القصتان الفائزتان بالمركز الثالثأولا قصة الأخت البستان
قوة الاستمرار في الحياة
كانت تمطر بغزارة طوال الليل وفي الصباح توقف المطر وأشرقت الشمس على استحياء بين الغيوم الكثيفة , وبدأ الضوء يتسلل إلى مخيمٍ صغير بجوار أحد المنحدرات الجبلية , أصوات الأهالي بدأت تعلو شيئاَ فشيئاَ و في كوخٍ خشبي صغير جلست سيدة ٌ عجوز تخيط بعض الملابس الممزقة بينما تنام فتاةٌ صغيرة تحت ملاءةٍ قديمةٍ من المفترضِِِِِِِِ أن تقيها من البرد , و بنبرةٍ منخفضةٍ قالت الفتاة : جدتي ... هل توقف المطر ؟
أجابت الجدة : أجل يا هند .
فنهضت الفتاة بسرعةٍ وارتدت معطفاَ يبدو عليه أنه أكبرُمنها وقالت وهي تفتحُ الباب : سأذهب للعب .
وبينما اكتفت الجدةُ بإيماءةٍ صغيرةٍ دون أن تقول أي كلمة , غادرت الفتاةُ وأغلقت البابَ خلفها .
انضمت هند لمجموعةٍ من الأطفال كانوا يلعبون تحت أحد الأشجارِ الكبيرة , هؤلاء الأطفال كانوا يحاولون قيادة طفولتهم البريئة بينما تقودهم حياة المخيم القاسية ، فهند تلك الفتاةٌ الصغيرة فقدت أمها كما فقدت العديد من الأسر أفراداً منها في الحرب ، وتعيش الآن مع والدها و جدتها في هذا المخيم الصغير؛ الذي أقامه الأهالي بعد أن طُُُُردوامن مدينتهم التي كانوا يعيشون فيها حياة هادئة . لم يمضِ على الأطفال الكثيرُمن الوقتِ حتى سمعوا صوت صفير آتٍ من بعيد ، قال أحد الأطفال ويدعى هاني : إنها صافرةالشيخ لابد أن موعد الدرس قد حان .
وقال وليد متذمراَ : لم أكتفي من اللعبِ بعد .
قالت هند : إذا تأخرنا سيعاقبنا الشيخ .
وبينما بدأ بعض الأطفال بالتذمر أسرع البعض الآخر لحضور درس الشيخ الصباحي , كان الشيخ يعمل كمعلمٍ للأطفال في الصباح بينما يقيم ُ حلقة ًلتحفيظ القرآن بعد الظهيرة .
وبحلول المساء تغرقُ القرية في السكون , حيث يعودُ الجميعُ إلى منازلهم ليَغُطوا في النوم استعداداَ ليوم جديد ,وفي الكوخ الصغير جلست الفتاة مع جدتها ووالدها وتساءلت : متى ستصل معونة الشتاء يا أبي ؟
الأب : من المفترض أن تصل خلال بضعة أيام .
الجدة : أتمنى ألا تتأخر .
الأب : لا تشغلا بالكما واخلدا إلى النوم .
وبدلاً من بضعة أيام مرشهر كامل دون أن تصل المعونة المنتظرة , تلك المعونة لم تكن إلا انعكاساًَ لما يعانيه أهل المخيم من نقصٍ في متطلباتهم الأساسية ولصعوبة الحياة التي يعيشونها . واجتمع بعض الأهالي لمناقشة هذه المشكلة مع الشيخ في الخيمة الكبيرة التي يقيم فيها دروسه وبادرهم الشيخ بالحديث قائلاً: إن الجميع يعاني من تأخر معونة الشتاء لذلك اجتمعنا هنا لنحاول إيجاد حلٍ لهذه المشكلة .
قال أحد الأهالي : لقد سمعت أن عربات الشحن عالقة عندالحدود .
فرد أحدهم مستغرباَ : هل تم إغلاق الحدود مرة اخرى ؟ !
فعقب آخر: يمكن أن يتحمل الكبار الجوع والبرد ولكن الأطفال أكثر من يعاني من هذا الأمر .
ثم تحمس أحدهم قائلاًَ : يجب أن نفعل شيئاً حيال ذلك , فلنقاتل لفتح الحدود .
