مؤهلات الدكتاتور الدراسية

Education of a Dictator


تم إلحاق أدولف بمدرسة قرية فيشلهام الإبتدائية الحكومية قبل ان يبلغ السادسة من عمره , ثم نقل بعد ذلك إلى مدرسة الدير في لامباش , كانت والدة هتلر سيدة متدينة جداً , فقد ارادت ان يصبح ابنها راهباً , إن شقاوة الصبي أدولف التي وصلت إلى حد تقليد الكبار بمحاولة تدخين سيجارة وإشعال النار في حديقة الدير , جعلت الرهبان يصرخون معلنين عدم تحملهم لهذا الطفل . فكان ذلك نهاية لحلم الأم.
بعد ذلك انتقلت الأسرة إلى ليوندنج وهي ضاحية صغيرة من ضواحي مدينة لنتز , وكان سجل أدولف الدراسي في السنوات الخمس الأولى ممتازاً بالرغم من انه لم ينقطع عن شقاوته وعبثه , لقد طلب من زملاءه في الفصل إحضار احواض الغسيل التي في البيت للركوب عليها والإبحار في مجاري المدينة !. وكان أدولف يلعب مع رفاقه لعبة العساكر وهنود الحمر , وكان دائماً ينضم لفريق هنود الحمر , وكان يحضر سكاكين وخناجر يبيعها سراً في المدرسة !! , والغريب انه كان الزعيم المنظم لهذه الألعاب !.

التحق أدولف بعد اجتياز المرحلة الإبتدائية والإعدادية بالمدرسة الثانوية في النمسا . كان هناك نوعان من المدارس الثانوية في النمسا , مدرسة الآداب والفنون , ومدرسة العلوم , فأختار أدولف مدرسة الآداب والفنون . عارض والده ذلك واراد له ان يلتحق بالمدرسة العلمية , حيث التحق أدولف بها لكنه رسب في السنة الدراسية الأولى واضطر لإعادتها , لكن ذلك الوقت تحول أدولف من البشاشة إلى التجهّم ومن اللعب إلى التزمت.
كان أدولف في الثالثة عشر من عمره عندما انتهى إلى الأبد الخلاف مع ابيه , فقد سقط الوالد ألويس هتلر على الأرض فجأة وسالت الدماء من فمه عندما كان جالساً يتحدث مع صديق له , لقد توفي الأب بسبب مرض صدري ودفن في زيه العسكري المحبب له.

بعد موت الوالد انتقل أدولف إلى لنتز حيث التحق بالمدرسة الثانوية في شتير . فرح أدولف بهذه النقلة حيث وجد هناك مدينة حديثة تزخر بالسيارات والدراجات والأضواء , راقت له المباني والبيوت , فوجد نفسه مدفوعاً لرسمها , إنه الأن حر في إشباع هوايته في الرسم فالوالد الرقيب لم يعد له وجود , لقد اصبح أدولف خاملاً دراسياً وأصبحت تقديراته المدرسية تحمل في النهاية تعليقاً مثل " أدولف متأخر " .. " أدولف يحضر دون كتب او دفاتر " ..إلخ , كان أدولف يذاكر ما كان يروق له من المواد ويترك ما عداها . عندما نُبه إلى ذلك قال :" إنني اهتم بكل ماله علاقة بالشيء الذي اريده .. اريد ان اصبح رساماً , هذا ما اريده فقط واكره ماهو سواه " , كانت المواد التي تروق لهذا الشاذ مادة التربية الفنية والتربية الرياضية والتاريخ فقط , اما المواد التي يكرهها فكانت كثيرة منها الرياضيات اللغة الألمانية والكيمياء والدين والفيزياء والاختزال , فكانت شهادة تقديراته في السنة الأولى ثانوي التي اصدرتها المدرسة بتاريخ 16 سبتمبر 1905 كالآتي:-
شهادة تقديرات الفصل الأول الثانوي
اسم الطالب : أدولف ألويس هتلر
التاريخ: 17/9/1905
المواد ................... إختبار منتصف العام الدراسي ... نتيجة إمتحان آخر العام
الآداب والسلوك ......................مقبول...................................مقبول
تكنولوجيا الصناعة.................. ضعيف .............................. مقبول
الدين ......................................جيد ..................................مقبول
اللغة الألمانية.......................ضعيف جداً ............................. جيد
الرياضيات ..........................ضعيف جداً .............................مقبول
الكيمياء ...................................جيد ...................................جيد
الفيزياء..................................مقبول...................................جيد
الهندسة...................................جيد...................................راسب
الرسم الحر.............................جيد جداً................................ممتاز
التربية الرياضية......................ممتاز...................................ممتاز
الاختزال..............................ضعيف جداً...............................راسب
الموسيقى والغناء....................غــائب...................................مقبول
الخــط.....................................ردئ.....................................راسب

