عودة ما بعد الختام 1لقد كسر الطبيب الغضروف بدلًا من تجليسه بطريقة صحيحة، حتى بات فيه ما يشبه الخندق داخله، والحمد لله تعالى أولًا وأخيرًا!
آراء الأطباء توافقت، وكنت أمام مشكلة لم أعانِ مثلها من قبل، بعد تلك العملية الجراحية الخرقاء التي أجراها ذلك الطبيب (سامحه الله)
وبعد تردد طويل، لسنة وأربعة أشهر، حسمتُ أمري مجددًا لأحاول الخلاص من هذه المشكلة المزعجة في تنفسي، وفي الخلاص مما أعانيه من الاحتقان
ولكن...
إلى من أُسَلِّم نفسي؟!
هناك طبيب مميز في منطقة بعيدة يقصده الناس من كل مكان
وابن أختي، وهو طفل صغير، سبق وخضع لعملية وضع أنابيب في أذنيه
وإذ ذابت هذه الأنابيب لم يجرؤ طبيب واحد على انتزاعها
والسبب أن انتزاعها مستحيل من دون بنج كامل وعملية جراحية
أما هذا الطبيب فقد تمكن من سحبها ببساطة تامة وخلال ثوان معدودات!
هذا الطبيب حينما رأى صورة السكانر كان رأيه أنه لا بد من فتح الجيوب الأنفية المتضخمة
قرب الدماغ، ومع ذلك لن نحقق راحة لنَفَسي أكثر من 30%
وهناك طبيب آخر، درس في الجامعة الأمريكية، وأجرى صديق ثقة لي عنده عملية جراحية (قبل أن أفعل أنا ذلك مع الطبيب الأرعن الذي قطع شراييني وكاد يقتلني)
وصديقي أخبرني أنه استراح بنسبة كبيرة بعد العملية عنده
وقد زرتُه فعلًا وقام بالفحص وأخذ عينة للتحليل ليتبين وجود التهاب مزمن في الجيوب الأنفية
وأعطاني علاجًا للتخفيف من هذا الالتهاب بقدر المستطاع
ولكنه رأى أن الجيوب الأنفية التي تقترب من الدماغ لا داعي للاقتراب منها
لم يَنْفِ كونها متضخمة على الإطلاق، ولكنه قال إنها نظيفة، والاقتراب منها الآن
يشبه أن ينتزع أحدنا الزائدة تحسبًا لأن تلتهب يومًا ما!
وبما أن الطبيب الأول البعيد من منطقتي لا يجري عمليته سوى في مستشفى بعيد جدًا
ولا يأتي صوب مناطقنا، وبما أنه يجب أن نحجز موعدًا للعملية قبل عدة شهور
فإنني استبعدتُه من حساباتي تمامًا
وحسمتُ أمري لإجرائها مع الطبيب القريب الذي كتب لي أوراق دخول المستشفى
لأحصل على الموافقة من تعاونية الموظفين
وكما حصل المرة السابقة طلبوا صورة سكانر، على أن تكون جديدة
لم يمضِ عليها ستة أشهر كَحَدٍّ أقصى
أخذتُ هذه الصورة في مركز جديد للتصوير الشعاعي، يمتلك أجهزة حديثة
وإذ عدتُ لاستلامها سلموني قرصًا مرنًا cd لأن التقنيات الحديثة لم تعد تعترف بالصور الضخمة الكبيرة، ولكني أصررتُ على استلام الصورة لأن تعاونية الموظفين تطلب ذلك
ولم يرفضوا بالطبع، ولكنهم طلبوا مني بعض الوقت، لأن إخراج الصورة يحتاج وقتًا، كونها صورة 3rd وليست مثل الصور التقليدية
وإذ هممتُ بالانصراف، توقفتُ لأسأل الطبيب المسؤول في مركز التصوير أن يقرأ لي صورة السكانر بالكامل
وأخبرني بوجود التواء عنيف في الغضروف، وبأن الجيوب الأنفية ملتهبة، ولكن تلك التي قرب الدماغ متضخمة، ولكن لا التهابات فيها
(يبدو بأن دواء الالتهاب الذي أخذتُه بعد الزرع قد أفاد، ما طمأنني إلى دقة عمل الطبيب الذي قررتُ أن أجري العملية عنده)
ولكن المشكلة ليست هنا، المشكلة الأكبر ما قاله لي الطبيب في العيادة
وأكده طبيب مركز التصوير
الطبيب الذي أجرى العملية كان (ذكيًا) على ما يبدو، فقام بِقَصِ اللحمية في مقدمة الأنف بشكل همجي، وأكثر من اللازم، ما ترك فراغًا!
وهذا الأمر لا يمكن حله نهائيًا، فلا توجد عملية تعيد اللحمية إلى موضعها
ويبدو بأن هذا الأمر كان (أعظم) إنجازات الطبيب الأرعن، لأنه أراد بذلك (والله أعلم) أن يخدعني
بأنني سأشعر ببعض التحسن في عملية التنفس، ولم يفعل شيئًا غير ذلك، اللهم إلا تكسير عظام الأنف من الداخل طبعًا!
أما اللحمية التي في نهاية الأنف فلم يلمس منها شيئًا، وبالتالي؛ ومع احتقان الجيوب الأنفية؛ لم أعد أستطيع تصريف البلغم نهائيًا، وزاد أسيد المعدة الوضع سوءًا، فاختنقت طبقة الصوت عندي أكثر وأكثر، للأسف...
