جُزيت خيرًا على هذا الطرح.

لا شك أن دور المنتديات بدأ بالانحسار والتراجع أمام مدّ الشبكات الاجتماعية. ولكن هذا التغير سلبي للأسف من ناحية الدوافع والنتائج.

بداية، لم تحل الشبكات الاجتماعية مكان المنتديات كبديل، لأن البديل هو ما يقدّم ما كان يقدمه المُبدَل عنه، وفي العادة أن يكون البديل مطورًا ومحسنًا للمبدَل عنه، لا العكس. مثالٌ ينطبق عليه تعريف البديل هو الألواح الذكية التي حلّت مكان الكتب والكراسات في بعض الدول. في حالة الشبكات الاجتماعية، نرى المحتوى في تراجع، فمعظمه عبارة عن منقول ومنقول عن المنقول وشائعات ودردشة وكلام تافه و"سيلفي والجوال خلفي" وما إلى ذلك (إلا من رحم ربي). إذا دققنا النظر، نرى أن الشبكة الاجتماعية هي تطور لمبدأ برامج الدردشة المباشرة (مثل المسن والياهو)، إذ إنها من النوع الذي يشبه المقاهي الإلكترونية حيث يقضي الناس أوقات فراغهم ولا يحتاجون لبذل جهد ذهني كبير للمشاركة أو التعليق، كما أن بإمكانهم البقاء على اتصال في أي وقت ومكان بسبب الهواتف والألواح الذكية.

من الناحية الأخرى، ما يميز المنتديات هو التنظيم، لا الاحتكارية. فالمنتديات أولاً ليست احتكارًا على أصحابها ولا مشرفيها ولا كاتبي المواضيع فيها، بل يُسمح فيها بالتنوع وطرح الآراء المختلفة والنقاشات ضمن ضوابط ونظام. المنتديات هي الوسط بين الموسوعات الجافة، التي لا تقبل إلا المعلومات الصرفة، وبين أدوات وقنوات ووسائل الدردشة التي لا تملك ضوابط أو حدود في الغالب.

يمكن تشبيه المنتدى بالمكتبة أو قاعة المطالعة أو نادٍ ثقافي علمي أو أدبي، حيث يمكن الأخذ والرد فيه والنقاش والإفادة والاستفادة وتبادل المعلومات والخبرات وإنشاء الدروس والدورات والفعاليات والمسابقات وغير ذلك، عدا أن الشبكات الاجتماعية لا تملك المؤثرات والمحسنات البصرية والجمالية التي تتيحها المنتديات لروّادها. أما الشبكات الاجتماعية مقارنة بالمنتدى فهي أشبه بالمقاهي المفتوحة في أوساط الطرقات، وهي في المستوى الجمالي والبصري قد تراجعت خطوات إلى الخلف عما الحال عليه مع المنتديات، فلا يمكن تحرير النصوص والخطوط وإضافة المزينات الرسومية وتغيير ستايلات الصفحات فيها كما الحال مع المنتديات.

بعد انتشار الهواتف الذكية وأخواتها وتوفرها بأسعار رخيصة مقبولة حتى لأصحاب الدخل المحدود، زاد الإقبال على الشبكات الاجتماعية لا سيما في العالم العربي، وهجر معظم رواد الإنترنت المنتديات مع غنى محتواها وكثرته وتنوعه. إن دلّ هذا على شيء فهو يدل على الانحطاط الفكري الذي بدأ يصيب الناس عامة، حيث ضعفت اهتماماتهم الثقافية والعلمية والأدبية والفنية، وما ذلك إلا نتيجة سوء التوعية والفلتان الذي صار عُرفـًا في هذا الزمان، فالله المستعان.