الهدف الدموي!

كان رنين الجرس؛ فيما مضى؛ بشرى سعيدة لنا
خاصة في حصة اللغة الفرنسية

أما الآن، فكان نذير رعب قادم
وبالفعل تتناول المعلمة العصا الرهيبة وتجري نحونا
وتتخطانا!

خرجت المعلمة من الصف، من دون أن تضرب المخطئين هذه المرة!
لم يحزننا هذا بالتأكيد!

وإن كانت نجاتنا هذه المرة بمصادفة لم نفهمها
فإنني اعتمدت الذكاء والدهاء لأنجو في مرة لاحقة ومن ضرب قاسٍ
كان سينالني منه الكثير حتمًا

ولكن ليس من حصة المعلمة المذكورة
بل من حصة أستاذ مادة الرياضيات

ويا لها من رياضيات غير طبيعية!
كلها جدول الضرب من أول السنة إلى آخرها

اليوم الأول يخبرنا الأستاذ أننا مسؤولون عن جدول الضرب بأكمله
واليوم التالي، وإلى آخر السنة، كل يوم نقوم إلى اللوح لنكتب

فلان جدول رقم 1 وفلان جدول رقم 7 وفلان جدول رقم 9
وفلان...

ومن يجد أمامه جدولًا صعبًا مثل ال 7 وما فوق يحسد من كانت حصته
أن يكتب الجدول رقم 1 أو 2 مثلًا

ومرة، نادانا الأستاذ
رفيقي الذي يجلس بجواري عليه أن يكتب الرقم 1
وأنا... يجب أن أكتب الرقم 8!!

يخرب بيتك وبيت بيتك إن شاء الله!!
الرقم ثمانية؟ وما أدراني بحاصل ضرب 8 ب 9؟!
ومن المؤكد أنني سأرتكب أخطاء أخرى كذلك

ظللتُ جالسًا مكاني فصاح الأستاذ بصوت مدوٍّ كالرعد (لماذا لم تقم إلى اللوح بعد)؟
خرج ذهني بفكرة عبقرية نادرة هنا، فهتفت به (لأنني أبحث عن القلم)!
ردَّد الأستاذ بغباء: (القلم؟ أي قلم)؟!
أجبتُه متحمسًا: (القلم الأزرق بالتأكيد)؟!
صاح الأستاذ، وهو لا يكاد يفهم شيئًا: (ولماذا التأكيد؟ وماذا ستفعل بالقلم الأزرق)؟!
تحركتُ من مقعدي بسرعة حاملًا قلمي مسرعًا به لأغرسه في منتصف اللوح
مدعيًا أنني أحاول الكتابة به، بدلًا من الطبشور، وأنا أهتف بسعادة مفتعلة: (لأكتب لك جدول الرقم ثمانية! تكرم عينك)!

جمد الأستاذ لحظات من المفاجأة غير المتوقعة
ثم انفجر كالمفرقعات النارية يصرخ ويسب ويشتم ويلعن
وأخيرًا تمكن الأستاذ من تمالك نفسه، ليصيح هادرًا: (اغرب عن وجهي، أسرع)!

ما شاء الله!
وهل هناك نتيجة أروع من هذه النتيجة؟!
عدتُ إلى مقعدي، كاتمًا ضحكاتي بصعوبة شديدة

كانت تلك أول سنة نحضر فيها معنا قلم حبر أو حتى نمتلكه شخصيًا
لكننا لم نكن نستعمله بعد في الكتابة على دفاترنا

ولعل هذا ما جعل الأستاذ يشعر بالصاعقة تهوي فوق رأسه مع تصرفي (الأحمق)
كما بدا له، و(الذكي العبقري) كما بدا لي!

والحكم لكم، المهم النتيجة، هل تعرضتُ للضرب لأني لا أعرف كيف أكتب هذا الجدول التعيس؟!
إذًا، خطتي العبقرية ناجحة!

ولنترك الصف قليلًا قبل أن نرجع إليكم بحكاية رعب دسمة
فخارج الصف، وفي حصص الرياضة، يُطِلُّ الرعب من بين أنياب السعادة
وهل يقتصر الرعب على الصفوف والمواد الدراسية فحسب؟!

