السلام عليكم ..
أغلبنا يعرف الكاتب الشهير ( كونان دويل ) مؤلف روايات شارلوك هولمز التي اشتهرت بشكل كبيرو التي منها:
دراسة في اللون القرمزي - عصبة الرؤوس الحمراء -فضيحة في بوهيما -العقيق الأزرق -المشكلة الأخيرة <<<وهذي من أجمل الروايات التي قرأتها لكونان دويل -الرجال الراقصون وغيرها من الروايات وها أنا اليوم أقدم لكم أحد روايات ذلك المؤلف المشهور والتي بعنوان ...
>> الشريط المرقط <<
واطسون :كنت قبل زواجي أسكن مع شارلوك هولمز في شقة واحدة، وتقوم على خدمتنا امرأة عجوز تدعى السيدة هدسون ، ولقد اعتاد هولمز أن يناممتأخرا ولا ينهض باكرا ، لذلك شعرت بالدهشة حينما طرق باب غرفتي في ساعة مبكرة ،وأيقظني من نومي قائلا : اعذرني إن أيقظتك من نومك باكرا يا واطسون ، ولكنه المصيرالمشترك ، إذ إن السيدة هدسون استيقظت فأيقظتني وجئت أوقظك .
فقال واطسون وهو يفرك عينيه:ماذا حدث ؟ هل اشتعلت النار في المنزل ؟ فقال هولمز :لا : ولكني جاءتني زبونة شابةوهي تنتظرني في القاعة ، وحين يستيقظ الشبان مبكرا ، فمعنى ذلك أن القضية خطرة ولم أشأ أن أفوت عليك متعة المشاركة منذ بدايتها فأيقظتك .
واطسون:هذا لطف منك …………… إني قادم .
والحق أن هولمز يغرف شغفي بالقضايا التي يعالجها ، وإعجابي بمنطقهالعلمي وتفكيره السديد ، فارتديت ثيابي على عجل ولحقت به إلى قاعة الاستقبال . وكانت في القاعة فتاة شابة مرتدية ثياباسوداء ، وقد غطت وجهها بشبكة حريرية ، فنهضت لدخولنا ، فقال هولمز : صباح الخير ياسيدتي ………… إني شارلوك هولمز وهذا مساعدي وصديقي الدكتور واطسون ، وتستطيعين الكلامأمامه على راحتك . آه …… أرى أن السيدة هدسون قد أشعلت المدفأة ، وسوف أناديهالتغلي لنا بعض الشاي ، فأنت تشعرين بالبرد كما أرىفقالت:لا يا سيد هولمز… لا أرتجف من البرد ، بل من الخوف .
وكان يبدو عليها الذعر حقا بحركاتها العشوائية ونظراتها الحائرة ، وهي لمتتجاوز الثلاثين من العمر ، ولكن شعرها انتشر فيه الشيب ، فبدت أكبر من سنهاالحقيقي ، إنها امرأة خائرة القوى …………
فقال لها هولمز بلهجة حانية : لا تخافي ……… سنحل هذه القصية بأسرع ما يمكن ، إني واثق من ذلك ، هل جئت بالقطار هذا الصباح؟ فقالت :وكيف عرفت ، هل رأيتني من قبل ؟ فقال هولمز :أنا لا أعرفك ولكني أرى أن بطاقة الدعوة يطل رأسها من حقيبة يدك .
فقالت :نعم … لقد غادرت منزلي في الساعة السادسة ، وركبت القطار ثم توجهت إلى المحطة مباشرة ، ليس لدي أحد أقضي إليه بهمومي ، وقد حدثتني السيدة ( فارنتوش ) عنك وعن مساعدتك لها ، فهل تلبي إلي طلبي وتمد إلي يد العون ؟ ولكني لا أملك مالا في الوقت الحاضر …… ولكني سأتزوج خلالشهر أو شهرين ولن أكون ناكرة للمعروف .
فتوجه هولمز نحومصنفاته وبدأ يبحث فيها :فارنتوش… فارنتوش … نعم إنها قضية مجوهرات، سنهتم بقضيتك كما اهتممنا بقضية السيدة فارنتوش و أكثر ، وأما أتعابي فأترك لك أمر دفعها حين يتيسر لك ذلك …والآن قصي بوضوح ما يشغل بالك .
قالت المرأة : المخيف في حالتي يا سيد هولمز إني لا أعرف سبب خوفي، حول تفاصيل دقيقة لا يمكن لأحد إدراكها سواي ، حتى أعز الناس لدي ومن أحبهم يظن أنها أوهام امرأة ، وقد قيل لي انك رجل إنساني متفهم لآلام الناس ، هلهذا صحيح ؟فقال هولمز :حسنا ……… إني أستمع إليك .
