قريبًا إن شاء الله تعالى
بيسة ناو! (تمهيد)
أختي المسكينة (الحلقة الأولى)
الخائفة المخيفة! (الحلقة الثانية)
بيسة الرعب (الحلقة الثالثة)
قريبًا إن شاء الله تعالى
بيسة ناو! (تمهيد)
أختي المسكينة (الحلقة الأولى)
الخائفة المخيفة! (الحلقة الثانية)
بيسة الرعب (الحلقة الثالثة)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكاية البيسة
لن تكون حكاية متسلسلة بحلقات مطولة
فإنما أحكي لكم بعض مواقفنا مع القطط، ولا نذهب فيها نحو الخيال
إلا ما قد يقتضيه واقع السرد القصصي، خاصة بإنتاج الحوارات إذ لن آتي فيها حرفيًا 100%
بعد سنوات طوال...
حياكم الله وبياكم
الكاتب: أ. عمر
30_8_2019م
بيسة ناو! (تمهيد)
بيسة بيسة ناو!
قومي شعلي الضو!
جوزك بالحمام!
عم ياكل رمان!
قلت له طعميني طفى الضو ونام!
بيسة بيسة ناو! أغنية البيسة الغريبة هذه التي لم تكن تتوقف نساء قريتنا عن غنائها للأطفال، سواء أطفال المهد أم الأكبر قليلًا، ممن عمرهم عدة سنوات، وطبعًا المقصود بـ(جوزك) (زوجك)، ولكنهن كُنَّ يُغَنِّينَهَا بهذه الألفاظ، ونحن نحاول أن نتخيل هذه البيسة المسكينة نائمة بهدوء واطمئنان، ويتسلل زوجها _ ذلك الأحمق _ إلى الحمَّام ليأكل رمان!
وكنا _ أحيانًا _ نسأل أولئك النساء، لماذا هذه البيسة (زوجها) يأكل في الحمام؟ ولماذا لم يأكل في المطبخ مثلًا؟ ولم نكن نحصل على إجابة، إلا إعادة الأغنية على مسامعنا! فكبرنا وفي أذهاننا أن البيسة، بل والأدق أن البيس (الذكر) تحديدًا، قليل الأصل والتربية! فهو يغافل زوجه المسكينة، وينتهز فرصة نومها، ليذهب إلى الحمام ويأكل الرمان هناك، وإذا ما طلب أحدهم منه أن يطعمه معه، ذهب لينام! وبعد أن كبرنا أكثر ودققنا كلمات الأغنية في أذهاننا، أدركنا أن من ألَّفَها كان شرهًا فعلًا، بل ولئيمًا، أمسك بالبيس الذكر يأكل الرمان في الحمام، وإذ طلب منه أن يطعمه، وأطفأ البيس الضوء وذهب لينام، قام ذلك الشره بمناداة البيسة لتشعل له الضوء مخبرًا إياها ما فعله زوجها!
وبعد أن كبرنا أكثر وأكثر، أدركنا أن ما نفكر فيه مجرد هراء! وأن البيس الذكر ليس قليل أصل، ولا يفتقر إلى التربية، ولا يوجد أحد شَرِه يهوى الفتنة ما لم يحقق مصالحه الشخصية، وإنما هي أغنية لتهدئة الأطفال فحسب، وترغيبهم في النوم، أو للتقرب إليهم وإسعادهم بصوت امرأة تغني لهم فحسب، لا أكثر ولا أقل!
