فريق عرش الأنمي
#... المرأة مشقوقة الفم ...#
كنت لا أؤمن بالخرافات والأساطير ..
فأنا أشعر بأن هذه الأشياء تنافي المنطق، فكلها أفكار قائمة على مجرّد تخيّلات دون وجود سبب عقلاني أو منطقي أثبتّه العلم كما هو شائع بين غالبية المجتمع لكن رغم ذلك تجد الكثير ممن يحب قرائتها أو نشرها بين الناس وبعضهم أيضًا يقضي حياته كلها في دراسة تلك الظواهر الغريبة ومحاولة تفسيرها... من وجهة نظري أن تكريس الجهد لدراسة تلك الظواهر من الغباء وضياع للوقت سدى ؛ فما الفائدة من محاولة إثبات شيء لا وجود له...
حسنًا كان ذلك اعتقادي سابقًا، أما الآن فحياتي قد قُلبت رأسًا على عقب ...!
...........................................
في عاصمة اليابان حيث مدينة طوكيو في ممر مدرسة ما، يسير فتًا ذو شعرٍ أسود يصل تقريبًا إلى كَتِفيه ناعم سلس وببشرَةٍ قمحية اللون ينتقل بعينيه ذات السواد الشديد إلى كتابه الذي كان منهمكا في قراءته بتركيز وتمعّن والذي برز عنوانه بخط عريض - المحيط الأزرق-، ..قُطع كل ذلك بصوت ينادي من الخلف ..
-أوووي ناتسومي !
لم يبالي المنادى عليه ولم يلتفت حتى ..
- أيّها القاسي!،هذا أنا رين..
قال ناتسومي بنبرة باردة:
-أعلم أنك هو وسأوفر عليك عناء إلقاء السؤال التالي الذي تود إلقائه
نظر ريّن إليه وهو يحاول أن يتمالك نفسه
- قال ناتسومي بتهكم :حسنًا لم آبه للرّد عليك لأنني استعطت تخمين موضوع الحديث الذي جلبك لي..
لوى فمه بسخرية وأكمل:
- ستتكلم عن شيء تافه مجددًا كالأشباح والأساطير ونحو ذلك ،وأنصحك بأن..
قاطعه رين قبل أن يشرع في إلقاء محاضرة عليه:
- للأسف يا صاح لم أكن أريد أن أخيّب ظنك، لكنني جئت لسؤالك الآن عن خططك للإجازة الصيفية وعما ستقوم به ..
رفع ناتسومي يده ولوّح بها مودعًّا الذّي خلفه وقال:
- لا ترهق نفسك بالسؤال عن ذلك؛ فإجازتي هذه السنة سوف أقضيّها في ميازاكي عند عمّي و زوجته، ثم إلتفت إليه واعتلت ابتسامة صفراء على وجهه وقال:
- للأسف...
وأكمل ذلك الأخير طريقه ..
أخيرا انفجر البركان الثائر في رأس رين قائلا:
- تبًا لذلك الناتسومي، لم لا يُعر الآخرين أيَّ اهتمام ؟!
أمسك أحدهم من الخلف كَتِفه مهدئًا وقال :
-لا بأس عليك ،فهذا ما يجعله فريدًا من نوعّه، لطالما كان يظهر بمظهر النابغة، يقوم بكل شيء بمفرده ويقضي جلّ أوقاته في القراءة ،لم يستوقفه جمال امرأة قط، لا ينخرط مع الناس ولا يحاول القيام بذلك حتى ..
قال رين متذمرًا :
- لكنّه بذلك سيصبح انطوائيًا ومنعزلا عن الآخرين، لا أعلم كيف سيلاقي الشخص المقدر له ..
ضحكَ سنيري وقال:
- لقد إلتحق لهذه المدرسة المخصصة للأولاد ،وأظنه بذلك لا ينوي الاقتراب من الفتيات في الوقت الراهن.
ثم تابع حديثه محيطا بيده رأس رين:
- على كل يا صديقي هون عليك ؛فأنا لا أملك مخططات لهذه الإجازة لذا يبدو أننا سنقضيها مع بعضنا ..
