الجُزء الخامس..//|*|~بِدايةُ رحلتِي.. بَين البحر واليابسة~|*|//..
//
..
إِنّهُ الفجر.. الرابِعةُ صباحَ يَومِ رَحيلي.. عَن طوكيو..
رِسالةٌ تركتُها عَلى بابِ قصرِ عَتمتِيَ الذابل مُوضّحاً فيها مُبيّناً أَنَّ جُثمانِيَ الحيَّ لن يكونَ مَوجُوداً لِمُدَّة..
حَقيبتِي قَد حزَمتُها وبدرّاجتِيَ النّاريّةِ إنطلَقتُ مُتّبعاً خريطَتِيَ السوداء فِي رحلتِيَ الطويلةِ عَبر هذا العالمِ الغارقِ فِي آمالهِ السوداءِ البيضاء.. خارِجَ طوكيو على الساحِلِ أَقِفُ، إلى عُمقِ المُحيطِ الخارطةُ تُشيرُ..
بِسحريَ المُعتمِ قارباً صَنعتُ فانطلقتُ فِي أَجواءِ ذاك الفجر الضّبابيِّ إلى حَيث أَشرتُ سابقاً..
//
..
خِلالَ أربعِ ساعاتٍ إذا بِي أَصلُ نَحو مُرادِي.. ولَكن.. إلى أَينَ تُشيرُ الخارطةُ لو سمحتُم..؟
المحيطُ حقاً شاسِع، والمكانُ حَيثُ توقفَ المُؤشّرُ لا يابسةَ فِيهِ ولا غَيرُها..
إتّخذتُ قَرارِي وزيَّ الغطسِ ارتديتُ فَنحو أَعماقِ المُحيطِ الباردِ أشارَ لِي قَلبِيَ المَيِّت.. كَثيرةٌ هِيَ الأَحياءُ الّتي ها هُنا تَعيش، وقد..
إلتصقتْ بِي سمكة..
نَزلتُ إلى أعماقِ الأعماقِ حَيثُ حُطامُ سَفينةٍ تطفوا على اللاشَيء، باردةٌ قاحلةٌ سَوداءُ داكِنة، رَسَتْ قَدمايَ عَلى خَشبِها وبدأتُ أبحثُ.. وأبحثُ وأبحث.. بدا لِيَ الأَمرُ كأنَّ الزمنَ توقّف.. كَيف سأجِدُ ما أبحثُ عنهُ فِي هَذهِ السفينَةِ العِملاقة..؟
//
..
فجأةً..
إِذا بِي أَرى لَمعاناً برقَ نَاحِيَتِي، إقتربتُ مِنْ مَصدرِهِ لِأَرى صُندوقاً إكتسى بالفضةِ غِلافاً.. فُتحتُهُ وكانَ حقاً ثَقيلاً.. لَكِن، عَجيبٌ أَمرُه.. لا قُفلَ يَحجُبُهُ عَن ناظِريَّ ولا مِفتاحَاً..
فِي لحظةِ صمتٍ رأيتُ وأَنا أبحثُ داخِلهُ ذاكَ الجُزءَ مِنَ الحجرَ الزُمُرُّديَّ الّذي ذُكر فِي الخارِطة! تمعّنتُ فِي شَكلِهِ وإذا بِي أَلمحُ كِتابةً مَحفورةً عَليه، إلاّ أَنّ عَينيَّ لَمْ تتمكّنا مِنْ قراءتها فالعتمةُ كَانَت هِيَ السائدةُ فِي أَعماقِ ما كانَت قدمايَ وطأته..
//
..
إلى أدراجِي أردتُ العودةَ لِأُنهِيَ مُهمّتِي فالأُوكسجينُ شارَفَ عَلى النّفادِ فأَنا هُنا
لساعةٍ كامِلة.. لوَهلةٍ إعتقدتُ أَنّهُ مِنَ المُحالِ كونُ هَذا اليومِ هادِئاً ساكِناً.. وصحَّ إعتِقادي..