ولكن، علاقتنا بالبيسة لم تكن حكرًا على هذه الأغنية المستفزة فحسب، بل كان لنا مواجهة مباشرة معها، وفي وقت حرج أحيانًا، فلأن مدرستنا _ أنا وأخي _ قريبة نسبيًا من البيت، وسيارة العائلة صغيرة جدًا، كان والدي يأخذ أخواتي البنات إلى مدرستهن صباحًا، كما يأخذ أمي إلى مدرستها كذلك، ويتابع إلى منطقة أخرى يدرِّس فيها، وبعد ذلك نذهب أنا وأخي سيرًا على الأقدام إلى مدرستنا القريبة، وذلك اليوم ذهب أبي وأمي، وأربع من أخواتي، وبعد ذلك كانت أختي الكبرى ستذهب إلى مدرستها لكن مشيًا على الأقدام كذلك، إذ كانت الحصة الأولى لديها فراغ، ربما لمعرفة تلاميذ صفها بغياب أحد أساتذتهم مسبقًا، لذا، وفي ذلك اليوم (السعيد) فتحنا باب البيت، أنا وأخي وأختي، لنذهب إلى مدارسنا، وما كدنا نخرج من البيت، وقبل أن نغلقه، فوجئنا ببيسة تندفع مثل الصاروخ داخل المنزل، من دون استئذان!!
تابعوا معنا.
أ. عمر
30_8_2019م
الساعة: 2:45 دقيقة فجرًا
|
وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~
ما شاء الله تبارك الرحمن
بداية موفقة
متشوقة للبداية
ربي يبارك بك
متابعة بإذن الله
فأكمل!!,
استمر!,
في حفظ المولى،،
~
أختي المسكينة (الحلقة الأولى)
يا لها من بيسة قليلة أدب بحق!
اندفعت داخل بيتنا بسرعة مع أن أحدًا منا لم يقم بدعوتها إلى صحن لبنة مثلًا! وصرخت أختي من المفاجأة، ولم يتردد أخي هنا، عاد إلى داخل البيت محاولًا طرد البيسة، لكنه لم يجدها في الردهة أمامه، فأخذ يبحث عنها راكضًا في أنحاء البيت وغرفه، وإذ لم نسمع أي صوت يدل على حصول مطاردة، ظننا أننا توهمنا رؤية البيسة هذه، وعدنا لندخل البيت، أنا وأختي، ونحن نشعر ببعض الحيرة.
وفي اللحظة التالية فاجأتنا البيسة وهي تنطلق نحونا بسرعة خيالية، لنبتعد أنا وأختي، كل في اتجاه، وكأن البيسة هي التي تطاردنا لا نحن، (طبعًا حصل هذا، وطبلة أذني تكاد تتمزق بسبب صرخة أختي الخائفة)، وظهر أخي فجأة مثل بطل خيالي، وهو يجري خلفها _ خلف البيسة لا خلف أختي طبعًا _ ورأيت أنه يكاد يمسك بها، ويستطيع فعلًا أن يلقي نفسه عليها ويمسك بها، لكنه لسبب ما لم يفعل، وفوجئنا أكثر بأن حضرتها عادت تجري نحونا، وتثب نحو أختي كأنها تريد منها أن تحضنها، فكان أن دفعت أختي بيدي بعيدًا، لتمر البيسة من بيننا، (طبعًا حصل هذا، وطبلة أذني تكاد تتمزق بسبب صرخة أختي الخائفة)!
استمرت المطاردة بين البيسة وبين أخي، أقصد بين أخي وبين البيسة، وانتبهت إلى أمر مهم، بعيدًا من هذه المطاردات الودية! فهمست في أذن أختي أن موعد مدرستها قد اقترب، وطبعًا ارتفعت صرخة أختي المذعورة لهذا الخبر، تكاد تمزق طبلة أذني المسكينة! وإذ بأختي تركض مذعورة لتلحق بدوامها، وأعتقد أن دموعها كانت تسيل من عينيها!