استدار رين ناحيته وقام بضمّ سنيري بقوة وهو على وشك البكاء ،
وابتسم سينري ابتسامة خفيفة وقام بدفع رين جانبًا وصاح قائلًا:
- هيي ابتعد عني، أنت فتى لا تليق بك هذه التصرفات ..
لكن ذاك الأخير استمر في الالتصاق بصاحبه وهو يشعر بالامتنان نحوهه.
>..............
في مكان آخر حيث كان يسير ذاك النابغة لوحده عائدًا للمنزل لإنتهاء دوامه المدرسي..
يتقدم بخطوات ثابتة وبإيقاع معيّن يتأمل في شمس الغروب الدافئة تهبط ببطء ليحلّ الليل بعد اختفائها، وصل الفتى لمبتغاه عند مغيب الشمس وقام بفتح الباب بهدوء وقال : لقد عدت ..
لكن للأسف ما من مجيب ..
- آااه لقد نسيت، لقد غادر والدّي وسافرا لقضاء الإجازة في هاويّ تاركان إيايّ وحيدًا في طوكيو وأنا ملزم بأن أقضي عطلتي في مكان جديد لا أعرف أحدًا فيه، حسنًا هذا من شيمهما فهما لايمتلكان حسًا بالمسؤولية ..
ذهب الفتى لغرفته ليقوم بحزم أغراضه والاستعداد لرحلته المتجهة نحو محافظة ميازاكي التي تقع في الجنوب الغربي من البلاد حيث يعيش عمّه وزوجته وسيقيم لديهما في فترة الإجازة الصيفية حتى رجوع والديه من رحلتهما ..
رمى بنفسه على السرير وأطلق تنهيدة تلاها تثاؤبٌ قصير ثم غطّ في نومٍ عميق كطفلٍ رضيع ..
مسكينٌ هذا الفتى، لربما تكون هذه آخر لحظات شعوره بالآمان ..
بالتأكيد فهو لا يعلم مالذّي سيحصل له بعد ذلك ..! ،
.................................................. ...................
في فجر اليوم التالي، كانت السماء ملبدة بالغيوم السوداء تتساقط منها قطرات المطر بكميّات مهولة حيث غَرقت الشوارع وتعطل سير السيارات وبالطبع لم يواجه ناتسومي أي مصاعب في الوصول للمطار لخروجه من المنزل الساعة الرابعة صباحًا ولم ينزل المطر إلا بعد وصوله لوجهته بعد فترة،
ركب ذاك الأخير الطائرة ووضع حقيبته في المكان المخصص لها وجلس مكانه وربط الحزام،ثم صدر صوت لأحد مضيفات الطائرة و بدأت بإلقاء التعليمات قائلة: أرجو من المسافرين ربط الأحزمة واغلاق الهواتف المحمولة خاصتكم والحرص على عدم القيام من أماكنكم والتجوال في الطائرة ثم سكتت قليلًا وتابعت الحديث، ستقلع الطائرة بعد خمسة عشر دقيقة وستستمر الرحلة لأربع ساعات ونرجو منكم التزام الهدوء قبل الاقلاع، ونتمنى لكم الحصول على إجازة سعيدة وشكرًا ..
حسنًا كان بطل قصتنا ممسكًا بكتابه منسجمًا فيه فلم يسمع أي شيء؛ فقد دخل الآن في عالمه الخاص الذي لا يشعر فيه بأحد ..
