يسحبه والده .. يضربه ، لا يفتأ يضربُ ويجره للحافلة عنوةًَ ..
يرميه داخلها ، ممزق الكرامة بين الفتيات ..
3.
ســئم الروضة ..
والجر الصباحي المتعب ..
وصوت بوق الحافلة .. وعباءات الفتيات .. ودموعه !!
4.
فجأةَ ..
سألْتُهُ : ما اسمُكَ ؟
بــلا " صغيري " أو " حبيبي " .. فأنا أرى رجلاً رائعًا ، يشحب في ثنايا ردائي يوميًا ،
وينتزع نفسه حياءً أو تبرمًا ..
5.
فجأةً ..
سألَتْهُ : ما اسمك؟
رنا إليها .. للظل الأسود القابع بجانبه يوميًا ..
وأجابَ : ســَعْــدٌ ..
6.
يومٌ آخر ..
و دموعٌ أخرى .. جموع الفتيات المشفقة ،
في داخله .. يردد شكر كونه في الخمس سنوات من عقود العمر ..
وكونهن يزحفن في بطون الثانوية !!
ربـــّاه ..
اليوم لم يجد منديلاَ يكفكفُ أدمعه ..
ولن يجد من يستجديه للشفقة ..
فهو رجلٌ ..
لحظةٌ أخرى وينفجر اليأس من محاجره رقراقًا ..
لم يدرك أنه تعلق بجلبابها شاهقًا ، ليفتح عينيه على طيف كفٍ و منديــل ..
مــدّ اليد الصغيرة ، انتزع المنديل ثائرًا من نفسه ..
لم تطلبْ تفسيرًا ..
أو تصريحًا لحالته ..
فقط منديلٌ كل يوم ..
مع ذات الكف و الجلباب ..
7.
حتى في الشتاء ..
لا تُرْحَمُ طفولته ..
يُضرب ليذهب لتلك الروضــة الــ " ....." !!
يشمت به بين فتيات الثانوية ..
وحيــدًا بينهن يبحث عنها ، لتفسح له كل صباح مكانًا بجانبها ..
وتنادي : ســَعــْد .. هــُنــَا ..
8.
يمد كفيه مترقبًا ..
البرد قارسٌ ، واليوم أمّــه كالعادة لم تودعه بقفازات الشتاء ..
بجانبه الفتاةُ .. وأختها على طرفٍ آخــر ..
9.
قرّر مكرهًا أو راضيًا ..
اندسّ تحت الجلباب ناعسًا .. قرب القليل منه ..
غطّى كفيه الصغيرتين ..
تنهد دافئًا .. ترنــّح .. نــــــامَ..
10.
أسبوعٌ آخر قبل الخروج من هذه الروضة ..
لا يزال يتدثر بجلبابها حتى توقظه بهدوء ..
فينزل للروضة متعبًا ..
و يعــودُ ..
اليوم ..
نادته بذات اللهفة : ســعد ..
تحرّك ضجرًا يمسح آخر كبريائه ..
أطلت من الكف حلوى ..
اختطفها منتشيًا ..
دسّها داخل جيبه .. وقرّر .." متى يأتي الغدُ وأركب الحافلة ، وأذهبُ للروضة؟!"
ابتسمَ للمرة الأولى .. أخبرها عن عائلته .. وثق بها ..
بنقاء سريرته .. بقطعةِ حلــوى ..
11.
ركض نحو الحافلة ..
حتى أمــّه تعجبت الهمة الكامنة فيه مذ أيام ..
وسرعان ما عرفت ..
سببَ بضع نقودٍ و حلوى ..
12-
فجــأةً ..
ركب سعد .. دس كفه الصغيرة وهو يشهقْ ، أخرج نقودًا وحلوى أعطيتها إياه منذ أيام ..
رماها على عباءتي خجلاً .. وقال مغالبًا ألمه : أمــي أمرتني ألا آخذ منكِ شيئًا ..
بُهِتُّ .. رددتُ : لــكنْ ..!!
أشاح بوجهه الصغير يائسًا .. هو لم يُرِدْ لي ذلك . . و لا لــَهُ .. كرجلٍ صغيرٍ ..
أكبرتُ إباءه ..
وسكتُ أيضًا ..
ولا زلت أغفو و أفيق لأجده يتدفأ بعباءتي ..
13.
وكان الفراق ..
حتى فتاته حُرِم منها ..
يخشى تغيير السائق لأنه يحبه ..
ووقع ما يخشاه ..
أيصبرُ ؟
14.
اليوم يوم شهادة الروضات ..
ركب مع نسخة صغيرة جميلة منه..
ابتسمتُ وراء غطائي ..
فهو يتصرف بشكل جميل ..
يحمي أخاه ويقوده فخورًا ويرشده بلطف ..
وحين قدمتُ حلوى الوداع..
أخذها راضيًا و أمر أخاه بالمثل ..
واختفى عند بوابة الروضة ..
15.
نهاية العام المنصرم ، بعدها ..
لم يظهر الطفل سعد ٌ في أرجاء الحافلة ..
إحساسٌ بريءٌ بالعطش لبراءته ..
لكفيه الصغيرتين ..
وجسده النحيل المترنح شتاءًا ..
وللطفل الرجل ..
لكبريائه و إباءه ..
أولا يستحقّ أن أحبّ ابتسامته ؟!
و أن أشتاق لكفيه تتلمس الدفء من جلبابي ؟!
- انتهت -
.
.
.
المفضلات