وارتفع صوت القطة أخيرًا، بعدما ظنناها خرساء! ولا أعرف هل ضربها أخي بشيء ما أم لا، حتى تموء بهذا الصوت المرتفع، لكني كنت أعرف أن البيسة رغم كل المطاردات لم تفكر إطلاقًا في الخروج من الباب الذي دخلت منه، وخطر لي أن أفتح باب الشرفة الواسعة الملحقة بالصالون، وما كدت أفعل ذلك، وأرجع إلى مدخل البيت، حتى رأيت البيسة تنطلق نحوي بسرعتها وخِفَّتِها، وخلفها أخي، ولا أعرف كيف غيرت طريقها لتنطلق في الصالون، لكني كنت سعيدًا فعلًا لأنها لم تثب نحوي، ولم ألمسها حتى!
ولا أعرف كذلك لماذا انضممْتُ إلى أخي هنا في مطاردتها، لكن البيسة خرجت إلى الشرفة، ونحن خلفها، قلنا لأنفسنا إننا سنحبسها هنا ونذهب إلى مدرستنا، ولكن...
ما رأيناه وقتها لم يَزُلْ من ذاكرتنا بسهولة، إذ لم نتخيل يومًا ما أنه ممكن الحصول! لقد وثبت البيسة من الشرفة، وتابعت طريقها راكضة، وكأنها لم تقفز من الطابق الثاني، على ارتفاع ربما يبلغ عشرة أمتار!
وقفنا، أنا وأخي، نسأل أنفسنا كيف لم تمت هذه البيسة، أو على الأقل كيف لم تنكسر عظامها، ويبدو أنني أحببت استفزاز أخي، وأنا أقول له بسخرية:
_ وهل تعتقد أن للبيسة عظام؟ من المؤكد أنه ليس لها عظام!
وأخي يصرخ في وجهي غاضبًا، يؤكد لي أن البيسة لها عظام، وهذا الأمر مؤكد، وأنا أتهكم به، وبمعلوماته (الرهيبة):
_ نعم، نعم، بالتأكيد! من المؤكد أنك اشتريتَ للماما عظام قطة، حينما أرسلتك أمس لتشتري عظامًا لتضعها في طبخة ورق العنب!
ودار بيننا حوار سخيف، لا يقدم ولا يؤخر، ولكن ربما أردنا تخفيف التوتر من أنفسنا بعد هذه المطاردة الغريبة التي بوغتنا فيها ونحن نريد الذهاب إلى المدرسة، و...
المدرسة!!
يا للهول! لم يبقَ سوى دقيقتين ويرن جرس بداية الدوام!
أخذنا نركض هنا بأقصى سرعة ممكنة، كنا نصل في حوالي خمس دقائق سيرًا على الأقدام، فماذا عن الركض الذي يكاد يقطع أنفاسنا؟ هل سنصل قبل رنين الجرس يا ترى؟ النظام في مدرستنا كان مزعجًا، إذ هناك رنة جرس أولى يقف التلاميذ معها أمكنتهم، ورنة ثانية ليذهبوا ويقفوا خلف بعضهم في صفوف منتظمة في الملعب، وبعدما يلقي الناظر محاضرة سخيفة لا معنى لها، نذهب إلى صفوفنا، والمهم في ما نقول هنا، رنة الجرس الأولى!
هذه الرنة من يأتي بعدها إلى المدرسة، بل حتى لو كان قد وصل إلى مدخل الملعب، ورن هذا الجرس العالمي، سيبقى التلميذ واقفًا على قدميه حتى تنتهي (مراسم) التوجه إلى الصفوف، وبعدها يضربه الناظر، وبعدها يبقى واقفًا كذلك حتى تنتهي الحصة الأولى وجزء من الحصة الثانية إن لم يكن كلها، لذا كان طبيعيًا أن نجري بهذه السرعة القصوى، ولكننا وصلنا إلى المدرسة ورنين الجرس يرتفع، فأدركنا أننا سنتعرض إلى الضرب وسنقف مدة طويلة على أقدامنا، ويا للأسف!