فقالت :إني أدعى (( هيلين ستوتر )) وأعيش مع زوج أمي المنحدر من عائلة إنكليزية عريقة ، وهي عائلة (( رالوت )) من منطقة ( سوزي ) .
قال هولمز : هذا اسم معروف .
فقالت:بعد أربعة أجيال فقدت هذه الأسرة ممتلكاتها كلها ، ولم يبق لها في مطلع القرن التاسع عشر سوى هكتارات من الأراضي ،ومنزل قديم عمره مائتا عام كأنه الأطلال ، وهي مرهونة كلها ، وقد حاول زوج أمي أن يبتعد عن حياة الوهم التي عاشها أبوه ، فاقترض بعض المال من أخواله ، ودرس الطب واستقر في كلوكوتا بالهند ، وسارت أموره على أحسن حال لأنه طبيب بارع ، ولكنه مولع بضرب الخدم الهنود ، وقد انهال بالضرب على أحدهم ذات يوم حتى قتله ، فحكم عليه بالسجن لمدة طويلة ، وحين خرج منه كان حطام إنسان ، في الهند تزوج ( روالوت ) أميالتي كانت أرملة ستونر القائد العام لقوات المدفعية في البنغال ، ولي أخت توأم تدعى جولي ، ولم يكن عمرها أكثر من عامين حينما تزوجت أمي الدكتور روالوت ، وكانت ميسورةالحال ، بل ثرية لأن دخلها يتجاوز الألف غنية سنويا و شاءت الأقدار أن تموت في حادثة قطار منذ ثماني سنوات ، وقد أوصت بثروتها إلى زوجها مادمنا نعيش معه ، ماعدا مبلغا من المال يدفعه إلينا سنويا استعدادا لزواجنا ،ولم يشأ الدكتورروالوت أن يستقر في لندن كما قرر أولا ، فذهبنا للإقامة في مسكن أجداده في ( سنوكموران ) ، غير خائفين من غدر الزمان ، لأن والدتنا تركت لنا ما يكفي من المال ،وسرعان ما تبدلت شخصية لدكتور روالوت تماما ، فلم يعقد صداقة مع جيرانه الذين ابتهجوا لقدوم أحد أفراد هذه العائلة العريقة إلى منطقتهم ، وأغلق الباب على نفسه لئلا يقابل أحدا ، وإذا خرج خرج لكي يتشاجر مع الناس ، والظاهر إنها طبيعة متوارثة في العائلة ، وقد اشتدت حدتها بإقامته الطويلة في الهند ، وقضائه أعواما في السجن ،فأصبح يثير الرعب في القرية لسوء خلقه ، حتى أنه رمي الحداد في النهر ودفعت إليه ماأملك لئلا يقاضيه ، و أما أصدقائه فهم الغجر الذين سمح لهم بالإقامة في أراضيها المهملة فيزورهم و يقضي نهاية الأسبوع معهم في ترحالهم ، و زاد الأمر سوءا ولعه بالحيوانات المتوحشة ، فكان يراسل أحد أصدقائه في الهند ، فيبعث إليه من حين إلى آخر حيوانات حية و يوجد في حديقته الآن نمر و غوريلا ، و لا أدري أيهما أشد فتكا من الآخر ، و قد أطلقهما في الحديقة يتجولان مما أثار الرعب في القرية كلها .
وتستطيع يا سيد هولمز أن تتصور حياتنا بعدئذ ، فالخدم يهربون بعد أسبوع ، مما يضطرنا إلى القيام وحدنا بأعباء المنزل الفسيح ، و حين توفيت أختي لم تكن قد تجاوزتالثلاثين ، و لكن شعرها أكثر شيبا من شعري الآن .هولمز:هل توفيت أختك ؟ الآنسة هيلين :منذ سنتين ، و هذا موضوع حديثي الأساسي ، إذ أن لنا خالة عزباء تسكن منطقة ( هارو ) فكنا نزورها من حين إلى آخر ، و ذات يوم تعرفت أختي لديها إلى ضابط فيالبحرية ، و أعلنت زواجها ، و حين علم زوج أمي بالأمر لم يعترض بل أظهر ابتهاجه ، ولكن أختي توفيت قبل أسبوعين منذ زواجها .
و كان هولمز يصغيإليها مغمض العينين ، ففتحهما فجأة و قال : أذكري لي التفاصيل ، أرجوك .الآنسة هيلين :سأحاول … فالمشهد مايزال محفورا في ذاكرتي .
