، و وسامتي طبعًا ، فأخطف الأضواء من أصحاب ما يُقام !


أنا لا أقصد هذا ، فليس اختياري أن أكون نجمًا لامعًا بين ذرات الظلام !


يبدو لي أني كنت على قدر التحدي، فأنا بطبعي قوي و رزين، هذا غير مريح لكنها لحظات معدودة !


إذًا أنهيت اللعبة ، و واثق أني لو طلبت من الدوق صديقي فعل أمرٍ يقوم به عامة الناس لن يقدر ، فليس مغامرًا شجاعًا مثلي !


حسب جدول أعمالي ، التالي هو الشركة التي تعتمد تمويلي و ذكائي في اختراع و اكتشاف الكثير من تطلعات البشرية ، بعدها تدشين المسرح العظيم في اليونان الذي يحوي على أجدد و أحدث التكنولوجيا ، ثم حضور اجتماع الاتحاد الأوربي لاستشارتي في بعض الأمور السياسية التي لا غنى عني فيها !
ليس باليد حيلة ،فأنا رجل مهم !


أما عن الشركة فقد أتممت أهم اختراعاتي [ اللاعب في ميدان المخ ] .. إنها عبارة عن آلة تتكون من لوحة التحكم و حجرة صغيرة تتسع لاستلقاء شخص واحد فقط ، بعد ارتداء خوذة ذات ذكاء اصطناعي تجعلك تدخل في نوم عميق لأن النوم بداية إحساس آخر ، فنحن مستيقظون أثناء النوم و نائمون أثناء اليقظة .. و تتركك تعيش حلمًا جميلًا حقيقيًا تشعر بكل ما فيه و كانه حقيقي و تمس كل شيء و كانه واقعي .. إنها نظريتي في جعل كل البشرية تتكدس في مستوصفات ليعيش كل فرد الحياة التي يحلم بها دومًا تيرها وكأنها تحصل فعلا و تكون له حرية اختيار ما شاء فيها و تغيير ما أراد ، و يُتاح للحثالة و المنبوذين الاستمتاع مثلنا ، فيتركوا حياة القذارة و التمرد .. ستكون منفعة كبيرة و خدمة عظيمة للبشرية حقًا !
أردت أن أكون أول من يجرب آلتي العجيبة ، فدخلت بعد الاتحاد عالمًا أجمل من هذا ، أجمل من الذهب و الألماس الذي أنا غارق فيه حد الثمالة ، أجمل من سياراتي الخمسون الثمينة ، أجمل من الفيلات الرحبة المملوءة بالخدم و الأثاث الباهر في كل ربوع كوكب أرض ... وجدت نفسي هرقلًا أو أقوى و أوسم ، وجدت نفسي خرافة او أكثر خيالًا .. غمرني فيض الكثير ، أحب شيء هو اكتساب خاصية الطيران و الطفو كالروامس الخرافية ، و الأغاني السكرية التي ترددها الأشياء .. أي عيون ساحرة هاته التي تبدو هناك ، سأتبعها إلى آخر عتبة !


أهذا ما أرغب فيه ، كل هاته القوة الخارقة و البريق ؟! .. أنا كامل تمامًا فما سأصبح بعد هذا؟! .. ربما .. ربما سأًصير أعظم من مجرد ابن المرأة و الرجل !


وسط غمرة اللمعة و الجنون و كل هاته الفانتازيا بدت الصورة .. و كأنها تتشتت ، وكأن الخوذة كانت تردد " خطأ تقني .. خطأ تقـ ... ششششش " .. و انقطع الصوت ليستمر خلفه و كأنما حركة عشوائية لكيس بين كفين خشنين ، ثم .. اسوداد حد الموت !


ها قد انتشلني النفاذ إلى الواقع ، أو من الواقع .. لم أتزن بعد .. كل شيء حالك ، الفضاء الوعر يتسرب عبره الرمل و الدمع إنه الوقوف أمام نصف العدم ، في غفوة العقل .. الرخاوة ، الأخاديد و التشطيبات في انشقاقات الروح ، قوافل صحراوية تجتاز الشرايين في طلب للنار .. لم يعد ملكي ، إنه عالم غامض ، انقلاب كوني ، تراكم الألوان الدامسة ، يزداد الثقل على الساعة ..


أتحير و أرتج ، ثمة ما يحول بيني و بيني .. كيف أُطْلِعُ جسدي عليَّ !


لم تكن قراءة الأبعاد سليمة ، لم يعد القمر فوق البحر ينتظر احتفال الليل و النجوم ، لم تعد السماء تلمع كما كانت ، خبت الأنوار الساطعة فجأة .. هذا الندم المندَّى الصباحي في الكؤوس !


هل صدقت نجمة؟! .. سأموت و أُطْرَحُ وحيدًا بعيدًا !


و أغلقت نوافذ الحلم بإحكام .. إذًا ، كل ما في الوجود عبث !!




يا لمفاجأة العصر المرة ؛ لست إلا مشردًا !


ليست هاته إلا ثيابي الرثة و شعري الأشعث المتسخ !


لم أكن يومًا ذلك الرجل الأنيق الذي يجوب ردهات قصوره في بدلاته الغالية المنمقة السوداء و البيضاء !


لم تكن على رأسي تسريحة النبلاء و العطر المميز الذي لا يزول لأنه لا ينفك يتجدد ويتجدد !


لم أملك يومًا الأسنان البيضاء البراقة كالدرر ؛ المصطفة بعناية فائقة !


ها أنا ذا المستلقي في الزنقة الملعونة دون مجاملات الهيروين !


خيالات كثيرة تحوم حولي في صخب ، أنوار زرقاء و حمراء تومض ثم تنطفئ تجر خلفها ظلامًا من نوع آخر و ذوق مغاير ثم تدفعه .. تردد كل هاته الأشياء على مسامعي برتابة وغلاظة :


" سبب الوفاة ، جرعة زائدة ! "




لا تقولوا لي أني أحلم الآن بهاته الحياة البشعة .. أو أني فقط كنت أحلم بتلك المعيشة الأخاذة !