قلم التوبة
.........
هناك في زاوية المسجد رأيته!

يبكي بحرقة هزت كياني ! ترى ما به؟ فضول تآكلني؛ مالذي يبكيه؟

تقدمت دون أن أعلم السبب! ربما هو الفضول؟ أو ربما أحساس بداخلي أراد مواساته؟! لست أدري!

جلست أمامه أرى انعكاس صورتي في عمق عينيه الحمراوين.. أجفلني البؤس والانكسار في نظراته

بادرته التحية فأجابها بإيماءة خفيفة بالكاد تلحظ من بين شهقاته

لم أدر ما أقول، لكني توقعت أنه قد فقد عزيزًا لتوه فقلت " أعظم الله أجركم " ففاضت بالدمع عيناه وعلا صوت نحيبه!

لم أستطع تركه بهذه الحال فأخذته لداري، تارة أواسي حالة وتارة أداري، حتى هدأت عبراته !

وبعد أخذ وعطاء.. استفاض يروي بغصة قصته ..

هو شاب في العشرين من عمره، لم يعرف الفقر يومًا أو تذوق لوعته!

كان الطفل المدلل لوالديه، نشأ منعّمًا مرفهًا لا يسئل عما فعل أو يفعل، فكبر منغمسًا في الملذات غارقًا في بحور من أهواء نفسه

لا يقوم إلى الصلاة إلا متكاسلًا، يبغض الذكر، وصيامه تسقيط فرض، صوم عن الأكل والشرب فحسب!

لم يعلم من الخشوع إلا اسمه، لم يتذوق بيوم لذة المناجاة أو ركنت للطمأنينة نفسه!

يقضي يومه ما بين لهو ولعب، لا تفارق نغمات الأغاني شفتيه، وكأنما هي ترنيمة تهب الحياة!

حتى كان قبل يومين ...

عندما ثقب إطار سيارته أما مسجد القرية الذي لم يدخله يومًا بإرادته!


لكن ساقه اليوم إليه حر الهجير فاضطر للدخول !

جلس في زاوية المسجد يطلب برودة تطفئ حر ما وجد خارجه، يستمع لخطبة إمام المسجد .. كان موضوعها عن التوبة

فرأى نفسه بمنظار آخر وهزه عمق الغفلة التي كان يسبح في لججها !

عندها صرخ الإمام بحرقة (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ))

فأعتصر الألم فؤاده وشلت مخافة الله لسانه وأحرقت الدموع مقلتيه، فانسابت تتدفق ومعها كل ذكريات أوزاره وآثامه

هل ستقبل توبته؟ هل تغفر كل زلة اقترفها وذنب اكتسبه؟!

رباه !! ويح لنفسي كم أساءت، وكم في الغي تمادت، رباه جئتك تائبًا فاقبل إلهي توبتي

فنادى الإمام برجاء " هذا رمضان، فرصة منحها الله لعباده، فبادر بالتوبة واغتنم فرصة قد لا تسنح لك في قابل الأيام"

فصرخ الشاب في نفسه أي والله سأغتنمها إن قبل ربي، سأغتنمها! سأغتنمها !

وبكى يغسل بعبراته سيئات ما مضى من عمره عازمًا على التوبة النصوح

وهذا حاله حتى الآن .. نظرت لحاله وحالي يالغفلتي !

أردت المواساة؟! بل أنا أحوج لها منه .. من أنا بجانبه وقد أحرقه حجم خطاياه وأخرجته حرارة اللحظة من أعماق غفلته

فكم قمت متثاقلًا للصلاة وكم تهاونت بالذكر ، وكم غرني الأمل ونسيت أخراي!

رباه جئتك تائبًا فاقبل إلهي توبتي
رباه جئتك تائبًا فاقبل إلهي توبتي



في ذات يوم هزني ضيف أنار بصيرتي
أحيا فؤادًا ميتًا وأضاء غيهب مهجتي
يا ويح نفسي قد نست إثمي وبؤس خطيئتي
قد غرني لهو الحياة وساقني في غفلتي
حتى ركبت صبابتي ريع الشباب مطيتي
روح الصلاة نفيتها والصوم أرفع حجتي
ركن الخشوع محوته لون السواد بصفحتي
حتى سمعت مناديًا من عمق مسجد قريتي
نادى الإمام بحرقة أدمت عيوني دمعتي
يا ويح نفس إن عصت قولًا أثار مخافتي
رمضان أقبل فاغتنم ! عفو الإله وسيلتي
يا رب عفوك طالبًا فاغفر إلهي زلتي
رباه جئتك تائبًا فاقبل إلهي توبتي