قلت لك أن المنزل قديم ، فلم نكن نشغل سوى طابقه الأرضي، حيث انتشرت الغرف الثلاث حول الممر دون أن يفضي بعضها إلى بعض ……… هل تتابعني؟هولمز :تماما ، أكملي !
فقالت :وهذه الغرف تطل على الحديقة ، وذلك المساء نفسه ذهب الدكتور إلى غرفته ،ولكنه لم ينم لأننا كنا نشم رائحة سيجاره القوية ، ولبثت أختي معي ، وتجادلنا طويلاحول زواجها، ثم تركتني حوالي الحادية عشر ، وقبل أن تغلق الباب سألتني : هل سمعت في الليل صفيرا يا هيلين ؟ الآنسة هيلين :أي صفيرجولي :صفيرا خافتا .في المنزل أو حوله حوالي الثالثة صباحا لعله صوت شخيرك هيلين:لا ……فأنا لا أشخرجولي :كيف لم تسمعيه إذا !
هيلين : لعله أحد هؤلاء الغجر المخيمين تحت الأشجارجولي :فكيف لم تسمعيه أنت أيضا ؟هيلين :لأن نومكأخف من نوميوانصرفت بعدئذ و سمعت صوت المفتاح يدور في باب غرفتها شارلوك : أيحدث هذا في كل مساء هيلين :نعم … كل مساء شارلوك :و ما السبب ؟ هيلين :لقد حدثتك عن الغوريلا و النمر فنحن نخاف منهما شارلوك :نعم…هذا صحيح تفضلي هيلين :كانت ليلة عاصفة لم أذق فيها طعم النوم لقصف الرعد ولمعان البرق ، وفجأة سمعت صوتا شق سكون الليل إنه صوت أختي ففتحت الباب فخيل إلي إني أسمع فحيحا أو صفيرا خافتا ، وبعد لحظة سمعت صوت شيء معدني كأنه سلسلة تسقط على الأرض أوأداة ما شبيهة بها كنت جامدة في الممر من الهلع و إذا بباب أختي يفتح و رأيتها تخرج شاحبة تترنح يمينا و شمالا فسارعت إليها أسندها فانهارت على الأرض بين يدي وكانت ترتجف وجسدها ملوي إلى الخلف كأنها تتألم ألما شديدا ، ثم همست إلي قائلة هيلين إنه الشريط المرقط ، ولعلها تريد أن تقول شيئا آخر وهي تشير إلى غرفة زوج أمي و فارالزبد من فمها وانقلبت عيناها فهرعت إلى تلك الغرفة وطرقته بعنف فخرج ملهوفا و جرى إلى أختي و حاول أن يسقيها بعض الماء و لكنها فقدت الوعي ثم توفيت بعد لحظات دون أن تستعيد وعيها.
سألها هولمز :هل أنت واثقة من أنك سمعت ذلك الصفير الخافت وذلك الصوت المعدني وهل تعرفين ما مصدره ؟هيلين: هذا ما طلبه مني مفتش الشرطة ولعلني قد توهمته وسط هبوبالعاصفة ولكني واثقة من سماعه شارلوك:ماذا كانت ترتدي أختك ؟هيلين :كانت ترتدي فستان نومها وبيدهاعلبة كبريت وكان ما يزال العود مشتعلا بيدها الأخرى شارلوك : هذا مهم لأن معناه أنها حين استيقظت على الضجة أشعلت عود الكبريت لتعرف ماهو . ما رأي مفتش الشرطة ؟ هيلين :قد قام بتحقيق جاد بسبب السمعة السيئة لزوج أمي ولكنه لم يستطع تحديد سبب الموت و قد شهدت بأن النوافذ مغلقة من الداخل و أي سمعتها تغلق غرفتها بالمفتاح ولم نجد شقا في الحائط أو الأرضية فثبت بالدليل أن أختي ، لقيت مصرعها وهي بالغرفة وحدها ، ولم نجد آثارعنف على جسده .
هولمز :و هل توجهت أبحاث المفتش إلى السم ؟؟ هيلين : بالضبط… و لكن التحاليل لم تؤدي إلى شيء .
هولمز:هذا غريب … و ما سبب موت أختك في رأيك؟؟ هيلين:أظنها ماتت من الرعب و لكن ما الشيء الذيرأرعبها إلى هذه الدرجة ؟؟ لست أدري .
هولمز :ماذا كانت تعني بقولها الشريط المرقط ؟؟؟ هيلين :فكرت طويلا في معناها و قلت لنفسي لعلها تقصد المنديل المرقط الذي يضعه الغجر على رؤوسهم .
