منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 11 من 12 الأولىالأولى ... 23456789101112 الأخيرةالأخيرة
النتائج 201 إلى 220 من 236
  1. #201


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ التاسع والخمســـــــون : استعمل الطُّعم المناسب !!
    يقول الشيخـ :::: الناس بطبيعتهم يتفقون في أشياء كلهم يحبونها ويفرحون بها ..
    ويتفقون في أشياء أخرى كلهم يكرهونها ..
    ويختلفون في أشياء منهم من يفرح بها .. ومنهم من يستثقلها ..
    فكل الناسـ يحبون التبسم في وجوههم .. ويكرهون العبوس والكآبة ..
    لكنهم إلى جانب ذلك .. منهم من يحب المرح والمزاح .. ومنهم من يستثقله ..
    منهم من يحب أن يزوره الناس ويدعونه .. ومنهم الانطوائي ..
    ومنهم من يحب الأحاديث وكثرة الكلام .. ومنهم من يبغض ذلك ..
    وكل واحد في الغالب يرتاح لمن وافق طباعه ..
    فلماذا لا توافق طباع الجميع عند مجالستهم .. وتعامل كل واحد بما يصلح له ليرتاح إليك ؟
    ذكروا أن رجلاً رأى صقراً يطير بجانب غراب !! فعجب ..
    كيف يطير ملك الطيور مع غراب !! فجزم أن بينهما شيئاً مشتركاً جعلهما يتوافقان ..
    فجعل يتبعهما ببصره .. حتى تعبا من الطيران فحطا على الأرض فإذا كلهما أعرج !!
    فإذا علم الولد أن أباه يؤثر السكوت ولا يحب كثرة الكلام ..
    فليتعامل معه بمثل ذلك ليحبه ويأنس بقربه ..
    وإذا علمت الزوجة أن زوجها يحب المزاح .. فلتمازحه .. فإن علمت أنه ضد ذلك فلتتجنب ..
    وقل مثل ذلك عند تعامل الشخص مع زملائه .. أو جيرانه .. أو إخوانه ..
    لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان ..
    أذكر أن عجوزاً صالحة .. وهي أم لأحد الأصدقاء .. كانت تمدح أحد أولادها كثيراً ..
    وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها ..
    لكن قلبها مقبل على ذاك الولد ..كنت أبحث عن السرّ .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك ..
    فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي ..
    فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء .
    فقلت له مداعباً : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها .. !!
    ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسرّ ..
    أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت ..
    وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما ..
    إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها ..
    وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط ..
    ولا تجدها .. قطعاً .. في شبكة الإنترنت !!
    فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون ..
    فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث ..
    وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها ..
    وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !! هذا كل ما هنالك ..
    نعم أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه ..
    ومن تأمل في تعامل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    مع الناس وجد أنه كان يعامل مع كل شخص بما يتناسب مع طبيعته ..في تعامله مع زوجاته..
    كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
    عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها ..
    ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ للناس ..
    تقدموا عنا .. فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة ..
    وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن ..
    فالتفت إليها ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته ..
    وبعدها بزمان .. خرجت معه صلى الله عليه وسلمـ في سفر ..
    بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ للناس : تقدموا .. فتقدموا ..
    ثم قال لعائشة : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها ..
    فلما رأى ذلك .. جعل يضحك ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك ..
    بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة ..
    حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد ..
    ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة .. وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصاً ..
    ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره ..
    انظر إليه صلى الله عليه وسلمـ وقد خرج مع أصحابه إلى بدر ..
    فلما سمع بخروج قريش .. عرف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلى ساحة المعركة كرهاً ..
    ولن يقع منهم قتال على المسلمين ..
    فقام صلى الله عليه وسلمـ في أصحابه وقال ..
    إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً .. لا حاجة لهم بقتالنا ..
    فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ..
    ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ..
    ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فلا يقتله ..
    فإنه إنما خرج مستكرهاً ..
    وقيل إن العباس كان مسلماً يكتم إسلامه .. وينقل أخبار قريش ..
    إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فلم يحب النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    أن يقتله المسلمون .. ولم يحب كذلك أن يظهر أمر إسلامه ..
    كانت هذه المعركة أول معركة تقوم بين الفريقين .. المسلمين وكفار قريش ..
    وكانت نفوس المسلمين مشدودة .. فهم لم يستعدوا لقتال .. وسيقاتلون أقرباء وأبناء وآباء ..
    وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يمنعهم من قتل البعض ..
    وكان عتبة بن ربيعة من كبار كفار قريش .. ومن قادة الحرب ..
    وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة .. مع المسلمين .. فلم يصبر أبو حذيفة ..
    بل قال : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس !! والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف ..
    فبلغت كلمته رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام .. فإذا حوله أكثر من ثلاثمائة بطل ..
    فوجه نظره فوراً إلى عمر .. ولم يلتفت إلى غيره ..
    وقال : يا أبا حفص .. أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
    قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بأبي حفص ..
    وكان عمر رهن إشارة النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويعلم أنهم في ساحة قتال لا مجال فيها للتساهل في التعامل مع من يخالف أمر القائد ..
    أو يعترض أمام الجيش ..
    فاختار عمر حلاً صارماً فقال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف ..
    فمنعه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. ورأى أن هذا التهديد كاف في تهدئة الوضع ..
    كان أبو حذيفة رضيـ الله عنه رجلاً صالحاً .. فكان بعدها يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ..
    ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة .. فقتل يوم اليمامة شهيداً رضيـ الله عنه ..
    هذا عمر .. كان رضيـ الله عنه يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه .. فليس الأمر متعلقاً بجمع صدقات ..
    ولا بإصلاح متخاصمين .. ولا بتعليم جاهل ..
    وإنما هم في ساحة قتال فكانت الحاجة إلى الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلى غيره ..
    لذا اختار عمر .. واستثاره : أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
    وفي موقف آخر ..
    يقبل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ على خيبر .. ويقاتل أهلها قتالاً يسيراً ..
    ثم يصالحهم ويدخلها .. واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئاً من الأموال ..
    ولا يغيبوا شيئاً .. ولا يخبئوا ذهباً ولا فضة .. بل يظهرون ذلك كله ويحكم فيه ..
    وتوعدهم إن كتموا شيئاً أن لا ذمة لهم ولا عهد ..
    وكان حيي بن أخطب من رؤوسهم .. وكان جاء من المدينة بجلد تيس مدبوغ ومخيط ووملوء ذهباً وحلياً ..
    وقد مات حيي وترك المال .. فخبئوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟
    أي الجلد المملوء ذهباً .. فقال : أذهبته النفقات والحروب ..
    فتفكر صلى الله عليه وسلمـ في الجواب .. فإذا موت حيي قريب والمال كثير ..
    ولم تقع حروب قريبة تضطرهم إلى إنفاقه ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : العهد قريب .. والمال أكثر من ذلك ..
    فقال اليهودي : المال والحلي قد ذهب كله ..
    فعلم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ أنه يكذب .. فنظر صلى الله عليه وسلمـ ..
    إلى أصحابه فإذا هم كثير بين يديه .. وكلهم رهن إشارته ..
    فالتفت إلى الزبير بن العوام وقال : يا زبير .. مُسَّه بعذاب .. فأقبل إليه الزبير متوقداً ..
    فانتفض اليهودي .. وعلم أن الأمر جد .. فقال : قد رأيت حُيياً يطوف في خربة ها هنا ..
    وأشار إلى بيت قديم خراب .. فذهبوا فطافوا فوجدوا المال مخبئاً في الخربة ..
    هذا في حاله صلى الله عليه وسلمـ مع الزبير .. يعطي القوس باريها ..
    وكان الصحابة يتعامل بعضهم مع بعض على هذا الأساس ..
    لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلمـ مرض الموت .. واشتد عليه الوجع ..
    لم يستطع القيام ليصلي بالناس ..
    فقال وهو على فراشه : مروا أبا بكر فليصل بالناس ..
    وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً .. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    في حياته وبعد مماته .. وهو صديقه في الجاهلية والإسلام ..
    وهو أبو زوجة النبيـ صلى الله عليه وسلمـ عائشة .. وهو ..
    وكان يحمل في صدره جبلاً من حزن بسبب مرض النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلمـ أن يبلغوا أبا بكر ليصلي بالناس ..
    قال بعض الحاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلمـ ..إن أبا بكر رجل أسيف .. أي رقيق ..
    إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس .. أي من شدة التأثر والبكاء ..
    وكان النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يعلم ذلك عن أبي بكر .. أنه رجل رقيق يغلبه البكاء ..
    خاصة في هذا الموطن ..
    لكنه صلى الله عليه وسلمـ كان يشير إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده ..
    يعني : إذا أنا غير موجود فأبو بكر يتولى المسئولية ..
    فأعاد صلى الله عليه وسلمـ الأمر : مروا أبا بكر فليصل بالناس .. حتى صلى أبو بكر ..
    ومع رقة أبي بكر .. إلا أنه كان ذا هيبة .. وله حدة غضب أحياناً تكسوه جلالاً ..
    وكان رفيق دربه عمر رضيـ الله عنه يراعي ذلك منه ..
    انظر إليهم جميعاً رضيـ الله عنهمـ .. وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ..
    بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلمـ .. ليتفقوا على خليفة ..
    اجتمع المهاجرون والأنصار .. وانطلق عمر إلى أبي بكر واصطحبا إلى السقيفة ..
    قال عمر : فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة .. فلما جلسنا تشهد خطيب الأنصار ..
    وأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال ..
    أما بعد فنحن أنصار الله .. وكتيبة الإسلام .. وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ..
    وقد دفت دافة من قومكم وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا .. ويغصبونا الأمر ..
    فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ..
    أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر .. وكنت أداري منه بعض الحِدّة ..
    فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر .. فكرهت أن أغضبه ..
    فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر .. فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته ..
    أو قال مثلها .. أو أفضل منها حتى سَكَتَ ..
    قال أبو بكر : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ..
    ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش .. هم أوسط العرب نسباً وداراً ..
    وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ..
    وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ..
    ولم أكره شيئا مما قاله غيرها .. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك إلى إثم ..
    أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ..
    سكت الناس .. فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك .. وعذيقها المرجب ..
    منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ..
    قال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف ..
    فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ..
    نعم .. كل واحد من الناس له مفتاح تستطيع به فتح أبواب قلبه .. وكسب محبته والتأثير عليه ..
    وهذا تلاحظه في حياة الناس .. أفلم تسمع زملاء عملك يوماً يقولون : المدير .. مفتاحه فلان ..
    إذا أردتم شيئاً فاجعلوا فلاناً يطلبه لكم .. أو يقنع المدير به ..
    فلماذا لا تجعل مهاراتك مفاتيح لقلوب الناس .. فتكون رأساً لا ذيلاً ..
    نعم كن متميزاً .. وابحث عن مفتاح قلب أمك وأبيك وزوجتك وولدك ..
    اعرف مفتاح قلب مديرك في العمل .. زملائك ..
    ومعرفة هذه المفاتيح تفيدنا حتى في جعلهم يتقبلون النصح الذي يصدر منا لهم ..
    إذا أحسنا تقديم هذا النصح بأسلوب مناسب .. فهم ليسوا سواء في طريقة النصح ..
    بل حتى في إنكار الخطأ إذا وقع منهم ..
    وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وقد جلس يوماً في مجلسه المبارك يحدث أصحابه ..
    فبينما هم على ذلك .. فإذا برجل يدخل إلى المسجد ..
    يتلفت يميناً ويساراً .. فبدل أن يأتي ويجلس في حلقة النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    توجه إلى زاوية من زوايا المسجد .. ثم جعل يحرك إزاره !!
    عجباً !! ماذا سيفعل ؟!
    رفع طرف إزاره من الأمام ثم جلس بكل هدوء .. يبول ..!!
    عجب الصحابة .. وثاروا .. يبول في المسجد !!
    وجعلوا يتقافزون ليتوجهوا إليه .. والنبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    يهدئهم .. ويسكن غضبهم .. ويردد : لا تزرموه .. لا تعجلوا عليه .. لا تقطعوا عليه بوله ..
    والصحابة يلتفتون إليه .. وهو لعله لم يدر عنهم .. لا يزال يبول ..
    والنبيـ صلى الله عليه وسلمـ يرى هذا المنظر .. بول في المسجد .. ويهدئ أصحابه !!
    آآآه مااااا أحلمه !!
    حتى إذا انتهى الأعرابي من بوله .. وقام يشد على وسطه إزاره ..
    دعاه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بكل رفق ..
    أقبل يمشي حتى إذا وقف بين يديه .. قال له صلى الله عليه وسلمـ بكل رفق ..
    إن هذه المساجد لم تبن لهذا .. إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن ..
    انتهى .. نصيحة باختصار ..
    فَهِم الرجل ذلك ومضى .. فلما جاء وقت الصلاة أقبل ذاك الأعرابي وصلى معهم ..
    كبر النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بأصحابه مصلياً .. فقرأ ثم ركع ..
    فلما رفع صلى الله عليه وسلمـ من ركوعه قال : سمع الله لمن حمده ..
    فقال المأمومون : ربنا ولك الحمد ..
    إلا هذا الرجل قالها وزاد بعدها : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً !!
    وسمعه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. فلما انتهت الصلاة ..
    التفت صلى الله عليه وسلمـ إليهم وسألهم عن القائل .. فأشاروا إليه ..
    فناداه النبي صلى الله عليه وسلمـ فلما وقف بين يديه فإذا هو الأعرابي نفسه ..
    وقد تمكن حب النبيـ صلى الله عليه وسلمـ من قلبه حتى ود لو أن الرحمة تصيبهما دون غيرهما ..
    فقال له صلى الله عليه وسلمـ معلماً : لقد تحجرت واسعاً !!
    أي إن رحمة الله تعالى تسعنا جميعاً وتسع الناس .. فلا تضيقها علي وعليك ..
    فانظر كيف ملك عليه قلبه .. لأنه عرف كيف يتصرف معه .. فهو أعرابي أقبل من باديته ..
    لم يبلغ من العلم رتبة أبي بكر وعمر .. ولا معاذ وعمار .. فلا يؤاخذ كغيره ..
    وإن شئت فانظر أيضاً إلى معاوية بن الحكم رضيـ الله عنه .. كان من عامة الصحابة ..
    لم يكن يسكن المدينة .. ولم يكن مجالساً للنبيـ عليه الصلاة والسلام ..
    وإنما كان له غنم في الصحراء يتتبع بها الخضراء ..
    أقبل معاوية يوماً إلى المدينة فدخل المسجد ..
    وجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وأصحابه ..
    فسمعه يتكلم عن العطاس .. وكان مما علم أصحابه أن إذا سمع المسلم أخاه عطس فحمد الله
    فإنه يقول له : يرحمك الله .. حفظها معاوية .. وذهب بها ..
    وبعد أيام جاء إلى المدينة في حاجة .. فدخل المسجد ..
    فإذا النبيـ عليه الصلاة والسلامـ يصلي بأصحابه .. فدخل معهم في الصلاة ..
    فبينما هم على ذلك إذ عطس رجل من المصلين ..
    فما كاد يحمد الله .. حتى تذكر معاوية أنه تعلم أن المسلم إذا عطس فقال الحمد لله ..
    فإن أخاه يقول له يرحمك الله .. فبادر معاوية العاطس قائلاً بصوت عالٍ : يرحمك الله ..
    فاضطرب المصلون .. وجعلوا يلتفتون إليه منكرين .
    فلما رأى دهشتهم .. اضطرب وقال : وااااثكل أُمِّياه !!.. ما شأنكم تنظرون إليّ ؟ ..
    فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت ..
    فلما رآهم يصمّتونه صمت ..
    فلما انتهت الصلاة .. التفت صلى الله عليه وسلمـ إلى الناس ..
    وقد سمع جلبتهم وأصواتهم وسمع صوت من تكلم .. لكنه صوت جديد لم يعتد عليه ..
    فلم يعرفه .. فسألهم : من المتكلم .. فأشاروا إلى معاوية ..
    فدعاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه ..
    فأقبل عليه معاوية فزعاً لا يدري بماذا سيستقبله .. وهو الذي أشغلهم في صلاتهم ..
    وقطع عليهم خشوعهم ..قال معاوية رضيـ الله عنه: فبأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلمـ ..
    والله ما رأيـت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه .. والله ما كهرني .. ولا ضربني .. ولا شتمني ..
    وإنما قال : يا معاوية .. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ..
    إنما هي التسبيح والتكبير .. وقراءة القرآن .. انتهى .. نصيحة باختصار .. ففهمها معاوية ..
    ثم ارتاحت نفسه .. واطمأن قلبه .. فجعل يسأل النبيـ عليه الصلاة والسلامـ عن خواصّ أموره ..
    فقال : يا رسول الله .. إني حديث عهد بجاهلية .. وقد جاء الله بالإسلام ..
    وإن منا رجالاً يأتون الكهان ( وهم الذين يدعون علم الغيب ) .. يعني فسألونهم عن الغيب ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : فلا تأتهم .. يعني لأنك مسلم .. والغيب لا يعلمه إلا الله ..
    قال معاوية : ومنا رجال يتطيرون ( أي يتشاءمون بالنظر إلى الطير ) ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : ذاك شيء يجدونه في صدورهم .. فلا يصدنهم ..
    ( أي لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم .. فإن ذلك لا يؤثر نفعاً ولا ضراً ) ..
    هذا تعامله صلى الله عليه وسلمـ مع أعرابي بال في المسجد .. ورجل تكلم في الصلاة ..
    عاملهم مراعياً أحوالهم .. لأن الخطأ من مثلهم لا يستغرب ..
    أما معاذ بن جبل فقد كان من أقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    ومن أكثرهم حرصاً على طلب العلم ..
    فكان تعامل النبي صلى الله عليه وسلمـ مع أخطائه مختلفاً عن تعامله مع أخطاء غيره ..
    كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ العشاء ..
    ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إماماً بهم في مسجدهم .. فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة ..
    رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم فكبر مصلياً بهم ..
    أقبل فتى من قومه ودخل معه في الصلاة .. فلما أتم معاذ الفاتحة قال " ولا الضالين " فقالوا " آمين " ..
    ثم افتتح معاذ سورة البقرة !!
    كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعيهم دوابهم طوال النهار ..
    ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأوون إلى فرشهم ..
    هذا الشاب .. وقف في الصلاة .. ومعاذ يقرأ ويقرأ ..
    فلما طالت الصلاة على الفتى .. أتم صلاته وحده .. وخرج من المسجد وانطلق إلى بيته ..
    انتهى معاذ من الصلاة ..
    فقال له بعض القوم : يا معاذ .. فلان دخل معنا في الصلاة .. ثم خرج منها لما أطلت ..
    فغضب معاذ وقال : إن هذا به لنفاق .. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    بالذي صنع فأبلغوا ذلك الشاب بكلام معاذ .. فقال الفتى ..
    وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بالذي صنع ..
    .فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى ..
    فقال الفتى : يا رسول الله .. يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة ..
    والله يا رسول الله إنا لنتأخر عن صلاة العشاء مما يطول بنا معاذ ..
    فسأل الله النبي صلى الله عليه وسلمـ معاذاً : ماذا تقرأ ؟!
    فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة .. و .. وجعل يعدد السور الطوال ..
    فغضب النبي صلى الله عليه وسلمـ لما علم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة ..
    وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم .. فالتفت إلى معاذ وقال : أفتان أنت يا معاذ ..؟!
    يعني تريد أن تفتن الناس وتبغضهم في دينهم ..
    ناقرأ بـ "السماء والطارق" ، "والسماء ذات البروج" ، "والشمس وضحاها" ، "والليل إذا يغشى" ..
    ثم التفت صلى الله عليه وسلمـ إلى الفتى وقال له متلطفاً : كيف تصنع أنت يا بن أخي إذا صليت ؟
    قال : أقرأ بفاتحة الكتاب .. وأسأل الله الجنة .. وأعوذ به من النار ..
    ثم تذكر الفتى أنه يرى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يدعو ويكثر ..
    ويرى معاذاً كذلك ..فقال في آخر كلامه : وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ ..
    أي دعاؤكما الطويل لا أعرف مثله !!
    فقال : إني ومعاذ حول هاتين ندندن .. يعني دعاؤنا هو فيما تدعو به .. حول الجنة والنار ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ للشاب : ولكن سيعلمـ معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا ..
    ما أصنع .. يعني في الجهاد في سبيل الله ..
    سيتبين لمعاذ إيماني وهو الذي يصفني بالنفاق !
    فما لبثوا أياماً .. حتى قامت معركة فقاتل فيها الشاب .. فاستشهد رضيـ الله عنه ..
    فلما علم به صلى الله عليه وسلمـ .. قال لمعاذ : ما فعل خصمي وخصمك ؟..
    يعني الذي اتهمته يا معاذ بالنفاق ..
    قال معاذ : يا رسول الله ، صدق الله وكذبتُ .. لقد استشهد ..
    فتأمل الفرق في طبائع الرجال .. ومقاماتهم ..
    وكيف أدى إلى اختلاف تعامل النبي صلى الله عليه وسلمـ معهم بل ..
    انظر إلى تعامله صلى الله عليه وسلمـ مع أسامة بن زيد ..
    وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وقد تربى في بيته ..بعث النبي صلى الله عليه وسلمـ أصحابه إلى الحرقات من قبيلة جهينة ..
    وكان أسامة بن زيد رضيـ الله عنه من ضمن المقاتلين بالجيش ..
    ابتدأ القتال .. في الصباح ..
    انتصر المسلمون وهرب مقاتلو العدو ..
    كان من بين جيش العدو رجل يقاتل .. فلما رأى أصحابه منهزمين ..
    ألقى سلاحه وهرب فلحقه أسامة ومعه رجل من الأنصار .. ركض الرجل وركضوا خلفه ..
    وهو يشتد فزعاً ..حتى عرضت لهم شجرة فاحتمى الرجل بها ..
    فأحاط به أسامة والأنصاري .. ورفعا عليه السيف ..
    فلما رأى الرجل السيفين يلتمعان فوق رأسه .. وأحسَّ الموت يهجم عليه ..
    انتفض وجعل يجمع ما تبقى من ريقه في فمه .. ويردد فزعاً : أشهد أن لا إله إلا الله ..
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. تحير الأنصاري وأسامة .. هل أسلم الرجل فعلاً ..
    أم أنها حيلة افتعلها ..كانوا في ساحة قتال .. والأمور مضطربة ..
    يتلفتون حولهم فلا يرون إلا أجساداً ممزقة..وأيدي مقطعة..قد اختلط بعضها ببعض ..
    الدماء تسيل..النفوس ترتجف ..الرجل بين أيديهما ينظران إليه ..
    لا بد من الإسراع باتخاذ القرار .. ففي أي لحظة قد يأتي سهم طائش أو غير طائش ..
    فيرديهما قتيلين ..لم يكن هناك مجال للتفكير الهادئ ..فأما الأنصاري فكف سيفه ..
    وأما أسامة فظن أنها حيلة فضربه بالسيف حتى قتله ..
    عادوا إلى المدينة تداعب قلوبهم نشوة الانتصار ..وقف أسامة بين يدي النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    وحكى له قصة المعركة .. وأخبره بخبر الرجل وما كان منه ..
    كان قصة المعركة تحكي انتصاراً للمسلمين .. وكان صلى الله عليه وسلمـ يستمع مبتهجاً ..
    لكن أسامة قال : .. ثم قتلته ..
    فتغير النبي صلى الله عليه وسلمـ ..وقال : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟!!
    قلت : يا رسول الله لم يقلها من قبل نفسه .. إنما قالها فرقا من السلاح ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ :قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته !!
    هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح ..
    وجعل صلى الله عليه وسلمـ يحد بصره إلى أسامة ويكرر : قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!!
    قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! ثم قتلته ..!!
    كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك يوم القيامة !!
    وما زال صلى الله عليه وسلمـ يكرر ذلك على أسامة ..
    قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يؤمئذ ..

