إن معي ربي,.


مدخل#

"لقد اختارني الله ومن معيَ لهذهِ المعجزةِ المُخرسة!"
كان الجُندُ شديدو البأس يسعون خلفنا حتى بعد فراقنا للعمران,
وكلما انثنى الوقتُ كانوا يقتربون منا شبرًا ... ذراعًا ... باعًا
حتى خِلنا أننا سنقعُ بين رماحهم, ثم ... لم نُكمل الهرب؛ لأن البحرَ حاصرنا وقطعَ علينا سُبل الفرار.




1#
تجمدَت خطوتنا, ونازعت الهمهماتُ المرعوبةُ حُرمة الصمتِ, ولاح من خلفنا ضربُ أقدامهم في الأرض.
جوارَ شقيقهِ كان يقفُ بثباتٍ أمام البحرِ متوكأً على عصاه, وكأنهُ يعلمُ يقينًا أن للطريقِ بقية.
صرخَت بهِ عجوزٌ من بين الجمع بعد أن تراءت لنا الجحافلُ الآتيةُ للفتك بنا: (إنّا لمُدرَكون)!
التفتَ لنا ذلكَ الرجلُ المهيب, وقال بصوتٍ هادئٍ واثق: (كلا, إن معي ربي سيهدين).
ثم رفع رأسهُ للسماءِ كأنما يُنصتُ لصوتٍ عبَر منها لروحه, اعتدل في وقفتهِ, ورفع عصاهُ, ثم هوى بها على البحر ...




2#
لم نفهم ما حملَهُ على فعلِ ما فعله, كلُ ما عرفناهُ هو أن تلكَ العصا هي معجزةٌ بحدِّ ذاتها؛ فقد اقشعرّ بدني فَرَقًا حين الْتَوَت على نفسها وتحوّرت إلى حيّةٍ حيّة!
وكما ظننتُ, فقد حدثت على يديه معجزةٌ أخرى أشد وقعًا على قلوبنا, كانت تصديقًا من رب موسى لكلمته: (إن معي ربي).
انفلقَ البحرُ وانشقّ وسطهُ سبيلٌ للعبور! بينما ارتفعت فلقتاهُ كجبلين أزرقين عن اليمين والشمال, تقدّمَنا النبيّان وتبعناهما, لكن الجنود كانوا قد وصلوا للشط بالفعل! ولم تُحرِّك هذه المعجزةُ في نفوسهم الحمقاء شيئًا, فلم يتوانوا عن اللحاقِ بنا بين الطودين العظيمين.
كانت المسافةُ بيننا تضيق, وأبطأَ الالتفاتُ للوراءِ ساقَ الواحدِ منا, هتفَ البعضُ بالويلِ والثبور, وانرتقت مؤخرة ركبنا بمقدمة عسكرهم حتى كادت نصال رماحهم وخناجرهم توغل في أجسادنا, لهاثنا شقّ عنان الفضاء, وتلاحقت أنفاسنا وانفلتت أفئدتنا: "أبعد هذهِ المعجزةِ يُدركوننا؟"
كدتُ أرمي بنفسي على الأرضِ لأموت قتلًا على أن أموتَ هلعًا, ولكنَّ رملَ الشطِّ المقابلِ لامس أقدامي لأجدني قد بلغتُ النجاةَ ومن معي!




3#
شقَّ نبيُ الله موسى الصفوف, ورفع عصاهُ وكما فعل من قبل: هوى بها على موضعِ قدمِ آخرِ من عَبَر منا فالتأم البحر!
أدركَ الحمقى عظمة الآيةِ حين غمرتهم المياه, وأعادت هذهِ الحالُ ذكرى الطوفانِ القديم ...
سمعنا صوتًا لم يُبدِ الضعف يومًا من قبلُ قط: (آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت بهِ بنو إسرائيل)!
وعند مخرج صوت اللام, غاب ذلك الصوتُ عميقًا عميقًا في لُجّةِ اليم بينما طفى جسدٌ خاوٍ على سطحه.