فهزهولمز رأسه و لم يظهر عليه الاقتناع : تابعي ماذا حدث بعدئذ ؟؟؟ هيلين : انقضت سنتان ، فتقدم لخطبتي صديق أعرفه منذ زمن بعيد ، ولم يعترض زوج أمي على زواجنا في الربيع القادم .
و قبل البارحة اضطررت إلى ترك غرفتي لأن العمال هدموا الجناح الشرقي لإصلاحه و نمت فيغرفة أختي المتوفاة و البارحة أحسست بالرعب الشديد لسماع الصفير الخافت نفسه الذي وصفته لك ، فنهضت من سريري و أشعلت المصباح فلم أجد شيئا ، فارتديت ملابسي و ركبت عربة إلى محطة القطار و جئت إليك.فأمسك هولمز بمعصمها قائلا :و لكنك تتسترين على زوج أمك ….
هيلين :و كيف ذلك ؟؟ فكشف معصمها فإذا عليهاأصابع زرقاء و قال :إنه يسيء معاملتك ….
هيلين : نعم ….. إنه رجل قاسي القلب .
و لم يجبها و جعل يحدقفي النار مفكرا ، ثم قال : هذه قضية معقدة حقا : و لابد من التحقق من بعض التفاصيل فيها ، و لكن الوقت قصير ، لابد من زيارة ستون موران اليوم ، ورؤية الغرف دون أن يدري زوج أمك فهل هذا ممكن ؟؟ هيلين :نعم ، لأنه ذاهب اليوم إلى لندن و سوف يتغيب النهار كله و لدينا خادمة منذ أسابيع ولكنها عجوز بلهاء أستطيع إبعادها بسهولة …....
هولمز:و متى سترجعين إلى المنزل ؟؟هيلين : سأستقل قطارالثانية عشر ….
هولمز : حسنا ، سنستقل نحن القطار التالي عليه .
هيلين : أشكرك يا سيد هولمز و لكن هل ستساعدني حقا ؟؟ هولمز : لا ريب في ذلك.اطمئني ، إلى اللقاء .
فأحكمت هيلين ستونر الشبكة الحريرية على وجهها و مضت فقلت له : ما رأيك ياهولمز ؟ هولمز : إنها قضية غامضة و محزنة .
واطسون :و لكن الفتاة تؤكد أن أختها كانت وحدها .
هولمز :و الصفير أو الفحيح يا واطسون ؟؟ و عبارة الشريط المرقط ؟؟ يجب أن نربط بين الصفير الليلي بوجود جماعة الغجر في الحديقة مع مصلحة زوج أمها في ألا تتزوج لئلا يفقد ثروته ، أضف إلى ذلك الصوت المعدني الذي قد يكون صوت شيء انتزع من الحديد ثم أعيد إلى مكانه ، و أظن أن حل القضية يدور حول هذه العناصر .
واطسون :و لكن ما عسى الغجر يفعلون؟؟ هولمز :ليس لدي أي فكرة بعد ، و لكننا سنذهب بعد الظهر لنرى تطابق الفرضية مع الواقع…ما هذا ؟ و فجأة انفتح البابو دخل رجل ضخم فوقف و الشرر يتطاير من عينيه . كانأصفر الوجه ملأته التجاعيد ، و عيناه غائرتان تتحركان في كل اتجاه ، و أنف معقوفكأنه منقار طائر جارح ، و يحيط بذلك كله تعبير من الدهاء و الشر لا يمكن وصفه ، وكان يرتدي ملابس خليطا من ثياب الفلاحين و أهل المدينة ، و يمسك بيده سوطا متينا .فقال العملاق بصوت قوي :أي منكما المدعوهولمز ؟؟
فقال العملاق بصوت قوي :أي منكما المدعوهولمز ؟؟ فقال هولمز بهدوء : أنا هو يا سيدي فهل أتشرفبمعرفة اسمك و سبب زيارتك ؟ فقال العملاق :إني الدكتوركريمسباي روالوت من ستون موران .
هولمز : حقا…. تشرفنا ..
روالوت :لقد خرجت ابنة زوجتي من هنا ، فماذاتريد ؟ فقال هولمز بلهجة رزينة :ألا تظن أن النهارمشرق بالنسبة لهذا الفصل ؟فزمجر الرجل :ماذا تريد؟ فتابع هولمز سخريته :هل تظن أن موسم التفاح سيكون جيدا هذا العام ؟ فصاح الرجل بصوت متقطع :لا تريد أن تجيبني … أعرفك أنت شارلوك هولمز …المحقق الجنائي الجاسوس …عميل الشرطة .