    :: رأي::
    لا تحسب الناس نوعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان

  2. #202


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الستـــــــــــون : مع المخالفين ..
    يقول الشيخـ :::: الكفار .. كان صلى الله عليه وسلمـ يعاملهم بالعدل ..
    ويستميت في سبيل دعوتهم وإصلاحهم .. ويتحمل أذاهمـ ..
    ويتغاضى عن سوئهم .. كيف لا .. وقد قال له ربه : ( وما أرسلناك إلا رحمة ) ..
    لمن ؟! للمؤمنين ؟! لا .. ( إلا رحمة للعالمين ) ..
    وتأمل حال اليهود .. يذمونه ويبتدئون بالعداوة .. ومع ذلك يرفق بهم ..
    وعن عائشة قالت : إن اليهود مروا ببيت النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    فقالوا : السام عليكم ( أي : الموت عليك ) .. فقال صلى الله عليه وسلمـ :وعليكم ..
    فلم تصبر عائشة لما سمعتهم .. فقالت : السام عليكم .. ولعنكم الله وغضب عليكم ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : مهلاً يا عائشة .. عليك بالرفق .. وإياك والعنف والفحش ..
    فقالت : أو لم تسمع ما قالوا ؟ فقال : أو لم تسمعي ما قلت ؟!
    رددت عليهم فيستجاب لي .. ولا يستجاب لهم فيّ ..نعم ..
    ما الداعي إلى مقابلة السباب بالسباب ! أليس الله قد قال له :( وأعرض عن الجاهلين ) ..
    وفي يوم .. خرجـ صلى الله عليه وسلمـ مع أصحابه في غزوة ..
    فلما كانوا في طريق عودتهم .. نزلوا في واد كثير الشجر ..فتفرق الصحابة تحت الشجر وناموا ..
    وأقبل صلى الله عليه وسلمـ إلى شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها ..
    وفرش رداءه ونام ..في هذه الأثناء كان رجل من المشركين يتبعهم ..
    فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ خالياً .. أقبل يمشي بهدوء ..
    حتى التقط السيف من على الغصن .. وصاح بأعلى صوته :يا محمد .. من يمنعك مني ؟
    فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    والرجل قائم على رأسه .. والسيف صلتاً في يده .. يلتمع منه الموت ..
    الرسول صلى الله عليه وسلمـ وحيداً .. ليس عليه إلا إزار .. أصحابه متفرقون عنه ..
    نائمون .. والرجل يعيش نشوة القوة والانتصار ..
    ويردد : من يمنعك مني ؟ من يمنعك مني ؟
    فقال صلى الله عليه وسلمـ بكل ثقة : الله .. فانتفض الرجل وسقط السيف ..
    فقام صلى الله عليه وسلمـ والتقط السيف وقال : من يمنعك مني ؟
    فتغير الرجل .. واضطرب .. وأخذ يسترحم النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويقول : لا أحد .. كن خير آخذ ..
    فقال له صلى الله عليه وسلمـ : تسلم ؟
    قال : لا .. ولكن لا أكون في قوم هم حرب لك ..
    فعفا عنه صلى الله عليه وسلمـ .. وأحسن إليه !!
    وكان الرجل ملكاً في قومه .. فانصرف إليهم فدعاهم إلى الإسلام .. فأسلموا ..
    نعم .. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ..
    بل حتى مع الأعداء الألداء كانـ صلى الله عليه وسلمـ له خلق عظيمـ ..
    كسب به نفوسهم .. وهدى قلوبهم .. ودحر به كفرهم ..
    لما ظهر صلى الله عليه وسلمـ بدعوته بين الناس .. جعلت قريش تحاول حربه بكل سبيل ..
    وكان مما بذلته أن تشاور كبارها في التعامل مع دعوته صلى الله عليه وسلمـ ..
    وتسارع الناس للإيمان به ..
    فقالوا : أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا ..
    وشتت أمرنا .. وعاب ديننا .. فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ..
    فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ..فقالوا : أنت يا أبا الوليد ..
    وكان عتبة سيداً حليماً .. فقال : يا معشر قريش .. أترون أن أقوم إلى هذا فأكلمه ..
    فأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل منها بعضها ..قالوا : نعم يا أبا الوليد ..
    فقام عتبة وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. دخل عليه ..
    فإذا صلى الله عليه وسلمـ جالس بكل سكينة ..
    فلما وقف عتبة بين يديه .. قال : يا محمد ! أنت خير أم عبد الله ؟!
    فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلمـ تأدباً مع أبيه عبد الله ..
    فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت صلى الله عليه وسلمـ ..
    تأدباً مع جده عبد المطلب .. فقال عتبة : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك..
    فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ .. وإن كنت تزعم أنك خير منهم ..
    فتكلم حتى نسمع قولك .. وقبل أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلمـ بكلمة ..
    ثار عتبة وقال ..
    إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك !!.. فرقت جماعتنا .. وشتت أمرنا ..
    وعبت ديننا .. وفضحتنا في العرب .. حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً ..
    وأن في قريش كاهناً .. والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى ..
    أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ..
    كان عتبة متغيراً غضباناً .. والنبي صلى الله عليه وسلمـ ساكت يستمع بكل أدب ..
    وبدأ عتبة يقدم إغراءات ليتخلى النبي صلى الله عليه وسلمـ عن الدعوة ..
    فقال :أيها الرجل إن كنت جئت بالذي جئت به لأجل المال ..
    جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً وان كنت إنما بك حب الرئاسة ..
    عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت ..وإن كان إنما بك الباه والرغبة في النساء ..
    فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً ..!!وان كان هذا الذي يأتيك رئياً من الجن تراه ..
    لا تستطيع رده عن نفسك .. طلبنا لك الطب .. وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ..
    فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه ..
    ومضى عتبة يتكلم بهذا الأسلوب السيء مع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويعرض عليه عروضاً ويغريه .. والنبي عليه الصلاة والسلام ينصت إليه بكل هدوء ..
    وانتهت العروض .. ملك .. مال .. نساء .. علاج من جنون !! سكت عتبة .. وهدأ .. ينتظر الجواب..
    فرفع النبي عليه الصلاة والسلام بصره إليه وقال بكل هدووووء : أفرغت يا أبا الوليد ؟
    لم يستغرب عتبة هذا الأدب من الصادق الأمين .. بل قال باختصار : نعم ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : فاسمع مني .. قال : أفعل ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : بسم الله الرحمن الرحيم " حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *
    كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًاعَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًاوَنَذِيرًافَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَايَسْمَعُونَ "
    ومضى النبي عليه الصلاة والسلام .. يتلوا الآيات وعتبة يستمع ..
    وفجأة جلس عتبة على الأرض .. ثم اهتز جسمه .. فألقى يديه خلف ظهره .. واتكأ عليهما ..
    وهو يستمع .. ويستمع .. والنبي يتلو .. ويتلو ..حتى بلغ قوله تعالى ..
    ( فَإِنْ أَعْرَضُوافَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةًمِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍوَثَمُودَ ) .. فانتفضـ عتبة لما سمع التهديد بالعذاب ..
    وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. ليوقف القراءة ..
    فاستمر صلى الله عليه وسلمـ يتلو الآيات .. حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة فسجد ..
    ثم رفع رأسه من سجوده .. ونظر إلى عتبة وقال : سمعت يا أبا الوليد ؟
    قال : نعم .. قال :فأنت وذاك ..
    فقام عتبة يمشي إلى أصحابه .. وهم ينتظرونه متشوقين ..
    فلما أقبل عليهم .. قال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ..
    فلما جلس إليهم .. قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟
    فقال : ورائي أني والله سمعت قولاً ما سمعت مثله قط .. والله ما هو بالشعر ..
    ولا السحر .. ولا الكهانة .. يا معشر قريش : أطيعوني واجعلوها بي ..
    خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه .. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ..
    يا قوم !! قرأ بسم الله الرحمن الرحيم " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم " حتى بلغ .. "
    فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسكته بفيه .. وناشدته الرحم أن يكف ..
    وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب .. فخفت أن ينزل بكم العذاب ..
    ثم سكت أبو الوليد قليلاً متفكراً .. وقومه واجمون يحدون النظر إليه ..
    فقال :والله إن لقوله لحلاوة .. وإن عليه لطلاوة .. وإن أعلاه لمثمر .. وإن أسفله لمغدق ..
    وإنه ليعلو وما يعلى عليه .. وإنه ليحطم ما تحته .. وما يقول هذا بشر .. وما يقول هذا بشر ..
    قالوا : هذا شعر يا أبا الوليد .. شعر ..
    فقال : والله ما رجل أعلم بالأشعار مني .. ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني .. ولا بأشعار الجن ..
    والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا ..
    ومضى عتبة يناقش قومه في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    صحيح أن عتبة لم يدخل في الإسلام .. لكن نفسه لانت للدين .. فتأمل كيف أثر هذا الخلق الرفيع ..
    ومهارة حسن الاستماع في عتبة مع أنه من أشد الأعداء وفي يوم آخر ..
    تجتمع قريش .. فينتدبون حصين بن المنذر الخزاعي .. وهو أبو الصحابي الجليل عمران بن حصين ..
    ينتبونه لنقاش النبيـ عليه الصلاة والسلام ورده عن دعوته ..
    يدخل أبو عمران على النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وحوله أصحابه ..
    فيردد عليه ما تردده قريش دوماً .. فرقت جماعتنا .. شتت شملنا ..
    والنبيـ صلى الله عليه وسلمـ ينصت بلطف ..حتى إذا انتهى ..
    قال له صلى الله عليه وسلمـ بكل أدب ..أفرغت يا أبا عمران ..قال : نعم ..
    قال : فأجبني عما أسألك عنه ..
    قال : قل .. أسمع ..فقال صلى الله عليه وسلمـ :يا أبا عمران .. كم إلهاً تعبد اليوم ؟
    قال : سبعة ..!! ستة في الأرض .. وواحداً في السماء ..!!
    قال :فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟ قال : الذي في السماء ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ بكل لطف : يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك ..
    فما كان من حصين إلا أن أسلم في مكانه فوراً ..
    ثم قال : يا رسول الله .. علمني الكلمتين اللتين وعدتني ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ :قل : اللهم ألهمني رشدي .. وأعذني من شر نفسي ..
    آآآه ما أروع هذا التعامل الراقي ! وشدة تأثيره في الناس عند مخالطتهم ..
    وهذا التعامل الإسلامي الدعوي يفيد في دعوة الكفار وجذبهم إلى الخير ..
    سافر أحد الشباب للدراسة في ألمانيا فسكن في شقة ..
    وكان يسكن أمامه شاب ألماني ، ليس بينهما علاقة ، لكنه جاره ..
    سافر الألماني فجأة .. وكان موزع الجرائد يضع الجريدة كل يوم عند بابه ..
    انتبه صاحبنا إلى كثرة الجرائد .. سأل عن جاره .. فعلم أنه مسافر ..
    لَـمَّ الجرائد ووضعها في درج خاص .. وصار يجمعها كل يوم ويرتبها ..
    لما رجع صاحبه بعد شهرين أو ثلاثة .. سلم عليه وهنأه بسلامة الرجوع ..
    ثم ناوله الجرائد وقال له : خشيت أنك متابع لمقال .. أو مشترك في مسابقة ..
    فأردت أن لا يفوتك ذلك .. نظر الجار إليه متعجباً من هذا الحرص ..
    فقال : هل تريد أجراً أو مكافأة على هذا ؟
    قال صاحبنا : لا .. لكن ديننا يأمرنا بالإحسان إلى الجار .. وأنت جار فلا بد من الإحسان إليك ..
    ثم ما زال صاحبنا محسناً إلى ذلك الجار ..
    حتى دخل في الإسلام .. هذه والله هي المتعة الحقيقية بالحياة ..
    أن تشعر أنك رقم على اليمين .. تتعبد لله بكل شيء حتى بأخلاقك ..
    وكم صدَّ أعداداً كبيرة من الكفار عن الدخول في الإسلام تعاملات فريق من المسلمين معهم..
    فيظلمونهم عمالاً .. ويغشونهم متسوقين .. ويؤذونهم جيراناً ..
    فهلمَّ نبدأ من جديد معهم ..
    :: إضاءة ::
    خير الداعين من يدعو بأفعاله قبل أقواله ..

