|[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 20 من 22

مشاهدة المواضيع

  1. #14

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    _ حديث نفس _

    لماذا تتواجد نجوم صفراء تتراقص حول رأسي؟

    أشعر بالصداع ينطلق كالألعاب النارية من دماغي مروراً بالطبقة الرابطة السميكة نحو الجمجمة و من ثم يتفرقع بالقرب من شعرات رأسي التي بدأتُ بفقد جزءٍ منها!

    علمٌ كثير، و نظرٌ ضعيف تقوم عدساتٌ سميكةٌ ذهبيةُ اللونِ ببثِّ الصورِ عاليةِ الجودةِ إلى العين، وهيئة آكلِ الكتبٍ هادئٍ ينفر الناس منه، ووجه جادٌ نادر الابتسام، لصيق بالدكاترة كما يدعون، مسيّر حسب قوانين المنطق البحت، هذه الأوصاف تنطبق تماماً عليّ، عدا كوني لصيقاً للدكاترة فهو افتراء، أضافة إلى ذلك فإن التخصص الذي أدرسهُ هو الكيمياء الحيوية ~

    أفتح عيني، و يتبدل الظلام نوراً، أتذكرُ أين أنا الآن، من خلال ما حولي، فأنا في مكتبةٍ تقعُ وسطَ سوقٍ افتتح في صغري، اعتدت القدوم إليه مذ ذاك الحين مع أخي، هيئتها رثة، وكتبها مغبّرة، صاحبها طاعنٌ في السن، تقشر صبغ شعره الأسود حتى غدا أبيضاً قبل سنين، و ما لبث و أن فتك الصلع بشعيرات رأسه كلها. ما يجذب فأراً مثلي إلى هذا المكان هو رائحة الكُتب هنا و الغائبة من أرفف المكتبات الجديدة، وذكريات احتواتها جدران هذا المكان، و الأهم من ذلك كله كتبٌ متنوعة رخيصة وقديمة نوعاً ما تشبع تعطشي إليها، للأسف صاحبها سينفق مخلفاً كنوزاً معرفية لن يُلقي لها أولاده من بعده بالاً بها ~

    أعرف أني ثرثرتُ كثيراً متجاهلاً كومةً من الكتب الملقاة على الأرض من حولي و فوقي، تذكرتُ أن سريان هذه الكتب فوق رأسي هو سبب خمودي فاقداً للوعي لوقتٍ أجهل تحركات عقاربهِ أَثناء مرورهِ ~

    حملتُ الكتب، وأعدتها إلى أرففها وهي شاكرةً لي لتحررها من بقعتها التي لم تبرحها منذ سنين، فيما كنت أحاول تذكر بالضبط ما الذي جاء بي إلى هنا دون جدوى!

    خرجتُ فارغَ اليدين، شاردَ الذهن، متجاهلاً صاحب المكتبة وهدفَ قدومي إليها، و أخذت أسير خبط عشواء في السوق محاولاً تذكر كيفية سقوط الكتب فوقي، فيما أنظر إلى عقارب ساعتي المزعجة للكثير بصوتها (تِكْ_تِكْ_تِكْ_تِك...) علني أفهم كيف سقطتْ الكتب و كم لبثتُ مرمياً على سجادة المكتبة التي نفثتْ أمعائُها رائحة الرطوبة والغبار فبخّرت بها رئتي ~

    في ظل هذا التخبط اصطدمتُ بمارٍ، قال بأعصابٍ باردة: "أعتذر" ~
    صوتُهُ مألوفٌ، رفعتُ رأسي للتعرف على ملامحه قائلاً بالبرودة ذاتها: "لا عليكَ، كان خطأي"، فإذا بالصدمة تشدني من شعري وتفقدني صوابي!!

    كيف يمكن أن تكون لملامحِ هذا الشخص هيئةٌ توحي بأنهُ كثيرُ العلمِ، لصيقٌ بالدكاترة؟! كيف يمكن أن يكون ضعيفَ النظرِ تقومُ عدساتٌ سميكةٌ ذهبيةُ اللونِ ببث صورٍ عاليةِ الجودةِ إلى عينهِ؟! كيف يمكن أن تكون هيئتهُ كآكلِ كتبٍ هادئٍ يشعركَ بأن الناس تنفرُ منه؟! كيف يمكن أن يكون لوجههِ الجاد، والمبتسم نادراً إيحاءً بأن قوانينَ المنطق تسيِّرهُ؟! بل بالأساسِ، كيف يمكن أن يكونَ طبقَ الأصل عني؟؟!! كلا، بلْ أن يكونَ هوَ أنا!!