فابتسم هولمز راضيا عن نفسه و قال :لقد كانت محادثة ممتعة ومثيرة يا دكتور ، و لكني أرجوك أن تغلق الباب قبل أن تذهب ، لأني أكره التياراتالهوائية !!
قال الرجل :سأذهب حين أريد … لكني أحذركبأني أكره التدخل في شؤوني ، إني خطر إذا هوجمت .
و تقدم خطوة إلى الأمام وأمسك بمحرك المدفأة الحديدي و لواه بسهولة ، و صاح : ابتعد عن طريقي و إلا ……
قال هولمز :أراك إنسان شديد التهذيب قوي العضلات ….
و أمسك صديقي هولمز بالمحرك و رده مستقيما كما كان بحركة واحدة ، فرماه الرجل بنظرة شريرةو غادر الغرفة مسرعا .
و حين بقينا وحدنا قال هولمز : لا أريد لهذه الفتاة أنتلقى المتاعب بسببي ، أحتاج إلى بعض المعلومات ، و سوف أحصل عليها ثم أعود .
و رجع هولمز بعد ساعة و قال : لقد اطلعت على وصية أم هيلين ، إن أموالها لم تعد طائلة بعد انهيار العائدات الزراعية ، و إذا تزوجت الفتاتان فسوف يواجه زوج أمهما الإفلاس .
و قد تخلص من الأولى ، و أخشى على الثانية من شره ، لنسرع إلى ستون موران و لا تنس أن تحمل مسدسك معك يا واطسون ، لأن من يلوي محراك المدفأة يحتاج إلى شيء مختلف عن البراهين المنطقية و ركبنا القطار أنا و هولمز ، ثم استأجرنا عربة من المحطة التي تبعد حوالي 8 كيلومترات عن ستون موران ، فمشت بنا عبر الحقول المزهرة و كان النهار جميلا يتناقض مع البناءالمتداعي الذي رأيناه قائما فوق تلة مرتفعة .و سأل هولمز السائق عن ستون موران فقال :إن المزرعة أما منا ، و الأفضل أن تسيروا عبر الحقول لتصلوا إليها .
فنزلنا من العربة و دفعنا للسائق أجرته فعاد أدراجه .
صعدنا التلة إلى المزرعة ،فقال هولمز و قد رأى هيلين :صباح الخير يا آنسة هيلين …لقد وفينا بوعدنا .
فأسرعت الفتاة إلى لقائنا وقد ظهرت بشائر الفرحة على وجهها ،و صاحت : كنت أنتظركما بفارغ الصبر ، و لقد غادر زوج أمي المزرعة، و لن يعود إلا المساء ..
فقال هولمز بلهجة مخادعة : لقد تشرفنا بمعرفته .
و حكى لها بكلمات ما حدث هذا الصباح ، فاصفر وجهها و قالت : إنه ماكر و لم أنتبه إلى إنه يراقبني .. ماذا سيقول لي بعد عودته ؟؟ هولمز : سيكون حذرا ، أغلقي هذا المساء غرفتك بعناية ، و إذا خفت أن يضربك أخذناك إلى عمتك ، و لكن علينا ألا نضيع الوقت الآن ، أين الغرف؟؟كان البناء متداعيا و قد نصبت الصقالات لترميمه ، و لكننا لم نجد للعمال أثرا . و مشى هولمز عبر أطلال الحديقة و تأمل المنزل من الخارج و قال : أظن أن هذه نافذة الغرفة التي تنامين فيها ، و في الوسط غرفة أختك ، وهذه الأخيرة غرفة زوج أمك؟؟ هيلين : تماما … و لكني قلت لك إني أشغل الآن الغرفةالوسطى .
هولمز : بسبب الترميم ، و لكن هل هذا الترميم ضروري فعلا .
هيلين :لا ، و أظن زوج أمي اخترعه لكييضطرني إلى تبديل غرفتي .
هولمز :كلام صائب …و أظن أن الدهليز يمر أمام الغرف و لها نوافذ تطل عليه .
هيلين :نعم .. ولكنها صغيرة ضيقة لا يستطيع أحد الدخول منها .
هولمز :حسنا ، ادخلي الآن غرفتك ، وأرجو أن تغلقي أبواب النوافذ الخشبية .
فدخلت هيلين و أغلقتها ، وحاول هولمز أن يفتحها من الخارج فلم يقدر ، ولم يجدشقا يدخل منه سكينا يدفع به الحديد الذي يعترضها من الداخل .