ولكنْ، فوجئ بنا أحد النظار نقتحم المدرسة، ونحن نلهث ونحاول الكلام فلا نستطيع، وأعتقد أن وجهي كان محتقنًا عن آخره، فلقد كان وجه أخي كذلك! وهَبَّ الناظر المسكين واقفًا، هاتفًا بنا في رعب:
_ ماذا هناك؟
خرجت من بين أفواهنا كلمات غير مترابطة، ولا تدل على شيء:
_ أختي البيسة! وقعت من الشرفة! البيسة...
ليقاطعنا في رعب أشد:
_ هل تريدان الرجوع إلى البيت؟ إن كان كذلك فلا بأس، تكرم أعينكما.
كنت مسرورًا جدًا لهذه (الهدية) التي لم أحلم بها، ولكن أخي أجاب، وهو ما يزال يلهث إرهاقًا:
_ لـَ...لا، لِــ... لِأنه!
هتفت في نفسي من دون أن أرفع صوتي طبعًا:
_ تِضْرَب! فرصة رائعة لنرجع إلى البيت بطلب من الناظر نفسه، ونرتاح من التعليم!
أما الناظر، فقد قاطع كلام أخي مرة أخرى، هاتفًا في توتر:
_ اذهبا واغسلا وجهيكما جيدًا، واذهبا بعدها إلى صفوفكما، ومتى أحببتما الرجوع إلى البيت قولا لي!
وانصرفنا، وهو يتمتم خلفنا بإشفاق شديد:
_ يا للمسكينة أختهما! لقد وقعت من الشرفة! يا رب لا تكون قد تكسرت! يا لها من مسكينة! حرام!
خرجت من فمي هنا ضحكة لم أستطع كتمانها، فصرخ الناظر بي:
_ عيب! ما هذا؟!
ظننْتُ أن الناظر قد (فهم) ما حصل، واكتشف خداعنا له، رغم أننا لم نخدعه، بل هو من فَكَّرَ بهذا الأسلوب الغريب المستفز، وقبل أن أحاول (إفهامه) الحقيقة، وأؤكد له أنه هو من أخطأ الفهم والاستيعاب، تابع غاضبًا:
_ هل هذا وقت البكاء؟! أختكما لم يُصِبْها شيء إن شاء الله! كن قويًا وركز في الدروس، أم أنك تنوي أن تبكي من أول النهار إلى آخره؟
امتلأ وجهي بالدموع هنا! دموع الضحك المكبوت طبعًا، وأسرعت سابقًا أخي إلى المغسلة، والناظر يردد من خلفنا:
_ يا للمسكينة! حرام!
ومررت، وخلفي أخي، بالناظر صاحب المحاضرات (القيمة) اليومية، متجاهلين إياه، ولم يعترض طريقنا، إذ إنه رآنا بكل تأكيد، وزميله يكلمنا، ما لم يكن أعمى لا يرى شيئًا على الإطلاق! مررنا بجواره تمامًا، واتجهنا إلى المغسلة نغسل وجهينا جيدًا، ولم أنسَ أن أغسل عينيَّ عدة مرات، كي أسوغ أن هذه الدموع هي مياه وليست بدموع، وذلك كي لا يدعوني الناظر إلى التماسك مرة أخرى، وألا أحزن على أختي المسكينة!
وفعلًا أختي كانت مسكينة، بسبب اضطرارها إلى الركض مسافة أطول بكثير من تلك المسافة التي ركضناها أنا وأخي، لئلا تتأخر عن مدرستها، وهي التي لا تحب الإسراع في مشيتها حتى!
لا علينا!
لقد انتهى هذا الكابوس على خير، بفضل الله تعالى...
ولكن مواقفنا مع البيسة لم تنتهِ بعد...
خاصة إذا ما نظرنا إلى البيسة على أنها دواء، وإذ بها تكون الداء، و...
ولكنْ، هذه حكاية أخرى، نعرضها لاحقًا إن شاء الله تعالى...
تابعوا معنا!