مضت ساعة وهو مستغرقٌ في القراءة اقترب الفتى من نهاية قصته وها هو الآن قد خرج من كيانه الخاص بإنتهاء الرواية، أغلق الكتاب وأرجع رأسه للخلف وأطلق تنهيدة طويلة ثم أُ علن عن وقت الفطور وبدأت المضيفات بتوزيعه وقد نال الفتى نصيبه وبدأ في الأكل إلى أن انتهى وختم ذلك بكوب قهوة سوداء، وضع الكوب في مكانه ووجد في جانب مقعده كتيّب يحوّي عدة معلومات بسيطة عن قرى ميازاكي فقام بفتحه وبدأ في التصّفح وخلال ذلك وجد معلومةً مثيرة لربما ستسبب له بعض المتاعب فترة إقامته في ميازاكي وذلك لأن المكان الذي يقيم فيه عمّه عبارة عن قرية صغيرة بسيطة خاليّة من شبكات الانترنت والهواتف المحمولة وما إلى ذلك، ألقى بالكتّيب فوق المقعد المجاور، ثم غالبه النعاس رغم شربه للقهوة فنام إلى نهاية الأربع الساعات أي إلى وقت الوصول..
اقتربت الطائرة من الأرض ثم هبطت عليها، استيقظ الفتى ناتسومي على صوت كابتن الطائرة وهو يقول : لقد وصلنا إلى وجهتنا المقصودة، أرجو منكم الاستعداد وحزم أغراضكم للمغادرة ثم تلا ذلك ثلاث رنّات موسيقية توحي بوصول الطائرة، قام بحزم أغراضه بخفّة ثم مضى في طريقه بسلوك عدة طرق ومناطق تفتيش وبتخطي كل ذلك وصل إلى الشارع حيث لاقى عمّه وزوجته..
بدأ ناتسومي بالتلويح لهما وصرخ قائلًا : عمّي، أنا ناتسوميي..
همس العم بشيء لزوجتّه والفرحة تغمره وأشّار إلى ابن أخيه ثم انطلقا إليه واستقبلاه استقبالًا حارًّا، ركب الثلاثة في سيارة العمّ سيّجي وصاح ذاك الأخير وقال : ناتسومي لقد ازداد طولك حقًا يا ابن أخي كم أصبح عُمرك الآن ؟
أجاب ناتسومي بقولّه : أنا الآن في المرحلة الثانوية الأولى أي في السادسة عَشر، ضحك سيّجي وقال : آاه كم يمضي الوقت سريعًا، يبدو بأنك ستصبح أطول مني قريبًا ..
- قال ناتسومي مستهزءًا باستنتاج عمّه الخطير .. وأظن بأني لربما سأتجاوزك قريبًا في العمر إن مت ..
ضحكت السيدة سيّجي وقالت : ومازلت قاسيًا كما كنت، لم تتغير حقًا..،سكتت قليلًا ثم تابعت الحديث وقالت:
-لنرح ناتسومي الآن من الأسئلة وليأخذ قسطًا من الراحة..
أومأ سيجي برأسه موافقًا وأكمل الثلاثة طريقهم نحو المنزل وبعد مضيّ ربع ساعة توقفت السيارة أمام باب المنزل وخرج ناتسومي منها وتلاه خروج السيدة سيّجي والعمّ سيّجي، تقدّم ثلاثتهم وقامت الزوجة بفتح الباب وقالت لناتسومي بلطف :
لقد جهّزت لك غرفة في الطابق العلوي فقط اصعد الدرج واتّجه يسارًا وستجد غرفتك مباشرة،أومأ ناتسومي بالموافقة ثم قام بصعود الدرج وقطع ذلك المسير صوت العمّ سيّجي وهو يقول متسائلًا : بالمناسبة ناتسومي أهذه أول مرة لك في ميازاكي ؟
- صاح ناتسومي وقال : وهل يستحق هذه السؤال الإجابة عليه ؟ ، بالطبع هذه أول مرة لي هنا؛ لستُ سيئًا لأسافر إلى مقّر إقامة أحد اقربائي ولا أذهب لإلقاء التحيّة..
ضحك العمّ سيجي من إجابة ناتسومي التي كان يتوقعها منه ثم قال : أعلم ذلك، لكنّ سؤالي كان تشويقًا لما بعده، ويبدو أنك وضعت هذا الاحتمال أيضًا، فلست بذاك الغباء لأضيّع وقت ابن أخي الثمين في سؤال إجابته معروفة مسبقًا..