  3. #203


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الحادي و الستـــــــــــون : اختر الكلام المناسب ..
    يقول الشيخـ :::: يتبع ما سبق أيضاً طريقة الكلام مع الناس ..
    ونوعية الأحاديث التي تثار معهم ..
    فإذا جلست مع أحد فأثر الأحاديث المناسبة له ..
    وهذا من طبيعة البشر ..
    فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ ..
    ومع العالم تختلف عن الجاهل .. ومع الزوجة تختلف عن الأخت ..
    لا أعني الاختلاف التام .. بحيث إن القصة التي تحكيها للأخت لا يصح أن تحكيها للزوجة !
    أو التي تذكرها للشاب لا يصح أن يسمعها الشيخ !! لا ..
    وإنما أعني الاختلاف اليسير الذي يطرأ على أسلوب عرض القصة وربما كيانها كله..
    وبالمثال يتضح المقال ..
    لو جلست مع ضيوف كبار في السن جاوزت أعمارهم الثمانين أقبلوا زائرين لجدك ..
    فهل من المناسب أن تقص عليهم وأنت ضاحك مستبشر قصتك لما ذهبت مع زملائك للبر ؟!
    وكيف أن فلاناً سجل هدفاً أثناء لعب الكرة .. وكيف ثبت الكرة برأسه ثم ضربها بركبته ..
    لا شك أنه غير مناسب .. وكذلك لو تحدثت مع أطفال صغار ..
    من غير المناسب أن تذكر لهم قصصاً تتعلق بتعامل الأزواج مع زوجاتهم ..
    أظننا نتفق على ذلك ..
    إذن من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها .. وإثارتها ..
    كأب له ولد متفوق .. من المناسب أن تسأله عنه ..
    لأنه بلا شك يفخر به ويحب أن يذكره دائماً ..
    أو رجل فتح دكاناً وكسب منه أرباحاً .. فمن المناسب أن تسأله عن دكانه وإقبال الناس عليه ..
    لأن هذا يفرحه .. وبالتالي يحبك ويحب مجالستك ..
    وقدكان النبي صلى الله عليه وسلمـ يراعي ذلك ..
    فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ .. أو المرأة .. أو الطفل ..
    جابر بن عبد الله رضيـ الله عنه الصحابي الجليل .. قتل أبوه في معركة أحد ..
    وخلف عنده تسع أخوات ليس لهن عائل غيره .. وخلف ديناً كثيراً ..
    على ظهر هذا الشاب الذي لا يزال في أول شبابه ..
    فكان جابر دائماً ساهم الفكر .. منشغل البال بأمر دَينه وأخواته ..
    والغرماء يطالبونه صباحاً ومساءً ..
    خرج جابر مع النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في غزوة ذات الرقاع ..
    وكان لشدة فقره على جمل كليل ضعيف ما يكاد يسير .. ولم يجد جابر ما يشتري به جملاً ..
    فسبقه الناس وصار هو في آخر القافلة ..
    وكان النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يسير في آخر الجيش ..
    فأدرك جابراً وجمله يدبُّ به دبيباً .. والناس قد سبقوه ..
    فقال النبيـ صلى الله عليه وسلمـ :مالك يا جابر ؟
    قال : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا ..
    فقال النبيـ صلى الله عليه وسلمـ :أنخه ..
    فأناخه جابر وأناخ النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ناقته ..
    ثم قال : أعطني العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة ..فناوله جابر العصا ..
    برَكَ الجمل على الأرض كليلاً ضعيفاً ..
    فأقبل صلى الله عليه وسلمـ إلى الجمل وضربه بالعصا شيئاً يسيراً ..
    فنهض الجمل يجري قد امتلأ نشاطاً .. فتعلق به جابر وركب على ظهره ..
    مشى جابر بجانب النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..فرحاً مستبشراً ..
    وقد صار جمله نشيطاً سابقاً ..
    التفت صلى الله عليه وسلمـ إلى جابر .. وأراد أن يتحدث معه ..
    فما هي الأحاديث التي اختارها النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ليثيرها مع جابر ..
    جابر كان شاباً في أول شبابه ..
    هموم الشباب في الغالب تدور حول الزواج .. وطلب الرزق ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ : يا جابر .. هل تزوجت ..؟
    قال جابر : نعم ..
    قال : بكراً .. أم ثيباً ..
    قال : بل ثيباً ..
    فعجب النبي صلى الله عليه وسلمـ كيف أن شاباً بكراً في أول زواج له ..
    يتزوج ثيباً .. فقال ملاطفاً لجابر : هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ..
    فقال جابر : يا رسول الله .. إن أبي قتل في أحد .. وترك تسع أخوات ليس لهن راعٍ غيري ..
    فكرهت أن أتزوج فتاة مثلهن فتكثر بينهن الخلافات ..
    فتزوجت امرأة أكبر منهن لتكون مثل أمهن .. هذا معنى كلام جابر ..
    رأى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ أن أمامه شاب ضحى بمتعته الخاصة لأجل أخواته..
    فأراد صلى الله عليه وسلمـ أن يمازحه بكلمات تصلح للشباب .. فقال له ..
    لعلنا إذا أقبلنا إلى المدينة أن ننزل في صرار .. فتسمع بنا زوجتك فتفرش لك النمارق ..
    يعني وإن كنت تزوجت ثيباً إلا أنها لا تزال عروساً تفرح بك إذا قدمت وتبسط فراشها ..
    وتصف عليه الوسائد .. فتذكر جابر فقره وفقر أخواته ..
    فقال : نمارق !! والله يا رسول الله ما عندنا نمارق ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : إنه ستكون لكم نمارق إن شاء الله ..
    ثم مشيا .. فأراد صلى الله عليه وسلمـ أن يهب لجابر مالاً ..
    فالفت إليه وقال : يا جابر .. قال : لبيك يا رسول الله ..
    فقال : أتبيعني جملك ؟ تفكر جابر فإذا جمله هو رأس ماله ..
    هكذا كان وهو كليل ضعيف .. فكيف وقد صار قوياً جلداً !!
    لكنه رأى أنه لا مجال لرد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قال جابر : سُمْه يا رسول الله .. بكم ؟
    فقال صلى الله عليه وسلمـ :بدرهم !!
    قال جابر : درهم !! تغبنني يا رسول الله ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : بدرهمين ..
    قال : لا .. تغبنني يا رسول الله ..
    فما زالا يتزايدان حتى بلغا به أربعين درهماً .. أوقية من ذهب ..
    فقال جابر : نعم .. ولكن أشترط عليك أن أبقى عليه إلى المدينة ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ : نعم ..
    فلما وصلوا إلى المدينة .. مضى جابر إلى منزله وأنزل متاعه من على الجمل
    ومضى ليصلي مع النبي صلى الله عليه وسلمـ وربط الجمل عند المسجد ..
    فما خرج النبي صلى الله عليه وسلمـ قال جابر : يا رسول الله هذا جملك ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : يا بلال .. أعط جابراً أربعين درهماً وزده ..
    فناول بلال جابراً أربعين درهماً وزاده ..
    فحمل جابر المال ومضى به يقلبه بين يديه .. متفكراً في حاله !! ماذا يفعل بهذا المال ؟!
    أيشتري به جملاً .. أم يبتاع به متاعاً لبيته .. أم ..
    وفجأة التفت رسول الله صلى الله عليه وسلمـ إلى بلال وقال : يا بلال .. خذ الجمل وأعطه جابراً ..
    جبذ بلال الجمل ومضى به إلى جابر .. فلما وصل به إليه .. تعجب جابر ..
    هل ألغيت الصفقة ؟! قال بلال : خذ الجمل يا جابر .. قال جابر : ما الخبر !!..
    قال بلال : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلمـ أن أعطيك الجمل .. والمال
    فرجع جابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وسأله عن الخبر ..
    أما تريد الجمل !! .. فقال صلى الله عليه وسلمـ : أتراني ماكستك لآخذ جملك ..
    يعني أنا لم أكن أطالبك بخفض السعر لأجل أن آخذ الجمل
    وإنما لأجل أن أقدر كم أعطيك من المال معونة لك على أمورك ..
    فما أرفع هذه الأخلاق .. يختار ما يناسب الشاب من أحاديث ..
    ثم لما أراد أن يحسن إليه ويتصدق عليه .. غلف ذلك باللطف والأدب ..
    وفي أحد الأيام يجلس إلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ شاب اسمه جليبيب ..
    من خيار شباب الصحابة .. لكنه كان فقيراً معدماً ..
    وكان رضيـ الله عنه في وجهه دمامة ..
    جلس يوماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فما هي الأحاديث التي حرص النبيـ صلى الله عليه وسلمـ على إثارتها معه ؟
    شاب في ريعان شبابه .. أعزب ..
    هل يتحدث معه عن أنساب العرب والرفيع منها والوضيع ؟
    أم يتحدث عن الأسواق وأحكام البيوع ؟
    لا .. فهذا شاب له نوع خاص من الأحاديث يفضله على غيره ..
    أثار معه صلى الله عليه وسلمـ موضوع الزواج والحديث حوله ..
    فلطالما طرب الشباب لهذه المواضيع .. ثم عرض عليه رسول الله التزويج ..
    فقال : إذن تجدني كاسداً ..
    فقال :غير أنك عند الله لست بكاسد ..
    فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلمـ يتحين الفرص لتزويج جليبيب ..
    حتى جاء رجل من الأنصار يوماً يعرض ابنته الثيب ..
    على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. ليتزوجها ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : نعم يا فلان .. زوجني ابنتك ..
    قال : نعم ونعمين .. يا رسول الله ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : إني لست أريدها لنفسي ..
    قال : فلمن ؟! قال : لجليبيب ..
    قال الرجل متفاجئاً : جليبيب !! جليبيب !! يا رسول الله !! حتى استأمر أمها ..
    أتى الرجل زوجته فقال : إن رسول الله يخطب ابنتك ..
    قالت : نعم .. ونعمين .. زوِّج رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قال : إنه ليس يريدها لنفسه .. قالت : فلمن ؟ قال : يريدها لجليبيب ..
    فتفاجأت المرأة أن تُزف ابنتها إلى رجل فقير دميم ..
    فقالت : حَلْقَى !! لجليبيب ..؟ لا لعمر الله لا أزوج جليبيباً .. وقد منعناها فلاناً وفلاناً ..
    فاغتم أبوها لذلك .. وقام ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فصاحت الفتاة من خدرها بأبويها : من خطبني إليكما ؟
    قالا : رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قالت : أتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    أمره ؟ ادفعاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فإنه لن يضيعني ..
    فكأنما جلَّت عنهما .. واطمأنّا ..
    فذهب أبوها إلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ فقال : يا رسول الله ..
    شأنك بها فزوِّجها جليبيباً .. فزوجها النبيـ صلى الله عليه وسلمـ جليبيباً ..
    ودعا لها وقال : اللهم صب عليهما الخير صباً .. ولا تجعل عيشهما كداً كداً ..
    فلم يمض على زواجه أيام .. حتى خرج النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في غزوة ..
    وخرج معه جليبيب .. فلما انتهى القتال .. وبدأ الناس يتفقد بعضهم بعضاً ..
    سألهم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ : هل تفقدون من أحد قالوا : نفقد فلاناً وفلاناً ..
    فسكت قليلاً ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟
    قالوا : نفقد فلانا وفلانا .. فسكت ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟
    قالوا : نفقد فلاناً وفلاناً .. قال : ولكني أفقد جليبيباً ..
    فقاموا يبحثون عنه .. ويطلبونه في القتلى .. فلم يجدوه في ساحة القتال ..
    ثم وجدوه في مكان قريب .. إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم قتلوه ..
    فوقف النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ينظر إلى جثته .. ثم قال : قتل سبعة ثم قتلوه ..
    قتل سبعة ثم قتلوه .. هذا مني وأنا منه ..
    ثم حمله رسول الله صلى الله عليه وسلمـ على ساعديه .. وأمرهم أم يحفروا له قبره ..
    قال أنس : فمكثنا نحفر القبر ..
    وجليبيب ماله سرير غير ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    حتى حفر له ثم وضعه في لحده .. قال أنس : فوالله ما كان في الأنصار أيم أنفق منها ..
    أي تسابق الرجال إليها كلهم يخطبها بعد جليبيب ..
    هكذا كان صلى الله عليه وسلمـ يختار لكل أحد ما يناسبه من أحاديث ..
    حتى لا تمل مجالسه .. جلس صلى الله عليه وسلمـ يوماً مع زوجه عائشة ..
    فما الأحاديث المناسب إثارتها بين الزوجين ..؟
    هل كلمها عن غزو الروم ؟ ونوع الأسلحة التي استخدمت في القتال ؟
    كلا فليست هي أبو بكر !! أم حدثها عن فقر بعض المسلمين وحاجتهم ؟ كلا فليست عثمان !!
    إنما قال لها بعاطفة الزوجية : إني لأعرف إن كانت راضية عني وإذا كنت غضبى ..!!
    قالت : كيف ؟
    قال :إذا كنت راضية قلت : لا ورب محمد ( صلى الله عليه وسلمـ ) ..
    وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم ( صلى الله عليه وسلمـ ) ..
    فقالت : نعم .. والله يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك .. فهل نراعي هذا نحن اليوم ؟

    :: وجهة نظر ::
    تحدث مع الناس بما يستمتعون هم باستماعه .. لا بما تستمتع أنت بحكايته ..