فإذا بِقدمّيَّ تشبكُهُما مجسّاتُ برمائيٍّ ضَخمٍ إسودّت عَيناهُ وبَرقتْ لِوهلةٍ وأَنا أُحاوِلُ إخفاءَ الزّمردةِ الّتي بدأ بَريقُها بالسُّطوع..
بيديَّ أمسكَ وعلّقنِي فِي هواءِ الماءِ حَاولتُ إستخدامَ سِحرٍ عَليهِ ولَكِن بِلا جَدوى خاصّةً وأَنَّ كِلتا يديَّ قد قُيِّدتا.. وصفّارةُ نفادِ الأُوكسجينِ ترِنُّ بِصداها فِي هذا المُحيطِ المُعتم..!
//
..
تَوقّفتُ عَنِ الحراكِ فالألَمُ بدأ يتسرّبُ ناحيةَ عَظامِي وذاك الوَحشُ يكادُ يسحقُ قدمَيَّ وَمِعصمَيَّ بكُلِّ قُوة.. فِي ثوانٍ قَليلة..
إذا بِهِ يَتوقّفُ وإنتهزتُ الفُرصةَ فَقد أرخَى دِفاعاتِهِ كُلّها، سَيفيَ أخرجتُهُ مِنْ غِمدِهِ ومجسّاته السّوداء قطعتُها مُهشِّماً إيّاها إلى أَشلاءٍ صَغِيرة..
الدِّماءُ إنتشرَ عِطرُها وتحوّلَتْ تلكَ البُقعةُ إلى بِركةِ مياهٍ مُدمّاة..
بدأتُ لا أشعُرُ بِمعصميَّ ولكِنَّنِي كَسرتُ هذا الجِدارَ مُلتقِطاً الزُّمرُّدةَ منطلقاً بأَقصى سُرعةٍ نَحوَ قارِبِيَ الصغيرِ ذاك، ولحظةُ وُصولِي كانَتْ أَن هَبّت الرِّياحُ عَلى وَجهِي فأخذت رِئتايَ تلتقطانِ الأَنفاسَ عَسى وَلو أُعيدُ بعضَ أَوتارِ صَوتِي للعمل.. نظرتُ إلى الساعةِ فإذا بِها تُشيرُ إلى ما لم أتصوّر.. الثالثة ظُهراً..؟!
أَتوقّفَ الزمنُ أم نامتِ الغَفوةُ عَلى جِفنَيَّ لساعات.. لا أَدري ما جرى..
//
..
تناولتُ بَعض الطعامِ مُحاولاً سَدَّ جُوعِي وقرقرةَ مَعِدَتِي فلا شَيءَ فِي مَعدتِي بالتأكيد.. نظَرتُ ناحيةَ الزُّمرّدةِ فإذا بِها لا تزالُ تُشِّعُ ببريقها السّاحِرِ ذاك..
"نحلمُ ونبحثُ في العقول، والأحلامُ لاتفهمُ مانقول، ولا نستطيعُ إلاّ أن ننسى، في عالم أحلامِ المأسى"
هذا المكتوبُ غيرُ مَفهوم.. ما القصّة، لا أعلم.. إلى جُزُرِ القمر طريقيَ التّالي، هَذا مَا يَجُولُ خَاطِرِي فِي الوَقتِ الآنيّ..
//
..
القاربُ لا يتحرك..!
إلى خَلفي نَظرتُ لأَرى الوَحشَ ذاك مُجدداً يترقّبني وَيرمِقُنِي بِعَينَيهِ السّوْدَاوَينِ مُمسِكاً القَارِبَ شَادّاً إيَّاهُ نَحوَهُ مُحاوِلاً إِعَاقَتِي! بَدأَ يُحطّمُ القَارِبَ وَأَنا مُمسِكٌ بِسِلاحِي وَالرّصَاصَاتُ تَنهَمِرُ عَلَيهِ إِلّا أَنّهَا لَم تَخدِشهُ فِي الأَعمَاقِ، فَالصّرخاتُ تَحتَاجُ سيفَاً وَدِمَاءً..