اتجهتُ إلى المستشفى صباحًا، وذهني يستعيد ذكريات عشر سنين مضت وأكثر
إنه المستشفى الذي دخلتُه عام 2007 لاستئصال اللوزتين...
ومع انتهاء الملف الطبي في مكتب الدخول، أعطتني مسؤولة المكتب أوراقًا لتوقيعها،
تفيد بمسؤوليتي عما سيحصل لي خلال العملية الجراحية (كوني المسؤول عن نفسي)
وطلبت إليَّ تسليم الأوراق إلى زميل لها في مكتب آخر...
اتجهتُ بالأوراق إلى ذلك الأخير، فَمَدَّ يده؛ قليلًا؛ قائلًا: (ناولني)!
وضعتُ الأوراق أمامه، فعاد يقول: (ناولني)!
نظرتُ إليه ساخرًا، ودفعتُ الأوراق أكثر من تحت الزجاج الحائل بيننا، لتلامس يده،
لكنه عاد يكرر، كأنه آلة مبرمجة: (ناولني)!
سألتُه متهكمًا: (ماذا سأناولك؟ هذه هي الأوراق؟ ناولنا أنت الأوراق المتبقية من عندك)!
ردَّد الأخ، متفوقًا على الآلات المبرمجة: (ناولني)!
نظرتُ إليه متهكمًا، لا أعلم هل أصابه العمى أم الخرف أم ماذا بالضبط،
ولكنه؛ أخيرًا؛ تابع الكلام: (مئة ألف)!
سألته بدهشة: (مئة ألف ماذا)؟
ردَّ بحزم: (مئة ألف ليرة)
سألته بالدهشة ذاتها: (مئة ألف ليرة ماذا)؟
أجابني مبتسمًا ابتسامة عريضة: (للتأمين)!
رددتُ مبتسمًا ابتسامة أعرض من ابتسامته: (يا عزيزي، اقرأ الأوراق في يدك أولًا، أنا أستاذ، وهذا يعني...)
قاطعني كالمذهول من هذه المعلومة (وماذا يعني)؟
رددتُ بحزم: (يعني أننا لا ندفع الآن، ندفع عند الخروج فقط، ونسبة 10%، لا أكثر ولا أقل)!
ابتسم الأخ، ليخبرني بأنه يعرف ذلك، ولا يجب عليَّ أن أدفع شيئًا نهائيًا (يبدو بأنه يحب الدعابات المرحة)! وناولني ورقة من عنده، طالبًا إليَّ أن أتَّجه بها إلى المختبر، لإجراء التحليل اللازم، لتزول ابتسامتي
ويملأ الهم والخوف قلبي
يا للرعب!
سأتعرض لإبرة في يدي بعد قليل!
اتجهتُ إلى المختبر، أمشي خطوة وأقف مترددًا، وخاطر الفرار بنفسي يراودني
وأعتقد أنني دخلتُ المختبر، بوجه شاحب، وناولتُ الورقة للممرضة المسؤولة،
وأخذتُ أمشي يمينًا ويسارًا أمامها، فَظَنَّت؛ فيما يبدو؛ أنني مستعجل، فقالت لي مبتسمة:
(اهدأ يا أستاذ، سيأتي دورك سريعًا، لا تقلق أبدًا، دورك محفوظ)!
ما شاء الله!
هكذا اطمأنت نفسي التعيسة!
ألا تدركين، يا سيدتي، أنني أخاف قدوم دوري؟!
وأنَّى لكِ أن تعلمي ما تعنيه الإبرة بالنسبة إليَّ؟!
رغم أنني لا أطيق الانتظار، إلا أن الوقت مضى بسرعة هائلة،
ونادت الممرضة باسمي، لأدخل المختبر، وأنا أسأل نفسي: (ترى، هل ستكون هي نفسها هنا)؟
ألا تذكرون تلك المسكينة التي سحبت لي الدم آنذاك، وفقدتُ وعيي تقريبًا، فظَنَّت هي أنني مت، وأخذت تصرخ: (ولييي، لقد مات، لقد مات)؟!
أعتقد أنها إن كانت ما تزال موجودة، فستستقيل حتمًا اليوم![]()
لم تكن الأخت نفسها موجودة، ولا أدعي أن ذاكرتي ستحتفظ بملامحها عشر سنوات كاملة،
ولكن الممرضة التي أتت الآن كانت، على الأرجح، في أوائل العشرينات من عمرها، ما ينفي أي احتمال لتكون هي نفسها المسكينة التي كاد قلبها يتوقف رعبًا بسببي
طلبَتْ إليَّ الممرضة أن أجلس على الكرسي الواسع، وأخذَتْ تنظر في يدي اليمنى
ثم... ما... ما هذا؟! إنها تبتسم! كأنها وجدَتْ كنزًا!
وها هي تحمل إبرتها المخيفة المرعبة
ومن دون أن أتمالك نفسي، أبعدتُ يدي بسرعة، ووثبتُ من على الكرسي، وأنا أصرخ
في وجهها بصرامة شديدة
وأجفلتِ المسكينة، وكادت تنقلب أرضًا!
تابعوا معنا

رد مع اقتباس

المفضلات