أهلا يا من تحب الإطلاع على سير الأصحاب رضوان الله عليهم ,
سأتحث هنا عن الصحابي القائد والمبشر بالجنه أبو عبيدة رضي الله عنه .
قسمت محاور الحديث إلى مقتطفات بسيطة وخفيفة عن سيرته العطرة أسأل الله أن ينفع بها ,
وهي كالتالي :
1) اسمه ونسبه رضي الله عنه.
2) قصة إسلام أبو عبيدة رضي الله عنه.
3) صفاته رضي الله عنه.
4) مكانته رضي الله عنه.
5) قصته مع الحوت رضي الله عنه.
6) أبرز غزواته رضي الله عنه.
7) وفاته رضي الله عنه.
عامر بن عبد الله بن الجراح
بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، القرشي الفهري المكي .
يلتقي مع النبي صلى الله عليه و سلم في أحد أجداده (فهر بن مالك).
كان أبو عبيدة رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر رضي الله عنه ، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه،
فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.
كان رجلاً نحيفاً.
طويل القامة.
معروق الوجه.
خفيف اللحية.
ووصف بحسن الخلق.
وبالحلم الزائد والتواضع.
وقالو : كان يُشْبِهُ نصْل السيْف، رَوْنَقاً وبهاءً، ويحْكيهِ حِدَّةً ومضاءً.
أثرم الثنيتين (والأثرم هو من انكسرت سنُّه أو سقطت من أصلها).
أتدرون لماذا كان أثرماً ، دعونا نستمع لهذه القصة التي رواها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو أبو عبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال : ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فتركته ، فأخذ أبو عبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم ) وكانت هذه الثرمة جعلت من ثغره أحسن ثغر .
1) لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بأمين هذه الأمة :
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " [ متفق عليه ] .
وقد قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا ، فقال عليه الصلاة والسلام : لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين ) . فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ، ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم : " أمينا حق امين" وكان عمر نفسه رضي الله عنه من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك ، بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه _ رضي الله عنه _ أن يكون أمينا حق أمين ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال : قم يا أبا عبيدة ) .
كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه : ( لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فإن سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله ).
2) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعليّ في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة".
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ :
بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيراً لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً - قَالَ -
فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِىُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ (الخبط ما سقط من ورق الشجر بالخبْط والنَّفْض ) ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِىَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ (العنبر حيوان ثدييّ بحريّ من الفصيلة القيطسيّة ورتبة الحيتان)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا قَالَ:
وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ -
فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِى وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ
« هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ؟ "
قَالَ : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ "
[ رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ].
كان أبو عبيدة محارباً شجاعاً و قائداً حكيماً ، قد اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة أميراً لبعض السرايا و الإمدادات ، واختاره أبو بكر قائداً على جيش من الجيوش التي أرسلها لفتح بلاد الشام ، و رأى أن يكون أميرهم إذا اجتمعوا وتشاورا في القتال.
شهد أبو عبيدة المشاهدة كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد شهد بدراً وقاتل فيها ، و هو من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم.
كما شهد أبو عبيدة غزوة أحد و أبلى فيها أحسن بلاء ، و كان من القلائل الذين ثبتوا حتى نهاية المعركة ، و قد كان يؤثر رسول الله على نفسه و الناس أجمعين.
في عهد أبي بكر الصديق:
بعد أن اتخذ أبو بكر القرار بفتح الشام وإرسال الجيوش لمحاربة الروم، أرسل إلى أربعة من الصحابة هم: أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، فجاؤوا إليه، فقال لهم: «إني باعثكم في هذا الوجه (الشام) ومؤمِّركم على هذه الجنود، وأنا موجّه مع كل رجل منكم من الرجال ما قدرتُ عليه، فإذا قدمتم البلد ولقيتم الجنود واجتمعتم على قتالهم، فأميركم أبو عبيدة بن الجراح، وإن لم يلقكم أبو عبيدة وجمعَتْكم حربٌ فأميركم يزيد بن أبي سفيان»، فتجهّز الأمراء لهذه المهمة، وراح المسلمون يسعون إلى المعسكر فينضمون إليه، العشر والعشرون والثلاثون إلى المئة في كل يوم، حتى اجتمع منهم جمعٌ.
في عهد عمر بن الخطاب:
أمَرَ عمر بن الخطاب بتولية أبي عبيدة أميراً على الجيوش وعلى الشام، فكتب إلى أبي عبيدة : «قد ولّيتك جماعة المسلمين، فبثَّ سراياك... وانظر في ذلك برأيك ومَن حضرك من المسلمين... ومَن احتجتَ إليه في حصارك فاحتبسه، وليكن فيمن يُحتبس خالدٌ بنُ الوليد فإنه لا غنى بك عنه».
كان أبو عبيدة بن الجراح فى بلاد الشام يقود جيوش المسلمين من نصر الى نصر , حتى فتح الله على يديه الديار الشامية كلها , و عند ذلك اصاب بلاد الشام طاعون قاتل , لم يعرف الناس مثله قط , وكان هذا الطاعون يحصد حياة الناس حصدا , فلما علم الفاروق عمر بذلك الطاعون خاف على أبو عبيدة ان يصيبه هذا الطاعون فأرسل إلى أبو عبيدة رسالة يقول فيها : ( إنى ظهرت لى حاجة ملحة لا غنى لى عنك فيها , فإن أتاك كتابي هذا ليلا فإنى اطلب منك بإلحاح و بقوة و اقسم عليك ألا تصبح حتى تركب الي , و ان اتاك نهارا فأنى الح و اقسم عليك ألا تمسى حتى تركب الى ) .
فلما قرأ أبو عبيدة رسالة الفاروق قال : ( قد علمت حاجة امير المؤمنين الى , فهو يريد ان يستبقى من ليس بباق ) ــــ بمعنى انه قد علم مغزى الرسالة و ان الفاروق يريد ان يحميه من هذا الوباء الفتاك .
فكتب أبو عبيدة الى سيدنا عمر يقول : ( يا امير المؤمنين , انى قد عرفت حاجتك الى , و إني فى جند من المسلمين و لا أرغب فى ان احفظ نفسى مما يصيبهم , و لا اريد فراقهم حتى يقضى الله فينا امره , فإذا اتاك كتابى هذا فحللنى من قسمك و الحاحك على , و ائذن لى بالبقاء .
فلما قرأ الفاروق رسالة أبو عبيدة بكى بكاء شديد حتى فاضت عيناه , فسأله من كانوا عنده عندما اتته رسالة أبو عبيدة : أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا و لكن الموت قريب منه.
توفّي أبو عبيدة رضي الله عنه على إثر إصابته بمرض طاعون عمواس الشّهير في السّنة الثامنة عشرة للهجرة عن عمرٍ يناهز ثمانيةً وخمسين عاماً، وقد استخلف معاذ بن جبل على الجند بعد موته. وصاياه .
المفضلات