  4. #204


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الثاني و الستـــــــــــون : كن لطيفاً عند أول لقاء ..
    يقول الشيخـ :::: انتشر في بعض أرياف مصر برهة من الزمن أن الرجل العروس ..
    قبيل ليلة عرسه يخبئ في غرفته قطاً .. فإذا دخل بزوجته إلى مكان فراش الزوجية ..
    حرك كرسياً ليخرج ذلك القط .. فإذا خرج أقبل العروس يستعرض قواه أمام زوجته ..
    وقبض على القط المسكين .. ثم خنقه وعصره .. حتى يموت بين يديه ..!! أتدري لماذا ؟!
    لأجل أن يطبع صورة الرعب والهيبة منه في ذهن زوجته من أول لقاء ..
    وأذكر أني لما تخرجت من الجامعة .. وتعينت معيداً في إحدى الكليات ..
    أوصاني معلم قديم قائلاً : في أول محاضرة لك عند الطلاب ..
    شُدَّ عليهم .. وانظر إليهم بعين حمراء !! حتى يخافوا منك وتفرض قوة شخصيتك من البداية ..
    تذكرت هذا .. وأنا أكتب هذا الباب .. فأيقنت أن من الأمور المقررة عند جميع الناس ..
    أن اللقاء الأول في الغالب يطبع أكثر من 70% من الصورة عنك .. وهي ما يسمى بالصورة الذهنية ..
    أذكر أن مجموعة من الضباط سافروا إلى أمريكا في دورة تدريبية ..
    كانت الدورة في التعامل الوظيفي ..
    في أول يوم .. حضروا إلى القاعة مبكرين .. جعلوا يتحدثون .. ويتعارفون ..
    دخل عليهم المدرس فجأة فسكتوا .. فوقعت عين المدرس على طالب لا يزال متبسماً ..
    فصرخ به : لماذا تضحك ؟ قال : عذراً .. ما ضحكت ..
    قال : بلى تضحك ..
    ثم جعل يؤنبه : أنت إنسان غير جاد .. المفروض أن تعود لأهلك على أول رحلة طيران ..
    لا أتشرف بتدريس مثلك ..
    والطالب المسكين قد تلون وجهه .. وجعل ينظر إلى مدرسه .. ويلتفت إلى زملائه ..
    ويحاول حفظ ما تبقى من ماء وجهه ..
    ثم حدق المدرس فيه النظر عابساً وأشار إلى الباب وقال : أخرج ..
    قام الطالب مضطرباً .. وخرج ..
    نظر المدرس إلى بقية الطلاب وقال : أنا الدكتور فلان .. سأدرسكم مادة كذا ..
    ولكن قبل أن أبدأ الشرح .. أريدكم أن تعبئوا هذه الاستمارة .. دون كتابة الاسم ..
    ثم وزع عليهم استمارة تقييم للمدرس .. فيها خمسة أسئلة :
    ما رأيك بأخلاق مدرسك ؟ .. ما رأيك بطريقة شرحه ؟ .. هل يقبل الرأي الآخر ؟ ..
    ما مدى رغبتك في الدراسة لديه مرة أخرى ؟ .. هل تفرح بمقابلته خارج المعهد ؟ ..
    كان أمام كل سؤال منها .. اختيارات : ممتاز .. جيد .. مقبول .. ضعيف ..
    عبأ الطلاب الاستمارة وأعادوها إليه ..
    وضعها جانباً .. وبدأ يشرح تأثير فن التعامل في الجو الوظيفي ..
    ثم قال : أوه !.. لماذا نحرم زميلكم من الاستفادة ..
    فخرج إليه .. وصافحه وابتسم له .. وأدخله القاعة ..
    ثم قال : يبدو أنني غضبت عليك قبل قليل من غير سبب حقيقي ..
    لكني كنت أعاني من مشكلة خاصة .. أدت بي أن أصب غضبي عليك ..
    فأنا أعتذر إليك .. فأنت طالب حريص ..
    يكفي في الدلالة على حرصك تركك لأهلك وولدك ومجيؤك هنا ..
    أشكرك .. بل أشكركم جميعاً على حرصكم .. ومن أعظم الشرف لي أن أدرس مثلكم ..
    ثم تلطف معهم وضحك قليلاً ..
    ثم أخذ مجموعة جديدة من الاستمارات وقال :
    ما دام أن زميلكم فاته تعبئة الاستمارة فما رأيكم أن تعبئوها كلكم من جديد ..
    ووزع عليهم الأوراق .. فعبئوها وأعادوها إليه ..
    فأخرج الاستمارات التي عبئوها في البداية .. وأخرج الأخيرة وجعل يقارن بينها ..
    فإذا الخانة الخاصة بـ ضعيف في التعبئة الأولى كلها مليئة ..
    أما الثانية فليس فيها ضعيف ولا مقبول .. أبداً ..
    فضحك وقال لهم :
    كان ما رأيتم دليلاً عملياً على تأثير التعامل السيء على بيئة العمل بين المدير وموظفيه ..
    وما فعلته بزميلكم كان تمثيلاً أردت أن أجريه أمامكم .. لكن المسكين صار ضحية ..
    فانظروا كيف تغيرت نظرتكم بمجرد تغير تعاملي معكم ..
    هذا من طبيعة الإنسان .. فلا بد من مراعاته .. خاصة مع من تلتقي بهم لمرة واحدة فقط ..
    كان المعلم الأول يأسر قلوب الناس من أول لقاء ..
    بعد فتح مكة .. تمكن الإسلام ..
    وبدأت الوفود تتسابقـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ في المدينة ..
    قدم وفد عبد القيس .. على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلما رآهم وهم على رحالهم قبل أن ينزلوا .. بادرهم قائلاً : مرحباً بالقوم .. غير خزايا .. ولا ندامى ..
    فاستبشروا .. وتواثبوا من رحالهم .. وأقبلوا إليه يتسابقون للسلام عليه ..
    ثم قالوا :
    يا رسول الله .. إن بيننا وبينك هذا الحي من المشركين من مضر ..
    وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام .. حين يقف القتال ..
    فحدثنا بجميل من الأمر .. إن عملنا به دخلنا الجنة .. وندعو به من وراءنا ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ: آمركم بأربع .. وأنهاكم عن أربع ..
    آمركم بالإيمان بالله .. وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟
    قالوا : الله ورسوله أعلم ..
    قال : شهادة أن لا إله إلا الله .. وإقام الصلاة .. وإيتاء الزكاة .. وأن تعطوا الخمس من الغنائم ..
    وأنهاكم عن أربع : عن نبيذ في الدباء .. والنقير والحنتم .. والمزفت ..
    وفي موقف آخر ..
    كان صلى الله عليه وسلمـ مسافراً مع أصحابه ليلة .. فساروا في ليلهم مسيراً طويلاً ..
    حتى إذا كان آخر الليل .. نزلوا في طرف الطريق ليناموا ..
    فغلبتهم أعينهم حتى طلعت الشمس وارتفعت ..
    فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر .. ثم استيقظ عمر ..
    فقعد أبو بكر عند رأسه صلى الله عليه وسلمـ .. فجعل يكبر ويرفع صوته ..
    حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلمـ .. فنزل وصلى بهم الفجر ..
    فلما انتهى من صلاته التفت فرأى رجلاً من القوم لم يصل معهم ..
    فقال : يا فلان .. ما يمنعك أن تصلي معنا ؟
    قال : أصابتني جنابة .. ولا ماء ..
    فأمره صلى الله عليه وسلمـ أن يتيمم بالصعيد .. ثم صلى ..
    ثم أمر صلى الله عليه وسلمـ أصحابه بالارتحال ..
    وليس معهم ماء .. فعطشوا عطشاً شديداً .. ولم يقفوا على بئر ولا ماء ..
    قال عمران بن حصين :
    فبينما نحن نسير فإذا نحن بامرأة على بعير .. ومعها مزادتان ( قربتان ) ..
    فقلنا لها :أين الماء ؟!
    قالت : إنه لا ماء ..
    فقلنا :كم بين أهلك وبين الماء ؟
    قالت : يوم وليلة ..
    فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قالت :وما رسول الله ..!!
    فسقناها معنا طمعاً أن تدلنا على الماء ..
    حتى أقبلنا بها إلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    فسألها عن الماء .. فحدثته بمثل الذي حدثتنا به .. غير أنها شكت إليه أنها أم أيتام ..
    فتناول صلى الله عليه وسلمـ مزادتها .. فسمى الله .. ومسح عليها ..
    ثم جعل صلى الله عليه وسلمـ يفرغ من قربتيها في آنيتنا .. فشربنا عطاشاً أربعين رجلاً ..
    حتى روينا ..وملأنا كل قربة معنا ..
    ثم تركنا قربتيها .. وهما أكثر ما تكون امتلاءً ..
    ثم قال صلى الله عليه وسلمـ .. هاتوا ما عندكم .. أي طعام ..
    فجمع لها من كسر الخبز والتمر ..
    فقال لها : اذهبي بهذا معك لعيالك .. واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئاً ..
    غير أن الله سقانا .. ثم ركبت المرأة بعيرها .. مستبشرة بما حصلت من طعام ..
    حتى وصلت أهلها .. فقالت : أتيت أسحر الناس .. أو هو نبي كما زعموا ..
    فعجب قومها من قصتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلم يمر عليهم زمن حتى أسلمتـ وأسلموا .. نعم .. أعجبت بتعامله وكرمه معها من أول لقاء ..
    وفي يوم أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فسأله مالاً .. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلمـ قطيعاً من غنم بين جبلين ..
    فرجع الرجل إلى قومه .. فقال :
    يا قوم .. أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة ..
    قال أنس : وقد كان الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ما يريد إلا الدنيا ..
    فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه .. وأعز عليه .. من الدنيا وما فيها ..


    :: اقتراح ::
    أول لقاء يطبع 70% من الصورة عنك فعامل كل إنسان على أن هذا هو اللقاء الأول والأخير بينكما

  5. #205

    الصورة الرمزية ندووري

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المـشـــاركــات
    106
    الــــدولــــــــة
    اليمن
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    أشكرك كثيرا على هذا الموضوع المتميز
    وعلى المجهود الرائع
    تحياتي

