الحمد لله حمداً يبلّغني رضاه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى سائر أنبيائه و رسله، وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المخلصين، ومن اتّبع هداه إلى يوم الدين ...



فإذا كان كل عصر من العصور له سماته وخصائصه , فان المنهج العلمي هو السمة البارزة من سمات عصرنا الحاضر ، ومن نعمة الله علينا – نحن المسلمين – في هذا العصر، أن تكثر الدراسات العلمية المتعلقة بآيات القران الكريم والسنة المطهرة في مجالات الحياة وبصورة عامة : طبية ...فلكية ...نباتية ...حيوانية .
ولا عجب في ذلك فإن القران الكريم يقوم على العلم، ولا تتناقض أية آية من آياته مع أية حقيقة علمية ثابتة، وهذا الجانب العلمي له أثر وبالغ الأهمية لدى مثقفي عصرنا الحاضر فقد أولوه من الاهتمام أعظمه، بعد تلك الفترات المظلمة التي كان المسلمون فيها مقلدين لكل ما جاء به الغرب من نظريات صحيحة أو غير صحيحة !!
و لا بد لنا أن نشير هنا إلى أن الإسلام طريق هداية جاء لإنقاذ البشرية الحائرة وهدايتها إلى سواء السبيل وهذا ما اعترف به كبار علماء الغرب وقديما قالوا : الفضل ما شهدت به الأعداء .


اضع بين ايديكم موضوعي هذا وقد حاولت جاهدة بأن لا يكون طويل ممل او قصير مخل .



شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا، للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة التي كشفت عنها العلوم الكونية ونظراً لجدة البحث في حقل الإعجاز العلمي في القرآن - بالنسبة لغيره من حقول الدراسات القرآنية - فسوف نقدم في هذا البحث تأصيلاً لهذا العلم بغية إعانة المشتغلين في هذا الحقل على ارتياد آفاقه.

ونبدأ بتعريف الإعجاز:
فهو في اللغة: مشتق من العجز. والعجز: الضعف أو عدم القدرة، وهو مصدر أعجز بمعنى الفوت والسبق. والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة . وعرف الزنداني الاعجاز فقال : ( انه اظهار صدق الرسل – عليهم الصلاة والسلام – باظهار امور على ايدبهم بعجز البشر عن معارضتها)

وإعجاز القرآن: يقصد به إعجاز القرآن للناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله. ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
اذن فهو إخبار القرآن الكريم بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .
أو هو إبراز الحقائق القرآنية التي أشارت إلى الحقائق الكونية المتعلقة بالآفاق والأنفس، والتي جاء العلم الحديث موافقاً لها.



التفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية، فهو التفسير ( الذي يحكّم الاصطلاحات العلمية في عبارات القران , ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والاراء الفلسفية منها )
وقد عرف الدكتور صلاح الخالدي التفسير العلمي بقوله: ( هو النظر في الايات ذات المظامين العلمية ، من الزاوية العلمية ، وتفسيرها تفسيرا لاعلميا ، وذلك بالاستعانة بالعلوم والمعارف والمكتشفات الجديدة في توسيع مدلولها وتقديم معناها )

وعرفه الدكتور زغلول النجار : ( محاولة بشرية لحسن فهم دلالة الاية القرانية ان اصاب فيها المفسر فله اجران وان اخطا فله اجر واحد )

وعرفه الدكتور عدنان زرزور : ( الاستناد الى حقائق العلم التجريبي – ونظرياته – في شرح ايات الطبيعة والانسان – ادم وبنية – والتي وردة في القران الكريم في سياقات شتى ، ومواضع متعددة )


والاعجاز العلمي : هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لفهم الآيات المتعلق بالآفاق والأنفس من خلال
( إخبار القران الكريم أو السنة النبوية بحقيقة اثبتها العلم التجريبي ، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول
صلى الله عليه وسلم )
وعرف الزنداني الإعجاز العلمي بقوله : ( ويمكننا ان نعرّف الإعجاز العلمي في القران والسنة بأنه : إظهار صدق الرسول محمد بما حمله الوحي اليه كم علم الهي ، ثبت تحققه ، ويعجز البشر عن نسبته إلى محمد أو إلى أي مصدر بشري في عصره )