لكن والد هند كانت لديه رؤية أخرى للأمور فنهض قائلاً : أقترح أن نحاول إقامة بعض المشروعات الصغيرة في المخيم لنوفر بعض احتياجاتنا , إننا دائماً نعتمد على المعونات التي تصل إلينا , فماذا لو تأخرت ..... ماذا لو لم تصل .......؟ هل نستسلم للمعاناة واليأس ؟ إن لم يكن بإمكاننا أن نعود لوطننا الآن , هل تتوقف حياتنا منتظرين الموت ؟
سادت لحظاتٌ من الصمتِ تلتها لحظاتٌ من الحيرةِ والأحاديث الجانبية , عندها بدأ الشيخُ بالحديثِ قائلاً : أنصتوا رجاءً ........أنصتوا رجاءً ........أرجو من الجميع أن يستمع لي .
وعندما هدأ الجميع تابع الشيخ قوله : أعرف أن بعضكم يشعرُ أن والد هند ابتعد عن المشكلة ، بينما يشعر آخرون أنه لمس أوتاراً حساسةً فيها , إن لم يكن بإمكاننا أن نعود لمدينتنا التي طردنا منها , فعلينا بإقامة واحدة جديدة هنا .
ووسط ذهول الجميع قال أحدهم : إن بناء مدينة ليس أمراً سهلاً , فنحن بوضعنا الحالي لا نملك من أسباب الحضارة ما يؤهلنا لذلك .
رد الشيخ معقباً : إن لم تكن المدينة لنا فلتكن لأولادنا أو حتى لأحفادنا , إن لم تكن مدينةً حضاريةً كبيرةً , فلتكن قريةًبسيطةً صغيرةً تحتضن آمالنا وتحمي أحلامنا الصغيرة , تمسح دموع أطفالنا وتمنحنا القوة للاستمرار في الحياة .
انتهى الاجتماع وغادر الجميع وبينما اعتبر البعض كلام الشيخ حلماً جميلاً واعتبره البعض الآخر وهماً كبيراً , فإن آخرين أمسكوا به وكأنهم يمسكون بالحبل الذي سينتشلهم من الغرق .
وأخذ والد هند يفكر في طريق عودته إلى الكوخ فيما دار في الاجتماع , لقد تكاتف أهالي المخيم مسبقاً في حفر بئر فلماذا لايتعاونون مجدداَ في حفر بئرٍ آخر أو في زراعة حقلٍ صغير؟!
وعند وصوله وجد هند وجدتها تنتظرانه وهما تترقبان معرفة ماجرى .
قالت هند : ماذا حدث لأمر معونةالشتاء ؟
الأب : ربما تتأخر قليلاً بعد ياعزيزتي .
الجدة : إن معونة الشتاء مهمةٌلنا فنحن نعتمد عليها كثيراً .
الأب : سنحاول إقامة مشروعاتٍ صغيرةٍ في المخيم .
الجدة : ماذا ؟ !
الأب : نحن نحاول التقليل من اعتمادنا على المعونات التيتصل إلينا .
هند : أبي ...... أبي .........ما هي المشروعات الصغيرة ؟
الأب : حسناً ........ فلنقل أننا سنتعاون لاستغلال ما لدينا من موارد للحصول على مانحتاجه دون أن نعتمد على المعونات التي تأتينا اعتماداً مطلقاً .
هند : هل يمكن للصغار أن يشاركوا في ذلك ؟
الأب : إنه من المبكر على الصغار أن يشغلوا أنفسهم بذلك .
هند : لكنني أود المشاركة يا أبي .
الأب : فلنفكر إذاً بما يمكنكِ فعله .
الجدة : لما لا تتعاوني مع أصدقائك في زراعة شجرة ِ تفاحٍ , سمعت أن الشيخ يعتني ببعض الشتلات .
الأب : فكرةٌ جيدة فلنقترحها على الشيخ .
قالت هند وهي متحمسة : سأخبر جميع أصدقائي بذلك غداً .
وفي صباح اليوم التالي أسرعت هند وجمعت أصدقاءها وذهبوا إلى الشيخ ليحدثوه بالأمر , فرحب بذلك وأعطاهم شتلةً صغيرة وشرح لهم كيفية زراعتها والعناية بها .
وفي أحدالأيام التي تلت ذلك وصلت أخيراً عربات المعونة المنتظرة فاحتشد الأهالي والأطفال بلهفةٍ حولها حتى يحصل كل فردٍ على حصته , وبعد مرور عدة ساعات ٍ انتهى توزيع المعونات وشعر الأهالي ببعض الراحة لحصولهم على ما يساندهم على العيش خلال فصل الشتاء .
وقبيل الغروب وقف الأطفال أمام الشتلة الصغيرة التي زرعوها ، وقال وليد : هل هذا المكان مناسب لزراعة الشتلة؟
فأجاب أحد الأطفال : أعتقد ذلك .