أكمل ناتسومي صعودّه للدرج وهو لايبدي إيَّ انفعال لأسلوب تشويق سيّجي ثم تابع ذلك الأخير كلامه وقال :
أردت اخبارك بأن هناك حقول أرز في الخلف وعلى خط السيّر ستجد بيوت الجيران، المهم عليك النوم باكرًا لتحظى غدًا بفرصة رؤية الحقول حين شروق الشمس فالمنظر هناك حينها ممتع حقًا، سكت قليّلًا ثم تابع الحديث وقال : بالمناسبة تجد دورة الخلاء خارج المنزل من الخلف، لا تنس ذلك لأنك ستقع في ورطة عندما تريد قضاء حاجتك حسنًا؟
- لم يجب أحدهم على سيّجي، فقط قُطع الصمت بصوت إغلاق ناتسومي لباب غرفته .
أظّهر العم قبضته وهو يحاول إمساك أعصابه ويتمتم بكلمات غضب غير مفهومة ثم رحل عن الدرج بخطوات واسعة تصدر صوتًا واتجّه نحو غرفته وهو ينوي الانتقام في الصباح التالي..
- السبت الخامس والعشرون من يوليو الساعة الثانية فجرًا ..
لم يستطع الساكن الجديد النوم بفعل حرارة الجو القاتلة، قام من مكانّه وفتح كتابّه المفضل وشَرَع في القراءة،.. مضت ساعة ثم قرر الفتى اللجوء إلى النوم لكن لم يكن بذي فائدة، ظل يتقلّب مرارًا وتكرارًا ولم يستطع الصمود أكثر من ذلك،.. نهض من فراشه واتجه خارجًا ووجد في طريّقه ممر قصير في نهايته باب يظهر أنه يطل على الشرفة قام بفتح الباب وكان المنظر واضحًا أمامه بسبب كون القمر مكتملًا هذه الليّلة، .. مزارع الأرز ممتدة على طول البصر..
ظلّ الفتى يتأمل المنظر ويدندن بكلمات من أغنيّة كان يرددها في الصغّر وبدأ يسترجع كل تلك الذكريات الجميلة،
فجأة..!، لمح الفتى شيئًا من بعيد..
تسمّر مكانه وركّز نظره قليلًا أدرك في الحال بأنه فتىً صغير في العاشرة يجري بسرعة وكان وجهه شاحبًا من شيءٍ ما، تبادر في ذهن ناتسومي بأنه هذا الطفل قد خرج باحثًا عن الحمام ليقضي حاجتّه ويبدو أنه لم يعد يستطيع الاحتمال فقد كان يجري وكأن أحدهم يلاحقه ..
بالفعل، عندما نظر خلّف الطفل وجد هناك من يلاحقه..
إنها امرأة !
لم يستطع رؤية ملامح وجهها جيّدًا فقد كانت تغطي جزءًا من وجهها بكمامّة ولكنّ تفاصيل جسدها توحي بأنها امرأة ..
ظلّ الفتى يراقب ما يحصل لكنّه كان حذرًا لذا أخفض رأسه ونام على بطنّه وهو يراقب في صمت ما يحدث ..
لقد سقط الطفل، تعثّر بسبب حجرة كريهة وأما المرأة فقد توقفت ويبدو أنها كانت تحاول التحدث مع الفتى، هه لقد خاف الطفل من شيء لا يستحق خوفه ..
كان هذا رأي ناتسومي لكن الطفل ظلّ يصرخ وكأنه يريد اقناع المرأة بفكرة معيّنة .
فتحت المرأة وجهها ..، إن فمها مشقوق!، غريبة كيف ذلك ؟!
وكأنها اسطورة كوشيساكي-أونا، تلك القصة التي سئم ناتسومي سماعها من ذاك الريّن ..