وعرفه الدكتور زغلول النجار : ( يقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالاشاره الى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول الى فهم شئ منها الا بعد قرون متطاولة من تنزل القران الكريم)


وعرفه الدكتور صلاح الخالدي : ( ان نعتبر تلك المضامين والابعاد والاشارات والحقائق العلمية لتلك الايات ، وجها من وجوه الاعجاز القراني ونسميه الاعجاز العلمي ونضيفه الى وجوه الاعجاز الاخرى )


اذن فالاعجاز العلمي محاولة لفهم الاشارات العلمية في القران الكريم ( واعجازه العلمي ليس في اشتماله على النظريات العلمية التي تتجدد وتتبدل وتكون ثمره للجهد البشري في البحث والنظر ، وانما في حثه على التفكير ، فهو يحث الانسان على النظر في الكون وتدبره ، ولا يشل حركة العقل في تفكيره ، او يحول بينه وبين الاستزاده من العلوم ما استطاع الى ذلك سبيلا . وليس ثمة كتاب من كتب الأديان السابقة يكفل هذا بمثل ما يكفله القران )


الفرق بينهما: أن الإعجاز العلمي قطعي الدلالة، بينما التفسير العلمي ظني الدلالة.


للإعجاز العلمي في القران والسنة أوجه من أهمها :

اولا : التوافق الدقيق بين ما في الكتاب والسنة ، وما اكتشفه علماء الكون من حقائق وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القران .

ثانيا : تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في أجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق .

ثالثا : إذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة المتعلقة بالكون وجدت بعضها يكمل الأخر ، فتتجلى بها الحقيقة ، مع أنَّ هذه النصوص نزلت مفرقة في الزمن ، وفي مواضعها من الكتاب الكريم ، وهذا لا يكون الا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والارض .

رابعا : سن التشريعات الحكيمة ، التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القران ، وتكشفها ابحاث العلماء في شتى المجالات .

خامسا : عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون واسراره – على كثرتها – والحقائق العلمية المكتشفة – على وفرتها – مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات ، ووجود الصدام بين العلم ، وما قررته سائر الاديان المحرفة والمبدلة .





إن موضوع الإعجاز العلمي محفوف بالمخاطر لوترك الحبل فيه على الغارب، ليتحدث فيه من شاء بما يشاء، وقد ينقلب على أصحابه؛ خاصة أن بعض الدراسات انطلقت من غير ضوابط، يقودها الحماس فكان لا بد من ضوابط، تكبح جماح الفكر والخيال والسعي وراء النظريات والفرضيات، وهي كثيرة، ومنها:

أولاً : حسن فهم النص القراني الكريم وفق دلالات الالفاظ في اللغة العربية ، ووفق قواعد تلك اللغة واساليب التعبير فيها ، وذلك لان القران الكريم قد انزل بلسان عربي مبين . على ان لا يخرج باللفظ من الحقيقة الى المجاز الا بقرينة كافية ، وعند الضرورة القصوى ، ومن هنا فلا يمكن اثبات الاعجاز العلمي بتاويل النص القراني .

ثانياً : فهم اسباب النزول والناسخ والمنسوخ – ان وجد – وفهم الفرق بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل من ايات هذا الكتاب الحكيم .

ثالثاً : فهم الماثور من تفسير المصطفى صلى الله عليه وسلم والرجوع الى اقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم الى الزمن الحاظر .

رابعاً : جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالاية القرانية الكريمة ان وجدت .

خامسا : جمع النصوص القرانية المتعلقة بالموضوع القراني الواحد ورد بعضها الى بعض ، بمعنى فهم دلالة كل منها في ضوء الاخر ، لان القران الكريم يفسر بعضه بعضا ، كما يفسر الصحيح من اقوال رسول الله r ولذلك كان من الواجب توظيف الصحيح من الاحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بموضوع الاية المتعامل معها كلما توافر ذلك .

سادساً : مراعاة السياق القراني للاية المتعلقة باحدى القضايا الكونية دون اجتزاء للنص عما قبله وعما بعده ، مع التسليم بان من طبيعة القران الكريم ايراد العديد من الحقائق المتتابعة والتي قد لاتكون بالضرورة مرتبطة ببعضها البعض كما هو الحال في ايات القسم المتعددة باكثر من امر من الامور .

