ربما كان مصطفى يستحق التعاطف معه والتضامن، بالأخصِّ أنه لم يدخل من النافذة، بل تكلم بكل أدب واحترام مع والد نجمة، والأخير منحه الفرصة للكلام مع ابنته، والكل يشهد بأنه لم يلمس يدها حتى...
ربما كان يستحق التعاطف معه والتضامن، إلى أن جاء وقت الهدية الأخيرة هذه...
قرَّر مصطفى أن يُقدِّم لنجمة هديَّة أخيرة، راقب البيت طويلًا، حتَّى سَنَحَتِ الفرصة، نجمة تخرج وحدها أوَّل مرَّة، تبعها من بعيد، نجمة تتسوَّق، تشتري كلَّ ما يحلو لعينيها استعدادًا لزفافها القريب، أنهَت نجمة التَّسوُّق، وإذ بمصطفى أمامها، يا نجمة رجاءً، كلمة واحدة وأخيرة، هديَّة واحدة وأخيرة، ووعد لكِ لن تري وجهي بعد الآن!
مشَت نجمة معه حتَّى وصلا إلى مكان منعزل نسبيًّا، قال لها أغمضي عينَيْكِ وخذي الهديَّة، فعلَت نجمة ذلك، أخرج مصطفى هديَّته من الكيس، زجاجة تمتلئ بمياه النَّار، أي ماء الأسيد الحارق، وألقاها كلَّها على وجه نجمة، ولقد أطلقَت صرخة ارتجَّت لها المنطقة بأكملها، ومصطفى يضحك في سعادة تامَّة وشماتة، ما بعدهما سعادة ولا شماتة!
نُقِلَت نجمة إلى المستشفى، وما من فائدة تُرجى، عمليَّات كثيرة فقط ليفتحوا شيئًا من مجرى التَّنفُّس بعدما ذاب أنفها، أمَّا جمالها فقد ذوى إلى الأبد، لم يَعُد هناك جمال، لم يَعُد هناك ملامح حتَّى، ساحت عيناها، ذاب جلد وجهها، صارت عمياء، مشوَّهة بشكل فظيع، انتهَت أسطورة جمال نجمة الخارق، إلى الأبد!
والد نجمة باع كلَّ شيء ليسدِّد ثمن العمليَّات الجراحيَّة، وليرى ابنته بعدها بلا ملامح، بلا شعر، خاطبها تركها، ما من مصلحةٍ له في أن يتزوَّج هيكلًا عظميًّا بشريًّا، لكن ماذا عن مصطفى؟ لم يهرب، ألقوا القبض عليه، اقتادوه إلى السِّجن وهو يضحك كأنَّه ذاهب إلى نزهة سعيدة، ولا يعلم بوجود محاكمة!
تسعة شهور عاشتها نجمة في حالة كآبة فظيعة، لم تتوقَّف خلالها عن البكاء، بالكاد تأكل، بالكاد تتكلَّم، مصطفى واجه المحكمة وهو يبتسم، كلُّ الملابسات تمَّ عرضها، بما فيها وفاة نجمة بسبب آلامها النَّفسيَّة والجسديَّة، وجاء الحكم أخيرًا: حكمَتِ المحكمة على المتَّهم مصطفى بـ... ودوَّت ضحكات مصطفى السَّاخرة، أتُراه حكمٌ بالإعدام، ما سبَّب له نوعًا من الهذيان؟ أو أنَّه فعلًا حكم سخيف لا قيمة له أمام فظاعة هذه الجريمة، ما دفعه إلى الضَّحك السَّاخر؟
لقد حُكم على مصطفى بالسجن ثلاث سنوات كاملة جزاء جريمته هذه!
في الواقع، أعتقد أن من يستحق الحكم بالسجن، ثلاثين سنة لا ثلاثًا، هو أبوها، الذي استغلها كصفقة ناجحة، ليلعب على عواطفها وعواطف من يحبها، ليشتري لنفسه مزرعة خاصة ويصبح من الوجهاء...
لو أنه من البداية أغلق الباب في وجه مصطفى، لأن والد مصطفى يرفض نسبهم، ما نظن أن النهاية كانت بهذا السوء...
رحم الله نجمة، وعوضها بالجنة خيرًا عن كل ما عانته من الآلام الجسدية والنفسية في الشهور التسعة التي عاشتها بعد حرقها بماء النار...
ولا حول ولا قوة إلا بالله...

رد مع اقتباس




المفضلات