مِنْ غِمديَ الفَاحِمِ سَحَبتُ سَيفِي مُنطَلِقاً صَوبَهُ جَارِحَاً إِيّاهُ جَاعِلاً صَوتَ أَنِينِهِ ذَاك كَمَنْ لَا يَعرِفُ العَزفَ عَلى وترِ الرّبَابَة.. تَعذِيبٌ مِنّي أَذقتُهُ وَصَوبَ قَلبِهِ فَجّرتُ غَضَبِي وَقُوّتِي فَانْتَهَى بِهِ الأَمرُ أَشلاءً مُقطّعَةً وَأَحشَاءً..
//
..
بَدأَتْ جَوهَرتِيَ الزّرقَاءُ المُعلّقةُ فِي رَقَبتِي تُشعُّ فَهدَأَ لُهاثِي وارتَاحَ صَدرِي فَأَمسكْتُ بِها مُتذكِّراً اللّحظَةَ حِينَ أَعطتهَا لِي أُمِّي..
حِين كُنتُ فِي الخَامِسةِ مِن رَبيعي كَطِفلٍ إِذا بِها تُنادِيني أَنْ "تَعَال يَا بُنيّ" فَجريتُ نَحوَها فِي حِضنِها الدّافِئِ جَلستُ فَعانَقتنِي مُقبّلةً جَبِينِي وَحَول رَقبتِي وَضعَتْ تِلكَ القِلادةَ قَائِلة:
"هَذا إِرثُ العَائِلة.. قِيلَ فِي أَساطِير أَنّها تَحوِي قِوىً خَارِقَة سَتتمكّنُ مِن جَلبِ السّعادَةِ لِصاحِبِها الّذِي سَتصِلُ لَهُ يوماً ما.. وحَسبَ نُبُوئَةٍ تَناقَلنَاها أباً عَن جَدٍ واحِداً تِلوَ الآخَر فَقالَ لِي أَبَتِي بِأَنّكَ أَنتَ صَاحِبُ النُّبُوئَةِ يَا دَارك.. حَافِظ عَلَيهَا جَيِّدَاً يا حَبيبي"..
//
..
إِنْطَلقتُ لِأُكمِلَ رِحلَتِيَ الّتِي اسْتَغرقَتْ مِنّي بِضعَ أَيامٍ خَالجَنِي فِيها شُعورُ الوَحدَةِ حَيثُ أَنا وَحِيدٌ فِي هَذا المُحِيطِ الشّاسِعِ المُنجمِدِ البَارِد..
خِلالَ هَذهِ الأَيّامِ المُنصَرِمَة، بَدأتُ أُواجِهُ أَحلامَاً أُخرَى يَظهرُ فِيها ذَاك العَالِمُ.. بِالإضافَةِ لأَبِي وأُمِّي.. أَكانَ السّببُ تِلكَ الزُّمرّدَةِ الخَضرَاءِ..؟
لَا أَدرِي.. لَا أَدرِي..
//
..
وَصلتُ..
وارتَعدَ الجَمِيعُ جَرّاءَ رُؤيَتِي هُناك، "أَأنا مُخِيفٌ لِهذهِ الدّرجَة؟" إبتَسمتُ مُتَمتِماً فِي دَاخِلِي وَمشيْتُ بِهدُوءٍ وَسُكُون.. هُناك كَانتِ السّماءُ صَاحِيةُ والجوُّ حَارٌ ساحِليّ..
لَم أَعتَد عَلى هَكذَا جَوِّ فِي حَياتِي، لَكن يَبدو الأَمرُ مُمتِعاً رُغمَ هَذا.. كَانتِ الغَابَةُ التِي سَأذهَبُ إليهَا بَعيدَةً طَويلةَ الطّرِيقِ، وَخُيوطٌ نَسجَتها أَشعّةُ الشّمسِ تَلوّنَتْ بِألوانِ الغُروبِ عَلى وَشكِ التّلاشِي تَحتَ غِطاءِ العَتمَةِ اللّيلِيّة..