سابعاً : مراعاة قاعدة : ان العبرة هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والاقتصار على القضية الواحدة في المقام الواحد ، دون تكديس للايات المستشهد بها حتى يتضح جانب الاعجاز العلمي في كل منها .

ثامنا : عدم التكلف ومحاولة لي اعتاق الايات من اجل موافقتها للحقيقة العلمية ، وذلك لان القران الكريم اعز علينا واكرم من ذلك ، لانه كلام الله الخالق وعلم الخالق بخلقة هو الحق المطلق ، الكامل الشامل ، المحيط بكل علم اخر ، وهو العلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

تاسعاً : الحرص على عدم الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الاعجاز العلمي للاية او الايات القرانية الكريمة من مثل المعادلات الرياضية المعقدة ، والرموز الكيميائية الدقيقة الا في اضيق الحدود للازمة لاثبات وجه الاعجاز .

عاشراً: عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة كالذات الالهية ، والروح ، والملائكة ، والجن ، وحياة البرزخ ، والقبر ، قيام الساعة ، والبعث ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، والجنة ، والنار وغيرها ، والتسليم بالنصوص الواردة فيها تسليما كاملا انطلاقا من الايمان بكتاب الله وسنة رسوله ، ويقينا راسخا بعجز الانسان عن الوصول الى مثل هذه الغيبيات المطلقة .

حادي عشر: التاكيد على ان الاخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة ، وانها لا تحتاج هذه السنن الدنيوية الرتيبة ، فهي كما وصفها ربنا عز وجل امر فجائي منه (
كن فيكون) وصدق الله العظيم اذا يقول : (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (لأعراف:187)
وعلى الرغم من ذلك فان الله عز وجل من رحمته بنا قد ابقى لنا في صخور الارض ، وفي صفحة السماء اعداد كثيرة من الشواهد الحسية التب تقطع بضرورة فناء الكون وبحتمية الاخرة ، وان الاشارة الى تلك الشواهد الكونية لا يمكن ان تفسر بمحاولة التعرف على موعد الاخرة ، لان الاخرة من الغيبيات المطلقة التي لا يعلمها الا الله ، ولانها لن تتم من السنن الكونية المشاهدة في هذه الحياة .

ثاني عشر: توظيف الحقائق العلمية القاطعة في الاستشهاد على الاعجاز العلمي للاية او الايات القرانية الواردة في الموضوع الواحد او في عدد من الموضوعات المتكاملة ، وذلك في جميع الايات الكونية الواردة في كتاب الله فيما عدا قضايا الخلق والافناء ، والبعث ، والتي يمكن فيها نوظيف الاية او الايات لبقرانية الكريمة ، للارتقاء باحدى النظريات المطروحة الى مقام الحقيقة مع التاكيد على ان الحقيقة العلمية لا تبطل مع الزمن ، ولكنها قد تزداد تفصيلا وتوضيحا باجتهاد العلماء جيلا بعد جيل ، وان المعرفة العلمية اذا وصلت الى مستوى الحقيقة فهي لا تتغير لكنها قد تزداد ايضاحا مع الزمن ، وذلك لان حقائق العلوم المكتسبة جزئية ، لانها تعبر عن جزئية محددة ، ومن طبيعة العلوم المكتسبة النمو المطرد مع استمرار مجاهدة العلماء في توضيح ما سبقت معرفته من حقائق دون الغائها .

ثالث عشر: ضرورة التمييز بين المحقق لدلالة النص القراني والناقل له مع مراعاة التخصص الدقيق في مراحل اثبات وجه الاعجاز العلمي في الاية القرانية الكريمة ، لان هذا مجال تخصصي على اعلى مراحل التخصص لا يجوز ان يخوض فيه كل خائض ، كما لا يمكن لفرد واحد ان يغطي كل جوانب الاعجاز العلمي في اكثر من الف اية قرانية صريحة بالاضافة الى ايات اخرى عديدة تقترب دلالتها من الصراحة ، خاصة ان هذه الاية تغطي مساحة هائلة من العلوم المكتسبة التي تمتد من علم الاجنة الى علم الفلك وما بينها من مختلف مجالات العلوم والمعارف الانسانية ، الا اذا ردت كل قضية الى محققها من المتخصصين بوضوح واثبات كاملين .

