سعيد ولد بائس...
ما من علاقة فعلية بينه وبين اسمه سوى الأحرف!
أما في الواقع، فسعيد يشعر بأنه تعيس فعلًا!
على الرغم من أنه وحيد والديه، لكن، ما من دلال زائد ولا حتى ناقص...
حياته قائمة على تلقي الأوامر من والده، اذهب إلى المدرسة ويا ويلك إن قصرت في دروسك، ثم بغتة المدرسة لا تلزم، والدروس سخافات، ستعمل معي!
كل يوم، يجب أن يستيقظ سعيد في ساعة محددة صباحًا، ومثل الآلة التي تسير على الدقائق والثواني، يغسل يديه، يفطر، يرتدي ملابسه، يخرج مع والده إلى العمل...
ظهرًا، لسعيد ساعة استراحة واحدة، يجب أن يخرج من محل والده ركضًا؛ ليصل إلى البيت، ويتناول طعام الغذاء مع أمه، ثم يسرع بالرجوع ركضًا، في تمام الساعة يكون عند أبيه...
مرت الأمور على هذا الروتين، إلى أن اكتشف الأب اكتشافًا خطيرًا!
امرأته غاضبة جدًا، من يوم خرج سعيد إلى العمل، وهي تتغدى وحدها، حتى لم يعد لها نفس على الطعام!
يا للهول! أين تذهب يا سعيد؟ أين تذهب يا تعيس؟ تعصي أوامر والدك؟ لكن، حسابك في الغد!
وفي الغد، ذهب سعيد في ساعة الاستراحة، وخلفه أبوه يتبعه من دون أن يدري...
هل يذهب سعيد ليدخن؟ ليتناول المشروب لا سمح الله؟ ليتمشى مع رفاق سوء؟ لا، أبدًا، هو يذهب إلى بيت الجيران؛ ليلعب مع ابنهم ألعابًا إلكترونية رائعة جدًا، في جهاز ساحر، اسمه: أتاري!
هذه الدقائق التي تقل عن الساعة هي بلسم سعيد الوحيد، الذي يعطيه بعض القوة لتحمل الحياة المؤلمة هذه، ولكنْ، في نظر والده هذه جريمة!
انهال والد سعيد على ابنه بالضرب العنيف، وهو يسبه ويلعنه بأعلى صوته، أمام الجيران، وفي الشارع...
هدد الأب ابنه بأنه سيسلخ جلده حرفيًا لو أعاد هذا التصرف!
مرت السنون، والوضع على حاله، مع فارق واحد، سعيد تزوج، بأمر والده طبعًا، وهو من اختار له العروس، وهو من حدد وقت العرس، والأسوأ أنه لم يمنح ابنه إجازة ولو يومًا واحدًا!
ظل سعيد في الحالة نفسها يخرج كل يوم مثل الآلة ليكون في دكان والده السابعة والنصف صباحًا، بدون أن يتأخر ولو ثانية واحدة، وإلا!!
صار سعيد أبًا، عنده طفلة، لكن هل تغير في الأمر شيء؟ لا طبعًا، الحياة نفسها، لكن ما من شيء يدوم إلى الأبد، والد سعيد مات، تم غسله وخرج الناس به إلى الدفن، وسعيد معهم طبعًا، وقف سعيد يتلقى التعازي في والده، لم يصدق أن الناس انصرفوا، أسرع نحو أقرب متجر للألعاب الإلكترونية، يريد أن يشتري أتاري!
ولكن، يا للصدمة! أتاري ماذا يا رجل؟ من أي عصر جئتنا؟ لقد انقرضت! سالت دموع سعيد، ولكن الرجل تابع: وحل بدلًا منها البلاي ستيشن، هي الأتاري لكن متطورة جدًا، وبعشرات الألعاب المتطورة بال vga والمناظر و... واشترى سعيد البلاي ستيشن، وكل ما أمامه من cd ألعاب، وذهب إلى بيته، وبدأ يلعب في جنون، حتى أغفى فوق الأتاري...