المرأة الشابة التي عاشت منذ ملايين السنين وبالتحديد في حقبة حكم سلالة هيّان، كانت محظيّة أحد مقاتلي الساموراي، وحسب ماقاله رين لناتسومي فيبدو أنها كانت جميلة ولكنّها مغرورة بعض الشيء ويبدو أنها كانت أيضًا تقوم بخيانة زوجها وبالتالي فقد كان هو كما الرّجال يغار على زوجته ويشعر بالإهانة من فعلتها الشنيعة هذه، وفي أحد الأيام لم يستطع مقاتل الساموراي هذا إمساك غضبه أكثر من ذلك فقام بشق فم زوجته من الأذن إلى الأذن بسيفه ثم صرخ قائلًا :
"من سيظن بأنك جميلة الآن ؟"
وعلى هذا القول تعتمد كل الأساطير الحاليّة أن المرأة هذه لازالت روحها هائمة في مكان ما، وتظهر في الليالي مرتديّة كمامة وتستوقف كل من يمشي وحيدًا في الليل، ثم تقوم بسؤاله هل أنا جميلة ؟ فإذا أجاب بلا تقوم بقتله وأما إذا أجاب بنعم فتقوم بفتح كمامتها وتقول " الآن ؟" وسواءًا قلت لها نعم أو لا فإنها تقوم بقتلك فهي تعلم بأنها ليست جميلة..
لكن انتظر..!
اخبره رين بأن هناك إمكانيّة للنجاة من سؤال هذه المرأة ومن الموت المحتوم وراء سؤالها، لكنّه لم يخبره بالطريقة
حسنًا لأن الأخ ناتسومي لم يبدي اهتمامًا بهذه الخرافّة التي يشاهدها أمامه الآن، وقام بإسكاته ولم يكمل رين حديثّه عن تلك الأسطورة بعد ذلك ، تبًّا لهذا الناتسومي لقد أوقع نفسه في ورطة كان في غِنَى عنها ..
ها هو ذا يراقب بصمت ووجهه بدا شاحبًا من الفزع، يبدو أن المرأة تقوم بإلقاء سؤالها بعد أن قامت بفتح كمامتها ولا تهم إجابة الطفل فمصيّره هو .. "الموت" !
وبالفعل أخرجت المرأة سكين من جيبها وبحركة لم يلحظها ناتسومي قامت بطعن الطفل ..
تسمّر ناسومي مكانه وعرك عيناه وفتحها مجددًا ..
لا أحد ..، لا أحد هناك !
فزع الفتى ونهض من مكانه فورًا انحنى من أمام الشرفة، لكن لا أحد !
خرج من الشرفة وعاد لغرفته مسرعًا وهو يحاول ربط الأحداث مرة أخرى في عقله ..
وبالطبع - لم يستطع النوم - ليس بسبب الحر هذه المرة ..
بل بسبب ما رآه قبل لحظات ..
كانت الأسئلة تتدفق في عقله كما السيل، كل سؤال يحارب الآخر بشراسة..
توقف عقل الفتى عن التفكير ..لم يعد يعقل ما يحدث حوله !
فهو - كان لا يؤمن بهذه الخرافات - فبالتالي سيكون التفكير فيها الآن جحيمًا بالنسبة له ..
قال ضاحكًا : لقد كان حلمًا مرعبًا، أتمنى ألا أرى مثل هذه الكوابيس مجددًا ..
لكنّه للأسف لم يكن حلمًا كما أراد .. فقد شاع خبر اختفاء طفل لأحدهم بين أهل القرية، وتم إرسال فرق استكشافيّة للبحث عنه..
سيتبادر إلى أذهان أهل القرية فورًا بأنه تاه أو أضاع الطريق وحاول ناتسومي إقناع نفسه بهذه الفكرة أيضًا، لكنّ تلك المحاولة لم تكن ناجحة،..فقد رجعت أحد الفرق مساء ذاك اليوم وهي حاملة معاها جثة لطفل صغير لم يتعدى العاشرة بسكين مغروسة في بطنه،.. لقد مات المسكين !
أصيب ناتسومي برهبة وخوف شديديّن جرّاء سماعه للخبر، فقد تأكد كل ما كان يحاول إنكاره ..
أدرك حالًا أن عليّه ترك هذه المكان في أسرع وقت، فهو لن يعلم ما سيجب عليه فعله إن حدث له شيء مشابه لما حدث للفتى ..