انسحب أدولف من المدرسة وهو في سن السادسة عشر من عمره دون ان يستكمل الدراسة الثانوية , وكان وقتها يشعر بالسعادة لأنه لن يعود للمدرسة مرة آخرى , حيث ظل ثلاث سنوات كاملة لا يفعل شيئاً , لكنه لم يقرب من الخمر ابداً . كان يمكث في البيت معظم الوقت , وكان يهيم احياناً في الشوارع , وأحياناً اخرى يقضي ساعات طويلة في المكتبة الحكومية العامة يقرأ في التاريخ الألماني والميثولوجيا ( دراسة الأساطير) , ومن الغريب ان استحوذت ألمانيا –وهي ليست وطنه الأصلي فـ هو من النمسا- على عقله وجذبت جُل إهتمامه .

بدأ أدولف تدريجياً ينقطع عن زملائه الصبيه , وقطع الصلة ايضاً بكل من كان يواصل منهم تعليمة او يحمل شهادة دراسية , فأولئك كانوا يذكرونه بحياة المدرسة المؤلمة , لكنه بعد ذلك اخذ يلقي اللوم لعدم إكماله الدراسة , ليس على نفسه .. كلا .. بل على معلميه الذين قال عنهم " معظم اساتذتي ومعلميَّ يعانون من ظروف نفسية ومعيشية .. نهم في الواقع متخلفون عقلياً" , كان أستاذ واحد يحبه أدولف .. الدكتور ليوبولد بويتش يقول أدولف عنه " إنه الأستاذ الوحيد الذي أثر على حياتي منذ ايام المدرسة الأولى .. لقد حب إليّ مادة التاريخ , كان الدكتور بويتش يتوق إلى الوحدة الألمانية ويؤمن بها .. كان يقول لنا إنه يحب جميع الألمان بغض النظر عن فئاتهم واماكن تواجدهم .. كان يردد أنهم لابد وان يتحدوا سوياً من منطلق الأخوة الحقيقية" . أخذ هتلر منه هذا الحماس والشعور بالوطنية وبدأ يحتقر ويكره حكام بلده الأصليين ( آل هابسبورج ) لأنهم فقدوا حس الوطنية الألمانية.
اصبح حب ألمانيا وحب كل ماهو ألماني القوة الدافعة في حياة أدولف هتلر , وكان ذلك المفتاح لبعض ممارساته كديكتاتور.



فنان لوكاندات فيينا الرخيصة
Flophouse Artist in Vienna

جاء الفتى أدولف هتلر إلى فيينا في اكتوبر عام 1907 وكان يبلغ من العمر وقتها ثمانية عشر عاماً , مستعيناً بمال كانت ترسله له امه , وكانت لديه آمال عريضة في ان يصبح فناناً عظيماً , إلا ان الحال كان بمثابة صدمة له ولآماله , فلكي يتم قبوله في أكاديمية فيينا للفنون الجميلة , كان عليه ان يقدم عدة رسوم من اعماله , وينتظر حتى تقبلها إدارة الأكاديمية مبدئياً , وكان عليه ان يخضع لاختبار القبول النهائي , لكن رسومه رُفضت مرتين فقد كانت رسوماً ضعيفة المستوى وجامدة تخلو من الحياة .. إنها ببساطة لم تكن على المستوى المطلوب.