في طفولتي كان جسدي ضعيفًا
وكنت قصير القامة بشكل واضح

وكل ألعاب الرياضة كرة سلة أو كرة طائرة
وفي الحالتين لا مكان لي

ويومًا ما
قرر الأستاذ أن نلعب كرة قدم

عفوًا
أقصد قرر أن يلعب رفاقي كرة قدم

وظللتُ واقفًا أتفرج عليهم بحسرة
لأنني أهوى هذه اللعبة وأحب أن أحترفها
(هكذا كنت أفكر تلك الأيام)

فجأة قرر الأستاذ أن أدخل للمشاركة في اللعب
كان ذلك في آخر دقيقة ومع الفريق الخاسر
وكان لا بد من أن أبرز نفسي وموهبتي

وهكذا انقضضت بسرعة خيالية فائقة على مهاجم الفريق الآخر
وهو يفوقني حجمًا وقوة ولكني انتزعت منه الكرة وهجمت بمفردي
متخطيًا ثلاثة أو أربعة من لاعبي الفريق الآخر
ثم كانت التسديدة

وبانفعال شديد أخذت أهتف: (كووووول، كووووووووول)!
لم أقصد هذا صدقًا!
ولكني توقعت أنني سأسجل بعد هذا (الإبداع) الخرافي مني!

أما (التخريف) في ما حصل آنذاك
فهو أن الكرة لم تلمس، بل لم تقترب من المرمى!

وبكل بساطة، كان المدير خارجًا من غرفته وراكضًا نحونا بحماسة
ليقول للأستاذ شيئًا ما

وما كاد يفتح فمه حتى هوت على أسنانه كرة كالصاعقة
جعلته يبصق الدم من بين أسنانه المسكينة!

وبكل ما أحس به المدير من الألم رآني أصرخ سعيدًا بالهدف!
وانقضَّ المدير عليَّ صارخًا بجنون: (كووول؟! آه؟! كووووول)؟!
أدهشني هذا التصرف منه، ألم يفهم أنني (ظننتُ) الكرة قد دخلت و(اعتقدتُ)
أنني سجلتُ هدفًا؟
أجبته بحماسة: (لا، ليس كوووول)!!

ولا أعلم لماذا جنَّ الرجل هنا نهائيًا!
هل كان يريدني أن أقول له (نعم، كوووول)؟!
وهل أنا قليل تهذيب حتى أعتبر كرتي في أسنانه هدفًا؟!

وانقض المدير عليَّ كالوحش الشرس
وإحم إحم!!

حينما رأيتُ بعد سنوات كيف يقطع الجزار اللحم ويشكله كيفما يريد
ظننت أن المدير يراني قطعًا من اللحم وهو يركل ويلكم يمينًا ويسارًا

وترافق ذلك كله مع شد الأذنين مرات لا حصر لها
ولا داعي لأن نذكر لكم ما انطلق من فم المدير من السباب، فهذا أمر بديهي!

وما كاد المدير ينصرف حتى أقبل نحوي أستاذ الرياضة
قائلًا بلهجة فيها من العتاب والشفقة:
(لماذا فعلتَ ذلك؟ هيا، "بوس" التوبة الحلوة، و)...

قاطعته صارخًا في وجهه متهكمًا من فرط الألم والعصبية: (لماذا؟ ما هي التوبة "الحلوة" هذه؟ هل تظن التوبة "بنتًا حلوة" وتريدنا أن نبوسها)؟!

لم تكن هذه قلة تربية مني لا سمح الله
ولكني لم أحتمل كلامه، وهو لم يتدخل حتى انتهى المدير من الضرب والسباب

ولكن، ما هذا؟!
يا ماما!!

احتقن وجه الأستاذ ورفع عصاه المخيفة التي يقتطعها من شجر الرمان
وأسرعت أجري هنا من دون مناقشة أحد

وألقى الأستاذ بالعصا نحو رأسي بكل قوته
كانت هذه عادته مع من يغضب عليه!

أما من يرضى عنهم فكلهم (بابا) و(ما في منهم اثنين)!