رابع عشر: التاكيد على ان ما توصل اليه المحقق العلمي في فهم دلالة الاية الكريمة ليس منهى الفهم لها ، لان القران الكريم لاتنتهي عجائبة ولا بخلق على كثرة الرد .

خامس عشر: اليقين بان النص القراني الكريم قد ينطبق على حقيقة علمية ثايته ، لكن ذلك لن ينفي مجازا مقصودا ، كما ان الاية القرانية الكريمة قد تاتي في مقام التشبيه او المجاز وتبقى صياغة الاية دقيقة دقة فائقة من الناحية العلمية وان لم تكن تلك الناحية العلمية مقصودة لذاتها ، لان كلام الله الخالق هو الحق المطلق الذي لا ياتية الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

سادس عشر : الاخذ في الاعتبار امكانية الانطلاق من الاية القرانية الكريمة للوصول الى حقيقة كونية لم يتوصل العلم المكتسب الى شئ منها يعد ، ، وذلك انطلاقا من الايمان الكامل بان القران الكريم هو كلام الله الخالق في صفائه الرباني اشراقاته النورانية ، وانه كلام حق مطلق ، ولو وعى المسلمون هذه الحقيقة لسبقوا غيرهم من الامم في الوصول الى العديد من حقائق الوجود ، وعلى الرغم من هذا التاخير فلا يزال الباب مفتوحا ليتسابق اليه المتسابقون من اهل العلم في هذا المجال .

سابع عشر : عدم التقليل من جهود العلماء السابقين في محاولاتهم المخلصة لفهم دلالة تلك الايات الكونية في حدود المعلومات التي كانت متاحة لهم في زمانهم ، وذلك لان الاية الكونية الواردة في كتاب الله تتسع دلالتها مع اتساع دائرة المعرفة الانسانية في تكامل لا يعرف التضاد حتى يضل القران الكريم مهيمنا على المعارف الانسانية مهما اتسعت دوائرها ، وهذا من اعظم جوانب الاعجاز في كتاب الله .

ثامن عشر : ضرورة التفريق بين قضية الاعجاز العلمي والتفسير العلمي ، فالاعجاز العلمي يقصد به اثبات سبق القران الكريم بالاشارة الى حقيقة من الحقائق الكونية او تفسير ظاهرة من ظواهره قبل وصول العلم المكتسب اليها بعدد متطاول من القرون ، وفي زمن لم يكن لاي من البشر امكانية الوصول الى تلك الحقيقة عن طريق العلوم المكتسبة ابدا . واما التفسير فهو محاولو بشرية لحسن فهم دلالة الاية القرانية ان اصاب فيها المفسر فله اجران وان اخطا فله اجر واحد ، والمعول عليه في ذلك هو نيته . وهنا يجب التاكيد على ان الخطا في التفسير ينسحب على المفسر ، ولا يمس جلال القران الكريم ، وانطلاقا من ذلك فلابد من الحرص على توظيف الحقائق العلمية القاطعة والتي لا رجعة فيها في كل من القضيتين .
ولكن لما كانت العلوم المكتسبة لم تصل بعد الى الحقيقة في كثير من الامور فلا حرج من توظيف النظريات السائدة المقبولة المنطقية في التفسير العلمي للقران الكريم ، اما الاعجاز العلمي للقران الكريم فلا يجوز ان يوظف فيه الا القطعي الثابت من الحقائق العلمية التي لا رجعت فيها وذلك في جميع الايات الوصفية .

تاسع عشر : اليقين في صحة كل ما جاء في القران الكريم ، لانه كلام الله الخالق ، المحفوظ بحفظ الله على مدى الزمان والى ان يشاء الله والمحفوظ في نفس لغة وحيه – اللغة العربية – فلا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وعلى ذلك فلا يمكن لحقيقة كونية ان تصطدم بنص قراني ابدا ، فاذا حدث وبدا شئ من ذلك فلا بد من وجود خلل ما ، اما في صياغة الحقيقة العلمية او في فهم الدارسين للنص القراني الكريم .