  6. #206


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الثالث و الستـــــــــــون : الناس كمعادن الأرض ..
    يقول الشيخـ :::: لو تأملت في الناس لوجدت أن لهم طبائع كطبائع الأرضـ ..
    فمنم الرفيق اللين .. ومنهم الصلب الخشن .. ومنهم الكريم كالأرض المنبتة الكريمة ..
    ومنهم البخيل كالأرض الجدباء التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ..
    إذن الناس أنواع .. ولو تأملت لوجدت أنك عند تعاملك ..
    مع أنواع الأرض تراعي حال الأرض وطبيعتها .. فطريقة مشيك على الأرض الصلبة ..
    تختلف عن طريقتك في المشي على الأرض اللينة .. فأنت حذر متأنِّ في الأولى ..
    بينما أنت مرتاح مطمئن في الثانية .. وهكذا الناس ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ ( إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرضـ ..
    فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم :
    الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب ) ..
    فعند تعاملك مع الناس انتبه إلى هذا .. وانتبهي .. سواء تعاملت مع ..
    قريب كأب وأم وزوجة وولد .. أو بعيد كجار وزميل وبائع .. ولعلك تلاحظ أن طبائع الناس ..
    تؤثر فيهم حتى عند اتخاذ قراراتهم .. وحتى تتيقن ذلك .. اعمل هذه التجربة ..
    إذا وقعت بينك وبين زوجتك مشكلة .. فاستشر أحد زملائك ممن تعلم أنه صلب خشن ..
    قل له : زوجتي كثيرة المشاكل معي .. قليلة الاحترام لي .. فأشر عليَّ ..
    كأني به سيقول : الحريم ما يصلح معهن إلا العين الحمراء !! دقَّ خشمها !
    خل شخصيتك قوية عليها !! كن رجلاً !!
    وبالتالي قد تثور أنت ويخرب عليك بيتك بهذه الكلمات .. أكمل التجربة ..
    اذهب إلى صديق آخر تعرف أنه هين لين لطيف .. وقل له ما قلت للأول ..
    ستجد حتماً أنه يقول : يا أخي هذه أم عيالك .. وما فيه زواج يخلو من مشاكل ..
    اصبر عليها .. وحاول أن تتحملها .. وهذه مهما صار فهي زوجتك .. وشريكتك في الحياة ..
    فانظر كيف صارت طبيعة الشخص تؤثر في آرائه وقراراته ..
    لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلمـ أن يقضي القاضي بين اثنين وهو عطشان !
    أو جوعان ! أو حابس لبول أو غائط ! لأن هذه الأمور قد تغير نفسيته ..
    وبالتالي قد تؤثر عليه في اتخاذ قراره في الحكم ..
    كان في الأمم السابقة رجل سفاح !! سفاح ؟! نعم سفاح ..
    لم يقتل رجلاً واحداً ولا اثنين .. ولا عشرة .. وإنما قتل تسعاً وتسعين نفساً ..
    لا أدري كيف نجا من الناس وانتقامهم .. لعله كان مخيفاً جداً ..
    إلى درجة أنه لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه .. أو أنه كان يتخفى في البراري والمغارات ..
    لا أدري بالضبط .. المهم أنه ارتكب 99 جريمة قتل !!
    ثم حدثته نفسه بالتوبة .. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عابد في صومعته ..
    لا يكاد يفارق مصلاه .. يمضي وقته ما بين بكاء ودعاء .. هين لين عاطفته جياشة ..
    دخل هذا الرجل على العابد .. وقف بين يديه ثم فجعه بقوله .. أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً ..
    فهل لي من توبة ؟
    هذا العابد .. أظنه لو قتل نملة من غير قصد لقضى بقية يومه باكياً متأسفاً ..
    فكيف سيكون جوابه لرجل قتل بيده 99 نفساً ..انتفض العابد ..
    ولم يتخيل 99 جثة بين يديه يمثلها هذا الرجل الواقف أمامه ..
    صاح العابد : لا .. ليس لك توبة .. ليس لك توبة .. ولا تعجب أن يصدر هذا الجواب ..
    من عابد قليل العلم .. يحكم في الأمور بعاطفته .. هذا القاتل لما سمع الجواب ..
    وهو الرجل الصلب الخشن .. غضب واحمرت عيناه ..
    وتناول سكينه ثم انهال طعناً في جسد العابد حتى مزقه ..
    ثم خرج ثائراً من الصومعة ..ومضت الأيام .. فحدثته نفسه بالتوبة مرة أخرى ..
    فسأل عن أعلم أهل الأرض .. فدله الناس على رجل عالمـ ..
    مضى يمشي حتى دخل على العالم .. فلما وقف بين يديه ..
    فإذا به يرى رجلاً رزيناً يزينه وقار العلم والخشية ..
    فأقبل القاتل إليه سائلاً بكل جرأة : إني قتلت مائة نفس !!
    فهل لي من توبة فأجابه العالم فوراً : سبحاااان الله ..!! ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!!
    جواب رائع .. فعلاً من يحول بينه وبين التوبة ؟!
    فالخالق في السماء لا تستطيع أي قوة في العالم ان تحول بينك وبين الإنابة إليه ..
    والانكسار بين يديه .. ثم قال العالم الذي كان يتخذ قراراته بناء على العلم والشرع ..
    لا بناء على طبيعته ومشاعره .. أو قل على عاطفته وأحاسيسه ..
    قال العالم : لكنك بأرض سوء ..
    عجباً ! كيف علم ؟ عرف ذلك بناء على كبر الجرائم وقلة الـمُدافع له الـمُنكِر عليه ..
    فعلم أن البلد أصلاً ينتشر فيها القتل والظلم إلى درجة أنه لا أحد ينتصر للمظلوم ..
    قال : إنك بأرض سوء .. فاذهب إلى بلد كذا وكذا ..
    فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم .. ذهب الرجل يمشي تائباً منيباً ..
    فمات قبل أن يصل إلى البلد المقصود نزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ..
    فأما ملائكة الرحمة فقالت : أقبل تائباً منيباً وأما ملائكة العذاب ..
    فقالت : لم يعمل خيراً قط .. فبعث الله إليهم ملكاً في صورة رجل ليحكم بينهم ..
    فكان الحكم أن يقيسوا ما بين البلدين .. بلد الطاعة وبلد المعصية ..
    فإلى أيتهما كان أقرب فإنه لها .. وأوحى الله تعالى إلى بلد الرحمة أن تقاربي ..
    وإلى بلد المعصية أن تباعدي .. فكان أقرب إلى بلد الطاعة فأخذته ملائكة الرحمة ..
    حتى المفتين في المسائل الشرعية تجد مع الأسف أن بعضهم تغلبه عاطفته أحياناً ..
    أذكر أن أحد جيراني كان كثير الخلافات مع زوجته .. اشتد الخلاف يوماً فطلقها تطليقه ..
    ثم راجعها .. ثم اشتد أخرى .. فطلقها ثانية .. ثم راجعها ..
    وكنت كلما قابلته أحذره وأوصيه .. وأذكره بأبنائه الصغار ..
    وأهمية اعتبارهم والعناية بهم .. وأكرر عليه ..
    لم يبق لك إلا طلقة واحدة .. الثالثة .. فإن أوقعتها لم تحل لك مراجعتها..
    إلا بعد زواجها من آخر وتطليقه لها .. فاتق الله .. ولا تخرب بيتك ..
    حتى جاءني يوماً متغير الوجه وقال : يا شيخ تخاصمنا وطلقتها الثالثة !!
    وهذا الكلام منه ليس غريباً .. إنما الغريب أنه قال بعدها ..
    ما تعرف لي شيخاً حبيباً يفتيني الآن أراجعها !!
    فعجبت منه .. ثم تأملت في الحال فاكتشفت ما تقرر قبل قليل ..
    أن كثيراً من الناس تختلف آراؤهم وربما اختياراتهم الفقهية تأثراً بعاطفته وطبيعته ..
    وبعض الناس تعلم من طبيعته أنه شديد الحب للمال .. فلا تعجب إذا رأيته يذل نفسه..
    لأرباب الأموال .. يهمل أولاده وبيته لأجل جمعه .. يقتر على من يعول ..
    لا تعجب فهو طماع .. بل إن اتخاذه لقراراته وتبنيه لقناعاته ينبني كثيراً على هذه الطبيعة ..
    فإذا أردت أن تتعامل معه أو تطلب منه شيئاً فضع في نفسك قبل أن تتكلم أنه محب للمال ..
    فحاول أن لا تعارض هذه الطبيعة فيه حتى تحصل على ما تريد منه ..
    ولأن الأمثلة مفاتيح الفهوم .. خذ مثالاً .. نفرض أنك زرت مستشفى ..
    وقابلت مصادفة صديقاً قديماً كان زميلاً لك أيام الجامعة ..
    فدعوته إلى وليمة غداء في بيتك .. فوافق ..فذهبت إلى السوق واشتريت حاجات ..
    ثم رجعت إلى البيت لتستعد وجعلت تتصل بعدد من زملائكم السابقين ..
    تدعوهم لمشاركتكم الوليمة ورؤية صاحبك .. من بين هؤلاء صديق من البخلاء
    الذين استولى حب المال على قلوبهم .. اتصلت به فرحب وحيَّا ..
    فلما أخبرته عن الوليمة .. قال : آآه .. يا ليتني أستطيع الحضور ورؤية فلانـ ..
    لكني مرتبط بشغل هااام .. فبلغه سلامي .. ولعلي أراه في وقت آخر ..
    فأدركت أنت من معرفتك بطبيعته أنه يخشى أن يجيء ..
    فيضطر إلى أن يدعو الضيف إلى بيته ويصنع له وليمة تكلفه مبلغاً وقدره .. !!
    وهو يريد التوفير ..
    فقلت له : عموماً هذا الضيف لن يبقى في البلد سيسافر بعد الغداء مباشرة ..
    فقال : آآآ .. إذن سأؤجل شغلي وآتي لرؤيته !!
    وبعض من تخالطهم من الناس يكون اجتماعياً أسرياً .. يحب أسرته ..
    لا يصبر على فراقهم .. اطلب منه أي شيء إلا أن يبتعد عن أولاده بسفر أو نحوه ..
    فلا تكلفه ما لا يطيق ..إلى غير ذلك من طبائع الناس ..
    يعجبني بعض الناس الذي يملك فن اصطياد جميع القلوب ..
    فإذا سافر مع بخلاء اقتصد حتى لا يحرجهم فأحبوه .. وإن جالس عاطفيين ..
    زاد من نسبة عاطفته فأحبوه ..
    وإن مشى مع فكاهيين مرحين ضحك ومزح وجاملهم فأحبوه ..
    يلبس لكل حالة لبوسها .. إما نعيمها وإما بؤسها ..وعُد بذاكرتك قليلاً معي ..
    وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وقد أقبل بالكتائب لفتح مكة ..
    كان أبو سفيان قد خرج إلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ قبل أن يدخل مكة ..
    فأسلم .. في قصة طويلة .. الشاهد منها أنه لما أسلمـ ..
    قال العباس : يا رسول الله .. إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ ..نعم .. من دخل دار أبي سفيان فهو آمنـ ..
    ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن ..
    فلما ذهب أبو سفيان لينصرف إلى مكة .. نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فإذا هو الذي استنفر قريشاً لحربه في بدر .. واستنفرها لحربه في أحد ..
    ثم استنفرها لحربه في الخندق .. وإذا رجل قائد .. قد طحنته الحرب وطحنها ..
    وإذا هو حديث عهد بإسلام ..فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    أن يريه قوة الإسلام .. فقال صلى الله عليه وسلمـ ..
    يا عباس ..قال : لبيك يا رسول الله .. قال : احبس أبا سفيان بمضيق الوادي ..
    عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها .. أي أوقفه على طريق الجيش ..
    وهو يدخل مكة .. فخرج العباس بأبي سفيان .. حتى وقف معه بمضيق الوادي ..
    حيث تتدفق الكتائب كالسيل إلى مكة .. وجعلت الكتائب تمر عليه براياتها ..
    فلما مرت الكتيبة الأولى قال : يا عباس من هؤلاء ؟
    قال العباس : سليم .. قال : مالي ولسليم ..!! ثم مرت به الثانية ..
    قال : يا عباس من هؤلاء ؟ قال : مزينة .. قال : مالي ولمزينة ..!!
    حتى نفدت الكتائب .. وهو ما تمر كتيبة إلا سأل العباس عنها ..
    فإذا أخبره .. قال : مالي ولبني فلان ..
    حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلمـ في كتيبته الخضراء ..
    وفيها المهاجرون والأنصار .. قد غطوا أجسادهم بالحديد ..
    فلا يرى منهم إلا عيونهم ..
    فقال : سبحان الله يا عباس ! من هؤلاء ؟
    فقال العباس .. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ في المهاجرين والأنصار ..
    قال : هذا الموت الأحمر .. والله ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة ..
    ثم قال : والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً !
    قال العباس : يا أبا سفيان .. إنها النبوة .. فقال أبو سفيان .. فنعم إذن ..
    فلما تجاوزتهم الخيل .. صاح به العباس .. النجاءَ إلى قومك ..
    فمضى أبو سفيان سريعاً إلى مكة .. وجعل يصرخ بأعلى صوته ..
    يا معشر قريش .. هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ..
    فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..قالوا : قاتلك الله ! وما تغني عنا دارك ؟
    قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن ..
    فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ..
    فلله در نبيه صلى الله عليه وسلمـ كيف أثر في نفس أبي سفيان بما يصلح له ..
    ومما يحسن ههنا .. أن تعرف طبيعة الشخص ونفسيته قبل أن تتكلم معه ..
    فإن معرفة طبيعته .. وماذا يناسبه .. يفيدك عند التعامل أو الكلام معه ..
    في غزوة الحديبية . .خرج رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب .. كانوا ألفاً وأربع مائة ..
    ساقوا معهم الهدى وأحرموا بالعمرة ليعلم الناس أنهم إنما خرجوا زائرين ..
    لهذا البيت معظمين له .. وساق صلى الله عليه وسلمـ معه سبعين من الإبل ..
    هدياً إلى البيت الحرام .. وصلوا مكة .. فمنعتهم قريش من دخولها ..
    عسكر النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بأصحابه في موضع اسمه الحديبية ..
    جعلت قريش ترسل إليه الرجل تلو الرجل للتفاوض معه ..فبعثوا إليه أولاً مكرز بن حفص ..
    كان مكرز رجلاً من قريش .. لكنه لا يلتزم بعهد ولا ميثاق .. بل هو فاجر غادر ..
    فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ مقبلاً قال .. هذا رجل غادر ..
    لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. كلمه بما يصلح لمثله ..
    وأخبره أنه ما جاء يريد حرباً .. إنما جاء معتمراً ..
    ولم يكتب معه عهداً لأنه يعلم أنه ليس أهلاً لذلك ..
    رجع مكرز إلى قريش فأخبرهم ..فبعثوا حليس بن علقمة .. سيد الأحابيش ..
    وكان الأحابيش قوم من العرب سكنوا مكة تعظيماً للحرم وعناية بالكعبة ..
    فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ قال : إن هذا من قوم يتألهون ..
    أي يتعبدون .. فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ..
    فلما رأى الهدي من إبل وغنم .. تسيل عليه من عرض الوادي ..
    في قلائده وحباله مربوطاً مهيئاً ليذبح في الحرم ..
    قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله .. قد أضناه الجوع والعطش ..
    لما رأى سيد الأحابيش ذلك .. انتفض .. ولم يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    إعظاماً لما رأى .. وكيف يمنع المعتمرون عن البيت الحرام !!
    رجع إلى قريش .. فقال لهم ذلك .. فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك ..
    فغضب الحليس .. وقال : يا معشر قريش .. والله ما على هذا حالفناكم ..
    ولا على هذا عاهدناكم ..
    أيصد عن بيت الله من جاءه معظماً له ؟
    والذي نفس الحليس بيده .. لتخلن بين محمد وبين ما جاء له من العمرة ..
    أو لأنفرن بالأحايش نفرة رجل واحد ..
    قالوا : مَهْ .. كُفَّ عنا .. حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .. ثم أرادوا ..
    أن يبعثوا رجلاً شريفاً .. فاختاروا عروة بن مسعود الثقفي ..
    فقال : يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم ..
    من التعنيف وسوء اللفظ .. وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد ..
    قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم .. فخرج عروة .. وكان ملكاً في قومه ..
    له شرف ومكانة .. وله ترفع على الناس ..
    فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ جلس بين يديه ..
    ثم قال يا محمد !! أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ؟
    إنها قريش .. قد خرجت معها العوذ المطافيل .. قد لبسوا جلود النمور ..
    يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً .. وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً ..
    وكان أبو بكر خلف النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    واقفاً .. فقال أبو بكر : امصص بظر اللات ! أنحن ننكشف عنه ؟
    تفاجأ ملك قومه بهذا الجواب .. فلم يتعود على مثله ..
    لكنه في الحقيقة كان يحتاج إلى جرعة كهذه تخفض ما في رأسه من كبرياء ..
    فقال عروة متأثراً : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة ..
    قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكفأتك بها .. ولكن هذه بهذه ..
    وجعل عروة يلين العبارات بعدها .. ويكلم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويلمس لحية النبي .. والمغيرة بن شعبة الثقفي ..
    واقف وراء رأس رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. قد غطى وجهه الحديد ..
    فكان كلما قرب عروة يده من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قرعها شعبة بطرف السيف .. ثم يمدها ثانية .. فيقرعها شعبة بطرف السيف ..
    فلما مدها الثالثة .. قال شعبة : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قبل ألا تصل إليك يدك .. أي أقطعها !!
    فقال عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك ! ومن هذا يا محمد ؟
    فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. وقال ..
    هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة الثقفي ..
    فقال عروة : أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس !
    ثم قام عروة من عند النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    وعاد إلى قريش .. فاسمع ما قال ..
    قال : يا معشر قريش .. والله لقد رأيت كسرى وقيصر والنجاشيـ ..
    والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً ..
    فوقع في قلب قريش من الرهبة ما لم يقع من قبل .. فأرسلت قريش سهيل بن عمرو ..
    فمضى يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. قال : سهل أمركمـ ..
    ثم كتبوا بينهم صلح الحديبية .. هذا جانب من معرفته صلى الله عليه وسلمـ ..
    لأنواع الناس .. واستعمال المفتاح المناسب في التعامل مع كل أحد ..
    وهذه الأنواع من طباع الناس تلاحظها حتى في إلقاء الكلمات أو السواليف معهم ..
    ويمكنك أن تشاهد دليل ذلك بنفسك ..
    حاول أن تلقي قصة مبكية أمام جمع من الناس .. وانظر إلى أنواع تأثرهم ..
    أذكر أني ألقيت يوماً خطبة ضمنتها قصة مقتل عمر رضيـ الله عنه ..
    ولما وصلت إلى كيفية طعن أبي لؤلؤة المجوسي لعمر رضيـ الله عنه ..
    قلت بصوت عالٍ : وفجأة خرج أبو لؤلؤة من المحراب على عمر ..
    ثم طعنه ثلاث طعنات .. وقعت الأولى في صدره والثانية في بطنه ..
    ثم استجمع قوته وطعن بالخنجر تحت سرته ..
    ثم جررررر الخنجر حتى خرجت بعض أمعائه ..
    لاحظتُ وأنا أنظر في الوجوه أن الناس تنوعوا في كيفية تأثرهم ..
    فمنهم من أغمض عينيه فجأة وكأنه يرى الجريمة أمامه ..
    ومنهم من بكى ..
    ومنهم من كان يستمع دون أدنى تأثر وكأنه ينصت إلى حكاية ما قبل النوم !!
    قل مثل ذلك لو عرضت قصة حمزة رضيـ الله عنه لما وقع شهيداً في معركة أحد ..
    وكيف شقوا بطنه فأخرجوا كبده .. وقطعوا أذنيه .. وجدعوا أنفه ..
    وهو سيد الشهداء وأسد الله ورسوله .. وعموماً ..
    علمتني الحياة أن الناس لا يخلون من أن يوجد من بينهم غليظ ..!!
    لا يحسن ضبط عباراته .. ولا مجاملة السامعين ..
    أذكر أن رجلاً من هذا الصنف جلس مرة في مجلس عام ..
    فذكر قصة وقعت له مع أحد البائعين ..
    فقال في معرض حديثه : وهذا البائع ضخم جداً كأنه **** ..
    ثم قال : يشبه خالد !! وأشار إلى رجل بجانبه !!
    فلا أدري كيف صار يشبه خالداً .. وهو كأنه **** !!
    وقبل الختام .. هنا سؤال كبير ..
    هل يمكنك تغيير طباعك لتتناسب مع طباع من تخالطه ..؟
    نعم .. كان عمر رضيـ الله عنه مشهوراً بين الناس بقوته وصرامته ..
    وفي يوم من الأيام .. اختلف رجل مع زوجته .. وجاء يسأل عمر كيف يتعامل معها ..
    فلما وقف عند بيت عمر وكاد أن يطرق الباب سمع زوجة عمر تصرخ به ..
    وعمر ساكت .. لم يصرخ .. لم يضرب ..
    فولى الرجل ظهره للباب وكرّ راجعاً متعجباً ..
    أحس عمر بصوت عند الباب فخرج ونادى الرجل .. ما خبرك ؟
    قال : يا أمير المؤمنين .. جئت أشتكي إليك امرأتي فسمعت امرأتك تصرخ بك !!
    فقال عمر : يا رجل إنها امرأتي .. حليلة فراشي .. وصانعة طعامي ..
    وغاسلة ثيابي .. أفلا أصبر منها على بعض السوء ..
    وعموماً : بعض الناس لا علاج له فلا بد من التكيف معه ..
    يشتكي إليَّ بعض الناس من شدة غضب أبيه .. أو بخل زوجته .. أو ..
    فأَعْرضُ عليه بعض طرق العلاج فيفيدني أنه جربها كلها ولم تنفع ..
    فما الحل ..؟! الحل أن يصبر على أخلاقهم .. ويغمرَ سيء أخلاقهم في بحر حَسَنِها ..
    ويتكيف مع واقعه قدر المستطاع .. فبعض المشاكل ليس لها حل ..