//
..
لِحُسنِ الحَظِّ.. كَانَ لَدى أَبتِي مَعارِفُ وَمِنهُم رَئيسُ شَركَةِ فَنادِقَ عَالمِيّة..
هُناكَ دَخلتُ فَإذا بِالجُمهُورِ يَفزَعُ.. مِن بَعيدٍ لوّحَ لِي السّيدُ تايلر فَذهبتُ نَحوهُ مُصافِحاً إيّاهُ..
"دارك، إفتَقدتُك"
قَالها بِابتِسَامةٍ فصُعقَ مَن كَان فِي الطّابقِ السُّفلِيّ مَوجُود..
رَددتُ قَائِلاً: "أَليسَ مِنَ الغَريبِ قَولُك هَذا فِي العَلَن؟؟ إِفتقدتُكَ يَا عَمِّي"
صَعقةٌ تَلتِ الأُخرَى وَكِلانَا يَضحُكَ عَلى حَالِ البَقِيّة..
//
..
نَحوَ غُرفتِيَ المَحجوزةِ قَادَنِي ثُم شَرحَ لِلجميعِ بِإعلانٍ مَا كَانَ قَد جَرى، هَذا عمّي تايلر، إِنّهُ الشّخص الوَحيدُ المُتبقّي بِجانِبي..
هُوَ الوَحِيدُ الّذِي صَدّقَنِي حِينَ قُلتُ بِأَنّني أَشعُرُ وَكأنّني لًستُ مَن قَتَل والِدَيّ.. لَم أخبركُم عَن هَذا الأَمرِ مُسبَقاً وَلكنّنِي حَقّاً أَشعُرُ.. بِأنّنِي لَم أَقتُل وَالِدَيّ ذَاك الأَحدَ المُنصرِم فِي تِلكَ السِنينِ الغَامِضَة..
حَقائِبي جَانِباً وَضعتُها وَحمّاماً دَام سَاعةً أَخذتُهُ فَاستَرخَتْ عَضلاتِي.. عِظامِي.. وَأَعصابِي لِوَهلة..
خَرجتُ بَعدَها، بَدّلتُ مَلابسي مُستعداً لأَخذِ تَذكرةٍ لِلدُّخُولِ إِلى قِطارِ النّوم.. عَلى الجَانبِ ذَاك التّقوِيمُ الإلكترُونيّ، اليَوم بَعد ثَلاثِ سَاعاتٍ سَينتَهي فِيهِ الخَامِس عَشر مِن دِيسمبَر، حَيثُ انطَبقَتْ عَقارِبُ السّاعةِ عَلى التّاسِعَة..
//
..
الدكتور مايرفاير.. أَمامِي.. فِي غُرفةٍ سَوداءَ.. أُراقِبهُ حَيثُ قَدمَايَ إنتَصبَتا خَلفَ الجِدارِ.. فِي يَديهِ عُلبةٌ وَضعَ فِيها شَيئاً أَحمرَ وَأَسوداً.. فِي وَجهِي صَوّب السِلاحَ وأَطلقَ مُخدِراً..
عَلى الأَرضِ سَقطتُ مغشيّاً عليّ.. لا أَتحرّكُ.. بَدأَ يحرِقُ أَمامِي صُورةَ أَبي وأُمّي.. وَأَنا عَاجزٌ عَنِ الحَراكِ.. لَا أزالُ طِفلاً.. فِي الخَامسةِ مِن عُمرِي.. صَرخاتٌ وبُكاء.. لِوهلَة..
أحسَستُ بِأنّ قَلبِي كَان يَحترِقُ..
//
..