أ. عمر
1_ 9_ 2019م
الساعة: 11:41 دقيقة صباحًا
|
يالله!،
فعلاً شيء!!،
القطة غريبة!!،
ناوية عليكم!!،
الحمدلله الناظر كان لطيف!!،
أما ردة فعلكxD,
صراحة شيء!!،
أسلوب جميل _ما شاء الله تبارك الرحمن_ كالعادة
وسرد في قمة الروعة
ربي يبارك بك
متابعة بإذن الله
ربي يزيدك فضلاً ورزقا
في حفظ المولى،،
~
|
ياللظرافة .. طبعًا أقصد القطة الأنيقة التي وثيت من الطابق الثاني بخفة دون الالتفاف لشقاوتكما ^_^
كان إنجازًا في وقتها أليس كذلك؟ أقصد عندما انخدع المدير دون أن تحاولا خداعه حنى؟
في بعض الأحيان تكون القطة مخيفة جدًا وتنقلب لطافتها لشراسة مرعبة
أذكر مرة أن قطة ولدت في بيتنا وكانت صغارها في غاية الظرف واللطافة، فحملت إحداها في غياب الأم
وفجأة سمعت صوتًا من خلفي وكأنه زئير لبؤة فالتفت وإذا بالقطة الأم تنفش ذيلها حتى أصبح كذيل الثعلب
فما أن رأيتها حتى بدأت أجري - ونسيت أني أحمل صغيرها بين يدي - وهي تجري خلفي حتى نبهني شقيقي أن اتركي الصغير يا غبية
فألقيته من يدي واختبأت، تكاد أنفاسي تقطع رئتيّ عند كل شهيق وزفير، بعدها رأيت الأم
تتجاهل مطاردتي وتحمل صغيرها من رقبته وتغادر، ومن يومها لم أقترب من قطة لها أم
سلمك ربي وسدد خطاك استأنست جدًا بالقراءة رغم أني أخذت وقتي بها وعلى مهل
الله يعيننا على هذه القطة التي دخلت من دون استئذان، والحمد لله تعالى أنها لم تتسبب لنا بأضرار
في المدرسة!
والناظر كان لطيفًا إذ أخطأ الفهم، لكن ربما كان متوحشًا لو أدرك الحقيقة، والحمد لله أنه لم يدركها، ولم يفهم أن هذه الصرخة المباغتة هي ضحكة خرجت رغمًا عني، وليست بكاء!
حفظكِ الله من كل سوء، وجزاكِ كل الخير لرأيكِ الراقي.
هذه القطة تمنينا وقتها لو أمسكنا بها لنلقنها درسًا يعلمها ألا تدخل بيوت الناس من دون إذن
وفعلًا كان إنجازًا حقيقيًا لنا أن يُخدَع الناظر، وإن لم نقصد خداعه، لكن باب الأمل لنا فُتِحَ فجأة، لن نُضْرَب، ولن نبقى واقفين خارج الصف، فهذا فعلًا إنجاز، والحمد لله تعالى أنه وقع في هذا الفخ!!
والقطة إذا توحشت ربما تصبح مثل النمور المفترسة، فالحمد لله تعالى على أنها لم تؤذِكِ آنذاك...
سلمكِ الله تعالى وجزاكِ كل الخير لدعائكِ الطيب ولرأيكِ المشرف.
الخائفة المخيفة! (الحلقة الثانية)
بيسة بيسة ناو!
قومي شعلي الضو!
الحمد لله أن البيسة لم (تقتحم) بيتنا مرة ثانية، ويبدو أنها قد تعلمت بعض الذوق، وفهمت أنه لا ينبغي لها أن تدخل بيوت الناس من دون استئذانهم، أو على الأقل يكونون قد دعوها إلى كوب من الحليب أو صحن من اللبنة!
ولكن، يبدو أن بعض القطط، قلبها مقطوع، وتخاف بسرعة، ولا تتميز بأدنى قَدْرٍ ممكن من الشجاعة، رغم أننا كنا نسمع أن القطة يمكنها أن تتحدى الحية وتهزمها، لكن رغم ذلك القطة جبانة!