فقال هولمز وهو يحك ذقنه :حسنا …. لا يمكن فتحها من الخارج … إن فرضيتي أصيبت بضربة عنيفة ، لندخل الآن .
لم يهتم هولمز بغرفة هيلين بالانصرف إلى الغرفة التي كانت تشغلها المرحومة جولي ، وهي واطئة السقف فيها مدفأة واسعة وسرير و طاولة صغيرة بجانب النافذة اليسرى و فوق سجادة دائرية الشكل كرسيانمن الخشب .
فجلس هولمز على أحد الكرسيين ، وجعل يتأمل الغرفة كأنه يريد أن يحفرتفاصيلها في ذاكرتهو أشار بعد قليل إلى حبل مجدول يتدلى فوق السرير و قال : أين نهاية هذا الحبل ؟ هيلين:في غرفة الخادمةلاستدعائها .
هولمز : و هل هو هنا منذ زمن طويل؟ هيلين :منذ ثلاث أو أربع سنوات .
هولمز : و هل طلبت أختك أن يوضع في غرفتها ؟ هيلين :لا … ونحن لا نستخدمه أبدا …. فقد تعودنا أن ندبر أمورنابنفسنا ، و لا نحتاج إلى الخدم .
فأمسك هولمز بالحبل و جذبه بقوة فلم نسمع صوت الجرس و لم يتحرك الحبل من مكانه ، فقال : آه .. إنه جرس زائف …. و الحبل مربوط بحلقة فوق فتحة التهوية .
فقالت هيلين :لم ألاحظ هذا من قبل …. أمر عجيب .
فقال هولمز : طبعا … و إني لأتساءل كيف يفكر المهندس المعماري ببناء فتحة تهوية تؤدي إلى الغرفة المجاورة و لاتؤدي إلى الخارج .
هيلين :هذه الفتحة أحدثت مؤخرا .
هولمز : لعلها أحدثت مع حبل الجرس أيضا .
هيلين : نعم … في الوقت نفسه .
فقال هولمز : جرس لا يقرع … و فتحة تهوية لا فائدة منها ، سأرى الغرفة المجاورة إذا سمحت .
كانت غرفة الدكتور أوسع قليلا ، و لكن فيها الأثاث البسيط نفسه ، سريرمتنقل ، و مكتبة صغيرة من الخشب الأبيض مملوءة بالكتب الطبية ، و كنبة و كرسي خشبي و طاولة مدورة و حقيبة معدنية كبيرة .
و تفحص هولمز الأثاث بعناية ، و قال وهو يلمس الحقيبة المعدنية بقدمه : ماذا يوجد بداخلها ؟ هيلين :فيها أوراق زوج أمي ، و قد رأيتها مفتوحة منذ سنوات ، و أذكر أن فيها أوراقا و مصنفات .
هولمز :و لا أظن أن فيها مكانا للقطط .
هيلين : قطط ؟ أي قطط ؟ ليس لدينا قط .
هولمز: حقا ؟ و ما هذا ؟ و أشار إلى صحفة على الأرض مملوءة بالحليب .
فقالت هيلين :فعلا .. و لكن ليس لدينا قط … لدينا نمر و غوريلا فقال هولمز :على كل حال النمر قط كبير ، و لكن لا تشبعه صحفة حليب .
تفحص هولمز الأرضية بمكبرته ، ثم التقط شيئا و قال : ما رأيك بهذا يا واطسون ؟ واطسون:إنه رسم XXXXXX … و في طرفه أنشوطة ، و ما فائدته ؟ فقال هولمز :سنعرف فيما بعد و الآن يا آنسة هيلين … إن حياتك في خطر ، و لا أريد أن يفاجئنا الرجل هنا ، و قد عزمنا أن نقضي الليلة في غرفتك … فإذا أقبل المساء تذرعي بصداع لكي تدخلي هذه الغرفة التي تنامين فيها ، و حين يظلم الليل افتحي النافذة و أضيئي المصباح و اخفضيه 3 مرات ، لأننا سننزل في فندق القرية القريب ، ثم غادري هذها لغرفة إلى غرفتك السابقة ، و لا تنسي أن تتركي النافذة مفتوحة لأننا سننام في غرفة أختك …
فقالت هيلين : أظنك تدبر خطة .
هولمز : ممكن …. و لا أريد الحديث عنها .