    :: نتيجة ::
    معرفتك بطبيعة الشخص الذي تخالطه تجعلك قادراً على كسب محبته ..

  7. #207


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الرابع و الستـــــــــــون : مراعاة النفسيات ..
    يقول الشيخـ :::: تتقلب أمزجة الناس في حياتهم بين حزن وفرح ..
    وصحة ومرض .. وغنى وفقر .. واستقرار واضطراب ..
    وبالتالي يتنوع تقبلهم لبعض الأنواع من التعاملات ..
    أو ردهم لها بحسب حالتهم الشعورية وقت التعامل ..
    فقد يقبل منك النكتة والطرفة ويتقبل المزاح في وقت استقراره وراحة باله ..
    لكنه لا يتقبل ذلك في وقت حزنه ..
    فمن غير المناسب أن تطلق ضحكة مدوية في عزاء ..!!
    لكنها تحتمل منك في نزهة برية ..
    وهذا أمر مقرر عند جميع العقلاء وليس هو المقصود بحديثي هنا ..
    إنما المقصود هو مراعاة النفسيات والمشاعر الشخصية عند الحديث مع الناس ..
    أو التصرف معهم .. افرض أن امرأة طلقها زوجها وليس لها أب ولا أم ..
    قد ماتا .. وجعلت تجمع أغراضها لتعيش مع أخيها وزوجته ..
    فبينما هي كذلك إذ دخلت عليها جارتها في الضحى زائرة .. فرحبت المطلقة بها ..
    ووضعت لها القهوة والشاي .. فجعلت الزائرة تبحث عن أحاديث لتؤانسها ..
    فسألتها المطلقة .. بالأمس رأيتكم خارجين من المنزل ..
    فقالت الجارة : إي والله .. أبو فلان أصر علي أن نتعشى خارج البيت فذهبت معه ..
    ثم مر السوق واشترى لي فستاناً لعرس أختي ..
    ثم وقف عند محل ذهب ونزل واشترى لي سواراً ألبسه في العرس ..
    ولما رجعنا إلى البيت رأى الأولاد في ملل فوعدهم آخر الأسبوع أن يسافر بهم ..
    والمطلقة المسكينة تستمع إلى ذلك وتتخيل حالها بعد قليل في بيت زوجة أخيها !!
    السؤال : هل يناسب إثارة هذا النوع من الأحاديث مع امرأة فشلت في مشروع الزواج ؟!!
    هل تظن أن هذا المطلقة ستزداد محبة لهذه الجارة ؟.. ورغبة في مجالستها دائماً ؟..
    وفرحاً بزيارتها لها ؟.. نتفق جميعاً على جواب واحد نصرخ به قائلين : لاااااا ..
    بل سيمتلئ قلبها حقداً وقهراً .. إذن ما الحل ؟ هل تكذب عليها ؟
    لا .. ولكن تتكلم باختصار .. كأن تقول : والله كان عندنا بعض الأشغال قضيناها ..
    ثم تصرف الكلام إلى موضوع آخر تصبرها به على كربتها ..
    أو افرضـ .. أن صديقين اختبرا نهاية المرحلة الثانوية .. فنجح أحدهما وتخرج بتفوق ..
    والثاني رسب في عدد من المواد ..
    أو تخرج بنسبة ضعيفة لا تؤهله للقبول في شيء من الجامعاتـ ..
    فهل تَرَى من المناسب عندما يزور المتفوقُ صاحبه أن يسهب في الحديثـ ..
    حول الجامعات التي تم قبوله فيها .. والميزات التي ستمنح له ..؟
    قطعاً جوابنا جميعاً : لا .. إذن ما الحل ؟
    الحل أن يذكر له عموميات يخفف بها عنه ..
    كأن يشتكي من كثرة الزحام في الجامعات .. وقلة القبول ..
    وخوف كثير من المتقدمين إليها من عدم القبول .. حتى يخفف عن صاحبه مصابه ..
    فيرغب عند ذلك في مجالسته أكثر .. ويحبه ويأنس بقربه .. ويشعر أنه قريب من قلبه ..
    وقل مثل ذلك لو التقى شابان أحدهما أبوه كريم يغدق عليه الأموال ..
    والآخر أبوه بخيل لا يكاد يعطيه ما يكفيه ..
    فمن غير المناسب أن يتحدث ابن الكريم بإغداق أبيه عليه .. وكثرة المال لديه .. و ..
    لأن هذا النوع من الكلام يضيق به صدر صديقه .. ويذكره بمأساته مع أبيه ..
    ويستثقل الجلوس مع هذا الصديق ويشعر ببعده عنه في همه ..
    لذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلمـ إلى مراعاة مشاعر الآخرين ونفسياتهم ..
    فقال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم .. والمجذوم هو المصاب بمرض ظاهر في جلده ..
    قد جعله مشوهاً في منظره .. فمن غير المناسب أنه إذا مر بقوم أن يطيلوا النظر إلى جلده ..
    لأن هذا يذكره بمصيبته فيحزن .. وفي موقف غاية في المراعاة واللطف ..
    يتعامل صلى الله عليه وسلمـ مع والد أبي بكر رضيـ الله عنه ..
    فإنه صلى الله عليه وسلمـ لما أقبل بجيوش المسلمين إلى مكة لفتحها ..
    قال أبو قحافة أبو أبي بكر رضيـ الله عنه .. وكان شيخاً كبيراً .. أعمى ..
    قال لابنة له من أصغر ولده ..
    أي بنية .. اظهري بي على جبل أبي قبيس لأنظر صدق ما يقولون ..
    هل جاء محمد ؟.. فأشرفت به ابنته فوق الجبل .. فقال : أي بنية ماذا ترين ؟
    قالت : أرى سواداً مجتمعاً مقبلاً ..
    قال : تلك الخيل ..
    قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلاً ومدبراً ..
    قال : أي بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ..
    ثم قالت : قد والله يا أبتِ انتشر السواد ..
    فقال : قد والله إذاً دفعت الخيل ووصلت مكة .. فأسرعي بي إلى بيتي ..
    فإنهم يقولون من دخل داره فهو آمن ..
    فانحطت الفتاة به مسرعة من الجبل ..
    فتلقته خيل المسلمين .. قبل أن يصل إلى بيته ..
    فأقبل أبو بكر إليه .. فاحتفى به مرحباً ..
    ثم أخذ بيده يقوده .. حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلمـ في المسجد ..
    فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فإذا شيخ كبير .. قد ضعف جسمه ..
    ورق عظمه .. واقتربت منيته ..
    وإذا أبو بكر رضيـ الله عنه .. ينظر إلى أبيه .. وقد فارقه منذ سنينـ ..
    وانشغل عنه بخدمة هذا الدين ..
    التفت إلى أبي بكر رضيـ الله عنه فقال مطيباً لنفسه .. ومبيناً قدره الرفيع عنده ..
    هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟!
    كان أبو بكر يعلم أنهم في حرب .. قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وأن وقته أضيق .. وأشعاله أكثر من أن يتفرغ للذهاب لبيت شيخ يدعوه للإسلامـ ..
    فقال أبو بكر شاكرا ً.. يا رسول الله .. هو أحق أن يمشي إليك .. من أن تمشي أنت إليه ..
    فأجلس النبي عليه الصلاة والسلام .. أبا قحافة بين يديه .. بكل لطف وحنان ..
    ثم مسح على صدره .. ثم قال : أسلم ..
    فأشرق وجه أبي قحافة .. وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ..
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. انتفض أبو بكر منتشياً مسروراً .. لم تسعه الدنيا فرحاً ..
    تأمل النبي صلى الله عليه وسلمـ في وجه الشيخ .. فإذا الشيب يكسوه بياضاً ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ :غيروا هذا من شعره .. ولا تقربوه سواداً ..
    نعم كان يراعي النفسيات في تعامله ..
    بل إنه صلى الله عليه وسلمـ لما دخل مكة قسم جيشه إلى كتائب ..
    وأعطى راية إحدى الكتائب .. إلى الصحابي البطل سعد بن عبادة رضيـ الله عنه ..
    كانت الراية مفخرة لمن يحملها .. ليس له فقط بل له ولقومه ..
    جعل سعد ينظر إلى مكة وسكانها ..
    فإذا هم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وضيقوا عليه .. وصدوا عنه الناس .. وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر ..
    وعذبوا بلالاًُ وخباباً .. كانوا يستحقون التأديب فعلاً .. هز سعد الرايية ..
    وهو يقول : اليوم يوم الملحمة ** اليوم تستحل الحرمة ..
    سمعته قريش فشق ذلك عليهم .. وكبر في أنفسهم .. وخافوا أن يفنيهم بقتالهم ..
    فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وهو يسير ..
    فشكت إليه خوفهم من سعد .. وقالت :
    يا نبي الهدى إليك لجائيُّ ***** قريش ولات حين لجـــــاء
    حين ضاقت عليهم سعة الأرض **** وعاداهم إله السماء
    إن سعداً يريد قاسمة الظهـر **** بأهل الحجون و البطحاء
    خزرجي لو يستطيع من الغيـظ **** رمانا بالنسر والعواء
    فانهينه إنه الأسد الأسـود **** والليث والغٌ في الدماء
    فلئن أقحم اللواء ونادى **** يا حماة اللواء أهل اللواء
    لتكونن بالبطاح قريش **** بقعةَ القاع في أكف الإماء
    إنه مصلت يريد لها القت صموت كالحية الصماء ..
    فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. هذا الشعر ..
    دخله رحمة ورأفة بهم .. وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه ..
    وأحب ألا يغضب سعداً بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها ..
    فأمر سعداً فناول الراية لابنه قيس بن سعد .. فدخل بها مكة..
    وأبوه سعد يمشي بجانبه ..
    فرضيت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية ..
    ولم يغضب سعد لأنه بقي قائداً لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه ..
    فما أجمل أن نصيد عدة عصافير بحجر واحد .. حاول أن لا تفقد أحداً ..
    كن ناجحاً واكسب الجميع .. وإن تعارضت مطالبهم ..

    :: اتفاق ::
    نحن نتعامل مع القلوب .. لا مع الأبدان ..