-وبالطبع- لم يستطع الاتصال على صديقه محب الأساطير والخرافات لعدم وجود تغطية للاتصالات على المكان، ولم يتمكن أيضًا من اخبار أهل القرية أو حتى سيّجي بذلك لأنه سيدعى بعد ذلك بالمجنون ..!
ربما سيكون أحد أهداف تلك المرأة أو كما تدعى كوشيساكي-أونا ..
فقد كان أحد الشهود على حادثة موت الطفل، ولن يصعب على شبح إيجاد بطل قصتنا ..
.................................................. ........................
يطرق أحدهم بابًا ما ..
أجاب سيّجي : أدخل ..
فُتح الباب من قبل طارقه ..ونظرات الدهشة تعلو وجه سيّجي
- أوه ناتسومي، ماذا هناك ؟ أيوجد لديك ما تود اخباري به ؟
- أجاب الفتى على سؤال عمّه وقال: نعم، يوجد ..
- قال سيّجي : حسنًا لابأس، تفضل ..
تقدم الفتى وجلس فوق الأريكة ورفع رأسه ونظرات الجديّة تعلو وجهه ثم قال:
- حسنًا أردت اخبارك بأنني حجزت رحلة للعودة إلى طوكيو بعد أربعة أيام و هذا لأنني لا أشعر بأيّ..
قاطعه صوت السيّدة اتشيرهيكو من الخلف وقالت :
ماذا ؟ أتود العودة بهذه السرعة ؟ لم يمضِ الكثير من الوقت منذ قدومك
أجاب ناتسومي في قليلٍ من الامتعاض وقال :
لا أستطيع الشعور بالارتياح في المكان، ولم أتمكن البارحة من النوم جيّدًا..
ردّ سيّجي : لابأس عليك يا فتى، إنه شعور الحنين إلى الوطن ..
رغم مجيئك البارحة،.. حسنًا هناك أربعة أيام أمامنا لذا فلتستمتع فيها لربما تعدل عن رأيك ..
أجاب ناتسومي في نفسه : لا أظن ذلك حقًا ..
خرج الفتى من الغرفة تاركًا الزوجيّن لوحدهما،.. وسمع السيّدة تقول في همس لزوجها:
لم أكن أعتقد أنه سيرجع باكرًا هكذا، شيءٌ غريب ..
أجاب الزوج عليها في قليلٍ من الانفعال :
هو أيضًا بشر، لديه قلب وله مشاعر.. توقعت بأنه سيفقد احساس الراحة هنا فهذا مكانٌ جديد بالنسبة له ولا يعرف فيه أحد سوى زوجيّن في آخر عمرهما، حسنًا قد جادلت والديه في هذا الموضوع، لكنهما لم يبديّا أي ذرة اهتمام حوله..على كل ما باليد حيلة ..
-في صباح اليوم التالي
استيقظ الفتى مبكرًا وإن كان لم يحصل على القسط الكافي من النوم، أكل افطاره واتجه بسرعة نحو الحضيرة واستعار دراجة من هناك وانطلق بهمّة عالية نحو المطار ..
قام الفتى بحجز تذكرة العودة ولحسن الحظ وافقت الموعد الذي حدده رغم أنه كان مجرّد كذبة،..
وصل الفتى للمنزل في الظهيرة، وقد آلمته قدماه لكونه كان مسرعًا أيضًا في طريق العودة..،فهو لا ينوي البقاء خارج المنزل عند مغيب الشمس وهكذا قرر كيفيّة قضائه الأيام الثلاث الباقية في ميازاكي،.. لا تخرج في الليل ابدًا، الخروج والتنزّه فقط في النهار.. وذلك لتجنب لقائه مع ذات الفم المشقوق فهيَ كمصاصيّ الدماء لاتطيق النهار ولا شمسه وهذا لحسن حظ بطل قصتنا ...
.......
كانت الأيام الثلاث تمضي ببطء، ببطء شديد ..
الدقائق كالسّاعات والثواني كالدّقائق ..
