عن كرة القدم حدَّثْنَاكم؟
فما رأيكم، إذًا، في بطولة مصغَّرة أنشأها بعض الشباب، وكأنَّهم في فِرَق نظاميَّة في كأس العالم؟
وهذا لاعب مميَّز بالفعل، تنافسَتِ الفِرَق بين بعضها من يضمُّهُ إليها، حتَّى استقرَّ في فريق ما، حاز هذا الشرف العظيم، ومنح شارة القيادة لهذا اللاعب، والكلُّ توقَّع له أن يكون هدَّاف البطولة، ولكن!!
مباراة تلو الأخرى تَمُرُّ، ولا هدفًا واحدًا له حتَّى، أمَّا عنِ التَّمريرات الحاسمة فَحَدِّث ولا حرج! كلُّ تمريراته خطأ، فريقُهُ يفوز في صعوبة، ويبدو هو عبئًا ثقيلًا على فريقه، لكنَّه يَعِد الجميع بأنَّه لم يفجِّر طاقاته بعد، وسَيُفَجِّرها من حيثُ لا يتوقَّعُون ذلك أو ينتظرون أو يتخيَّلون!
ووصلوا إلى مباراة الختام، مباراة تحقيق الأحلام، مباراة الكأس، هنا كأس بالفعل، (لا أدري من أيَّة مادة صنعوها، ربَّما من البلاستيك، لكن لا بأس، هي في النِّهاية بطولة وكأس)!! وتقدَّم فريقه بهدف، والتهبت أعصاب الجماهير من الغيظ، الفريق يضيِّع الفرص في غرابة شديدة، وهذا اللاعب المميَّز (الهدَّاف الافتراضي) أتيحَ له أن يسجِّل عدَّة مرَّات (كي لا نقول عشرات المرَّات)، ولا يصيب الشِّباك، ومع هذا لا بأس، فريقه يتقدَّم، والثواني الأخيرة في الوقت بدل الضائع، وها هو العبقريُّ في منتصفِ الميدان، يستلم الكرة، آخر لمسة في البطولة ستكون له هو؟ سيحتفل بالكأس بأسلوب مميَّز، هيَّأ الكرة لنفسه وسط الملعب، رفعها عاليًا، ارتفع في الهواء ليرسلها مقصَّة هوائيَّة ناريَّة لا تُصَدُّ ولا تُرَدُّ، كان يقصد أن يرفعها فقط عالية في السماء، كرمز للتقدُّم والانتصار، ولكنْ؟
لاعبو فريقِهِ مصدومون؟ لماذا؟ المعلِّق يصرخ معلنًا عن هدف؟ يبدو أنَّ لاعبي فريقِهِ لم يستوعبوا هذا الإبداع الفظيع، مع أنَّ لاعبي الفريق الآخر والمشجِّعين يهتفون ويحتفلون، يا لروحهم الرياضيَّة! ثمَّ (فهم) ما حصل، لقد رفع الكرة وارتقى ليرسلها مقصيَّة هوائيَّة، حكمًا ستتَّجه إلى الخلف، إلى مرماه، لتجرف في دربها الحارس الذي بوغت بها تمامًا تصطدم _ خفيفة _ بوجهه _ لينقلب على ظهره في الشِّباك والكرة فوق رأسه تعانق الشِّباك ثمَّ تهوي على أنفه! هدف عكسي لم يسبق له مثيل حتَّى في الملاعب العالميَّة!!
جاء التعادل من حيثُ لم يفهم أحد أو يتوقَّع، والفريق الخاسر احتفل سعيدًا، لم يفلح في بناء هجمة واحدة خلال اللقاء، وها هو التعادل في الثانية الأخيرة، هديَّة من أعماق قلب الكابتن الخصم! يا للسعادة! ولأنَّهم يقلِّدون نظام كأس العالم والدَّوريَّات الكبرى (الحادثة هذه حصلت بين 2001 و2002)، لجأ الفريقان إلى الأشواط الإضافيَّة، وقاعدة الهدف الذهبي، من يسجِّل يربح...