قال هاني : علينا أن نحيط هذه الشتلة بعناية ٍ شديدة .
أجاب الجميع : بكل تأكيد .
قالت هند : فلتكن هذه الشجرة مشروعنا الصغير الذي سنجني ثماره في المستقبل .
وأمام الشتلة الصغيرة نمت في مُخيلةِ هند شجرةٌ كبيرةٌتتدلى منها ثمارالتفاحٍ الناضجة .
ثانيا قصة الأخت ايما
" أعطوهم الفرصة لكي يبدعوا "
( منذ 14 عاماً ولدت أمي فتاة ، كانت أمي عقيماً لا تلد أطفالاً ولكنها و والدي تمسكا بالأمل وأنجبا تلك الفتاة ،أحباها؟! لا أعلم إذا كانا يحبانها حقاً فتلك الفتاة كانت عمياء لم ترهما قط ، كانت تلك الفتاة هي أنا [جين ديمتري] التي عاشت معهما في جبال الألب حيث الطقس شديد البرودة ، وافتقدت الدفء ظاهراً وباطناً ، لو أن مشاعر والديّ يمكن وصفها لكانت أبرد من ثلج هذه الجبال وأقسى من الحجر ،،)
[ الوالدة ] : جين ديمتري يحزني ما وصلت له من إهمال ، تبقين هنا تاركة إياي أرتب كل شيء ، لقد فهمنا بأنك عمياء ولكن حتى الأعمى بوسعه فعل شيء !
[جين] :أحقاً بوسع الأعمى القيام بشيء؟!
[الوالدة] : هاه ، ماذا قلت؟ لا يهم ، أسرعي وساعديني قبل أن يصل والدك .
" على مائدة الطعام "
[الوالد] :عزيزتي جان الوقت لإخبارها .
[الوالدة] : على مائدة الإفطار ! أليس بوسعك الانتظار؟
[الوالد] : لا ، السيارة قادمة .
[جين] : أية سيارة ؟
[الوالد] : ما سأخبرك سيبدو قاسياً ولكنه لمصلحتك أولا وأخيراً سنرسلك اليوم لمعهد ما تقضين فيه عامك القادم كله .
[جين] : أعلم بأنكما تحاولان التخلص مني منذ أعوام ولكنني لم أظن هذا اليوم قريباً جداً .
( وغادرت جين الغرفة على عجل )
" بعيداً عن المنزل في المعهد "
( اليوم أنا بعيدة عنهم ، هل حقاً بوسعي تسميتهم أسرتي ، والدتي لم أظنها ذرفت دمعة واحدة عندما غادرت ، لم تكن تفعل سوى الصراخ علي كثيراً ، أما أبي فقد بدا لي كمن أنجز صفقة جديدة من صفقاته بإرسالي بعيداً عن المنزل ، كانا دائماً ينعتانني في كل حوار يقولانه بصفة " عمياء " وكم كرهت هذه الصفة مع أنها حقيقية ، المعهد .. لو أطلق عليه اسم المعسكر او السجن أو مكان بلا أحاسيس لكان أفضل ولكنه يشبه منزلي ليس لأنهم يقدمون لنا طعاماً وشراباً ولكن لأنه أيضاً خالي من الأحاسيس ، لا أدري ما يثير ذلك ، أهي هذه الجدران الباردة التي أتحسسها الآن في جولتي وتبدو كتلك التي في حكايات العصر الفيكتوري ، أو هذه الأبواب التي تذكرني بأسرة رومانوف الروسية ، لا أدري ماذا بالضبط ) .
[ أستاذة] :حاذري ألا تصطدمي بالجدار!
[جين] : شكراً لك أياً كنت .
[هانا – أستاذة ] : أنا هانا أستاذة هنا . من أنت يا فتاة لم أرك من قبل .
[ جين] : أنا جين جديدة هنا .
[ هانا ] مرحباً بك ولكن لم جئت للمكتبة .
[ جين ] : أنا عمياء ، ما أدراني أين أنا ؟
[ هانا] : أنا آسفة لسماع ذلك ...
[جين]: لا تأسفي ،الجميع يأسف ويأسف ألا يوجد من لديه شيء أفضل للقيام به غير الأسف أو نعتي بالعمياء الغير مفيدة .
