من سالف الأزمان في قصة الإنسان
ذنـوب تـلو ذنـوب كـفـر بالـرحـمـن
من هنا تبدأ القصة ، قصة الإنسان ، الذي لم يكن خلقه عبثًا ، بل لغاية عليا وهدف سامٍغير أن هذا المخلوق بدأ بالتمرد والعصيان ، وأبى فريق منه أن يعمل ويحقق تلك الغاية المطلوبة، فتكبر وتجبر، وتمرد على الحق وكفر، وهو الذي لم يكن شيئًا يذكر
توالت بعدها السنون، وأُرسِل المرسلون ، فمنهم من عاد إلى طريق الرشد ، ومنهم من أصر على أن يبقى كافرًا، وأصبح هدفهم السعي وراء ما يشتهون ، وأهملوا أنفسهم التي تحتاج العناية وهم لا يدركون
وتستمر الحياة من هذا المنطلق ، ويطمع البعض في المزيد، فتراهم يطلبون العلم ليكون لهم منزلة رفيعة بين الناس ، ليس حبًا وطاعة لله، فيفشلون فشلًا ذريعًا حينها ، لأن العلم الذي يريدون نور لا يمكن أبدًا أن ينال شرف اكتسابه عاصٍ يتخبط بين دهاليز المنكرات ، وإن نجح في نهل جزء من فيضه فإنه لن يستلذه وذلك لأنه أخطأ عندما نوى به رضى الناس دون رضى الله
وعند نهاية المطاف ، يدرك البعض أنهم خسروا خسرانًا عظيمًا ، فيتملكهم اليأس والقنوط ، وربما يصل بهم الحال إلى الرغبة في التخلص من حياتهم الكئيبة التي لم يعد لها معنى ، فيخسرون في الدنيا والآخرة بينما كان عليهم أن يعودوا إلى غافر الذنوب ، التواب الكريم ، الذي خاطب عباده الذين ضلوا عن الطريق في قوله:{قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[SUB](سورة الزمر، 53)
النفس والجسـد اثنـــــان يختـصـمان
لتـربح اجعلـــهما في الحق يجتمــــعان
.............................. # أبي الفتح البستي
- قد يتناسى البعض الهدف الأسمى من وجودنا على هذه البسيطة ، فينشغل بخدمة جسمه ويسعى لتغذيته وتلبية رغباته ، بينما يهمل نفسه التي هي الأجدر بأن تنمى وتتلقى عنايته ، وبذلك يلقى الخسران والحسرة في نهاية طريقه التي لا يمكن أن تؤول إلى نتيجة أخرى .
كما أن الجوهر ( النفس ) هو أساس الإنسان ، والجسد مجرد جسر عبور ينقل النفس إلى الحياة السرمدية ، لذا أليس الأحرى بنا أن نقوي أنفسنا لنربح وننعم برغد العيش أبدًا ؟!
هناك من أفنى عمره في تلبية طلبات جسده ، طلبًا للراحة والاطمئنان، بيد أنه لم يفلح ، لأنه لم يلبي طلبات نفسه أولًا ،
ولم يعرف السبيل لذلك .
الأمر ليس مستحيلًا ، فكل ما ينبغي فعله هو اتباع أوامر خالق الأكوان ، فهي حجر الأساس في بناء شخصية مسلمة، صحيحة النفس، وتثبيتها بأعمدتها التي تتمثل في هذه الصفات:
- قوة الصلة بالله: وهي أمر أساسي في بناء المسلم في المراحل الاولى من عمره حتى تكون حياته خالية من القلق والاضطرابات النفسية ؛ وتتم تقوية الصلة بالله بتنفيذ ما جاء في وصية الرسول صلّ الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس : “يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ , وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ “رواه الترميذي وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة“ احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً".
- الثبات والتوازن الانفعالي: الايمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب. قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [SUB](إبراهيم، 27) [/SUB]، {هُوَ الَّذِيأَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [SUB](الفتح، 4) [/SUB].
- الصبر عند الشدائد : يربي الإسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى : {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[SUB](البقرة[SUB]177) [/SUB][/SUB][SUB]وقول [/SUB][SUB]الرسول[/SUB][SUB] صلى [/SUB][SUB]الله[/SUB][SUB] عليه وسلم : [/SUB][SUB]“عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"[/SUB][SUB].[/SUB]
- المرونة في مواجهة الواقع: وهي من أهم ما يحصن الإنسان من القلق أو الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى : {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [SUB](البقرة، 216)[/SUB].
- التفاؤل وعدم اليأس: فالمؤمن متفائل دائما لا يتطرق اليأس إلى نفسه فقد قال تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُواْ منرَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون} (يوسف، 87) ، ويطمئن الله المؤمنين بأنه دائماً معهم , اذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم اذا دعوه : “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” وهذه قمة الأمن النفسي للإنسان.
- توافق المسلم مع نفسه: حيث انفرد الإسلام بأن جعل سن التكليف هو سن البلوغ للمسلم وهذه السن تأتي في الغالب مبكرة عن سن الرشد الاجتماعي الذي تقرره النظم الوضعية وبذلك يبدأ المسلم حياته العملية وهو يحمل رصيداً مناسباً من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم والسيطرة على نزعاته وغرائزه وتمنحه درجة عالية من الرضا عن نفسه بفضل الايمان والتربية الدينية الصحيحة التي توقظ ضميره وتقوي صلته بالله .
- توافق المسلم مع الآخرين: الحياة بين المسلمين حياة تعاون على البر والتقوى , والتسامح هو الطريق الذي يزيدالمودةبينهم ويبعد البغضاء , وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وقوة التوازن النفسي : {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}[SUB](فصلت، 34-35)[/SUB].
[/SUB]
إذًا هل نفهم مما سبق أن الجسد لا يحتاج إلى تنمية، وأن علينا أن نمتنع عن تلبية احتياجاته ؟!
بالطبع لا، صحيح أن النفس مهمة وكرمها الاسلام، لكن الجسد عامل مهم أيضًا في وصولالنفس إلى الهدف الأسمى ، وحثنا على الموازنة بينهما، فلا يطغى جانب منهما على الآخر، فإن ذلك مخالف لفطرة الإنسان التي جُبِل عليها، وقد تؤدي لنتائجلا تُحمَد عقباها، ومن أروع الأمثلة العملية في التوازن بين النفس والجسد ما وصل من موقف الرسول هذا :
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : جاء ثلاث رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي -صلّ الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلّ الله عليه وسلم - فلما أُخبِروا؛ كأنهم تقالُّوها -أي: عدُّوها قليلة !
فقالوا: أين نحن من النبي - صلّ الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر !
قال أحدهم : أمَّا أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
فجاء رسولالله - صلّ الله عليه وسلم – فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".[SUB]رواه البخاري ومسلم[/SUB][SUB].[/SUB]






رد مع اقتباس

المفضلات