الكاتب : Dt-sherlock
العنوان : بكاء الموت
حافية الأقدام ..ذات شعر أحمر ... واسعةالعينين ذات ثوب أحمر وبشرة برونزية , مجرد النظر إليها يجعلك تعيش بأساطير اليونان القديمة .
إنها مجرد طفلة بالسادسة من العمر ، تحمل ذنب والدها بين البشر ...
نظر الطفلان إلى تلك البنت الصغيرة بشيء من الخوف و الرغبة بالاستكشاف ، همس أحدهما للأخر:
_ هل هذه هي ...؟
أجاب الآخر :
_ نعم ... أمي تقول أنها مصابة بالإيدز
قال :
_ سمعت أنه مرض معد ..
قال الآخر :
_ هيا بنا نهرب قبل أن نصاب بالعدوى ...
وركض الطفلان بعيدا عن الفتاة الصغيرة .
تبدأ حكاية الفتاة قبل أن تولد ، والدها رجل قد أخذته الدنيا وفتنته الغانيات , عشق الخمور , نسي أن لله حق وأن لدينه حق , أماالأم فقد شغلت وقتها بولديها ونسيت أن لها زوج يعود من حين إلى آخر للبيت ليعلن أنه مازال على قيد الحياة ، ثم يغيب من جديد .
قدم الزوج لزوجته مرض الآيدز بعد أن حمله من فتيات الليل , والأم قدمت هذا المرض لطفلتها التي لم تولد بعد , والطفلة احتفظت به لنفسها ولم تقدمه لأحد .
الفتاة تخرج إلى الحياة كما يفعل كل الأطفال , ولكنها تفقد أمها بعد ثلاث سنين من ولادتها , فالأم لم تستطع تحمل آلام مرضها وفارقت الحياة بالمستشفى , لتخلف ورائها طفلة وحيدة ليس لها إلا من خلقها و أوجدها بهذه الحياة .
سارة فتاة مريضة , سارة فتاة الإيدز , هذه هي الجملة التي تدور حولها , وعيون البشر تنظر إليها , الكل يخاف منها رغم أنها مجرد طفلة , فربما هي أكبر مصدر للرعب بعيون البشر .
_ أنا سآخذ خالد و محمد وأما سارة فلكم ...
_ لا والله ... سارة لكم ونحن سنأخذ الولدين .
_ أسمعوا نحن لدينا أبناء نربيهم ولا نريد أن نقتلهم ... خذوا الفتاة ودعوا لنا الأولاد.
_ وهل تحسب أننا بلا أولاد ياهذا .. نحن نأخذ الأولاد والبنت من مسئوليتكم .
نقاش حاد بين الأخوة .... أخوة الأم المتوفاة وأخواتها , لم تكن المشكلة فيمن سوف يأخذ الولدين ولكن فيمن يتحمل مسؤولية الطفلة... طفلة الإيدز , نقاش حاد دام يوما كاملا , وهو آخر أيام العزاء , ثم يعود كل منهم خاوي اليدين ليترك الأولاد والبنت الصغيرة برعاية الرحمن الرحيم .
طبيعة البشر شيء غريب , إنها مجرد طفلة ولكنها مصدر رعب لحارة كاملة ، حيث تمشي لا أحد يمشي ، وحيث تقف فلا أحد بقربها تأكل وتشرب من صدقت جارتهم، التي تطبخ للجميع بصحن وللفتاة بصحن منعزل عن الجميع , الفرد ليس للجماعة والجماعة ليست للفرد.
جارتهم هي الشخص الوحيد الذي يدخل ويخرج عليهم , هي من يطبخ لهم وتعتني بالطفلة أكثر مما يفعل أخويها بها, تسقيها الجبال المتراكمة من الأدوية , وتحرص على جعلها نظيفة , ولكن رغم ذلك فالجارة تخاف من سارة , لا تجلس بقربها ولا تلمس ما تلمسه الفتاة إلا بخوف وحذر , فرغم قلبها الطيب إلا أن خوفها من أن تحمل المرض كان كبيرا جدا .