لم تصبني هذه التصويبة الغبية منه
لا لبراعتي في الهرب
بل لأني تعثرت ووقعت أرضًا بعنف

كانت ساقي تؤلمني فقد نالها من ركلات المدير ما نالها
ولم أعد أستطيع الركض

ولكن القصة لم تتوقف هنا
لقد انقض الأستاذ عليَّ ليساعدني على الوقوف
ثم... إحم إحم!
ماذا قرأتم في الأعلى؟
ها هو يتكرر الآن!

وقبل أن أرجع بكم إلى الصف
أرجو مجددًا ألا يلومني أحد على تلك الإجابة
كنت وقتها ما أزال طفلًا!

وإلى الصف مرة أخرى
وإلى معلمة (رائعة) بقراراتها العبقرية
كانت توزع لنا المسابقات وربما... نقول ربما يخطر لها بعد عشرة أيام
أن تسألنا عنها لترى هل وقعها لنا أهلنا أم لا!

ومن لا يكون معه مسابقته تمهله حتى اليوم الثاني أو الثالث
وفي إحدى المرات نادت المعلمة تطلب رؤية المسابقات

رفعت يدي لأخبرها بأنني نسيت المسابقة فقالت لي أن أحضرها غدًا
رفع رفيقي يده _وسنطلق عليه اسم عامر مجازًا _ وكان حالته مثل حالتي
وكذلك طلبت المعلمة إحضار المسابقة غدًا

وبعد أن استلمت المعلمة المسابقات أخذت تنظر إلينا ثم إلى الأوراق
قبل أن تسأل بعصبية (من لم يسلمني المسابقة؟ عمر وعامر نسياها، لكن هناك مسابقة ناقصة)!

لم يرد أحد رغم أن المعلمة كررت سؤالها أكثر من مرة
ففردت المعلمة مسابقاتنا أمامها وأخذت تقارن بينها وبين الجلوس

ثم هتفت بغضب: (محمد، أين مسابقتك)؟
رد محمد: (لقد، لقد، لقد نسيتها)!
هتفت المعلمة بغضب أشد: (ولماذا لم تخبرني حينما سألتكم)؟!
رد محمد بحركة مسرحية: (لقد، لقد، لقد نسيت)!

ومع ارتفاع أصوات الضحك فقدت المعلمة أعصابها
فهتفت بمحمد أن يخرج من الصف، و... و...
ويأخذ معه عمر وعامرًا!

حاولنا الاعتراض ولكنها صَمَّتْ أذنيها عن سماع حرف مما نقول
فخرجنا، ونظرنا غاضبين إلى محمد، لكنه هَزَّ بكتفه قائلًا بلامبالاة إنه سيخبر الناظر
بكل ما حصل فعلًا ويتحمل المسؤولية وحده.

لم نصدقه بادئ الأمر
ولكنه كان عند كلامه
واعترف للناظر بأنه المخطئ، ليصرخ الناظر في وجهه (انقلع إلى بيتكم بسرعة)!

عاد محمد إلى الصف ليحضر كتبه، وهو سعيد بهذه العقوبة!
ونظر الناظر إلينا متسائلًا (ماذا أفعل بكما)؟!

أجبناه بصوت واحد (وما شأننا نحن؟ لقد اعترف هو بأنه مخطئ، لأن...)
قاطعنا الناظر بملل: (أعرف أعرف، لم أصَب بالصمم بعد، لكن ربما لا تسمح لكما المعلمة بالدخول، أو بلى، من المؤكد أن أعصابها قد هدأت، اذهبا إلى الصف، وإن رفضت استقبالكما فأخبراني لأصعد معكما وأكلمها)

لم نصدق أن هذا الناظر (الوحش) كان حنونًا
فأخذنا نشكر عطفه وعدله وروعته و... وعدنا إلى صفنا بسعادة
ولكن...
سمعنا من خلفنا صوت أقدام تكاد تحطم الدرج!

نظرنا مرعوبين لنرى الناظر ينقض علينا ملوحًا بِيَده في تهديد تام
وهو يصرخ كأنه طرزان في الغابات (مع أننا لم نكن قد سمعنا بهذا الأخير بعد)!

ماذا نفعل يا ربي؟!
الناظر يكاد يصل إلينا، وها هو يَضُمُّ قبضته صارخًا كالوحش
والزبد يتساقط من بين شدقيه!


تابعوا معنا