التساؤل الإيجابي والشك البنّاء هو الذي لايقف عند دهاليز الحيرة بل يعمل على تجاوزها ، فهنا يستخدم الخطاب القرآني أنموذجًا آخر لتعميق فكرة التساؤل.. إنه موسى عليه السلام, فموسى - سأل ما لا يُسأل عادةً - وهو أن يراه : { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} إن سؤال موسى لم يكن ترفًا جدليًا بل كان منسجمًا مع واقع العبرانيون الذين يؤمنون بالرؤية التجسيمية فيأتي الجواب الإلهي بصورة عملية بليغة . فالأسئلة هنا والشكوك لا تساور الكفار وأعداء الرسل, بل تأتي على ألسنة الرسل أنفسهم, والأجوبة الإلهية لا تأتي بشكل صواعق تحرق حناجر الرسل الذين تجرؤوا ونطقوا بالسؤال, بل تأتي لتوجه السؤال نحو الطبيعة -كالجبل الذي اندك- ، فيكون للعقل الذي سأل دورًا في الجواب وليس مجرد شاهداً سلبيًّا فحسب, بل يُستدرج العقل لإبداع الجواب وتكوينه. وهذا التساؤل الفعال قد يفتح باب اليقين النهائي ، لا الضياع والإلحاد كما يحاول البعض أن يوهمنا !..


القرآن إشراقة لعقولنا وقلوبنا