يومًا ما، امتلكنا في البناية كلبًا، كان شاردًا مسكينًا، وإذ أطعمناه أخذ يجلس في مدخل بنايتنا كأنه يريد أن يحرسها، رغم أنه كان كلبًا كسولًا، ينام معظم الأوقات، ولا يستيقظ إلا ليأكل، ومن بعدها يعود إلى نومه العميق، ولا نعلم بم كان يحلم حتى يحب النوم إلى هذا الحد!
كنت أخاف الكلاب كثيرًا، وحاولت أن أقضي على خوفي هذا، بوجود هذا الكلب الذي لا ينبح في وجوهنا، ولا يطاردنا يريد أن يعضنا، ولكني لم أنجح في ذلك، وبما أن القصة ليست عن الكلب، فإنني لن أستطرد هنا، غير أنني أذكر مرة كان هذا الكلب نائمًا فيها قرب مدخل البناية الداخلي كعادته، وبيسة تنبلة مثل الكلب تنام على بعد أمتار قليلة منه فوق أرض ترابية، تحت ظل شجرة، حتى أنه لم يكن ينقصها سوى أن تدلل نفسها وتطلب وسادة تريح خدها عليها!
اقتربت منها بهدوء حذر، وأنا أفكر بمشاعري الطفولية، كيف يقولون لنا في المدرسة إن البيسة تخاف الكلاب وتهرب منها، وهذه البيسة تنام هنا؟ هل فقدت عقلها مثلًا، أم أن البيسة لا تخاف الكلاب كما خدعونا وأوهمونا في المدرسة؟
ولكن، هل البيسة تخافنا أم لا؟ لا، لا، المهم أن نعلم هل البيسة تخاف الكلاب أم لا! بل المهم أن نعلم الأمرين سويًا!
اقتربت بهدوء تام، كي لا تفيق البيسة (مسكينة، حرام أن نقطع نومها)، وجلست بهدوء بجوارها تمامًا، لأضع فمي في أذنها قائلًا لها، بل صارخًا بأعلى صوت عندي: (عَوْ عَوْ عَوْ)!
كنت بهذا أريد أن أعلم، كذلك، هل القطة تخاف الخوف الفجائي مثلنا، نحن الناس، أم أنها شجاعة و(جدعة)؟
ويا لها من ردة فعل رهيبة بحق! فوجئت بالبيسة تموء بصوت حاد، كأنها أصيبت بالجنون، وهي تثب في الهواء، كأنها تطير بجناحين لا نراهما، وأنا أتراجع بسرعة ومن دون تفكير، لأشعر بألم في ظهري بسبب الوقوع القاسي، ولكني لم أشعر بالندم لذلك، فالمهم أن البيسة كان فيها شيء من (الحنان)، ولم تثب نحوي، وإلا فربما كنت سأتابع حياتي من دون عينين، أو من دون إحدى هاتين العينين على الأقل، لا سمح الله طبعًا!
من المؤكد أنني ندمت جدًا لأنني أخفت البيسة المسكينة، واستغفرت الله على ما فعلته بها، وإن كنت لم أقصده، كما حمدت الله لأن وثبة البيسة لم تكن على وجهي، وخرجت سالِمًا من لحظات الرعب هذه.
وبعد ذلك بسنوات، كنا في بيت ما، بيت أرضي، وإذ ببيسة تكاد تدخل، فتجري صاحبة البيت نحوها وتنهرها بصوت عالٍ، بل وتحاول ضربها، والبيسة تهرب بجلدها، وتساءل أحد الحاضرين: (لماذا تفعلين هذا؟ البيسة روح وتتألم، وهي)، لتقاطعه المرأة بغضب: (الله يخرب بيتها وبيت بيتها إن شاء الله)!