وأكملت [جين] حديثها قائلة
كلهم هكذا يأسفون في البداية ،ثم يسأمون من فكرة أني عمياء وأقعد بلا عمل ، ثم وعندما يأمرونني بعمل ما وأخطئ في القيام به فإنهم يوبخونني على الرغم من علمهم بأنني كنت سأخفق ، الجميع هكذا بلا استثناء ، حتى والديّ هما أيضاً يعاملانني هكذا ، أن أكون مفيدة هذا ما أريده ، أن تكون لي القدرة على القيام بالأعمال بدقة ، أن تكون لدي القدرة على أن أعيش حياة طبيعية ، لقد سئمت الاعتماد على الآخرين ، هذا العام هو
فرصتي لأثبت لوالديّ وللعالم أجمع بأنني عمياء ، فاقدة للبصر ولكن بوسعي القيام بكل ما يمكن للمبصرين القيام به ، حتى أعقد الأشياء على الأعمى كمعرفة أماكن الأشياء أريد تعلمه ، أريد أن أكون شخص مختلفاً ،، أريد أن أكون نافعة لبقية حياتي ، أنا أريد أن أتوقف عن كوني عبئاً .
( هذا كان ما في قلب [جين ] من كل تلك السنين التي قضتها وهي تشعر بالوحدة وأنها ليست سوى نكرة في هذا العالم ، كل هذه المشاعر تفجرت أخيراً بعد كل ما قد حدث لها ، لم تعد تستطيع الاستمرار أكثر تريد أن تكون لها القدرة على أن تغير عالمها المظلم ،، بعد فيضان المشاعر هذا الذي لم تستطع [هانا] أن توقفه ولا أن تقاطعه قالت بنبرة شخص أدرك ذاك الإحساس ويدركه منذ زمن ويرغب في المساعدة . )
- لن أكون آسفة ، نعم لن أكون ، ولكنني سأخبرك شيئاً ما الأسف حقاً لن يجدي فما حدث قد حدث وانتهى وعلينا أن نمضي قدماً في الحياة ، بوسعك أن تتحسني وتتطوري أنت قلتها بنفسك لديك عام كامل بل مازال لديك عام كامل لفعل ذلك ، وأنا هنا بل جميعنا لمساعدتك ومساعدة غيرك أليس هذا هو سبب وجودنا ووجودك هنا ؟
[جين ] : قد يكون هذا سبب وجودك أما أنا فأظن بأن .. لا بل أجزم بأن والدي قد أرسلاني لغرض مختلف، قال لي في يوم رحيلي بأن ما سيقوله سيبدو قاسياً ولكنه لمصلحتي أليس من الأفضل لو قال بأن هذا كله لمصلحته ، أن يعيش أبي أخيراً حراً من عناء بذر المال على "ميئوس منها " ، وبوسع أمي الآن دعوة صديقاتها للمنزل ليس هنالك من سيفسد أمسيتهم ، ليس هنالك .
[ هانا] : هل حقاً هذا هو رأيك ؟ والداك أرسلاك لأنك عبء عليهما . أهذا حقاً هو جل ما استطعت فهمه من ما قاما به ، ألم تفكري يوماً ما بأنهما قد أرسلاك لأنهما يحبانك ألم تفكري بذلك ؟ لأنهما أرادا مصلحتك .
[ جين ] : إنك لا تعرفين والدي ، لا تعرفينهما بتاتاً ، متى كانا يهتمان بمصلحتي أصلاً ، أنت لا تفهمين ما معنى أن يكون الإنسان مصاباً بإعاقة ولن تفهمي يوماً أبداً .
" غادرت [جين ] المكتبة على أمل أن تكون هنالك فائدة من يوم الغد غير الجدال الذي دار اليوم "
" في ظهر اليوم التالي "
[ هانا] : اليوم سنبدأ أولى دروسنا
[ جين ] : لماذا ليس هنالك فتيات غيري في الغرفة ، أنا لا أسمع أصواتاً غير صوتك
[ هانا] : ذلك لأن كل فتاة هنا لها مدرستها الخاصة ، فعدد الفتيات هنا قليل كل عام ، ليس هذا مهماً لنبدأ الدرس ، اليوم سأعلمك آداب المائدة لا أتوقع منك التعلم بسرعة لكننا سنحاول أن تتطوري بسرعة ، كل عدة أيام ستكون هنالك دروس أخرى ، حتى نصل إلى آخر درس وهو القراءة .
[ جين ] : عفواً أقلت القراءة ، تعنين كتباً حقيقية ، ألا ترينني ؟
[ هانا] : بلى بوسعك فعل ذلك ، هنالك طريقة أخترعها رجل يدعى [بريل ] تساعد فاقدي البصر على القراءة .
[جين] : كم كنت جاهلة ، أبسط شيء على عمياء معرفته لم أعرفه .