ومضَتِ الدقائق، ولا جديد، مضَتِ الدقائق سريعةً، وفي آخر دقيقة في الشوط الإضافي الثاني، بل في آخر ثانية، كرة عرضيَّة من الفريق الخصم، إلى جزاء فريق هذا اللاعب الأسطوري النادر، وبغباء شديد أمسكها بِيَدِهِ، لأنَّه (ظنَّ أنَّ الحكم سيطلق صافرته قبل ذلك)! وهكذا بمنتهى الغباء، نال بطاقة حمراء، وقد تسبَّب في ضربة جزاء...
دعونا نتخيَّلِ المشهد معًا، فأنا لم أشهدْهُ وقتها، وإن كتبْتُ عنه قصَّة بأسلوب المسرحيَّة والمقابلة الصحفيَّة (للأسف ضاعت معَ السِّنين)، لكن دعونا نتخيَّل لاعبًا يقف أمام الكرة ليسدِّدها، يبدو له المرمى ضيِّقًا والحارس عملاقًا، ويسأل نفسه هل يمكن لنا أن نفوز بعد أن كُنَّا خاسرين؟ ها هو يتقدَّم ويرفع الكرة عاليًا جدًّا في السَّماء، مقلِّدًا الكابتن ماجد! ستنزل الكرة من فوق الحارس، تصطدم بالعارضة، ترتفع، يقفز هو نحوها ليتابعها في المرمى، وقد تحقَّقت أول خطوة، الكرة نزلت في العارضة، ارتفعت...
لكن الذي قفز هو حارس المرمى، لا أحد فهم وقتها _ ولا بعد ذلك _ لماذا تحرَّك الحارس الآن؟ الكرة بعيدة عن المرمى، لكنَّه وثب نحوها صارخًا في توحُّش، ولم يفكِّر في مدِّ يديه نحوها، لتهوي الكرة على رأسِهِ وترتفع في الشِّباك، وينطح هو الأرض، ويغيب عن وعيه، وتنتهي المباراة نهاية دراماتيكيَّة، و... يتمُّ انتخاب هذا الحارس أفضل حارس في البطولة! هل في هذا شيء من المنطق؟ ربَّما؟ لكن أين المنطق في أن يتمَّ انتخاب اللاعب المميَّز (افتراضيًّا) المبدع (خياليًّا) أفضل لاعب في البطولة، وهدفه الوحيد فيها في شباك فريقه؟ ومساهمته الوحيدة فيها في صنع ضربة جزاء ضدَّ فريقه!!
سنترك كرة القدم، فهي ليسَتِ المحور الأخير في حكاية الخيال، ولم تكن ارتكاز خفايا الجمال، فذات يوم، في سنة 2019، حدث معي ما يأتي: سبعة في اثنين! ما معنى هذا؟ معناه 7_7، أي أنَّنا اليوم السابع في الشهر السابع، الحر شديد، تكاد تشعر بالأرض تلتهب نارًا، ورنين الهاتف الأرضي يرتفع، أشارت شاشته إلى أن الرقم من العاصمة، قلت ربما يكون من كلية التربية، وقد اتصلوا لسبب ما، لكن لماذا لم يرسلوا عبر الجوال؟ أتراهم حاولوا الاتِّصال وكان العائق غياب الإرسال المعتاد؟ لماذا لم يرسلوا رسالة عبر الواتس آب إذًا؟ لا علينا، لتكنِ الأسباب ما تكون!
رفعْتُ السمَّاعة لأردَّ (نعم)؟ وإذ بصوت امرأة، تصيح في انفعال شديد، تذكر مهنتي واسمي، ها قد صدق توقعي، لكن لماذا تصرخ هذه المرأة؟ رددت مرة ثانية (نعم)؟ وإذ بها تصيح من جديد: (أنا ... ألم تتذكرني)؟ وأخذَتِ ذكرياتي تتداعى وتتصارع، يمينًا ويسارًا تتدافع، مع أنه لا يوجد ولا ذكرى! لكن لا بأس دعنا نتخيَّل ذلك! والمرأة تتابع متحمسة: (غدًا، أنا سآتي إليك)، وقبل أن أعقِّب أو أستوعب ما تعني، تابعَت وصوتها يقطر سعادة: (يا حبيبي)!
يا حبيبي؟ يا عيوني الدامعة؟ ماذا؟ لم تدمع عيوني بعد؟ أين أنت يا تأثُّر؟ لا بأس، دعونا نتخيَّل أن عيوني دمعت تأثرًا، يبدو أن هذه المرأة ستأتي غدًا لتخطبني! سأطلب مهرًا كبيرًا جدًا، وسيارة جديدة، ونصف بيتها، و... تؤ تؤ تؤ!! انهارَتِ الآمال وتفجَّرَتِ الآلام، لقد تابعَت هي: (من أجل محمد)!
