يعمد الخطاب القرآني إلى استفزاز المتفاعل معه ويضعه في أجواء فكرية ونفسية وعقلية معينة. على سبيل المثال الأسئلة المزلزلة التي وردت في سورة الواقعة تباعًا : {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}, {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}, {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ}, {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ} ... وهكذا تنطلق حمم الأسئلة التي تحاصر تستنكر تستنطق العقل. وهنا ركزت التساؤلات على عدة محاور أحدها كان الزراعة, إلا أن سورة الواقعة سورة مكيّة فالخطاب هنا موجه للإنسان المكي الجاهلي وهو إنسان يعيش في مجتمع لم يتعود الزراعة بل يعيش في وادٍ غير ذي زرع فإلى أي شيء يشير الخطاب القرآني؟!! إنه يوسّع أفق الإنسان المكي باتجاه شمولية العالم فيشير بشكل خفي وغير مباشر أن الزراعة ليست مجرد مجموعة عمليات الفلاحة والحصاد بل هي رمزًا للتطور الإنساني الضخم الذي تم عبر آلاف السنين. كذلك الماء والنار الذي جاء ذكرهم في سلسلة من التساؤلات الضخمة والحارة كل تلك التأملات تشير إلى قناعة مفادها أن الإنسان لا يقف وحده تنبهه إلى قوة عليا أكبر من الطبيعة وخارج نطاق التصور. والمهم هنا هو التساؤل بحد ذاته, التفكير بهذه الحقائق الأساسية والتأمل فيها هو المهم لتوسع مدارك الإنسان نحو أفق حضاري جديد أفق يربط وسائل الإنتاج بالله.
بالقرآن تعمر حياتنا




المفضلات