لا راحة ولا هناء في النوم،.. باله مشغول،.. لم يعد يقرأ كثيرًا كما كان قبلًا ..
كل ما يجول في بالّه هو انتظاره لليوم الأخير ..
الذي سيرحل فيه عن هذا المكان المشؤوم !
وها قد حلّ أخيرًا ،.. بعد وقت عصيب ..
- السبت الأول من أغسطس الساعة الرابعة فجرًا ،..
لم يتمّكن الفتى تلك الليلة من النوم، ..
-بالطبع- فكلّ باله مشغول.. ينتظر إنتهاء هذه الليلة ليرحل عن هذا المكان ..
ولكن للأسف..، حصل ما لم يكن في الحسبان !
اضطر الفتى حينها لقضاء حاجتّه..،، وبمجرد تفكيّره بهذا الموضوع أصابته رعشة ..
ظل فترة لم يغادر غرفتّه ولكنّه أيضًا لم يستطع الصمود أكثر من ذلك ..
نزل ببطء من الدرج وهو يحاول أن يستعيد رابطة جأشه لكن هل استطاع ؟
كلا لم يستطع ..، خرج من المنزل وهو يرتعد خوفًا يسير بخطوات بطيئة جدًا..
أعتقد أنه إذا كان أحد في مثل موقفه هذا لجَرَى بسرعة وقضى حاجته ورجع لغرفته..
وصل إلى الحمام الذي يقع خلف المنزل بجوار الاسطبل،.. دخل وقضى حاجته ثم خرج وأطلق شتيمة وقال بداخله: تبًا لهذا أكرهه هذه الأماكن البدائية ..
حسنًا لأعود الآن لغرفتي بسرعة وأتخلص من هذه المشكلة العصيبة، أتمنى أن يأتي الصباح بسرعةة ..
انطلق الفتى نحو المنزل ووصل للباب ورفع يده اليمنى ليفتحهه لكنّ شيئًا ما قطع حدوث ذلك،.. صوت امرأة يتكلم من الخلف ..!
اذا سمحت هل يمكنك منحي القليل من وقتك ؟-
تسمّر الفتى مكانه وأدرك أنها بالتأكيد ليست اتشيرهيكو ..وانها ستكون - لا محالة- كوشيساكي-أونا!
قال الفتى دون أن يلتفت وهو يحاول إمساك اعصابه : ماذا تريدين يا آنسة ؟
- هل يمكنك النظر إلى وجهي ؟
ها قد بدأ عقل الفتى يعمل وهو في محاولة التفكير في كيفية الهروب من هذا الموقف..
التفت نحوها وقال مابه ؟
قالت : هل أبدو لك جميلة ..؟
أجاب بلا تفكير : نعم، أنت كذلك ..
وها قد حانت اللحظة الحاسمة!
أنزلت كمامتها من على وجهها وقالت، ماذا عن الآن ..؟
نظر باتجهها،.. والعرق يتصبب منه ..توقف عقله عن التفكير !
لم يعد هناك حل ،.. لم يرى أمامه سوى الموت ..
- أعادت الكريهة سؤالها وقالت : ماذا عن الآن ؟ وأضافت : هل عدلت عن رأيك ؟
سقط الفتى أرضًا، قال كل ما يدور في عقله وهو يصيح
- المعذرة، لا استطيع تحديد كونك جميلة أم قبيحة هذا أمر صعبٌ عليَّا شرحهه ..
توقفت المرأة مكانها ، بسبب كون الإجابة غريبة عليها بعض الشيء فهي لم تعتد على سماع إلا نعم أو لا و قبيحة أو جميلة ..
أدرك الفتى بأن هذه فرصة لا تعّوض،.. فتح بابا المنزل ودخل بسرعة وقام بإغلاقه بإحكام، وتلا ذلك إغلاقه للستائر ..وأصبح يجري مسرعًا ليصل لغرفته ..
أغلقها جيدًا هي الأخرى واغلق الستائر ..واتجه نحو السرير وغطى نفسه بالفراش وهو ينتظر حلول الفجر بفارغ الصبر ..