مِن فِراشي انتفضْتُ والعَرقُ يَتصببُ مِنّي.. حُلم..؟ لَا بَل كَابُوس.. حَمداً لله أَنّه لَيس حَقِيقةً.. لِمَ تُراودُنِي هَذهِ الكَوابِيس.. أُريدُ الوُصولَ إِلَيهِ.. قَبلَ أَنْ يَجِيءَ مَا لَنْ أَتمكّنَ مِن دَفعِهِ.. أَو تَحمّلَ عَواقِبهِ..
//
..
إنطَبقَتْ عَقارِبُ السّاعةِ عَلى السّابعةِ حِين نَظرتُ صَوبَها..
حَماماً دَافِئاً أَخذْتُ، ثُمَّ إلى الإفطارِ التَجأتُ.. حَقيبَتِي حَملتُها واضِعاً دَاخِلها بَعض الطّعام.. الحِبال.. وَسيفي الأَسود الفَاحِم..
مِن غُرفتي خَرجتُ نَحو غُرفةِ السيّد تايلر تَوجّهتُ شَاكِراً إيّاهُ مَعروفهُ مُقدّماً لَهُ مفاتيح غُرفتي تلك.. وَالآنَ.. عَليَّ الإنطِلاقُ نَحوَ هَدفِي.. غَابة الأفَاعِي..
//
..
كَان الطّريقُ طَويلاً..
فَعلى أَقدامِي مَاشياً ذَهبتُ، حَتى بدأتْ هَلوسَاتٌ تَجرِي فِي عَقلِي تُخبِرُنِي بِأَنّنِي لَنْ أَصِلَ إِلَيها مُطلقاً.. عَلى جِذعِ شَجرةٍ كَبيرةٍ اتّكأتُ مُحدّقاً.. فِي سَماءِ دِيَسمَبر الدّافِئ هُنا.. كنتُ أقشعِرُّ بَرداً فِي هَكذا وَقتٍ مِن السّنَة..
جَدولٌ أَمامِي خَريرُهُ امتَزجَ بِنسمَاتِ الهَواءِ.. طُيورٌ فَوقي تَقفزُ عَلى أَغصانِ الأشجارِ.. تَغريدُها كَان سِمفونِيّةً عَذِبةً.. مَوجةُ هَواءٍ بَاردٍ تُداعِبُ خُصلاتِ شَعري وأَنا غارقٌ فِي ذاك المَنظرِ السّاحرِ أَنعمُ بِحنينٍ لَا آملُ أَن أَخرُجَ مِنهُ بتاتاً.. بتاتاً..
//
..
مِن موضِعِي نَهضتُ مُكمِلاً طَريقِي، طُولٌ شَاسِعٌ لِطريقٍ وَعِرٍ كَهذا.. حَقاً يَعرِفُ القُدمَاءُ أَينَ يُخبّئُونَ كُنوزَهُم وَأَبحَاثَهُم غَير المُثمّنةِ وَلا المُسعّرَة.. نَظرتُ نَاحِيةَ بُوصَلتي المُطوِّقة لمِعصَمِي فَكانَتْ السّاعةُ تَرتجِفُ مُهتزَّةً مُتوقِّفةً عِندَ الخَامِسَة مَسَاء ذَاك اليَومِ المُريبِ، فَالبوصَلةُ.. لَا تَعملُ..
//
..
الغَابة وَصلتُ لَها، عَتمتُها الخَاشِعةُ لِأَشِعّة الغُروبِ كانَت مُلتفَّةً حَولَ ضَبابٍ لُطِّخَ بِالرّمادِ.. الأَشجَارُ مُحترِقَةٌ دُونَ نَارٍ.. وَالحَشَائِشُ سَوداءُ فَاحِمةٌ كَأنَّ الزّمنَ انتَقمَ مِنها وانصَرمَ مُتوقفاً عَلى حَضرتِها.. حَفيفُ الأشجَارِ كانَ مُوحِشاً حقّاً.. لَو لم أكُنْ أَنا، لَرُبما مَاتَ خَوفاً آخرُون.. سَيفِي سَحبتُهُ مُخرِجَاً إيَّاهُ مِنْ غِمدِهِ الفَاحِمِ، مُستعِدّاً لِلهُجومِ القَادِمِ..