هيلين :هل تصدقني إذا قلت لك إن أختي ماتت من الخوف ؟ هولمز :لا… لقد ماتت من شيء ملموس ، سنسعى إلى اكتشافه … و لكن افعلي ما أوصيتك به حرفيا ! استأجرنا غرفة و قاعة في الطابق الأول من فندق ** التاج ** و كانت تطل على ستون موران ، و الجانب المسكون من البناء فيه ، و معحلول الظلام رأينا الدكتور يعود إلى الدار ثم يضاء النور في غرفته .
فقال هولمز لي:إني أشعر بتأنيب الضمير ورطتك في هذه القضية واطسون :وهل تحسبني خائفا من الأخطار ؟ وهل نسيت ماواجهناه معا ؟ ولكن قل لي إلى أين وصلت تحرياتك ؟؟ هولمز : لقد رأيت بنفسك ما رأيته أنا ..
واطسون :ولكنك استنتجت شيئا … هذا واضح هولمز :لم أستنتج شيئا خاصا ،ولفت انتباهي رسن الكلب هذا ، فما فائدته ؟واطسون :وفتحة التهوية ؟ إنها صغيرة لا تتسع لقبضة اليد ….. ولكن ما العجيب فيها؟؟ هولمز : كنت أتوقع وجودها قبل قدومي إلى ستون مورانواطسون :كيف ذلك ؟ هولمز : ذكرت لنا الفتاة أنها شمت رائحة السيجار من غرفتها ، وعلمت أن زوج أمها مايزال مستيقظا ، مما يدلعلى وجود فتحة ينفذ منها الدخان ، و أجد كثيرا من المصادفات . فتحة تهوية و حبل جرس وفتاة تموت في سريرها .
فقال واطسون :وأين الغرابة في هذا ؟ هولمز:ألم تتأمل السرير جيدا ؟ واطسون : نعم.
هولمز : وهل لاحظت شيئا ؟واطسون :لا لم ألاحظ شيئا .
هولمز : إنه مثبت بالأرضية ولا يمكن زحزحته من مكانه ،فهل رأيت أسرة من هذا النوع ؟؟ واطسون :هذا غريب !
هولمز : إنه أكثر من غريب يا واطسون ، فالفتاة لاتستطيع إلا أن تنام تحت حبل الجرس المعلق تحت فتحة التهوية .
فقال واطسون بلهجة الخائف : هولمز ! لقد بدأت أدرك ما تعني … ولكنهذا أمر فظيع !
فهز رأسه قائلا : إنه ابتكار مخيف … فلاحد للشراسة الإنسانية .
حوالي التاسعة أطفئت الأضواء بالمنزل البعيد وسادالظلام . وبعد ساعتين ألتمع نور المصباح في النافذة ثلاث مرات ،فهب هولمز واقفا وقال : الإشارة … هيا يا واطسون …. جاء دورنا .
أعلمنا صاحب الفندق بأننا سنزور صديقا لنا في الناحية ومن المحتمل أن نقضي الليلة عنده ، وخرجنا فإذا الليل بارد والجو كئيب .
لم نجد صعوبة في اجتيازالسهل المحيط بالمبنى ، ودخلنا الحديقة التي انهارت أسوارها ، وما كنا نخطو بضع خطوات حتى رأينا مخلوقا قزما شبيها بالإنسان يلوح بيديه وهو يمشي متمايلا على جانبيه ، فأمسكت بيد هولمز خائفا وتشبث بي ومر بجانبنا دون أن يلتفت إلينا ، وابتعد يجري و همست بضحكة مكتومة : الغوريلا !
لقدنسينا هواية الدكتور في جمع الحيوانات فأسرعنا قبل أن يتعرف علينا النمر ودخلناالغرفة وأغلق هولمز النافذة ووضع مصباحا على الطاولة فإذا الغرفة كما تركناها .
وقرب هولمز فمه في أذني وهمس بصوت لا يكاد يسمع : يجب ألا تحدث صوتا و إلافالموت بانتظارنا ، يجب أن نطفئ المصباح لئلا يرى نوره من فتحة التهوية واجعل مسدسك في متناول يدك …. سأجلس بجانب السرير واجلس أنت على الكرسي ، الصمت أو الموت !
أخرجت مسدسي ووضعته على الطاولة ، وكان هولمز قد جلب معه سوطا رفيع مرنا ،فوضعه على السرير بجانب شمعة وعلبة كبريت ثم أطفأ المصباح … ولبثنا في الظلام ، ولنأنسى ما حييت ذلك الانتظار المريع ، إذا كنت لا أسمع تنفس هولمز وهو قريب مني … وتناهى إلينا زئير النمر في الحديقة ، فمر علينا الزمن كأنه دهر طويل ، وتيبسأطرافي وأنا لا أجرؤ على الحركة ، وتوفزت حواسي في الظلام .
