أين الطفلة؟
سؤال انطلق من فم سعيد ومشاعره...
السؤال ذاته يتردد في قلب الأم المسكينة حين عادت إلى بيتها، ودقت الباب حتى تعبت يدها، لكن بلا فائدة...
ثم جاءها أحد الجيران، يا جارتنا، أين كنتِ؟ تعجبت المرأة: ماذا تريد؟ لم تكلمني؟ من أنت لتسأل أين كنت؟ ألا...
هتف الرجل: مهلًا، مهلًا، الحقُّ عليَّ أنِّي أغلقت لكم الباب؟ كان يجب أن أتركه مفتوحًا للُّصوص؟
دُهشت المرأة، بدت عاجزة عن فهم ما يقصد، أعطاها المفتاح، أخذته، وهي لا تفهم كذلك، لم المفتاح مع هذا الجار!!
فتحت المسكينة الباب، دخلت، لا! لم تدخل، ما كادت تضع قدمها في البيت حتى رأت ذلك المنظر المرعب، وصرخت صرخة مدوية، انطلقت من لوعة قلبها، انطلقت من خوفها ورعبها، بقعة دموية كبيرة مخيفة في جدار الغرفة وأرضها، وصاحت المرأة: هدى، ماما؟ أين أنتِ؟ أين ابنتي؟ يا أمي يا أمي، أين أنتِ؟ وبدأت الدموع تنهمر مدرارًا، والجار يهتف محاولًا أن يُفهمها ما حدث، ولم يكن ذلك هينًا!
ما الذي حدث؟ حين تسلقت الطفلة والدها لتلعب معه، كان في مرحلة الحسم في معركته مع الوحش! لذا مد يده ودفع الطفلة بكل ما فيه من القوة والانفعال؛ كي لا يخسر المعركة أمام الوحش! طارت الطفلة حرفيًا إلى أن اصطدمت بعنف شديد بالجدار، وهوت على الأرض في صدمة ثانية! وفي الحالتين تفجرت الدماء، والمسكينة لم تستطع الصراخ حتى، على الرغم من آلامها الشنيعة، من رحمة الله بها أنها فقدت وعيها...
سعيد حمل طفلته وأخذ يجري بها، وهو يصرخ، على صوت الصراخ تجمع الناس، لحق بعضهم به من باب الشهامة للمساعدة، انتبه ذلك الرجل الطيب على أن باب البيت ما يزال مفتوحًا، ومثل عادة الكثيرين فينا، يضعون المفتاح في الباب من الداخل؛ ليصعب فتحه من الخارج في حال تمكن أحد من سرقة نسخة من المفتاح، هذا الجار الطيب، أخذ المفتاح، أغلق الباب وأقفله، وانتظر رجوع سعيد أو امرأته، ليعيد الأمانة...
لم تكن الأم المسكينة على استعداد لسماع تفاصيل الأبواب والمفاتيح! رؤيتها الدم، سماعها ما يقوله الجار، أن زوجها كان يركض حاملًا الطفلة التي يملأ الدم رأسها ووجهها وملابسها، جعل صوابها يطيش، الدنيا ليل؟ ظلام؟ برد؟ مسافة قريبة بين بيت أمها وبيت زوجها، وعادت وهي ترتعد من الرعب، لكنها الآن ليست في ترف الإحساس بالرعب! المسافة طويلة، والأم تركض وتبكي، في مشهد ليس بالهين، لكن لم يتركها الجيران، أسرع بعضهم بسيارته؛ ليوصلها إلى المستشفى، ولقد وصلت إليها في حالة يرثى لها، رأت زوجها فانقضت عليه تحاول أن تخنقه، لولا أن أبعدها رجال الشرطة...
ماذا يفعل رجال الشرطة هنا؟ أبلغتهم المستشفى بوجود اشتباه في جريمة قتل طفلة، للدقة في الشروع في جريمة قتل طفلة؛ لذا حضروا مسرعين، وكلمة جريمة، وكلمة قتل، ألقيا الأم فاقدة الوعي، ما استدعى الاعتناء بها إلى أن استعادت شيئًا من تركيزها، وفهمت أن طفلتها في حالة حرجة، لكنها لم تمت، لكنها ربما... لكن... هل تدَّعين على زوجِكِ؟ فوجئ سعيد بها، بل صُعق بها تجيب إنها تدعي عليه بتهمة محاولته قتل طفلتها، تم سحب الرجل إلى السجن، وهو يهتف في ذهول: لكني أحبُّكِ! نسيتِ حبَّنا! أنا أقتل ابنتي؟ هل أنتِ مجنونة؟ لكن لا يا سعيد، لا يا رجل، هي ليست مجنونة، ولقد تصرفت التصرف الصحيح...
نجت الطفلة من الموت، سُجن سعيد فترة بسيطة؛ لأن امرأته تنازلت عن حقها وعن الشكوى، لكن بشروط، ربما تمنى سعيد لو يشنقوه بدلًا من هذا العذاب!! أسوأ الشروط أنه لا يحق له أن يلعب بالبلاي ستيشن إلا في أوقات محدودة وقليلة، بموافقته على هذه الشروط خرج سعيد من سجنه...
لكن، هل يصبر سعيد على هذه الشروط؟ هل ينفذها تمامًا؟ هل يطلق امرأته ثلاثًا ليخلو له الجو بألعاب البلاي ستيشن ليلًا نهارًا؟ في الواقع لا أعلم، لا أتذكر أن المصادر ذكرت ذلك، لكني أتوقع أنه لن يصبر كثيرًا، تسبب له والده في ردة فعل عكسية فظيعة الشكل، انتهت بإدمان رهيب يصعب الفكاك منه...
إلى اللقاء في قضية أخرى إن شاء الله...