//
..
أَضحتْ الأَرضُ حَولِي بِلون شَعرِ رَأسِي.. سَوادٌ لُطِّخَ بِالدّماء، وأفاعٍ مُهشّمةٌ عَلى الأَرضِ.. كَان المَنظرُ يَليقُ بِي أَكثر مِن أَيّ وَقتٍ مَضى، أَحببتُه.. أَحببتُ هَذهِ الدّمَاء.. وَصلتُ أَخِيراً.. إلى هَدفِي.. ضَريحٌ مَهجورٌ قَديم اتّخذَ مِن الظُلمةِ كِساءً.. كُل شيءٍ مُحطّمٌ، مُهشّمٌ، مُكسّرٌ، مُفتّت.. تَنكسِرُ بعضُ أَشعّةِ الشّمسِ مِن السقفِ فَتسقُطُ عَلى الأَرضِ الرّمادِيّة.. تِمثَالُ أَفعَى كُوبرا عِملاقَة أَمامِي وَيحتَضِنُ ذَيلُها تِلك الزّمرُّدةَ الخَضراءَ مُلتفاً حولها..
//
..
بِخطَواتٍ بَاردةٍ هَادِئَةٍ تَقدّمتْ قَدمايَ صَوبَها، فَحِينَ لَحظةِ اقتِرابِي.. تَهشّم تِمثالُ الأَفعَى وَتكسّر كَاشفاً بَاطنها حَيثُ كَانتْ.. كُوبرا حَقيقيّة!
إلى الخَلفِ تَراجعتُ بِضعَ خُطواتٍ وَسِلاحِي أَخرجتُ مُنتصباً فِي وَضعيةِ استعدادٍ.. هَاجمتنِي وَهاجمتُها وَتبادَلنا ضَرباتٍ خَفيفةٍ تَمهِيداً لِلعاصِفَةِ الّتي سَتتلُو الهُدوء..
لَم تُفلِح الرّصاصَاتُ فَقد كانتْ تَصُدُّهَا بِبراعَةٍ وَتتفَادَاهَا كَما لَم يَتوقّع عَقلِي، سَيفيَ أَخرجتُ وَبدأتُ أَستعدُّ لِلهُجومِ.. الزُّمردةُ لَا تَزالُ مُطوَّقةً بِذيلِها، حَدّقَتْ مُطوّلاً فِي عَينيَّ البَارِدتَينِ حَيثُ لم أُحِسَّ بِخوفٍ مِن مَظهرِها المُرعبِ ذَاك وَلا ارتَجفَتْ مُقلتَايَ حِينَ لَحظَةِ خُروجِها مِن غِطاءِ عَتمتِها بَعد كُل تِلك السّنينِ السّاكِنَة..
//
..
أَخرجَتْ أَنيَابَها حِينَ فَتحت فَمها استِعرَاضاً أَمامِي مُختزِنةً دَاخِلها سُمّاً سَتغرِسُهُ فِي أَعمَاقِي فِي لَحظةٍ شَاءتها، فَحيحُها عَالِ الصّدى امتَلأ بِمشاعِرها وَرغبتِها فِي سَفكِ دَمِي..
بِبرودٍ انتَصبتُ مُحرّكاً سَيفي يميناً وَشمالاً مُشيراً لَها بِيدي مُستخفاً أَن "تَعالَي وَاقترِبي يَا حُلوَتي".. إِنقَضَّتْ عَليَّ مُهاجِمةً إيّايَ بِسُرعةٍ فَتخَطّيتُها، فَسُرعَانَ مَا فَاجأَتنِي بِالتِفَافِها حَولَ جَسدِي وَأَنا انْتَصَبتُ مُندهِشَاً جَرّاءَ سُرعتِها الصّوتِيّة تِلكَ..!