وفجأة ألتمع برقأحمر من جهة فتحة التهوية ثم اختفى ،وشممنا رائحة اشتعال الزيت والمعدن الساخن، فقد أضيء القنديل في الغرفة المجاورة ، وسمعت حركة فتهيأت للوثوب ، ولكن الوثوبعلى أي شيء ؟؟واشتدت الحركة ، واقشعر جسدي وأنا أسمع صوت فحيح كأنه الماء يغليعلى النار ، الصفير في الحجرة .
فنهض هولمز و أشعل عود كبريت ، وبدا يضرببسوطه حبل الجرس المتدلي فوق السرير وهو يصيح : هل تراه يا واطسون ؟ هل تراه؟ و لكنني لم أر شيئا ، وحين أشعل هولمز عود الكبريت ارتفع الفحيح وصار أقوى، ولم أبصر على النور الضئيل ما كان يضربه بهذا العنف ، وما كنت أرى سوى وجهه الشاحب المليء بالغضب والاشمئزاز .
وتوقف عن الضرب بسوطه وهو يلهث وينظرإلى فتحة التهوية فارتفعت من الناحية الثانية من الجدار صرخة هائلة لم أسمع مثلهاصرخة ألم وخوف وغضب ، تعالت ثم انتهت باختناق المحتضر .
وصحت: ما هذا ؟فنظر إلي هولمز ووجهه أصفر كالليمون :لقد انتهى كل شيء .. هذا أفضل ..احمل مسدسك ولندخل غرفة الدكتور .
وطرقالباب المجاور فلم يسمع شيئا ، فأدار المقبض وفتح الباب وتبعته ومسدسي بيدي ….
كان القنديل على الطاولة يرمي شعاعه النحيل والحقيبة المعدنية مفتوحة ،والدكتور روالوت على كرسيه ثابت لا يتحرك ، وعلى ركبتيه رسن الكلب الذي شغل فكري ،ورأسه ملقى إلى الوراء وعيناه مفتوحتان تحدقان في السقف و على جبينه شريط أصفر مرقطببقع بنية ملتصق به . فهمس هولمز : الشريط …. الشريط المرقط وتقدمت خطوةإلى الأمام فتحرك الشريط العجيب على جبين الميت وارتفع طرفه ، فإذا هو رأس أفعى مثلث الشكل .
وهمس هولمز لي : أفعى مائية …. أشد أفاعي الهند فتكا ، ويموت من تلدغه بعد عشر ثواني ، لقد قتل نفسه بنفسه ، لنرجع هذه الأفعى إلى الحقيبة المعدنية . وأمسك بالرسن ذي الأنشوطة ، وأحكمه على عنق الأفعى ثم انتزعها بجدية قويه وحملها بعيدة عن جسمه ، ثم رماها في الحقيبة الحديدية و أغلق غطاءها كذلك كان موت الدكتور روالوت ، وغني عن القول أن الشرطة اعتبرت وفاته حادثا، وقد ذهبت الآنسة هيلين إلى بيت عمتها ، وتزوجت بعد ذلك .
وما بقي علي قوله قد سمعته من هولمز ونحن في طريق العودة ، قال هولمزوهو يفكر بعمق : لقد سرت في طريق خاطئة حين ربطت ما بين الشريط المرقط وبين الغجرالمقيمين في الحقول ، وسبب ذلك ما قالته لي هيلين ، ولكني حين اكتشفت الرسن الذي تربط به الأفاعي ، وفتحة التهوية وجهت نظري إلى إمكانية وجود حيوان ، لأن الدكتورمولع بجلب الحيوانات من الهند وكان ينبغي للمفتش أن يكتشف العضتين اللتين تركتها الأفعى في عنق الفتاة ؟ والدكتور روالوت المجرم خبير بالسموم ، وهو يعرف أن سم هذه الأفعى لا يكتشف بالتحاليل الكيماوية أو الطبية الحالية ، ولعل جولي قد نجت من لدغ الأفعى مرات ومرات حتى ظفرت الأفعى بها .
قد أكون مسؤولا عن موت الدكتورلأني هاجمت الأفعى بسوطي و أجبرتها على العودة من فتحة التهوية فارتمت على الدكتور، ولكنها مسئولية لا تشغل بالي ولا تمنع النوم من عيني .
النهـــــــــــــــــــاية
ملاحظة :
من يجهل قصة ذلك المؤلف " كونان دويل " يخبرني لكي أخبره بها
المفضلات