لعل من الطبيعي أن يشتاق الشخص لأناس هم أحباؤه وأقرباؤه.. ولكن أن يشتاق لمكان يضم آلاف الأشخاص الذين لا يعرفهم إلا شيئا يسيرا لهو أمر عجيب ..!
وهذا حالي مع مسومس..
اشتقت لقراءة ما تسطره أناملكم .. اشتقت لنقاشاتكم .. لردودكم وتعليقاتكم.. أرى عشرات العناوين البراقة التي أتمنى لو أجد لها وقتا لقراءتها .. ولعلني إن وجدت لا استطيع الرد..
لذا اعذروني لتقصيري معكم ..
أتيتكم اليوم بقصة قصيرة من تحت الركام.. - ذلك أني كتبتها قبل عام أو أكثر في مسابقة أقيمت هنا وكان تحديا بيني وبين (سميد) - وظننت أنها لم توضع حيث لم أرها أنا.. فنسيت أمرها..
وحين صادفتها قبل أيام .. أحببت أن أطلق سراحها لأنني حين كتبتها لم أكتبها لدفتري كعادتي بل كتبتها لمسومس أو لأقل كتبتها للنشر..
بالرغم من أني لست أهلا لكتابة مثل هذا ولكن..أعظ بها نفسي قبل أن أعظكم.. وأرجو الله أن ينفعني وينفعكم
وقد قال الشاعر:
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب... فمن يعظ العاصيين بعد محمد ؟!
>> طبعا القارئ الآن لم يعد يدري هل هي قصة أم محاضرة دينية ^^
في الآونة الأخيرة عودتكم على الفواصل والتزيين .. لكن لم يتسن لي ذلك هذه المرة لذا سأعود إلى سابق عهدي وإلى مواضيعي المنتفشة ^^
"يوم عظيم.. لا بل أنا هي العظيمة! لست أدري أي حماقة ارتكبت ! أكان عقلي مغيبا حينها أم ماذا يا لفضيحتي أمام أهلي ومعارفي .."
هذا ما استهلت به فاطمة إحدى صفحات دفتر يومياتها والتي كتبت أعلاها
"يوم النتائج"
ليكون عنوانا لأحداث يومها ..
أفشت لدفترها عن الحقيقة المريرة والفضيحة المؤلمة التي قررت إخفاءها عن الجميع لا سيما افراد عائلتها..
لم يخطر ببالها قط أن حروفها التي رَوَت الحقيقة كاملة ستكون تحت ناظري أخاها أحمد بعد ساعة واحدة ..!
ذهب احمد إلى غرفتها فلم يجدها وإنما رأى دفترها المعظم على سريرها دون حراسة..
تملكّه الفضول لقراءته فهي دائما ما تحذره من الإقتراب منه
وكل ممنوع مرغوب
فتح على الصفحة التي كانت فاطمة قد تركت القلم فوقها قبل أن تغلق الدفتر.
جذبته البداية وتحمس لقراءة كامل الصفحة لكنه خشي أن تراه اخته فحمل الدفتر إلى غرفته وأغلق الباب ثم تابع قراءته ..
كان قد وصل إلى "وبينما أمشي مع صديقتي"
فتابع:
"وبينما أمشي مع صديقتي مريم إلى غرفة المراقبة لنتسلّم نتائجنا قالت لي: أتظنين أنك ناجحة؟!
قلت:
نعم بكل تأكيد .. اجتهدت كثيرا هذا العام في المذاكرة كما لم أقصر في المشاركة أثناء الحصص ..
عدا مادة الرياضيات .. لم أذاكرها بل لم أفتح كتابها .. ^^
لا أدري لمَ هي ثقيلة عليّ هذه المادة، لكن مادة واحدة لا تهم..
مريم:
- غير معقوووووووووووول!! أأنتِ جادة؟؟ هل جننتِ !
- ههههههه لا مشكلة درجة مادة واحدة لن تؤثر في النتيجة ما دمت اجتهدت في باقي المواد.
- لا شك أنك جننتي..! ألم تسمعي القانون الذي أصدروه بشأن الرياضيات؟ منذ بداية العام وهم يرددونه على مسامعنا حتى حفظناه، فاطمة أين كنتِ؟؟
- أي قانون ؟!
