لا، لا...
لم تغنِّ آية: (آياتًا أيتوت)!
لكنَّ حماتها سألتها في غضب: ماذا تفعلين هنا؟
ردَّت آية في برود: مثلما تفعلين بالضَّبط!
صاحت الحماة تهدِّد آية بأنَّها ستخبر ابنها؛ كي يضربها ويكسِّر عظامها ويطلِّقها، لم تتأثَّر آية، سابقًا كانت تخاف لو هدَّدتها حماتها بأنَّها ستحرِّض ابنها على ضربها...
أمَّا الآن، فآية تبتسم! وفي هدوء تقول لحماتها: قولي له، ضرب ويمرُّ، ألم ويزول، أمَّا الطَّلاق فلسْتُ أوَّل امرأة تُطلَّق في الدُّنيا ولا آخر واحدة، ولكن... ترى ما مشاعر ابنِكِ، بل أبنائِكِ، حين يعلمون بمهنتِكِ هذه أيَّتها التَّقيَّة!!
لانت ملامح المرأة فجأة! يا آية يا ابنتي! إنَّني أحبُّكِ! لا تخبري أحدًا، ولكِ منِّي كلَّ ما تريدين، وفي البيت نتكلَّم!
خرجَت آية، استقبلتها جارتها تهتف: ما الأخبار يا آية؟ أجابت آية في سعادة ما بعدها سعادة: افرحي يا جارتي، لقد حُلَّت كلُّ مشاكلي!
والغريب أنَّ النِّساء شعرْنَ بالانبهار بالشَّوَّافة الَّتي حلَّت مشكلة هذه الفتاة في ثوان معدودة!!
في البيت، جاءت الحماة تستعطف آية كي لا تخبر أحدًا عنها، وأثبتت لها (حسن النَّوايا) بأنَّها طلبت من ابنها، زوج آية، أن يتَّقي الله في امرأته ويأخذها في نزهات كثيرة، وإلى الفنادق، ومناطق السِّياحة، ورغم دهشة الابن لكنَّه لم يعترض، أوامر أمِّه مقدَّسة...
وكانت هذه بداية جديدة لآية، زوجها وهي وحدهما، زوجها لا يرجع إلى البيت ليراها منفوشة الشَّعر، بملابس تفوح منها رائحة زيت القلي، بل يراها متألِّقة، تنتظره بابتسامتها، وحده من يأمرها، وحالًا تلبِّي، فدخل حبَّها قلبه بقوَّة...
أو لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا نظر إليها سَرَّتْه وإذا أمرَها أطاعَتْه)! هذا ما تفعله آية، الفتاة المهذَّبة التي تربَّت أحسن تربية، وهكذا من البيت إلى الفندق، من الفندق إلى البيت، من البيت إلى فندق آخر، إلى منطقة أخرى، إلى البيت، ولكن...
آية لم تكن سعيدة رغم كلِّ هذا، وازدادت همًّا فوق همٍّ حين حبلت!
لماذا؟ ألا يعجبها العجب؟ بلى! لكنَّ ضميرها يؤنِّبها، حماتها تتابع في درب الخداع والكذب على النِّساء الجاهلات اللواتي يعتقدْنَ فيها الصَّلاح والتُّقى والقرب من ربِّ العالمين، ويلقيْنَ الفلوس عندها، مقابل أن يحبَّ هذه المرأة زوجها، وأن يطلِّق تلك المرأة ضرَّتها، وأن تمرض لتلك المرأة حماتها، وما إلى ذلك الهراء الذي لا يهدف إلا إلى الأذى، وما يأتي السَّاحرَ ليطلب منه عملًا إلا أحمق، إمَّا لا يفهم شيئًا في دينه وإمَّا جاهل به...
وهنالك الجارة الطيبة التي لن تتردَّد في إرسال كل من تعرف إلى الشوافة، وقد رأت بعينيها كيف انقلب وضع آية رأسًا على عقب!
ذهبت آية إلى جارتها، وأخبرتها بكلِّ شيء، غضبت الجارة غضبًا شديدًا، حماتُكِ المرأة التي تدَّعي رعايتها امرأة مسنَّة، مجانًا لوجه الله، تقضي الوقت في خداع الناس، والدجل؟؟
استدعت الجارة ابنها، وبدأت آية تكتب الرسائل، بعدد أولاد حماتها الشباب، وتطوع ابن الجارة في أخذ الرسائل ليضع على سيارة كل ولد رسالة، أو أمام عتبة باب بيته، ولقد صُعق الأولاد جميعًا! أمُّنا دجَّالة؟؟ مستحيل!! لكنْ، الذي كتب الرسائل دلَّهم على عنوان عملها وقال اذهبوا إلى هناك إن كنتم لا تصدِّقون وسترونها بأعينكم...
ذهب بعض الأولاد خلف أمِّهم يراقبونها، ويا للهول! الرسائل حقيقية! ويا لصدمة الدجالة، حين رأت أحد أبنائها يقتحم غرفتها وهي بزيِّ الشَّوَّافة ويبدأ بالصراخ مثل المجانين، ثمَّ يرغمها على المشي معه إلى البيت...
وهناك كان اللقاء عاصفًا، الأولاد يصرخون في وجه أمِّهم، وهذا ما لم يتخيَّلوا أنَّهم سيفعلونه في حياتهم، والحماة بين الخجل والغضب، نظرت إلى آية في مقت، أنتِ المسؤولة يا آية، أنتِ التي فضحتِني! طلِّقها يا ولدي، أخرجها من هذا البيت، وإلا...
ولكنْ، لم تعودي تلك الملاك الذي يعلم أمور الدين والكل يسأله في ما لا يعلم، لم تعودي تلك الإنسانة الثقة بعد أن رأى ابنك بعينيه العظام المعلقة على الجدران، ورآكِ تجلسين أمام البخور تتمتمين مثل البلهاء: أشتاتًا أشتوت!
ثمَّ إنَّ الأسابيع الماضية أثبتت له كم أنَّ آية بنت أصول، وامرأة صالحة ترعى زوجها وبيتها، وتحنو عليه، ثم إن آية حبلى، لذا رفض طلب أمِّه ولبَّى الطَّلب في الوقت ذاته!
كيف؟ لم يطلِّق امرأته، أمَّ ولده بعد شهور، لكنَّه أخرجها من البيت إلى سكن خاصٍّ بها...
أمَّا الأمُّ فقد حبسها أولادها في البيت، يُمنع عليها الخروج لأيِّ سبب كان، ولا حتَّى إلى الجارات لتشرب القهوة معهنَّ...
وإذا استدعت ضرورة قصوى أن تخرج الأم، فرجل أحد أولادها على رجلها ذهابًا وإيَّابًا...
وهذه هي النهاية...