الفتاة المريضة ولكن لا يمر عليها أسبوع إلا ونامت أمام باب بيتها ، وعندما تحرقها الشمس تدخل , أو ربما يجرها أحد أخوتها إلى الداخل ، كما تجر الشاة , ويقال أن سبب نومها أمام باب بيتهم هو والدها حيث سألته يوما وهي بالخامسة من العمر:
_ بابا... وين ماما ( أبي أين أمي ...؟)
وللأسف فإن أبوها كان كعادته سكران :
_ أذهبي و انتظريها بالخارج فسوف تعود بعدقليل .
ومن يومها وهذه الفتاة تنام أمام بيتها كل أسبوع ثلاث أو ربع مرات .
فتاة صغيرة ومريضة , كممن مرة مشت ووقعت , بسبب مرضها , ولا تقوم من وقعتها أبدا , لأنها فاقدة الوعي ولم تعد تشعر بالوجود ، فيقوم أحد أخوتها بجرها من طرف ثوبها إلى أن يدخلها للبيت .
أو أن أحد الجيران يتصل بالإسعاف التي لم تعد بحاجة لتحديد العنوان فمن كثرت مجيئهم إلى منزل الفتاة أصبح عنوان بيتها معروفا عندهم , أو أن الجارة تأتي بلحاف وتلحفها به فيه ثم تحملها إلى بيت أبيها .
الجميع يخاف الطفلة , حتى جارتهم الوحيدة التي تشفق عليهم تخاف هذه الطفلة , والسبب هو الجهل , والخوف من المرض , هي بعمر السادسة ولم يتجرأ أحد على أخذها للمدرسة , ويقال أنها تنظر لحافلاة المدرسة الذاهبة والعائدة , تنظر إليه بصمت وسكون , ولم يسألها أحد هل تذهبين معنا ؟ أو لماذا تنظرين إلى الحافلة تلك النظرات ؟.
ورغم ذلك كله لم يسمع بكائها أبدا , لم تبكي من ألم أو من حرقت الشمس وهي تمشي حافية , لم تبكي عندما يرميها أبناء الجيران بالحجارة , لم تبكي أبدا , أو ربما لم تبكي أمام أي إنسان .
ولكل قصة نهاية ولكل بداية نهاية .
الطفلة كما هي عادتها تنام أمام باب بيتها بيوم لا مدرسة , أرتفعت شمس الصيف , وبدأ الناس بالحركة أمام باب منزلها ولكن لم يهتم أحد بها .
إلى أن أتت الجارة و وجدت الطفلة على تلكا لحالة , حاولت أيقضها ولكنها لم تستيقظ , لقد كانت ميته , ميته منذ زمن بعيد لأن جسدها أصبح كقطعة خشب لا تتحرك .
لقد ماتت الطفلة , وما إن انتشر الخبر حتى سارع أهل الأم باستلام الولدين ونسيان الفتاة , نيسان أبسط حقوقها , وهو حق الميت , وهو حق إكرام الميت , وبقي أهل حارتها على حالهم ، فلم يرد أحد الصلاة عليها أو تغسيلها أو دفنها , لم يرد أحد استلام جثة الفتاة من المستشفى , لأن الخوف كان سيد الموقف , والجهل أيضا .
وقدر الله أن سمع إمام المسجد بها , فقام هو وبضع رجال من أهل الخير بما أمر الله به , ودفنت الفتاة .
ومازالت قصتها إلى هذا اليوم تروى .
قد تبدوا هذه القصة غريبة بعض الشيء أو أنها لا تصدق ولكنها وقعت بين عامي 1992 وعام 1998 بأحد دول مجلس التعاون الخليجي , ولن أذكر الأسماء الحقيقية ولا المدن حتى نحافظ على البقية الباقية من أسرار تلك العائلة , ولا يلام أحد على تلك المأساة سوى الجهل وعدم خوف الله تعالى .
المفضلات