- أي قانون! يا لكِ من مغفلة!! القانون الذي ينصّ على أن من ترسب في المادة الأساسية وهي الرياضيات فلن يُنظرَ في باقي المواد وستُعدُّ من الراسبات وتعيد السنة !!
لم أعِ ما قالته لي مريم !!
قبضت بشدة على كتفيها وصرخت بها:
ماذا يعني هذا؟ هل سأرسب هذا العام؟ أما من فرصة؟ أضاع كل شيء بسبب الرياضيات فقط؟؟؟؟؟
نظرت إليّ بشفقة ولم تُحِرْ جوابًا..! "
...
توقف أحمد عن القراءة
وأخذ يحدق بالورقة ويداه ترجفان! كان كمن يقرأ خبرا مفجعا لا يوميات ومواقف..
أسند ظهره إلى الحائط ورفع بصره إلى السماء وهو يتمتم:
هذا أنا ..! إنها تقصـدني!
حقا أين كان عقلي؟؟! حُذّرت كثيرا وما كنت أعي شيئا !
عادت به ذاكرته إلى الوراء ..إلى يوم الثلاثاء في الشهر الماضي عندما دخل معلم الفقه - الحصة الأولى – وبدأ درسه قائلا :
درسنا اليوم ليس جديدا عليكم بل أنا متأكد أنكم إن لم تكونوا قد درستموه في كل مراحلكم السابقة منذ الابتدائية فعلى الأقل ناقشتموه أو تطرقتم إليه
قبل البدء في شرح تفاصيله أريد طالبا يقف ليجيب على السؤال الذي سأطرحه الآن..
صاح أحد الطلبة
" أنا يا استاذ"
ابتسم المعلم وقال:
تفضل يا أحمد ..-ماشاء الله- متفاعل ونشيط كعادتك
أذكر لي يا أحمد شيئا يسيرا مما تعرفه عن أهمية الصلاة..
أجاب أحمد بلا تردد بالمعلومة التي رسخت في ذاكرته لكثرة سماعها:
" أول ما يحاسب عليه العبد فإن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل "
إذا فسدت فسد ســـــائر العمل
ساااااااااااائر العمل!
أخذ يرددها بدهشة وكأنه قد بدأ يعيها للمرة الأولى!
كان لا يزال يجلس مستندا إلى الحائط ينظر إلى الأعلى وفجأة أجهش في البكاء !
تذّكر ماله الذي تصدق به .. وجهده الذي يبذله كل يوم لطلب العلم .. تذكر برّه لوالديه وإحسانه إلى جيرانه . . تذكر عطفه على الضعفاء ومساعدته للأصدقاء ..
ثم حاول أن يتذكر متى كانت آخر سجدة سجدها لله!! وهو يردد "يا إلهي ..! سائر العمل!"
قام أحمد متجها إلى باب غرفته وقد نوى أن يعلنها توبة!
وقبل أن يفتح الباب انتبه لوجود الدفتر في يده .. لم يرغب في إعادته ففكر قليلا ثم شق الورقة من الدفتر وعاد ليخبئها في خزانته وهو يقول لنفسه: لن أفرط فيها بعد ان كانت هي السبب!
أما فاطمة:
فدخلت غرفتها بعد أن انهت تنظيف المطبخ
ورمت بجسدها المتعب على السرير وهي تحلم بنومة سريعة تريحها من هذا القلق الذي يزعجها منذ الصباح
ولكن كعادتها امسكت بدفترها الذي كان بقربها على السرير وأخذت تقلب صفحاته لتقرأ ما كتبته اليوم
قلّبت الصفحات يمنة ويسرة .. صرخت دهشة :
اوووووووووه لا !
يبدو اني تركت دفتري مفتوحا وقرأت أمي ما كتبت!
وبالطبع مزقت الورقة من شدة الغضب
لا بل ربما أخذت الورقة لتُطلع أبي عليها
يااااا حبيــــــــبي
حانـــــــت نهايـــــــتي..!
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد..
يالبى ران
المفضلات