هل للبيسة بيت؟ وإن كان لها، فهل لبيت البيسة بيت؟ أردت أن أسألها هذا السؤال فعلًا، لكنها أخبرتنا أنها كانت تربي بيسة في منزلها، ومنذ صغرها، وكانت تحنو عليها كثيرًا، ولا تكاد تفرق بينها وبين ابْنَيها!
والبيسة تأكل معهم قرب طاولة الطعام، لا يلقون إليها ببقايا الأكل، بل تجلس قرب أقدامهم لتأكل في وقت أكلهم نفسه، وكأنها من أفراد العائلة فعلًا، ويومًا ما، دخل ابنها الحمام ليغتسل، وكان ابنها ما يزال صغيرًا نسبيًا، ربما في الثانية عشرة من عمره، وباب الحمام لا يُغْلَق بشكل كامل، لكن الولد أخذ يستحم مطمئنًا إلى أن أحدًا لن يفتح عليه الباب، بما أنه أخبر أهله أنه يستحم، وفجأة حصل أمر قاسٍ فعلًا!
انقطع التيار الكهربائي، وفي اللحظة التالية فوجئ الولد بأن وجهه يكاد يتمزق، وشيء ما يتشبث به بقوة ويمزق اللحم، وظن المسكين أنه يتعرض إلى هجوم حية، فصرخ صرخة كفيلة بإيقاظ الحارة كلها، وركضت أمه نحو الحمام ممسكة بضوء يدوي محمول، لترى البيسة الوديعة المدللة تمزق وجه ابنها، وانقضت المرأة على البيسة تحاول انتزاعها بعنف، والحمقاء لا تترك الولد، حتى ضربتها المرأة على رأسها، فسقطت القطة أرضًا وأسرعت تهرب، والولد المسكين يضع يديه على عينيه، والدماء تغرق وجهه وجسده، وأمه تصرخ بأعلى صوتها رعبًا، ولم تعرف الأم نفسها ما حصل بعدها! ولا كيف وجدت نفسها أمام سرير ابنها النائم بعد أن غسلت له وجهه وضمدت جراحه!
توقف الزمان والمكان معًا في نقطة غريبة، لم تفهمها الأم، ولم تعرف ما فعلت، حتى ابنها نفسه لم يشعر بشيء إلا أن الألم يكاد يحرقه، ثم أغفى أو فقد وعيه، ليستيقظ وهو ما يزال يتألم، وأمه تقوده مع أشعة الصباح إلى أقرب صيدلية ليحصل على العلاج الصحيح.
ربما لم تفهم الأم ولا ابنها سبب تسلل البيسة كاللصوص المحترفين، مستغلة انقطاع التيار الكهربائي، بل كأنها قاتل محترف، لكنها كذلك لم تتخيل أنها مع إعدادها طعام الفطور وجلوسها وابْنَيها للأكل، أن البيسة ستنضم إليهم في مجلسهم هذا، وهي تموء بهدوء، كأنها تطالب بنصيبها من الطعام!
ولقد حصلت البيسة على نصيبها، لكن بركلة قاسية أودعتها المرأة كل غضبها، وبعدها دارت مطاردة طويلة بين الأم وابنتها من جهة، والبيسة المسكينة من جهة، أما الصبي فظل مكانه يرتجف، لم يجرؤ على المشاركة في المطاردة، وآلام وجهه ما تزال حاضرة! لكن البيسة خرجت مهزومة ذليلة ببضع ركلات، بل وضربات بقبضات الأيدي، وبعدها وجدت نفسها ترتفع من أذنيها، كأنها طفل مشاغب يجذبون له أذنيه، والمرأة تفتح الباب لتركل البيسة ركلة قوية تدحرجت على إثرها على الدرج، ولكن (يخرب بيتها صحيح! وبيت بيتها صحيح! لقد انطلقت تجري، ولم تتكسر أرجلها)! ومنذ ذلك اليوم، وهذه المرأة إذا رأت بيسة هجمت عليها لتطردها خوفًا على أولادها.