  8. #208


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الخامس و الستـــــــــــون : اهتم بالآخرينــ ..
    يقول الشيخـ :::: الناس عموماً يحبون أن يشعروا بقيمتهم ..
    لذا تجدهم أحياناً يقومون ببعض التصرفات ليلفتوا النظر إليهم ..!
    وقد يخترعون قصصاً وبطولات لأجل أن يهتم الناس بهم ..
    أو يعجبوا بهم أكثر لو رجع رجل إلى بيته قادماً من عمله متعباً ..
    فلما دخل صالة البيت رأى أولاده الأربعة كل منهم على حال ..
    أكبرهم عمره أحدى عشرة سنة .. يتابع برنامجاً في التلفاز ..
    والثاني يأكل طعاماً بين يديه ..
    والثالث يعبث بألعابه .. والرابع يكتب في دفاتره ..
    فسلم الأب بصوت مسموع .. السلام عليكمـ ..فلم يلتفت إليه أحد ..
    ذاك منهمك مع برنامجه .. والثاني مأخوذ بألعابه .. والثالث مشغول بطعامه ..
    إلا الرابع .. فإنه لما التفت فرأى أباه .. نفض يده من دفاتره وأقبل مرحباً ضاحكاً ..
    وقبل يد أبيه .. ثم رجع إلى دفاتره .. أي هؤلاء الأربعة سيكون أحب إلى الأب ؟
    أجزم أن جوابنا سيكون واحداً .. أحبهم إليه الرابع .. ليس لأنه يفوقهم جمالاً أو ذكاءً ..
    وإنما لأنه أشعر أباه بأنه إنسان مهم عنده .. كلما أظهرت الاهتمام بالناس أكثر ..
    كلما ازدادوا لك حياً وتقديراً ..
    كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلمـ يراعي ذلك في الناسـ ..
    يشعر كل إنسان أن قضيته قضيته .. وهمه همه ..
    قام صلى الله عليه وسلمـ على منبره يوماً يخطب الناس ..
    فدخل رجل من باب المسجد .. ونظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    ثم قال : يا رسول الله .. رجل يسأل عن دينه .. ما يدري ما دينه ؟!
    فالتفتـ صلى الله عليه وسلمـ إليه .. فإذا رجل أعرابيـ ..
    قد لا يكون مستعداً أن ينتظر حتى تنتهي الخطبة ..
    ويتفرغ له النبي صلى الله عليه وسلمـ ليحدثه عن دينه ..
    وقد يخرج الرجل من المسجد ولا يعود إليه .. وقد بلغ الأمر عند الرجل أهمية عالية ..
    لدرجة أنه يقطع الخطبة ليسأل عن أحكام الدين !!
    كان صلى الله عليه وسلمـ يفكر من وجهة نظر الآخر لا من وجهة نظره هو فقط ..
    نزل من على منبره الشريف .. ودعا بكرسي فجلس أمام الرجل ..
    وجعل يلقنه ويفهمه أحكام الدين .. حتى فهم ..ثم قام من عنده ..
    ورجع إلى منبره وأكمل خطبته ..
    آآآه ما أعظمه وأحلمه .. تربى أصحابة في مدرسته ..
    فكانوا يظهرون الاهتمام بالآخرين .. والاحتفاء بهم ..
    ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم ..
    ومن ذلك ما فعله طلحة مع كعب رضيـ الله عنه ..
    كعب بن مالك رضيـ الله عنه شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه ..
    ورق عظمه .. وكف بصره .. وهو يحكي ذكريات شبابه .. في تخلفه عن غزوة تبوك ..
    وكانت آخر غزوة غزاها النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    آذن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم
    وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً ..
    وذلك حين طابت الظلال الثمار .. في حر شديد .. وسفر بعيد ..
    وعدو قوي عنيد ..
    كان عدد المسلمين كثيراً .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب ..
    قال كعب : وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين ..
    وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد
    وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار ..
    فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    غادياً بالغداة .. فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم ..
    فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت ..
    فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً ..
    فقلت : أرجع غدا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك ..حتى مضت الأيام ..
    وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فجعلت أمشي في الأسواق ..
    وأطوف بالمدينة .. فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله ..
    نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً .. حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه ..
    فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة ..
    فيقول صلى الله عليه وسلمـ : ما فعل كعب بن مالك ؟!
    فقال رجل : يا رسول الله .. خلّفه برداه والنظر في عطفيه ..
    فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً ..
    فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قال كعب : فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلمـ غزوة تبوك ..
    وأقبل راجعاً إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه ..
    وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ..
    حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق ..
    فدخل النبي صلى الله عليه وسلمـ المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ..
    ثم جلس للناس .. فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه ..
    ويحلفون له .. وكانوا بضعة وثمانين رجلاً ..
    فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ علانيتهم .. واستغفر لهم ..
    ووكل سرائرهم إلى الله .. وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلم عليه ..
    نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلمـ .. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب ..
    أقبل كعب يمشي إليه صلى الله عليه وسلمـ .. فلما جلس بين يديه ..
    فقال له صلى الله عليه وسلمـ .. ما خلفك ..
    ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ يعني اشتريت دابتك ..
    قال : بلى .. قال : فما خلفك ؟!
    لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً ..
    ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي ..
    ليوشكن الله أن يسخطك علي .. ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه ..
    إني لأرجو فيه عفوَ الله عني ..
    يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر .. والله ما كنت قط أقوى ..
    ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .. ثم سكت كعب ..
    فالتفت النبي صلى الله عليه وسلمـ إلى أصحابه ..
    وقال : أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك ..
    قام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهموماً مكروباً ..
    لا يدري ما يقضي الله فيه .. فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم ..
    وأخذوا يلومونه .. ويقولون ..
    والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط قبل هذا .. إنك رجل شاعر أعجزت ألا تكونـ ..
    اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بما اعتذر إليه المخلفون ! ..
    هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك ..
    فيغفر الله لك .. قال كعب .. فلم يزالوا يؤنبونني ..
    حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ..
    فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت ..
    فقيل لهما مثل ما قيل لك .. قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع ..
    وهلال بن أمية .. فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً .. لي فيهما أسوة ..
    فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبداً .. ولا أكذب نفسي ..
    ثم مضى كعب رضيـ الله عنه .. يسير حزيناً .. كسير النفس ..
    وقعد في بيته .. فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    الناس عن كلام كعب وصاحبيه ..
    قال كعب .. فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق ..
    فلا يكلمني أحد .. وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف ..
    وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف .. وتنكرت لنا الأرض ..
    حتى ما هي بالأرض التي نعرف ..
    فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار ..
    ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان ..
    وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدَهم .. فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ..
    وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد ..
    وآتي المسجد فأدخل ..وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فأسلم عليه ..فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟
    ثم أصلي قريباً منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي ..
    وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني .. ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام ..
    وهو الرجل الشريف في قومه ..بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء ..
    وسارت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه .. ثم هو اليوم ..
    في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه ..
    حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة ..
    نزل به امتحان آخر :فبينما هو يطوف في السوق يوماً ..
    .إذا رجل نصراني جاء من الشام ..
    فإذا هو يقول : من يدلني على كعب بن مالك .. ؟
    فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان ..
    عجباً !! من ملك غسان ..!!إذن قد وصل خبره إلى بلاد الشام ..
    واهتم به ملك الغساسنة .. عجباً !! فماذا يريد الملك ؟!! فتح كعب الرسالة فإذا فيها ..
    " أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ..
    ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك "..
    فلما أتم قراءة الرسالة .. قال رضيـ الله عنه .. إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر ..!!
    هذا أيضاً من البلاء والشر .. ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور ..
    فأشعله ثم أحرقها فيه ..ولم يلتفت كعب إلى ***** الملك ..
    نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء ..
    يدعونه إلى الكرامة والصحبة ..والمدينة من حوله تتجهمه ..
    والوجوه تعبس في وجهه .. يسلم فلا يرد عليه السلام ..ويسأل فلا يسمع الجوابـ ..
    ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار .. ولم يفلح الشيطان في زعزعته ..
    أو تعبيده لشهوته ..ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها ..
    ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال ..
    والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله ..
    فلا الرسول صلى الله عليه وسلمـ يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي ..
    فلما اكتملت أربعون يوماً .. فإذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب .. فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج ..
    فإذا الرسول يقول له ..
    إن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يأمرك أن تعتزل امرأتك ..
    قال : أُُطَلِّقها .. أم ماذا ؟
    قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها .. فدخل كعب على امرأته
    وقال : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ..
    وأرسل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ إلى صاحبي كعب بمثل ذلك ..
    فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت : يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف ..
    فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟ قال : نعم .. ولكن لا يقربنك ..
    فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء ..
    ما زال مكتئباً .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان ..
    ومرت الأيام ثقيلة على كعب .. واشتدت الجفوة عليه .. حتى صار يراجع إيمانه ..
    يكلم المسلمين ولا يكلمونه .. ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فلا يرد عليه ..
    فإلى أين يذهب ..!! ومن يستشير !؟
    قال كعب رضيـ الله عنه : فلما طال عليَّ البلاء ..
    ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ ..
    فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه ..
    ودخلت .. فسلمت عليه .. فوالله ما رد علي السلام ..
    فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
    فسكت .. فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
    فسكت ..فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
    فقال : الله ورسوله أعلم .. سمع كعب هذا الجواب ..
    من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟
    فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع ..
    ثم اقتحم الحائط خارجاً .. وذهب إلى منزله .. وجلس فيه ..
    يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه ..
    وقد مضت عليهم خمسون ليلة ..
    من حين نهى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ الناس عن كلامهم ..
    وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    في ثلث الليل ..
    وكان صلى الله عليه وسلمـ في بيت أم سلمة .. فتلا الآيات ..
    فقالت أم سلمة رضيـ الله عنها ..
    يا نبي الله .. ألا نبشر كعب بن مالك .. قال : إذاً يحطمكم الناس ..
    ويمنعونكم النوم سائر الليلة . .فلما صلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    الفجر .. آذن الناس بتوبة الله عليهم.. فانطلق الناس يبشرونهم ..
    قال كعب .. وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا ..
    فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت علي نفسي ..
    وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت .. وما من شيء أهم إليّ .. من أن أموت ..
    فلا يصلي عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ ..
    فبينما أنا على ذلك .. إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول ..
    ياااااا كعب بن مالك ! .. أبشر .. فخررت ساجداً .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله ..
    وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل ..
    وكان الصوت أسرع من الفرس ..
    فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه ..
    والله ما أملك غيرهما .. واستعرت ثوبين .. فلسبتهما ..
    وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فتلقاني الناس فوجاً ..
    فوجاً .. يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك ..
    حتى دخلت المسجد .. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ جالس بين أصحابه ..
    فلما رأوني والله ما قام منهم إليَّ إلا طلحة بن عبيد الله .. قام فاعتنقني وهنأني ..
    ثم رجع إلى مجلسه .. فوالله ما أنساها لطلحة ..
    فمشيت حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فسلمت عليه ..
    وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر ..
    فلما رآني قال : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك ..
    قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟
    قال :لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات .. فجلست بين يديه ..
    فقلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ..
    وإلى رسوله .. فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك ..
    فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق ..
    وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت .. نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه ..
    وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى .. فقال عز وجل :
    ] لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ
    مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَاب َ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *
    وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ
    وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ ..
    والشاهد من هذه القصة .. أن طلحة رضيـ الله عنه ..
    لما رأى كعباً قام إليه واعتنقه وهنأه .. فزادت محبة كعب له ..
    حتى كان يقول بعد موت طلحة .. وهو يحكي القصة بعدها بسنين ..
    فوالله لا أنساها لطلحة .. وماذا فعل طلحة حتى يأسر قلب كعب ؟ فعل مهارة رائدة ..
    اهتمَّ به .. شاركه فرحته .. فصار له عنده حظوة ..
    الاهتمام بالناس ومشاركتهم في مشاعرهم يأسر قلوبهمـ ..
    لو كنت في زحمة الامتحانات .. ووصلت إلى هاتفك المحمول رسالة مكتوب فيها ..
    بشرني عن امتحاناتك والله إن بالي مشغول عليك وأدعو لك ، صديقك : إبراهيم ..
    أليس ستزداد محبتك لهذا الصديق ؟ بلى .. ولو كان أبوك مريضاً في المستشفى ..
    فبقيت معه في غرفته وأنت مشغول البال عليه ..
    واتصل بك صديق وسألك عنه .. وقال : تحتاج مساعدة ؟
    نحن في خدمتك .. فشكرته .. ثم في المساء اتصل
    وقال : إذا الأهل يحتاجون أي شيء أشتريه لهم .. فأخبرني .. فشكرته ودعوت له ..
    ألا تشعر أن قلبك ينجذب إليه أكثر ..؟
    بينما لو اتصل بك آخر وقال : فلان .. نحن خارجون إلى نزهة في البحر ..
    هاه تذهب معنا ؟ فقلت : والله والدي مريض ولا أستطيع ..
    فبدل أن يدعو له ويعتذر أن لم يسأل عن حاله ..
    قال لك : أدري أنه مريض لكن هو في المستشفى وعنده ممرضون ..
    ولن يستفيد من بقائك تعال معنا استمتع واسبح و .. قالها وهو يمازحك ضاحكاً ..
    وكأن مرض والدك لا يعنيه .. كيف ستكون نظرتك إليه ؟
    بلا شك أن قدره في قلبك ينخفض لأنه لم يهتم بهمومك ..
    من أحرج ما وقع لي من مواقف ..
    أني كنت مسافراً إلى جدة لعدة أيام .. كنت مشغولاً جداً ..
    وصلتني رسالة خلالها على هاتفي من أخي سعود كتب فيها ..
    أحسن الله عزاءك في ابن عمنا فلان توفي في ألمانيا ..
    اتصلت بأخي فأخبرني أن ابن عمنا هذا .. وهو شيخ كبير ..
    ذهب قبل يومين لعلاج القلب في ألمانيا وتوفي أثناء إجراء العملية ..
    وأن جثمانه سيصل قريباً إلى مطار الرياض .. دعوت له وترحمت عليه ..
    وأنهيت المكالمة .. بعدها بيومين انتهت أعمالي في جدة وذهبت إلى المطار
    أنتظر وقت إقلاع رحلتي للرياض ..
    في هذه الأثناء كان يمر بي عدد من الشباب فإذا رأوني عرفوني ..
    وأقبلوا مسلمين وكانوا أحياناً من الشباب المراهقين لهم قصات شعر غريبة ..
    ومع ذلك كنت أمازحهم وأطلق التعليقات عليهم تحبباً وتلطفاً ..
    انشغلت بمكالمة هاتفية .. فلما أنهيتها فإذا شاب يلبس بنطالاً وقميصاً ..
    يراني فيقبل مسَلّماً مصافحاً ..
    رحبت به وقلت مازحاً : ما هذه الأناقة .. أنت اليوم كأنك عريس .. ونحو هذه العبارات ..
    سكت الشاب قليلاً ثم قال ..
    ما عرفتني .. أنا فلان .. الآن وصلت من ألمانيا معي جثمان أبي ..
    وأنا متوجه إلى الرياض الآن على أقرب رحلة ..في الحقيقة ..
    كأنما صب علي برميل ماء بارد .. صرت محرجاً جداً .. أبوه مات ..
    وجثمانه معه في الطائرة وأنا أمازحه وأضحك .. إن هذا لشيء عجاب !!
    سكتُّ قليلاً ثم قلت : آآآآسف .. والله ما انتبهت إليك .. فأنا هنا منذ أيام ..
    فأحسن الله عزاءك وغفر لوالدك .. وإن كنتُ في الحقيقة معذوراً ..
    في عدم انتباهي إلى شخصه .. فقد كنت لا أقابله إلا قليلاً ..
    وأراه بثوبه وغترته .. فلما لبس البنطال وجاءني فجأة في زحمة شباب من جدة ..
    لم يقع في نفسي أنه فلان ..
    فمن الاهتمام بالناس مشاركتهم في مشاعرهم وإشعارهم أن همهم هو همك ..
    وأنك تحب الخير لهم ..
    ومن هذا المنطلق تجد أن الشركات المتطورة يكون عندها إدارة للعلاقات العامة ..
    مهمتها إرسال التهاني والتبريكات في المناسبات .. وتقديم الهدايا .. ونحو ذلك ..
    الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم ملكت قلوبهم وأحبوك ..
    خذ أمثلة سريعة من الواقع : لو دخل شخص إلى مكان مليء بالناس ..
    فلم يجد مكاناً يجلس فيه .. فتفسحت قليلاً .. وأوسعت له مكاناً وقلت ..
    تفضل يا فلان .. تعال هنا .. لشعر باهتمامك وأحبك ..
    أو لو كنتم في حفل عشاء ..
    وأقبل يحمل طعامه يتلفت يبحث عن طاولة فيها مكان فارغ ..
    فجهزت له كرسياً وقلت : حياك الله يا فلان .. تفضل هنا .. لشعر باهتمامك أيضاً ..
    عموماً أشعر الناس بقيمتهم .. يحبوك ..
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يحرص على ذلك أيما حرص ..
    انظر إليه وقد قام يخطب على منبره يوم جمعة ..
    وفجأة فإذا بأعرابي يدخل إلى المسجد ويتخطى الصفوف ..
    وينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويصيح قائلاً : يا رسول الله .. رجل لا يدري ما دينه ! فعلمه دينه ..
    فنزل النبي صلى الله عليه وسلمـ من منبره ..
    وتوجه إلى الرجل وطلب كرسياً فجلس عليه ..
    ثم جعل يتحدث مع الرجل ويشرح له الدين إلى أن فهم .. ثم عاد إلى منبره ..
    قمة الاهتمام بالناس .. ومن يدري ربما لو أهمله لخرج الرجل ..
    وبقي جاهلاً بدينه إلى أن يموت ..
    ولو نظرت في شمائله صلى الله عليه وسلمـ ..
    لوجدت من بينها أنه كان إذا صافحه أحد لم ينزع صلى الله عليه وسلمـ ..
    يده من يد المصافح .. حتى ينزع ذاك يده أولاً ..
    وكان صلى الله عليه وسلمـ إذا كلمه أحد التفت إليه جميعاً ..
    أي التفت بوجهه وجسمه إليه يستمع وينصت ..
    :: اتفاق ::
    نحن نتعامل مع القلوب .. لا مع الأبدان ..