لم يشف أدولف من اثر هذه الضربة المؤلمة التي أهانت قدره ونسفت آماله , لكنه كالمعتاد لم يلم نفسه ابداً بل لام من امتحنوه بأنهم تقليديون وأغبياء لم يستطيعوا تبين كونه فناناً عظيماً !!.

وفي اواخر ديسمبر من عام 1908 توفيت ام أدولف هتلر الحنون بعد مرض طويل , فهرع الابن عائداً للبيت لتكفينها وتشييع جنازتها , كانت حالته يُرثى لها .. لقد كانت امه الإنسانه الوحيده التي يحبها , وفوق ذلك كانت مصدر عون مالي له , فموتها يعني انه سيضطر لإجاد من يعطيه المال كي يحق رغبته في ان يصبح فناناً وايضاً لتغطية مصروفاته الأخرى , كان أدولف يكره الأشتغال عاملاً او موظفاً حكومياً , كل ما كان يريده هو ان يصبح فناناً فحسب , وها هو الطريق قد سُدّ امامه الآن.

عاش أدولف الأعوام الخمسة التالية في شقاء وبؤس حيث قال : " لقد عشت خمس سنوات من البؤس والمعاناة في فيينا , خمس سنوات اضررت ان اكسب فيها عيشي كصبي نقاش , ثم بعد ذلك كرسام مغمور , كان ما اكسبه لا يكفي البتة لمعاش أي إنسان , فكنت اعاني من الجوع في احيان كثيرة ولفترات طويلة .. كان البؤس والجوع ملازمين لي في تلك الأيام .. فكل كتاب اشتريته وكل تذكرة ابتعتها لدخول الأوبرا وكل شئ كنت افعله طبيعياً , كان على حساب هذا الجوع , كانت حياتي كفاحاً مستمراً ضد الجوع .. رفيقي هذا الذي لا يرحم ".
وقال اولئك الذين كانوا يعرفونه في فيينا في ذلك الوقت إنه كان متشرداً بائساً للغاية , رث الملابس , حيث كان يرتدي قبعة سوداء متسخة ومعطفاً اسود طويلاً اشتراه من بائع هنغاري يبيع الملابس القديمة المستعملة.

في نوفمبر 1909 اضطر أدولف لترك الغرفة الرخيصة التي كان يستأجرها لعدم وجود مال معه , لم يجد مفراً بعد ذلك من النوم في المقاهي وعلى مقاعد المنتزهات , ثم اصبح يبيت في فنادق فيينا الرخصية حيث ينام المشردون مقابل قروش قليلة وكان ينضم يومياً لطابور الفقراء كي يحصل على وجبة مجانية من المتصدقين , وقام بكل الأعمال الغريبة واشتغل بكل شيء , كان يجرف الجليد من فوق الكباري مقابل اجر ضئيل مع عمال التراحيل , وكان يحمل اكياس القمامه من محطات السكك الحديدية.

كان أدولف يتجنب بصفة عامة الأعمال البدنية الشاقة حيث كان يقول لنفسه إنني ضعيف لا ينبغي لي ان اجهد نفسي.
وبالرغم من ان أدولف قد عاش فترة في العالم السفلي مع المشردين والضائعين , لكنه لم يدخن ابداً ولم يقرب الخمر طيلة حياته..

كان هتلر يكره فيينا , لكنه جاءها شاباً وخرج منها رجلاً ناضجاً , يقول هتلر: " في تلك الأيام تشكلت في ذهني صورة الحياة وتكونت لدي فلسفة خاصة كانت اساساً خرسانياً لجميع افعالي " , كانت فيينا المكان الذي علّـم هتلر الكراهية , لقد بدأ بكره دعاة الاشتراكية الذين كانوا يريدون للطبقة العامة ان تحكم , وقرأ مؤلفات كارل ماركس أبو الأشتراكية ومؤسسها , لكنه نبذ تعاليمة بشدة وكان يأمل في ضرب هؤلاء القوم بنفس القوة او بقوة اكبر ساحقة , , بل كان هتلر يرى من الضروري إعدام من يثيرون الرعب في الورش والمصانع والاجتماعات العمالية , وتعلم هتلر صب جام مقته وكراهيته على اليهود , لم يكن يسمع ابداً كلمة "يهودي" في شبابه , فلم يكن هنالك يهود يعيشون في لنتز إلا افراد قليلون , وبدأ يقرأ المجلات المعادية لليهود وصحف المعارضة , ولم يعترف هتلر باليهود على انهم ألمان بل قال انهم من جنس آخر تماماً.