[هانا ] : بوسعك التعويض الآن ، فلنبدأ .
" ومضت الأيام عليهما ، كانت [جين] سريعة التعلم وحادة الملاحظة و[هانا] لم تقصر معها ، كانت تساعدها متى احتاجت وعلمتها كيفية تسجيل الكتب على أشرطة ليستطيع فاقدي البصر الغير متعلمين لطريقة بريل الاستفادة منها ، كانت هذه أطروحة [هانا] التي أعجبت الناس وافتتحوا على إثرها مراكز لمساعدة ذوي الإعاقة إذ كان عددها قليلاً في المنطقة ، و نالت [ جين ] نصيبها من الاحترام وهذا جل ما أرادته ، في ليلة تخرجها من المعهد ... "
( كان المكان مكتظاً بالفتيات المتخرجات ومن ضمنهم [جين] وجرت العادة في المعهد أن تعطي كل معلمة تلميذتها شهادة تخرجها ، وفي حضور أهل التلميذة بالطبع ، والآن دور [هانا] لتكرم [جين ] )
- ماذا أقول عنك يا [جين ] لقد كنت محطمة الفؤاد يوم قدومك ولكنك تغيرت الآن ، كنت حزينة ، لم تريدي للناس أن يأسفوا عليك بل أن ينظروا لك كإنسانة ، أظنك قد أجبرتهم الآن على أن يفعلوا ذلك فماذا أفضل من التعليم ليجبر الناس على تغير فكرهم حول شخص ما ، لن ينفع المال ولا البذخ ما يهم هو التعليم أولاً وآخراً ، لقد قلت يوم كنت هنا " أنت لا تفهمين معنى أن يكون الإنسان مصاباً بإعاقة ولن تفهمي يوماً أبداً " ، أخبرك [جين] بأنني أفهم معنى ذلك ، ليس لأنني قد قضيت معك عاماً رائعاً بل لأنني أنا الأخرى مصابة بإعاقة ، أنا مقعدة لا أمشي ، لا أظنك أحسست بذلك فأنت لم تريني ولم تظني بان إنسانا معاقاً بوسعه أن يحوز منصباً عظيماً ولكن أنظري إلي وإلى نفسك بوسعنا جميعاً أن نكون مفيدين ونترك بصمة في الحياة إن ثابرنا ولم نستسلم ، إنك محظوظة ففي وقتك هذا قام والداك بمساعدتك بإرسالك لمعهد أعطياك الفرصة لكي تبدعي وتكون ذات شأن ولكن في وقتي لم يكن أي من هذه الأشياء موجوداً و لذلك تخيلي كم من الأشياء بوسعك فعلها، ستتخطينني بمراحل ، لذا لا تظني بل لا أريد من أحد أن يظن بان والديه مخطآن في إرساله لمكان للتعلم ، إن آباءنا وأمهاتنا يضعون مصالحنا في عين الاعتبار قبل مصالحهم و هذا كل ما لدي ، [جين ] والداك هنا ليمنحاك شهادتك فتفضلي ، وأرجوا أن يأتي ذلك اليوم الذي ستكونين فيه أفضل ممن أنت عليه اليوم .
" تلك اللحظات لم أستطع وصفها حقاً إن والدي لم يعطياني شهادة فحسب ، لقد أعطياني ذلك الدفء الذي افتقدته ، أذكر اليوم قبل عام كنت أصفهما بالثلج وذوي القلوب القاسية ، ولكن ربما كان والديّ هما الثلج الذي ذاب في هذا اليوم الربيعي ورويا الأرض العطشى ، بل هما بالتأكيد تلك الحجارة التي تدفقت منها المياه ، لو أنهما يدركان كم تعني لي هذه اللحظات ، ماذا أقول ؟ بالتأكيد هما يدركان ذلك وأنا الآن أدرك بأنهما يدركان وهذا يسعدني "
( باتت [جين ] مدرسة في معهد كما كانت مدرستها [هانا] التي تفتخر بها ، [هانا] تدير مؤسسة من منزلها وبمساعدة من والديّ [جين ] وكل والدين يريدان إعطاء جميع من له إعاقة فرصة ، كانت مؤسسة " البداية الجديدة " من يقدم تلك الفرصة ليدركوا جميعاً كما أدركت [جين ] ومن قبلها [ هانا] بأن الإعاقة ليست النهاية بل هي البداية ... )
" تنتهي القصة ولا تنتهي معاناة المعاقين، أعطوهم الفرصة، أعطوهم الفرصة "

رد مع اقتباس

المفضلات