من غار مظلم صغير لا يكاد يكفي رجلاً واحدًا في جبال مدينة كانت على هامش التاريخ انطلقت تلك النهضة التي غيرت التاريخ, الغار بمعنى الاختباء والكمون وحتى العزلة .. وفكرة النهضة تمر بمراحل وأطوار قد يدوم بعضها دهورًا وقد يدوم بعضها أقل. تحدثنا سورة الكهف التي جرى العرف على قراءتها كل جمعة عن مراحل التخلق والتشكل كما لو أنها تجعلنا نراقب هذا التشكل أسبوعيًا فتجعلنا نتواصل مع مختلف الأطوار, سنراهم أول شيء أولئك الفتية الذين آمنوا بالفكرة فالشباب أول من يعتنق الفكرة الجديدة.. لأن الجيل الجديد أكثر قدرة على رؤية الفساد ربما لأنه لم يفسد بعد, لم يغتالوا الحلم فيه لذلك نراهم في الطور الأول آمنوا بربهم فزادهم هدى.. كان هؤلاء الفتية يغردون خارج السرب, لكن كانت فكرتهم غير مؤهلة بعد للتفاعل في وسط مجتمعهم. لذلك لابد من خيار يحافظ على الفكرة ويمنحها الوقت اللازم للنمو, هذا الخيار هو "الاعتزال" { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} فلننتبه أنه لم يكن عزلة بل كان "الاعتزال" فالعزلة قد تكون حالة يفرضها المجتمع حالة من النبذ والـ لا تواصل أما الاعتزال فهو عملية واعية يمثل فرصة نجاة محتملة, فهو هنا ليس انسحابًا زاهدًا بالمجتمع, بل هو "تكتيك" لمواجهة المجتمع, فالكهف يهيئ لـ"كمون" الفكرة وقد يستمر طور الكمون لفترة طويلة لكن في لحظة ما ستحين الفرصة التاريخية. والأمر يشبه مخاض الولادة, الطفل ولد الآن لكنه سيظل بحاجة إلى العناية والرعاية والاهتمام لكنه من هذه اللحظة فصاعدًا لم يعد جنينًا.
القرآن لجيل نهضوي جديد
المفضلات