كان اليهود في النمسا يحتلون المناصب العالية في جميع المجالات , وكان هتلر يعتقد انهم بذلك سخربون النمسا , فقرر مع نفسه ان الماركسيين واليهود يعملون في اتحاد وثيق لتدمير العالم , وقال هتلر : " لو تمكن اليهود من العالم بمساعدة الأفكار الماركسية ستكون نتجية ذلك خراب الدنيا , لذلك أخذت عهداً مع الله عز وجل ان اهب نفسي جهاداً ضد اليهود وقتالاً في سبيل الله ضدهم " , ومنذ ذلك الحين أخذ هتلر يهاجم اليهود ويصفهم بأنهم ( فئران قذرة ) وجراثيم طفيلية وحشرات ماصة للدماء و(ظالمون عتاة) , وصب اقصى شحنات الكراهية على اليهود.

أخذ هتلر اثناء تواجده في فيينا يحتقر حكم ( آل هابسبورج ) العائلة الحاكمة في النمسا وكان يهزأ من البرلمان ويسخر من دعوى انه يمثل الشعب , فهداه عقله الشاذ إلى الراحة في تصور وجود ألمانيا قوية وعظيمة تظهر يوماً وتتولى امر الدولة النمساوية الضعيفة تلك , وتصور هتلر انه ولد من اجل هذه الغاية وتصور انه اليد الموجهة التي تحتاج إليها ألمانيا , بدأ هتلر يجوب المقاهي الشعبية ويتجادل في السياسة , وما كاد احد المجالسين يتكلم في السياسة حتى ينطلق هتلر في جدال معه طويل وعنيف , وإذ ما عارضة احد او خالفه الرأي كان رد فعله عصبياً وعارماً , لكن الأمور سارت مساراً عجيباً فقد وجد اعداداً متزايدة تستمع إليه وتنصت له.

ترك هتلر فيينا في مايو 1913 بعد ان فشل في المدينة الكبيرة فلم يكن لدية مال او اسرة او اصدقاء وكان مهملاً منبوذاً , لكنه اكتشف شيئاً في نفسه ... انه عندما يتكلم تنصت الناس له وتستمع له.
ما العمل؟ لابد من ترك ارض الآباء والأجداد وهجر الوطن والسفر إلى ألمانيا الحبيبة , بالفعل سافر هتلر من النمسا التي فشل فيها إلى ميونيخ في ألمانيا التي تصور لنسه حياة سعيدة فيها ورأى فيها مستقبلاً باهراً.

بعد ان وصل هتلر واصبح في ألمانيا التي يعشقها .. بدأت تترسخ له افكار هناك فقد بدأ يشعر بخطأ الحكومة الألمانية في سياستها الخارجية , فقط قال –وكان محقاً في ذلك- "إن التحالف الثلاثي بين ألمانيا من جهة والنمسا من جهة وإيطاليا من جهة ثالثة .. تحالف ضعيف لن يدوم , فقد يقصر السلافيون في النمسا والإطاليون في حالة الحرب" , حذر هتلر من ذلك , ونصح ألمانيا بوجوب فض التحالف وإقامة علاقات صداقة مع انجلترا والانقضاض على روسيا , كان يقول ذلك عندما يحادثه احد في السياسة , لكنه كان محبطاً ومكتئباً ايضاً في ألمانيا , فقد وجد نفسه مره اخرى غريباً وحيداً في مدينة تعج بالبشر.

يـتـبـع