    أتراجعُ خطوةً للخلفِ، يتضحُ ملامحهُ أكثر، يرتدي مثلي، حذاوهُ يطابقُ حذائي، وساعةُ يدهِ مطابقةٌ للتي أحملها، لونُ عينيهِ تحت العدسة كلون عينيّ تماماً، الفرق الوحيد أنني أنظر إليه منصدماً و أنا الذي هناك ينظر إليّ هادئاً!!

    تقودني قدميّ إلى الساحة الرئيسة لهذا السوق، و التي تكون دائمةَ الإكتظاظِ أوقات النهار، تلهث رئتاي، و تسعلان الرطوبة و الغبار اللتان اشتنشقتهما هناك، مع كومة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وأنفاسٍ حائرة ~

    أرفعُ بصري نحو الناس، أُخالني صرت مجنوناً، أشهق بصوت جهوري، لا يتلفت إليّ أحد، الشبابُ و الشُيَّابُ، العجائزُ والأطفالُ، و النساءُ، جميعهم نسخةٌ مني، أو أنا نسخة منهم كلهم، لست أدري حقاً!! ~

    وسط الذهول أصبتُ بصداعٍ يتلاعب بالبيانو في عقلي دافعاً بي إلى تحمل نشازه المزعج و الذي أدى إلى إحداث دوار بسيط أضعت الحياة من حولي بسببها لأجزاء من الثانية، أستنجدتُ بالكرسي القريب لأن يمُدَّ يده، ولأن يحتمل ثقلي عليه، وألا يكون هو الآخر نسخة مني!!

    جلست عليه، أنظر إلى الأرضية الشطرنجية الحجرية -لعبتي المفضلة- المبسوطة على الأرض بنسقٍ يدفعني إلى الابتسام تذكراً لذكريات إلتقطها يتيمةً هنا، أفكر في الحركة القاضية التي أحرك بها حجر الشطرنج الذي نسجتَهُ مخيلتي، أنتظر اختفاء الصداع تدريجياً، أُهدِّئ من روعي لأن يكون كل هذا إثرَ سقوط الكتب فوقي لا غير ~

    ظننتُ أن كل شيء أضحى في مكانهِ الأصلي بزوال الدوار، ظننتُ أن الوجوه عادتْ إلى أصحابها، و بالمثل هيئاتهم و شخصياتهم، لكنني لم أكن صائباً البتة! المحلات من حولي تترجمني، تبيع ثياباً كالتي في خزانتي، والمطاعم تطهو أصناف طعامي المفضل! و الناس هم أنا، أو أنا هم الناس، لم أعد أفهم!! فأنّى يؤول الحال إلى هذا المآل؟

    هل من الممكن أن أكون قد أصبت بتعويذة كانت في إحدى الكتب حينما سَقَطَتْ فوق رأسي؟!
    كيف يمكنني أن أفكر هكذا والمنطق هو ما أتبعه؟
    هل من الممكن أن تحوِّلُ الصدمة اللامنطق إلى منطق؟ و اللامعقول بالنسبة لي إلى معقول؟!
    على السر أن ينكشف من وراء الحجاب، و على اللغز أن ينتهي بحلٍ منطقي ومقنع للعقل ~

    أعود جرياً إلى المكتبة، و عيني تتأكد يمنةً و يسرةً من الأمور، هل تزال غريبة كما هي؟ أم عادت لسابقتها؟ دون أن يكون للخيار الثاني أي دليل تلمحه عدستيّ وتؤكدها عينيّ ~

    اقتحمت المكتبة هلعاً، ناهماً عن جوابٍ يشفي غليان الأفكار في داخلي و ثوران بعضها، أنجذبُ كالمغناطيس إلى حيثُ بدأتْ الحكاية بسرعةِ عداءٍ أولمبيٍّ يكاد يصل لخط النهاية، تتفقد أداة استشعاري الفاحصة (العين) سر وجودي في المكتبة من خلال تمشيط الكتب محاولاً تذكر ما الذي كنتُ أفعله تحديداً بين هذه الرفوف التي تعرض كتباً لا يستميلُ إليها قلبي، ولا يؤوي أفكارها عقلي مطلقاً!!