فجأة ! ،.. سمع الفتى صوت خطوات تتقدم على مهل باتجاه غرفته ..
أصابه الهلع والخوف الشديّدين !،.. أحس بشعور الطفل الصغير ذاك ..
وها هو الآن يمر بنفس ما مرّ به ..
توقف صوت الخطوات لوصول صاحبها لباب الغرفة وحاول فتح الباب لكنه لم يستطع لكونه مغلقًا، غيّرت الخطوات اتجاهها وذهبت لمكانٍ آخر ..
أدرك الفتى ذلك فتنهد تنهيدة طويلة وهو يحاول جمع شتات نفسه ولم يكمل ذلك أيضًا ..، فقد عاد الصوت واتجهت الخطوات نحو غرفة ناتسومي مرة أخرى لكن هذه المرة استطاع صاحبها فتح الباب !
رأى الفتى شريط حياته يمّر أمامه وقلبه يوشك على الخروج من مكانه ..
تقدم صاحب الخطوات ثم قال : مابك يا فتى، لم تجب على سؤالي ..
انه صوت امرأة أيضًا !
ها قد حانت النهاية ..!
وداعًا يا حياتي القصيرة ..، وداعًا يا أحلامي الصغيّرة ..
كل شيءٍ انتهي الآن ..
صرخت اتشيرهيكو وقالت : هيَّا اجبني ..
ادرك الفتى !، ادرك بأنه صوت اتشيرهيكو ..
لكن ما بال هذا السؤال الذي ألقته ..، أهيَّ نفسها كوشيساكي-أونا ؟
أم أنها مزحة صغيرة ..؟!
جاوبت اتشيرهيكو على الفور رغم كونها لم تسمع تساؤلات عقل ناتسومي وقالت:
سمعت صوت ركض قويّ فأدركت أنه من فعلتك وذهبت لأقوم عن سؤالك وناديت عليك مرارًا وتكرارًا فلم تجبني فاضطررت لفتح الباب لكنّه لم يفتح،. فذهبت أحضر المفتاح الاحتياطيّ من عند سيّجي..
ما بالك يا فتى ؟ لم ركضت بهذه السرعة ؟..
تملّكت الفتى سعادة غامرة وقد بدت على وجهه وقام باحتضان زوجة عمّه التي تكون أيضًا بمقام أمٍ له ..
وقال وهو قد ترك حضنها مسبقًا :المعذرة، فقد خرجت قبل قليل لقضاء حاجتي وأنا أخاف الليل جدًا فاضطررت للركض بسرعة لأصل لغرفتي ..
أطلقت اتشيرهيكو تنهيدة قصيرة وقالت : الحمدلله، ظننت أن خطبًا ما حل بك..
ثم تابعت الحديث قائلة .. آه كم هذا مريح .. كنت اتسائل دومًا لم لا تخرج في المساء .. عرفت الآن السبب ،.. لقد أخبرت سيّجي بذلك عدة مرات لكنّه لا يسمع كلامي..,أخبره بأن يجعل المرحاض بداخل المنزل لكنّه لا يعر للموضوع أي اهتمام .. تبًا إن ذلك مرهق حقًا الخروج في مثل هذا الوقت لقضاء الحاجة ..
على كل لقد حلّ الفجر الآن لذا لا داعي للخوف ..
فلتغسل وجهك وتجهزّ حقائبك وكل افطارك لتتجه بعدها للمطار ..
أجاب ناتسومي وكأنه طفل يستمع لكلام أمه وقال : حالًا وفورًا سأذهب الآن ..
أكل افطاره ..وجهز حقائبه .. وذهب سيّجي برفقته نحو المطار ..
و هاهو الآن يحلق في السماء عائدًا إلى مسقط رأسه ..
...،،
أظن بأن عليَّ اجبار نفسي للاستماع للآخرين، وإعارة تلك المواضيع المنافية للمنطق بعضًا من الاهتمام ..
-ناتسومي ..
..تمت..
المفضلات