لعل أبرز ما يجب أن يثير إنتباهنا عند استعراض معتقدات الجاهلين هو عدم وجود" قصة خلق " تفسر كيف بدأ خلق الإنسان ، وغياب قصة الخلق عند الجاهليين يعكس خللاً في الرؤية التي تحدد علاقتهم بأنفسهم وعلاقتهم بالعالم من حولهم وكان كل ماهم عليه من وضع سلبي وهامشي يجسد هذا الخلل !. كان الإنسان الجاهلي لا يعرف لم خُلِق ولا يوجد في عقيدته ولا أوثانه مايخبره بذلك ! ثم جائت عقيدة التوحيد التي ألغت ذلك التشتت فكانت قصة خلق الإنسان بنسختها القرآنية من أهم الوسائل التي محت القوة للفرد والمجتمع حيث أعادت خلق الإنسان لتجعله أكثر فاعلية عبر إعادة تركيب رؤيته ليس للعالم فحسب بل ، وهو الأهم لنفسه ! فقد ارتكزت الإستراتيجية القرآنية على رفع مستوى رؤية الإنسان لذاته .. على جعل إيمانه بنفسه وقدراته جزء لا يتجزأ من إيمانه بخالقه ، وبدل من احتقار " الذات " وجد الإنسان الذي ولد عبر القرآن أمام آيات قرآنية تجبره ببساطة وحسم أن الملائكة على علو شأنها ، قد سجدت له وأن الله قد أمرها بذلك .. جاء القرآن ليجعل من سجود الملائكة حقيقة أساسية في قصة خلق الإنسان تكرس موقع الإنسان فوق كل المخلوقات بما فيها الملائكة ، ولأن القرآن هو الكتاب الأخير الناسخ لما سواه فإن الإنسان سيستعيد مكانته التي فقدها بسبب رؤى الأديان الأخرى وستكون استعادته لها لحين قيام الساعة ..

القرآن لاستعادة الإنسان كرامته