نعم، صحيح! يجب أن تأتي هي إليَّ غدًا من أجل محمد، سواء أكنت أعرفه أم لا، يجب أن تأتي هي لأجله، موقف مؤثِّر جدًّا، حقًّا، فعلًا، وهي تتابع مزيلةً الغموض: سـ(نأتي) غدًا و(نتمنى) دعمك لمحمد المسكين في عملية شراء أربع إبر هو بحاجة إليها، فهل...
هل يستحق جمع التبرعات للمحتاجين – إذا كانوا موجودين – كلَّ هذا الانفعال و(الجعير) في الهاتف؟ صحيح أنَّ عنوان هذا الموقف (يا حبيبي) بامتياز، لكنَّ الموقف لا يستحق كل هذا! وطبعًا اسمي أخذته هذه المندوبة المتحمسة من دليل الهاتف العام، وربما قالت كلمة (أستاذ) قبل الاسم من باب المجاملة أو الاحترام، لا أكثر...
وبعد فترة منَ الوقت، اتِّصال جديد، الرقم يشير إلى أنَّه من العاصمة، هل هو العمل أو جمع تبرُّعات؟ رفعْتُ السمَّاعة مجيبًا مثل العادة: (نعم)؟ جاءني صوت امرأة تهتف في انفعال شديد، تذكر اسمي مسبوقًا بلقب المهنة، فأجبْتُها في برود: (من يريده)؟ جمدَتْ هي لحظات، قبل أن تقول: (أ... أعتذر، ظننْتُكَ هو، هل يمكن لك أن تناديه)؟ وكان ردِّي بالأسلوب البارد ذاته: (من يريده)؟ ويبدو أنَّ هذا ضايقها جدًّا، لكنِّي فوجئْتُ بها تقول: (عرفتك)! قلتُ لنفسي: (يا لذكائها الفذِّ، كيف عرفَتْ؟ لقد أدركَتْ بدهاء نادر أنِّي أنا الذي أردُّ لا غيري)! لكنِ المفاجأةُ كانت أكبر، وهي تتابع: (أنت رفيقه أو ابنه)! وجدْتُ نفسي قد تقمَّصْتُ الدور كاملًا، فهتفْتُ في انفعال: (ابنه؟ آه؟ الأستاذ عمر عنده ابن ولم يخبرني؟ آه)؟؟ حاولَتْ أن تقول شيئًا، على غرار: (أنا... إنَّني... إنَّه)، لأقاطع كلامها متحمِّسًا: (ما اسمه؟ آه؟ الآن الآن أريد أن أعرف، أخبريني)! تُرى، لماذا أغلقَتْ هي خطَّ الاتِّصال؟ أَأِجِدُ لديكم إجابةً ما؟
ويومًا ما من سنواتٍ طوال، حصل موقف سبق أن حصل من قبل، لكن ليس بهذا الإبداع، بمعنى أنَّني أتلقَّى السؤال التقليدي: (كيف أستطيع أن أكون كاتبًا ناجحًا)؟ مرَّاتٍ كثيرةً، غير أنَّ الحوار هذه المرَّة كان مختلفًا بحقٍّ، وأنقلُهُ هنا، ممازجًا فيه بين الفصحى والعامِّيَّة، اللبنانيَّة ولغة أخرى:
الزمان: عدَّة سنين مضت.
المكان: الماسنجر (إن صحَّ أن يكون مكانًا).
الحدث: إشعار بطلب مراسلة.
أعطيْتُ الموافقة، فتحت الرسالة، فرأيت سؤالًا غريبًا، من كلمتين: (كيف تكتب)؟
انتظرْتُ بعضَ التوضيح، وقد جاء من المراسلة (العزيزة): في الواقع أنت لا تعرفني...
(هل ظَنَّتْ أنِّي أعرفها وأنا لا أعرفها، فأخبرَتْنِي بأنَّني لا أعرفها كي لا أعرفها، أم ماذا)؟
وتابعَت (حضرتها): في الواقع قريبة لي تعرف صديقة لها، تعرف أنَّ امرأة خالها تقرأ لك أحيانًا في الفيس بوك...