لم نعلم سبب ليلة الرعب التي عاشتها العائلة بسبب البيسة...
لكني أعلم أن قلبي (المسكين) كاد يتوقف أكثر من مرة بسببها!
تابعوا معنا.
عمر قزيحة
6_9_2019م
الساعة: 11:51 دقيقة مساء.
|
جميل ماثترته كما عودتنا أستاذ أسلوب قصصي ماتع لا يخلو من إستظراف واستطراف مرآة لجميل روحك
متابع بفضول شديد
على الهماش
من طريف اللّهجات البيسة عندنا في تونس جمع بيس وهي الكُجّة
|
.
أحسن الله إليكم وبارك فيكم
الكُجّة بلّور دائري صغيرة الحجم متعددة الألوان كنا نلعبها زمان ونحن صغارا وكان أحدنا عندما يخسر كُجته رُبما حزن دهرا وربما تخاصم وتشاجر بشراسة ليستعيدها
فالكُجة في زماننا نتباهى بها وكأنها مال قارون وحتى الأغنية التونسية الجميلة تقول
"أيّامات وأنا عايش كِالبَايات في مَكتوبي خَمْسة بيساتْ ونَحسِب رُوحي ثروة معايا"
بمعنى أيام عدة وأنا أعيش مثل البايات (جمع باي مُمثلي الإمبراطورية العثمانية ثم حكُاما لتونس لمدة 252 عاما) في جيْب سروالي أو قميصي خمسة كُجّات ويكأنها ثروة معي
كانت كنزًا حقيقيًا للأولاد في صغرنا، وكم لعبوا عليها بالتحدي والخاسر يخسرها لمصلحة الفائز بالتحديات الثنائية...
طبعًا لم أشارك في مثل هذا التحدي لأنه مثل القمار لكننا كنا نسمع صراخ الأولاد الخاسرين ومطالباتهم بإعادة التحدي أو اتهامهم الطرف الآخر بالغش...
وكانت لها أسماء تدليل وفقًا للألوان الغالبة عليها (بيضون، خضرون، صفرون)!!
نحن نسميها الكُلِّة بالكاف المضمومة وكسر اللام، وطبعًا الكاف هنا ليست الكاف العربية بل مثل كاف (كاتو)، وفي دول أخرى مثل مصر يسمونها بِلْيَة، وفي سوريا اسمها دَحَل.
أشكرك كل الشكر للإجابة يا أخي، وشكرًا لما أثَرْتَه في النفس من ذكريات سعيدة من ماضٍ بعيد...
|
يالله!، مالذي فعلته بوجه الصغير!!،
شيء مهول صراحة!!،
أظن أنهُ أصابته عقدة مما حدث
والأم جتها صدمة!!،
صراحة شيء يقهرر
أحس زاد غيظي من القطط!،
بسم الله بـس،
أسلوب ماتع وجميل!،
ربي يبارك بك
في حفظ المولى،،
~
|
نعم هي حرب أشبه ما تكون بحرب داحس والغبراء ولا يمكن حلها إلا باسترداد الخاسر هذه الكلل...
لم نكن نلعب _ نحن في بنايتنا وكلنا أقارب _ بهذا الأسلوب لأننا تربينا على أنه قمار، ولكننا شهدنا من لعب به وخسر، وكم مرة حاولنا التدخل لإيقاف التضارب بالأيادي!
بل حتى حينما كنا نلعب نحن كأولاد بناية واحدة مع بعضنا من باب التسلية، إن خسر أحدنا وقال الرابح سآخذ لك الكلة، يبدأ الضرب والصراخ كأننا في معركة حقيقية...
كل الشكر لكم والتقدير يا غالي، ودُمْتَ في أمان الله تعالى وحفظه ورعايته.
المفضلات