ومازلت سورة الكهف تأخذنا في أطوار النهضة فبعد الخروج من الكهف يأخذنا سياق السورة إلى الطور الثاني ، صاحب الجنّة وصاحبه ، وسنلاحظ أنهما " رجلان فقط " أي أن الإيمان لم يعد ممثلاً بفتية تمردوا على مجتمعهم والتجؤوا إلى الكهف بل صار ممثلا " برجل " مؤمن واحد ورجل كافر ، لقد قلَّ العدد في الطور الثاني لكن القوة ازدادت وهذا ينفي فكرة " الكم " لمصلحة " النوع " ، فذلك الرجل صاحب " الثوابت" يملك أرضية " الفكر" المستعدة للصمود بوجه الفكر الآخر .. ثم تأخذنا السورة من طور تحديد الثوابت إلى طور التطبيق ، " التفاعل " الإجتماعي الحقيقي وذلك في قصة موسى والعبد الصالح ، تفصل قصة موسى ما بين الرؤية الجزئية للنصوص إلى الرؤية الشمولية فتأخذنا الرحلة لثلاث مواقف نمر فيها أولاً بعدسة سيدنا موسى فنكاد نَهُبّ معترضين ، ثم نمر على المواقف نفسها ولكن ونحن نرى بعين العبد الصالح فنرى كل شئ مختلفاً ، والفرق الوحيد بين موقفنا في الحالتين هو الفرق في الحكم المبني على الرؤية " التجزئية " و الآخر المبني على الرؤية " الشمولية " ، ولم تكن رحلة سيدنا موسى مع العبد الصالح هي المحطة النهائية في أطوار النهضة بل كانت موقفاً أساسياً احتاجته النهضة للوصول للهدف إلى الحضارة المرجوة .. إلى ذي القرنين ، لم تكن حضارة ذي القرنين كأي حضارة وذلك لأن الأسباب التي أوتيت له كانت " من كل شئ" أي العلم الشمولي الذي لايهمل أي جانب ، إنه العلم الذي يستثمر من أجل إصلاح العالم بأسره ; نرى ذي القرنين وهو " يَتّبع الأَسبَاب " وفي كل مره تكرر الآية سنراه وهو يجوب العالم لإصلاحه ونشر الحق والعدل فيه .. إن حكاية الأطوار التي تشكّل مشروع النهضة ليست للمشاريع الكبيرة فقط ! إنها تشملك أنت أيضاً ، تشمل كل من يقرأ القرآن ويريد أن يكون القرآن بوصلته ودرعه وملجأه .. ليس فقط مشروع نهضة كبير بل مشروعك الشخصي .. مشروعك الصغير الذي تقلل من شأنه وتستصغره ، إنّ مشروعك هذا يمكن أن يكون كبيراً جداً عندما يكون جزءاً من المشروع الكبير .. مشروع النهضة الكبير الذي أراده الله لنا وخلقنا أصلاً له ..
كل جمعة تقرأ فيها الكهف كما لو أنك تراجع مراحل تطورك ، تراجع وتقيّم دورك .. كل جمعة يستفزك القرآن ليكون لديك مشروعك ، يستفزك ليكون مشروعك جزءاً من مشروع أكبر .. يتوهج النص القرآني ويبعث الضوء ،، و .. يبقى أن نتوهج نحن !

القرآن لمشروع النهضة الكبير