هل اكتفى سعيد بذلك؟ أعوذ بالله! منذ فتحه عينيه صباحًا (انقض على البلاي ستيشن) وبدأ يلعب ويلعب، تعال نفطر يا سعيد؟ هس!! تعال نتغدَّ يا سعيد؟ هس!! الطفلة تريد أن تلعب معك مثل عاد... هس!! هس!! ألا تفهمين! (الوحش) يكاد (يقتلني)! اخرسي!
حان موعد العزاء (بعض المناطق العزاء ثاني أيام الدفن والثالث، من بعد العصر إلى أذان المغرب)، لكن أيًا يكن الوقت، هذه ليست مشكلة سعيد! لم يذهب إلى عزاء والده! يجب أن يقتل الوحش في هذه اللعبة، ويحتل القلعة في تلك اللعبة، ويحطم كل منافسيه في كأس العالم، ويجعل (ميسي) يسجل 35 هدفًا في 7 مباريات، ويحمل كأس العالم أول مرة في تاريخه، ولو بالبلاي ستيشن لا في الواقع، لا مشكلة...
تلك الليلة، ورد اتصال، ردت امرأة سعيد، جاءت ملهوفة: يا سعيد، أمي... صرخ سعيد: هس!! اسكتي!! هتفت: وقعت وكسرت... صرخ سعيد: هس!! أكاد أفقد تركيزي يا حمقاء! وضعت فمها في أذنه وصرخت إنها ستخرج، ليلًا، لأن أمها كسرت قدمها، رد في ملل وغضب: اخرجي، ليلًا، نهارًا، لكن اسكتي!
يا رجل، صحيح أننا في بداية الليل، لكن تلك الأيام، وتلك البيئة، النساء لا يخرجن وحدهن في الليل، أين نخوتك يا بني آدم؟ لكن سعيد يقاتل الوحش قتالًا مريرًا، وسيحطمه، لا شك في ذلك، أما أن تكسر حماته قدمها؟ فلتكسر يدها لو شاءت ذلك، ما ذنبه هو؟ جاءت امرأته تحمل الطفلة وضعتها أرضًا على السجادة قريبًا منه، ووضعت بجانبه زجاجة الحليب: يا سعيد، بعد ربع ساعة يجب أن...
صرخ سعيد في صوت ارتج له الحي كله: اسكتي!! هرب الوحش بسببكِ يا غبية!
انصرفت المرأة، وهي تسب الوحوش والبلاي ستيشن، ومن دل سعيد عليها، أسرعت لتطمئن عن أمها، هناك بعض الظلام، الحركة قليلة، الهواء بارد، لكن الحمد لله أن البيت ليس بعيدًا، لكن هل يتذكر سعيد أن يطعم الطفلة؟ هل؟
في صعوبة شديدة، وبعد خلاصه من الوحش، وحين جاءت شارة نهاية المرحلة الأولى، أمسك سعيد بالزجاجة ودسها في فم الطفلة بعنف، وعاد يلعب، من دون أن يضيع ثانية واحدة، ولكن الطفلة لم يعجبها الوضع!
لم تعترض، هي لا تجيد الكلام بعد، لكنها تجيد ما هو أسوأ من ذلك، تحبو على الأرض بامتياز، وتتسلق والدها كذلك، كأنه جبل إيفرست! تضايق سعيد حين صارت طفلته في حضنه تقريبًا، في وقت حاسم جدًا، وضربة شبه قاضية بينه وبين الوحش الجديد، مد يده، ودفع الطفلة بكل قوته، وعاد ليلعب، مطلقًا الهتافات الحماسية، وجسده يندفع بقوة إلى الأمام وإلى الخلف، كأنه يقاتل بالفعل، لا يلعب...
مضى الوقت، انتصر سعيد في كل المراحل، أنهى هذه اللعبة وقد (نجح بامتياز)، سينتقل الآن إلى لعبة كرة القدم، ويجرب في منتخبه المفضل، ليصل به إلى كأس العالم مثل المعتاد، لكن أين الطفلة؟ نظر سعيد في الغرفة، صرخ في رعب، ارتعشت أطرافه، فالمشهد كان مخيفًا... جدًا جدًا...
ماذا رأى سعيد؟
ما مصير الطفلة؟
دعونا نتخيل النهاية، ولنحاول أن نتخيل نهاية سعيدة...
إلى اللقاء في قضية جديدة إن شاء الله...
المفضلات