//
..
وَجهِي قَابلَ وَجهَهَا وَعيْنَانَا مِنْ حِدّةِ النّصلِ أَمسَتَا بِقسَاوَةٍ اشتدّتْ معالمُ وجْهَينا وَثقةٌ ترقُصُ لها العُيُونُ خوفاً إِنْ رأَتها.. قيّدتْ حَركتِي وشلّتها مُحاوِلةً عَصرَ جسَدِي بقوّتِها..
ضاق تنفّسي وشحّ الهواءُ مِنْ حُنجرَتِي، رأسها قرّبتهُ مِنْ عُنُقِي لِغرسِ أَنيابِها فِيه.. فاجأتُها بضربةٍ بِرأسِي فكّتْ عَنِّي قَيدَها وأَطحتُها أرضاً بعدها..
//
..
أَنفاسِيَ التقَطتُها فحاولتْ سحقِي مَرّةً أُخرى..
فقيّدتُها بسحرِيَ الأَقوى وبسيفي بدأتُ عمليّةَ تعذِيبٍ ففي فمِها غرستُهُ ببُطئٍ قاتلٍ وهشّمتُ أنيَابَها الطّوِيلَة السّامّةَ مُكسِّرَاً مُحَطِّمَاً إيّاها فَصرخَاتٌ تَلتْهَا صَرخات وَالدِّمَاءُ تَتقطّرُ عَلى الأَرضِ كالأَمطَارِ..
ثُمَّ فِي جَسَدِهَا مَرّرتُهُ مِنْ فَمِها لِتَتعَالَى أَصوَاتُ أَنِينِهَا.. أبعدتُ سِحريَ الأسودَ المطوِّقَ لَها وبدأتُ أُقطّعُها إلى أَجزاءٍ وأَشلاءٍ فَتَناثَرَتْ الدّمَاءُ مَمزوجةً بِالأَحشاءِ مَكسُوَّةً بِالتُرابِ وَالفَحْم..
//
..
الزُمرُّدةَ التقطتُ وحِينَ اقتربَتْ لوهلةٍ مِنْ توأَمِها أَشعّتا بِضياءٍ يسحقُ البَصر وَالنّظر.. ببعضِهِما التَصقَتا وَاكتملَتْ العِبارةُ قَليلاً:
"((نحلمُ ونبحثُ في العقول، والأحلامُ لاتفهمُ مانقول، ولا نستطيعُ إلاّ أن ننسى، في عالم أحلامِ المأسى،. ستستمِرُّ الأحلامُ بالظهور، والأفعالُ تقومُ بما في ذِهننا يجور، والطريقُ لا يشعُّ إلاّ بالنور، الّذي علينا بابُ فتحِهِ الّذي يدور،.))..
ما كُلُّ هذا..؟ والعباراتُ لم تكتمل بعد.. أَوشكَ الظلامُ عَلى كِساءِ هَذا اليوم.."
//
..
بسُرعةٍ خَرجتُ مُتّصِلاً بالسَّيِّدِ تايلر مُبيِّناً لَهُ أَنَّنِي عائِدٌ إِلى الفُندُق.. سَاعتِي انطبقَتْ عَقارِبُها عَلى السّابِعةِ والمَسافةُ طَويلةُ وأَنا مُرهق.. حِين نظرتُ إِلى أَنوارِ المدِينَةِ تبرُقُ أَمامِي..
عَلى الأَرضِ سَقطتُ مغشيّاً عَليّ..
//
..
وانتيهنا -w-
أتمنى أن حماستكم ازدادت مع نهاية هذا الجزء =w=
في الجزء القادم مغامرة بطلنا تستمر
وسينكشف جزءٌ من حقيقةِ دارك المُبهمة المعالم
الجزء السادس تحت عنوان
..//|*|~السفاحُ الحنون..؟ وَتستمرُّ الرحلة~|*|//..
إلى لقاءٍ آخر~




رد مع اقتباس

المفضلات