    تبدو الكتب للوهلة للأولى أنها تتطالعني، تناجيني لأن أخرجها من بين بقية الكتب المتعفنة هناك! و أمرِّن عضلاتها الرقيقة بقرائتها متأنياً، لكنني أحب هذه الرائحة فإني أرى أن لها رائحة الأجداد بين طياتها. و قبل كل هذا، لا وقت لدي لاستنجاد كتاب أو الرأفة بها~

    أتوقف عند كتاب، غلافهُ أحمر، صفحاتهُ غدت بنيةُ اللونِ، هزيلةُ القوام، وعُنوِنَ بكتاب الأمنيات، أُوجِسَ في نفسي خيفة منه! أهو خيالي؟ أهو حقيقي؟ تباً، كيف للمنطق أن يتعطل في هذا الوقت الحرج؟ ولماذا لا يقول لي أن الكتاب عبارة عن تراهات صدقها الأقدمون؟ لماذا ينفث الكتاب رائحة لذكرياتٍ تربطني؟! سحقاً، كيف لا أتذكر شيئاً؟
    حملته برفق، كمن يعامل ابنه حديث الولادة، وفتحت صفحته الأولى بلطف، وقد كتب عليها: تحذير، لا تقرأ الكتاب بصوت جهوري إلا إن رغبت في تحقيق أمنيتك!

    أذكر أن هذا المشهد يتكرر، و كأن للصورة صدىً ارتد قبل قليل، و بما أن وجود صدىً للصورة أمر محال، فهل ما أمر به محض خيال؟
    حاولت التذكر مرة أخرى
    و قلت بصوت خافت: ليتني أتذكر ما جرى؟
    لا جدوى، لم أتذكر شيء،
    "كتاب فارغ فحسب! "، همست بتلك الجملة.
    قلبت بضع صفحات، من جديد همست: ليتني أتذكر ~

    ما خطب الدُنيا اليوم تَتلبّسُ الواقع وتخلطه بالخيال؟!
    شيء ما حدث!
    ارتفع الكتاب من بين يدي! صار يطفو في الهواء
    تقلبت صفحاته بعنف حتى خلتها ستتمزق قطعاً، و يورطني. صوت ما يشبه الطنين يغزو أذني بهمجية النحل الإفريقي الشرس، و صداع يكاد تقتلع دماغي من مكانه!

    هنينة، و زال الطنين و الصداع، ظننتني أصبت بالصمم على إثر ما جرى! وفقدت عقلي تماماً، لكن هذا ما لم يحدث للأسف! استقر الكتاب بين رحمة يدي فأعدته مكفهرَ الوجهِ إلى موقعه، عرفت ما جرى، و عدت أدراجي ساحباً معي أطنان الخيبة والحسرة والندم، كمعتقل أُحكم عليه بالإعدام شنقاً في حين كانت أمانيه بالحرية عاليةً تناطح السحاب ~

    قبل سويعات من أن يؤول حالي إلى هذا الحال، كنت في الصرح الجامعي الضخم، بين ممراته الخارجية المحيطة بأزهار متنوعة و روائح الربيع المنعشة، تلقيتُ ألفاظاً سيئة من زملائي و سوءاً في التعامل رفع من عَدَّادِ غضبي، و كاد يدفع بي إلى الشجار، لولا اقتدائي بأخي الكبير و سيري على خطاه لما كانت المكتبة لتشهد وجودي اليوم، وما كانت للأحداث أن تنال هذا المنحنى من العشوائية وعدم الاستيعاب!

    لا أدري لمَ اليوم تحديداً تذكرتُ أن أخي كان يندفعُ إلى المكتبة كلما غضب في صغره، يخرج بالكتاب الأحمر الذي يقدسه، ينطق بكلمات بصوت جهوري و يختفي غضبه!

    على إثر ما تذكرت، أندفعت للمكتبة مقلداً إياه، حملت كتاب الأمنيات و قلت بصوت جهوري و بخنق شديد علني أفرغ براكين غضبي وأبرد حممه: "أتمنى أن يصبح كل الناس مثلي فلا يعيبني أحد" ~

    و للأسف فقد حدث ما حدث، و سيظل العالم في نظري هكذا للأبد...

    وصلتُ إلى منزلي، وجثمت على سريري منهكاً، نادماً على انفعالي وعدم تفكيري بما جرى، لائماً حظي العاثر على مصيري الذي أَلصقتُ نفسي به
    ليتني أنني فقط لم ألجأ إلى كتاب الأمنيات، و ليتني لم أتمنى ما تمنيتُ، وياليتَ يا ليتُ تفيدُ ~

    ( لو أنه فقط أمسك بكتاب الأمنيات ليتمنى عودة الأمور إلى حالها لعادت، لكنه لم يفعل )

    -تمت-
    التعديل الأخير تم بواسطة قصاصات حلم ; 20-6-2015 الساعة 03:58 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...