عشرون : يجب تحري الدقة المتناهية في التعامل مع القران الكريم واخلاص النية في ذلك والتجرد له من كل غاية شخصية او مكاسب مادية .







أولا : ان القران الكريم الكريم انزل الينا لنفهمه ، والايات الكونية فيه لايمكن فهمها فهما صحيحا في اطار اللغة وحدها – على اهمية ذلك وضرورته – انطلاقا من شمول الدلات القرانية ومن كلية المعرفة التي لا تتجزأ .

ثانيا : ان الدعوة بالاعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنة النبوية المطهرة اصبحت هي الوسيلة المناسبة لاهل عصرنا – عصر العلم والتقنية – الذي فتن الناس فيه بالعلم ومعطاته فتنة كبيرة . وفي ضل هذا التقدم العلمي والتقني المذهل نبذ اغلب اهل الارض الدين وراء ظهورهم ونسوه وانكروا الخلق والخالق ، كما انكروا البعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك من الغيبيات ، وعلى ذلك فلم يبق امام اهل عصرنا من وسيلة مقنعة بالدين الاسلامي الحنيف قدر اقناع الاعجاز العلمي في كتاب الله وفي سنة خاتم انبيائه ورسله .

ثالثا : ان كلا من الاسلام والمسلمين يتعرض اليوم لهجوم شرس في جميع وسائل الاعلام بغير حق والقائمون على تلك الوسائل من غلاة الغرب الذين ينكرون سماوية الاسلام ، وربانية القران الكريم ، ونبوة خاتم المرسلين r او ينكرون الدين كلية في وقاحة وبجاحة سافرة . واهم الوسائل وانجعها للرد على هذا الهجوم هو اثبات الاعجاز العلمي لكتاب الله وسنة رسوله r بالكلمة الطيبة والخحة الواضحة البالغة والمنطق السوي .

رابعاً : ان العالم اليوم يتحرك باتجاه كارثة كبرى ، وقودها تطور علمي وتقني مذهل ، يطغى اصحابة ويغريهم بافناء وابادة غيرهم في غيبة الوعي الديني الصحيح والالتزام الاخلاقي والسلوكي اللذين يرعيان حق الله وحقوق الاخوة الانسانية حق رعايتها . والمخرج من ذلك هو الدعوة الى الدين الحق ومن اوضح وسائل الدعوة اليه هو ما في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله r من اعجاز علمي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار يقنع المنبهرين بالعلم ومعطياته في زمن تفجر المعارف العلمية الذي نعيشه كما لم يقنعهم اسلوب اخر .

خامسـاً : ان في اثارة قضية الاعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنة النبوية استنهاضا لعقول المسلمين واستثارة للتفكير الابداعي فيها وتشجيعا بقضية العلوم والتقنية التي تخلفت فيها الامة تخلفا كبيرا ، فاخذت الهوة تزداد بيننا وبين الغرب يوما بعد يوم .





حثَّ القران الكريم في كثير من آياته الناس على النظر والتدبر ، وأمرهم بالنظر في هذا الكون وما فيه من آيات بينه ، وبان يقودهم هذا النظر إلى الإيمان بالله سبحانه وتوحيده وعبادته من خلال عدة آيات يمكن اعتبارها أساساً وأصلاً للإعجاز العلمي:

منها قوله تعالى: (
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت:53، وكأنَّ القران يدعونا الى الاكتشاف العلمي والوصول الى العلم التجريبي الذي بدأه المسلمون في الحضارة الإسلامية ، ثم أخذه الغربيون عن المسلمين ، واستخدموه بتوسع ، وكأنه أساس الثورة العلمية التي نعيشها .

ومنها قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) النمل:93
وصدق الله . ففي كل يوم يري عباده بعض آياته في الأنفس والآفاق ويكشف لهم عن بعض أسرار هذا الكون الحافل بالأسرار ... وفي أنفسهم اثر الإيقاع العميق " وما ربك بغافل عما تعملون"

ومنها قوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )(ص: 87-88)
ومنها قوله تعالى: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )الأنعام:67