صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار الطيبينبسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيِّد الخلق أجمعين نبينا محمد و على آله الطيبين الطاهرين
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
قرأتُ النص خمس مرَّات أو أكثر و في كل مرة منها أشعر بالمشاعر نفسها تتملكني عندما أمر على ذات الكلمات
هذه الظاهرة و غيرها من الظواهر لا يملك الإنسان تفسيراً يشفي فضوله لأسباب و ملابسات و كيفية حدوثها
و لا أظن أنَّه من السهل العثور على الشخص الذي سيمكنه تفسير الأمور المتعلقة بالروح التي لا يمكن للعلوم المادية المعروفة الجزم بطبيعتها و إخضاعها لقوانين الفيزياء التقليدية المختصة بالمادة
شخصياً كنت أمر في طفولتي المبكرة و لا زلت مؤخراً ببعض الحوادث التي لا أملك لها تفسيراً سوى أنها خروج من الجسد ( وقد لا أكون مصيباً في ذلك)
مع اختلاف الظروف و التفاصيل تماماً عمَّا قرأت سابقاً و عمَّا أوردتم
الأمر أقرب إلى أولئك الذين سمعتُ أنهم رغبوا بشدَّة في الذهاب إلى الحج على سبيل المثال و حال القدر دون ذلك و قلوبهم متعلِّقة بالذهاب إلى السعودية لأداء هذه الفريضة
و يحصل أن يعود أحد معارفه من هناك و يخبره أنَّه قد رآه في الحج يمارس الشعائر المقدسة مع بقية الحجاج( و ربما قد أجرى معه محادثة بسيطة كذلك أثناء هذا اللقاء)
فيسأله عن سبب إخباره سابقاً أنَّه لن يتمكن من الذهاب فيجد الشخص نفسه مصدوماً لا يدرك عمَّا يخبره الطرف الآخر به
و الكثيرين ممن أعرفهم يفسرون هذه الظاهرة بأنَّ الله قد كتب لهم حجة وفقاً لنواياهم و لا أعلم صحة ذلك من عدمه حقيقةً
ما يحصل معي مشابه كثيراً رغم أن الأمر لا يتعلق بالسفر أو قطع المسافات و لا حتى له ارتباطات دينية
ومن خلال معرفتي البسيطة و دون المتواضعة بهذه الظاهرة أجد البعض قد وضع فرضيات متعددة كمحاولة لتفسير ما لا يمكن تفسيره بأدوات القياس و التحليل المخبرية
و استناداً لأقوال الأشخاص الذين مرُّوا بهذه التجربة ردَّدوا أنَّ المفردات التي يستخدمها الإنسان العادي غير قادرة على التعبير عن التجربة ( أقصد تجربة الخروج من الجسد عند الشعور بالدنو من الموت)و كيفية الشعور بها
إذ أن المفردات و الكلمات التي نستخدمها ما هي إلا انعكاس للحواس الخمسة التي اعتدنا استخدامها
و التي يدرك العقل كيفية ترجمة ما تنقله إليه ليحولها إلى كلمات في حال أراد الشخص نقل ما يشعر به لشخصٍ آخر بالتعبير عن طريق الكلام أو الكتابة
لكن الأشخاص الذين يمرون بهذه التجربة يشهدون حاسة أو مجموعة من الحواس الجديدة لم يتعاملوا معها من قبل والتي وصفتموها في هذه الخاطرة بالشفافية الكاملة
و لا يمكن للكلمات التي ابتدعتها حواسنا البشرية التعبير عنها لأنها لم تختبرها أبداً
فيكون حالهم كحال الطفل الوليد الذي يكون وافداً جديداً على عالمٍ لم يعرف منه شيئاً فلا يكون حينها أكثر من متفرج بحيرة حوله محاولاً أن يدرك وضعه و موقعه
خاصةً أنَّ الشخص المار بهذا الوضع يشعر كأنه معلَّق بين عالمين
فلا يعود يشعر بالإنتماء لذلك العالم المادي الذي اعتاده و لا هو ينتمي فعلياً لعالم الأموات الذي لا يعرف عنه سوى ما سمعه و تعلمه في عالمه المادي فلا يمكنه القطع بحقيقة موته من عدمه
و العلوم الحالية حتى مع محاولاتها المستميتة لمعرفة ماهية الروح و المحرك الحقيقي للجسد المادي نجدها تقف حائرة منكسة الرأس أمام القدرة الإلهية التي اختصت بمعرفة الروح و أسرارها و خباياها كما قال سبحانه و تعالى في كتابه الكريم :
( و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلَّا قليلاً)
[سورة الإسراء- الآية 85 ]
وصف اللقاء بوالدتكم رحمها الله و أسكنها من الجنان أفسحها و أعلاها منزلةً و الذي ارتبط بطبيعة الحال بوصف حالكم وقت رحيلها مؤلم بقدر إتقانكم له
فالكلمات نفسها تصاغ لتؤدي هذا الغرض و لكن الشعور بمحتواها يكون أكثر إيلاماً لمن مرَّ بمثل هذا الوضع
تذكرت وفاة جدي رحمه الله قبل بضعة أيام من إكمالي عامي الحادي عشر و حتى اليوم و العام الخامس عشر على هذه الحادثة لا تكاد تطويه سوى بضعة أيام أجد صعوبة في تقبل الأمر و استيعابه
لذلك أنا أفهم هذا الشعور جيداً و قد تردد صدى الكلمات التي كتبتموها داخل عقلي كأنها صوتٌ جاء من الماضي ليعيد مشاعري من غيبوبتها الي أجبرها عليها بين الحين و الآخر
الأمر ليس سيئاً جداً ؛أن يعود الإنسان بين الحين و الآخر لطبيعته التي يحاول دفنها و بصراحة أحيي قدرتك على تحمل الأمر دون أن تحاول كتمان مشاعرك و وأدها
قد لا يكون شيئاً مما كتبته يكفي لمواساتكم بعد ما مررتم به و لكني أتمنى كما أدرك جيداً أن الفاضلةوالدتكم تتمنى أن تكونوا بأفضل حالٍ دائماً
كلمات قرأتها مرارًا، وبكل شغف، وهي كلمات تثقل بماء الذهب
حفظك الله من كل سوء، وكل الثناء لك يا غالي لدعائك الطيب لوالدتي رحمها الله
بوركت وبورك مرورك الطيب الكريم


رد مع اقتباس

المفضلات