(لم أكن أعرف أنَّ الفيس بوك يحتاج إلى دوائرَ إلكترونيَّة بهذا التعقيد، ثمَّ إنَّكِ تراسلينَني بالفعل، وهذا يعني أنَّ صفحتي الخاصَّة تظهر لكِ، ويمكنكِ القراءة بنفسكِ، من دون هذه الوسائط النسائيَّة الغامضة)!!
_ وقد نصحَتْنِي (هي) بأن أسألك كوني كاتبة ناشئة، صحيح أنا لم أكتب بعد، لكنِّي سأفعل، لذلك نصحَتْنِي (هي) بأن أسألك، كيف تكتب قصَّة جيِّدة؟
(هي نصحَتْكِ، أيَّة "هي" من هذه "القبيلة الأنثويَّة" بالتحديد)؟
_ أوَّلًا، عليكِ إجادة قواعد اللغة العربيَّة.
_ سعادتك! أعرف هذا، قرأت هذه القاعدة في جوجل.
_ كما يجب أن يكون عندكِ بعض الموهبة.
_ سعادتك! أعرف هذا، قرأت هذه القاعدة في جوجل.
_ كما لا يمنع أن تقرئي لبعض الكتَّاب الكبار.
_ سعادتك! أعرف هذا، قرأت هذه القاعدة في جوجل.
_ ليس هذا فحسب، بل أن تنوِّعي في هذا، بين أدب الأطفال، والأدب الجادِّ، والأدب الساخر، لأدباء عرب وأجانب...
_ سعادتك! أعرف هذا، قرأت هذه القاعدة في جوجل.
(أعتقد أنَّ سعادتي هنا في أن تصمتي، فذلك أفضل ما تفعلين)!
ابتسمْتُ ابتسامة ساخرة لن تراها هي طبعًا، وأنا أكتب لها:
_ ثمَّ هناك طريقة سحريَّة، أقدِّمها بكلِّ خبرتي التي لا يُستهان بها للمبتدئين، ولن تجدِيها في جوجل طبعًا.
أكاد أتخيَّل الاهتمام يغزو كيانها، وهي تسألني:
_ هايل... هايل... (ده محصلش)، إيه هي؟
_ هذه الطريقة لن تُلزمَكِ بإجادة قواعد النحو، ولا القراءة لأيِّ أديب، وهي طريقة سحريَّة وفعَّالة، تسبِّب صدمة عنيفة جدًّا للقارئ!
أعتقد بأنَّها باتَت تلتهب من الفضول، في انتظار أن أكشف لها خبايا الأسرار وخفاياها، وهي تكتب:
_ ودي هي إيه؟!
ولم أخيِّب لها آمالها، أخبرتها بالسِّرِّ (الرهيب):
_ تكتُبِينَ ما يحلو لكِ، كيفما اتَّفق، ثمَّ تلوِّحِينَ بيديكِ فوق الورقة، بثلاثة أصابع بكلِّ يد، وأنتِ تصرُخِينَ بأعلى صوتِكِ: آبرا كادبرا سحرا بحرا هبرا كادبرا سحرا
_ إييييييه؟؟ تقول إيييييييه؟؟
_ شفتِ إزاي تسبِّب صدمة عنيفة للقارئ؟ ده أنا ما كتبت ولا كلمة في القصَّة، بس الطريقة، وحضرتك انصدمتِ صدمة عنيفة!
_ الحقيقة خاب أملي، انصدمت فيك.
_هذا هو الكلام! برافو، أحسنتِ! انصدمتِ، شفتِ إزاي الطريقة ناجحة وفعَّالة؟؟
(سكوت طويل)
_ لكن أود من حضرتكِ أن تحتفظي بالسرِّ دا لنفسك، وما تخبري فيه حد، عادة الطريقة دي أنا آخد ثمنها، لكن إكرامًا لصديقة قريبتك صديقة امرأة خال صديقتها، هي لكِ مجانًا!
يبدو أن طريقتي هذه سحريَّة جدًّا، سبَّبَت لها صدمة عنيفة أصابتها بالخرس تمامًا، قبل أن تختفي هي وحسابها، بلا أثر!!
أدام الله لي هذه الموهبة!

الكاتب: د. عمر قزيحه
31-8-2022: الساعة: 2:36 بعد منتصف الليل.