  9. #209


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ السادس و الستـــــــــــون : كن لماحاً..
    يقول الشيخـ :::: قسم كبير من الأشياء التي نمارسها في الحياة ..
    نفعلها لأجل الناس لا لأجل أنفسنا ..
    عندما تُدعى لوليمة عرس .. فتلبس أحسن ثيابك ..
    إنما تفعل ذلك لأجل لفت انتباه الناس وجذب إعجابهم .. لا لأجل لفت انتباه نفسك ..
    وتفرح إذا لاحظت أنهم أُعجبوا بجمال هيئتك .. أو رونق ثيابك ..
    وعندما تؤثث مجلس ضيوفك .. وتتكلف في تزويقه والعناية به ..
    إنما تفعل ذلك أيضاً لأجل نظر الناس .. لا لأجل نظر نفسك ..
    بدليل أنك تعتني بغرفة استقبال الضيوف أكثر من عنايتك بالصالة الداخلية ..
    أو بحمام أطفالك !!
    عندما تدعو أصحابك إلى طعام .. ألا ترى أن زوجتك .. وربما أنت ..
    تعتني بترتيب الطعام وتنويعه أكثر من العادة .. بلى ..
    وكلما زادت أهمية هؤلاء الأصحاب .. زادت العناية بالطعامـ ..
    وكم تكون سعادتنا غامرة عندما يثنيـ أحد على لباسنا أو ديكورات بيوتنا ..
    أو لذة طعامنا .. وقد قال صلى الله عليه وسلمـ : " وليأت إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه "
    أي عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ..
    كيف ..؟!
    رأيت على صاحبك ثوباً جميلاً ..
    انتبه له .. أثن عليه .. أسمعه كلمات رنانة ..
    ما شاء الله !! ما هذا الجمال !! اليوم كأنك عريس !!
    زارك يوماً فشممت من ثيابه عطراً فواحاً جميلاً .. أثن عليه .. تفاعل معه ..
    كن لماحاً .. فهو ما وضع الطيب إلا لأجلك .. ردد عبارات جميلة ..
    ما هذه الروائح .. ما أحسن ذوقك ..
    دعاك شخص لطعام .. أثن على طعامه ..
    فإنك تعلم أن أمه أو زوجته أو أخته وقفت ساعات في المطبخ لأجلك ..
    أو لأجل المدعويين عموماً .. وأنت منهم ..
    أو أنه على الأقل تعب في إحضاره من المطعم ومحل الحلويات .. و ..
    فأسمعه كلمات تجعله يشعر أنك ممتن له بما قدم لك .. وأن تعبه لم يذهب سُدَى ..
    دخلت بيت أحد أصدقائك .. أو دخلتي بيت إحدى صديقاتك .. فرأيت أثاثاً جميلاً ..
    فأثن على الأثاث .. والذوق الرفيع .. ( لكن انتبه لا تبالغ حتى لا يشعر أنه استهزاء ) ..
    حضرت في مجلس عام .. فسمعت حمد يتكلم مع الحاضرين بانطلاق ..
    وقد أحيا المجلس .. وأسعد الحاضرين .. أثن عليه .. خذ بيده إذا قمتم ..
    قل له : ما شاء الله ..!! ما هذه القدرات !! بصراحة ما ملَّح المجلس إلا حضورك ..
    جرب افعل ذلك .. فسوف يحبك ..رأيت موقفاً جميلاً لولد مع أبيه .. قبَّل يدَه ..
    قرَّبَ إليه نعليه .. أثن على الولد .. كن لماحاً ..لبس ثوباً جديداً .. أثن عليه .. كن لماحاً ..
    زرت أختك .. رأيت عنايتها بأولادها .. كن لماحاً .. أثن عليها ..
    رأيت عناية صاحبك بأولاده .. أو روعة ترحيبه بضيوفه .. كن جريئاً .. لماحاً ..
    أثن عليه .. أخرج ما في صدرك من الإعجاب به ..
    ركبت مع شخص في سيارته .. أو استأجرت تاكسي .. لاحظت نظافة سيارته ..
    حُسنَ قيادته .. كن لماحاً .. أثن عليه ..
    قد تقول : هذه أمور عادية .. صحيح لكنها مؤثرة ..
    لقد جربت ذلك بنفسي .. ومارست هذه المهارة مع أعداد من الناس ..
    كباراً وصغاراً .. وعمالاً بسطاء .. ومدرسين ..
    بل مارستها مع أشخاص يشغلون مناصب عليا .. ورأيت من تأثرهم أعاجيب ..
    خاصة في الأشياء التي ينتظرها الناس منك .. كيف ؟
    عريس .. رأيته بعد زواجه بأسبوع .. رجل حصل على شهادة عليا ..
    شخص سكن بيتاً جديداً ..
    كلهم بلا شك ينتظرون منك كلمات .. كن كما يتوقعون ..
    كان عبد المجيد ابن عمي .. شاباً في المرحلة الثانوية ..
    بعد تخرجه طلب مني الذهاب معه للجامعة لتسجيله فيها .. اتصلت به ..
    ذات صباح ومررت على بيته بسيارتي ليرافقني للجامعة ..
    كانت المشاعر تتزاحم في قلبه .. فهو ينتقل إلى مرحلة جديدة ..
    ويفكر في الكلية التي ستقبله ..أول ما ركب سيارتي شممت رائحة عطره ..
    كانت رائحة نفاثة جداً .. ويبدو أنه قد أفرغ العلبة كلها ذلك اليوم على ملابسه ..
    بصراحة خنقني بالرائحة .. فتحت النوافذ لأتنفس ..
    شعرت أن المسكين تكلف في تزويق ثيابه .. وتطييبها ..
    ثم التفتُّ إليه وابتسمت وقلت :
    ماااا شاااااء الله !!.. إيش هالروائح الحلوة !!
    أخاف عميد الكلية أول ما يشم هالرائحة الحلوة يصرخ بأعلى صوته
    يقول : مقبوووووول ..
    لا تتصور مدى السرور الذي غطى على قلبه .. والبشر الذي طفح على وجهه ..
    التفت إليَّ .. وقال بحماس : أشكرك يا أبا عبد الرحمن ..
    أشكرك .. والله إنه عطر غااال .. وأضعه دائماً والناس ما يلاحظونه ..
    ثم بدأ يشمه من طرف غترته ويقول : بالله عليك : ذوقي حلو ..؟!
    آآآه .. مر على هذا الموقف أكثر من عشر سنوات ..
    فقد تخرج عبد المجيد من الجامعة وتعين في وظيفة منذ سنوات ..
    إلا أن ذلك الموقف لا يزال عالقاً في أذنه .. ربما ذكرني به مازحاً في بعض اللقاءات ..
    نعم .. كن لماحاً .. التحكم بعواطف الناس وكسب محبتهم سهل جداً ..
    لكننا في أحيان كثيرة نغفل عن ممارسة مهارات عادية نكسبهم بها ..
    ولا تعجب إن قلت إن صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلمـ ..
    كان يمارس هذه المهارات .. وأحسن منها ..
    في أول سنين الإسلامـ .. لما ضيق على المسلمين في دينهم بمكة ..
    هاجروا إلى المدينة ..تركوا ديارهم وأموالهم ..
    قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة مهاجراً .. وكان في مكة تاجراً ممكناً ..
    لكنه جاء المدينة فقيراً معدماً .. كحل سريع للمشكلة ..
    آخى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بين المهاجرين والأنصار ..
    آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع الأنصاري ..
    كانت نفوسهم سليمة .. وقلوبهم صافية ..
    فقال سعد لعبد الرحمن : أي أُخيَّ .. أنا أكثر أهل المدينة مالاً .. فأقسم مالي نصفين ..
    فخذ نصفه وأبق لي نصفه .. ثم خشي سعد أن عبد الرحمن يريد أن يتزوج ..
    ولا يجد زوجة ..فعرض عليه أن يزوجه ..
    فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك .. دُلّني على السوق ..!!
    صحيح .. عبد الرحمن ترك ماله في مكة واستولى عليه الكفار ..
    لكنه كان ذا عقل راجح .. وخبرة تجارية واسعة .. دله سعد على السوق ..
    فذهب فاشترى وباع فربح .. يعني اشترى بضاعة بالآجل ثم باعها حالة ..
    فصار عنده رأس مال تاجر فيه ..
    وكان يتقن فن البيع والشراء والمماكسة .. حتى جمع مالاً فتزوج ..
    ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلامـ .. وعليه ودْعُ زعفران .. أي أثر طيب نساء ..!!
    ليس غريباً فهو ( عريس ) ..النبي صلى الله عليه وسلمـ طبيب النفوس ..
    كان لماحاً .. يترقب الفرص لاصطياد القلوب .. أول ما رآه .. انتبه لهذا التغير ..
    وجعل ينظر إلى أثر الطيب ويقول لعبد الرحمن : " مهيم ؟ " .. أي ما الخبر ؟
    ابتهج عبد الرحمن .. وقال : يا رسول الله .. تزوجت امرأة من الأنصار ..
    عجب النبي صلى الله عليه وسلمـ .. كيف استطاع أن يتزوج وهو حديث عهد بهجرة ..!!
    فقال : " فما أصدقتها ؟" ..
    فقال : وزن نواة من ذهب .. فأراد صلى الله عليه وسلمـ ..
    أن يزيد من فرحته .. فقال " أولِمْ ولو بشاة " ..
    ثم دعا له النبي صلى الله عليه وسلمـ .. بالبركة في ماله وتجارته ..فحلت البركة عليه ..
    قال عبد الرحمن وهو يصف كسبه وتجارته : فلقد رأيتني ..
    ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً و فضة ..
    وكان صلى الله عليه وسلمـ لماحاً حتى مع الضعفاء والمساكين ..
    يشعرهم بقيمتهم .. يجعلهم يحسون أنه منتبه لهم .. وأنهم مهمون عنده ..
    وأنه يقدر لهم أعمالهم التي يقومون بها مهما كانت متواضعة ..
    فإذا افتقدهم .. ذَكَرهم بالخير .. وتلمّح أعمالهم .. فتشجع الآخرون أن يفعلوا كفعلهم ..
    كان في المدينة امرأة سوداء .. مؤمنة صالحة .. كانت تكنس المسجد ..
    كان صلى الله عليه وسلمـ يراها أحياناً .. فيعجب بحرصها .. مرت أيام ..
    ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فسأل عنها ؟
    فقالوا : ماتت يا رسول الله .. فقال : أفلا كنتم آذنتموني ..
    فصغّروا أمرها .. وأنها مسكينة مغمورة لا تستحق أن يخبر عنها ..
    رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. وقالوا أيضاً : ماتت بليل ..
    فكرهنا أن نوقظك .. فحرصـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    على أن يصلي عليها .. فعملها وإن رآه الناس صغيراً فهو عند الله كبير ..
    ولكن كيف يصلي عليها وقد ماتت ودفنت ؟!
    قال صلى الله عليه وسلمـ : دلوني على قبرها ..
    فمشوا معه حتى أوقفوه على قبرها .. دلوه فصلى عليها ..
    ثم قال صلى الله عليه وسلمـ .. إن هذه القبور .. مملوءة ظلمة على أهلها ..
    وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم ..
    فبالله عليك .. ما هو شعور من رأوه صلى الله عليه وسلمـ ..
    ينتبه إلى هذا العمل الصغير من امرأة ضعيفة ..
    كيف سيكون حماسهم للقيام بمثل فعلها وأعظم ..
    دعني أهمس في أذنك ..
    نحن في مجتمع لا يقدر أحياناً مثل هذه المهارات .. فانتبه !!
    لا يطفئْ حماسَك فريق من الثقلاء الغلاظ الذين مهما لمحت ما عندهم من لطائف ..
    وأثنيت عليهم بالكلمات الرقيقة الرنانة .. لم يتأثروا ..
    أو ردوا على تلطفك بكلمات سامجة ممجوجة .. لا طعم لها .. بل ولا لون ولا رائحة !!
    ومن لطائف هؤلاء .. أن شاباً .. أعرفه .. ُعي إلى وليمة كبيرة .. فيها أشخاص مهمون ..
    مر على السوق في طريقه ..
    ودخل محل عطور وأظهر أنه سيشتري فجعل الموظف يحتفي به ..
    ويرش عليه من أنواع العطور ما غلا ثمنه وزكا ريحه .. ليختار من بينها ما يناسبه ..
    فلما امتلأت ثياب صاحبنا طيباً .. قال للبائع بلطف : أشكرك ..
    وإن أعجبني شيء منها فقد أعود إليك ..
    ذهب سريعاً إلى الوليمة متداركاً رائحة العطر قبل أن تزول ..
    جلس على العشاء بجانب صديقه خالد .. لم يلاحظ خالد الرائحة .. ولم يعلق بكلمة ..
    فقال له صاحبنا باستغراب : ما تشم رائحة عطر جميلة ؟!
    قال خالد : لا ..
    فقال صحبنا : أكيد أنفك مسدود ..!!
    فأجاب خالد فوراً : .. لو كان أنفي مسدوداً .. ما شممت رائحة عرقك ..!!

    :: اعتراف ::
    مهما بلغ الشخص من النجاح .. إلا أنه يبقى بشراً يطرب للثناء ..

  10. #210


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ السابع و الستـــــــــــون : النســـــــــاء ..
    يقول الشيخـ :::: كان جدي يستشهد بمثل قديم : " من غاب عن عنزه جابت تيس " ..
    بمعنى أن من لم تجد عنده زوجته .. ما يشبع عاطفتها .. ويروي نفسها ..
    فقد تحدثها نفسها بالاستجابة لغيره .. ممن يملك معسول الكلام ..
    وليس مقصودهم بهذا المثل تشبيه الرجل والمرأة بالتيس والعنز .. معاذ الله ..
    المرأة شقيقة الرجل .. ولئن كان الله قد وهب الرجل جسماً قوياً ..
    فقد وهبها عاطفة قوية ..
    وكم رأينا سلاطين الرجال وشجعانهم تخور قواهم عند قوة عاطفة امرأة ..
    ومن مهارات التعامل مع المرأة أن تعرف المفتاح ..
    الذي تؤثر من خلاله فيها .. العاطفة .. تقاتلها بسلاحها ..
    كان النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يوصيك بالإحسان إلى المرأة ..
    واحترام عاطفتها .. لأجل أن تسعد معها ..
    وأوصى الأب بالإحسان إلى بناته .. فقال :
    ( من عال جاريتين حتى تبلغا .. جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) ..
    وأوصى بها أولادها فقال فإنه لما سأله رجل فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟
    قال : أمك .. ثم أمك .. ثم أمك .. ثم أبوك ..
    بل أوصى صلى الله عليه وسلمـ بالمرأة زوجها ..
    وذمّ من غاضب زوجته أو أساء إليها ..
    وانظر إليه صلى الله عليه وسلمـ وقد قام في حجة الوداعـ ..
    فإذا بين يديه مائةُ ألف حاج ..
    فيهم الأسود والأبيض .. والكبير والصغير .. والغني والفقير ..
    صاحـ صلى الله عليه وسلمـ بهؤلاء جميعاً وقال لهم :
    ألا واستوصوا بالنساء خيراً .. ألا واستوصوا بالنساء خيراً ..
    وفي يوم من الأيام أطاف بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    نساء كثير يشتكين أزواجهن .. فلما علم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    بذلك .. قام .. وقال للناس :
    لقد طاف بآل محمد صلى الله عليه وسلمـ ..
    نساء كثير يشتكين أزواجهن .. ليس أولائك بخياركمـ ..
    وقال صلى الله عليه وسلمـ : ( خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) ..
    بل .. قد بلغ من إكرام الدين للمرأة .. أنها كانت تقوم الحروب .. وتسحق الجماجم ..
    وتتطاير الرؤوس .. لأجل عرض امرأة واحدة ..
    كان اليهود يساكنون المسلمين في المدينة ..
    وكان يغيظهم نزولُ الأمر بالحجاب .. وتسترُ المسلمات ..
    ويحاولون أن يزرعوا الفساد والتكشف في صفوف المسلمات .. فما استطاعوا ..
    وفي أحد الأيام جاءت امرأة مسلمة إلى سوق يهود بني قينقاع ..
    وكانت عفيفة متسترة .. فجلست إلى صائغ هناك منهم ..
    فاغتاظ اليهود من تسترها وعفتها .. وودوا لو يتلذذون بالنظر إلى وجهها ..
    أو لمسِها والعبثِ بها .. كما كانوا يفعلون ذلك قبل إكرامها بالإسلام ..
    فجعلوا يريدونها على كشف وجهها .. ويغرونها لتنزع حجابها ..
    فأبت .. وتمنعت ..
    فغافلها الصائغ وهي جالسة .. وأخذ طرف ثوبها من الأسفل ..
    وربطه إلى طرف خمارها المتدلي على ظهرها ..
    فلما قامت .. ارتفع ثوبها من ورائها .. وتكشفت أعضاؤها .. فضحك اليهود منها..
    فصاحت المسلمة العفيفة .. وودت لو قتلوها ولم يكشفوا عورتها ..
    فلما رأى ذلك رجل من المسلمينـ .. سلَّ سيفه .. ووثب على الصائغ فقتله ..
    فشد اليهود على المسلم فقتلوه ..
    فلما علم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بذلك .. وأن اليهود قد نقضوا العـهد ..
    وتعرضوا للمسلمات .. حاصرهم .. حتى استسلموا ونزلوا على حكمه ..
    فلما أراد النبيـ صلى الله عليه وسلمـ أن ينكل بهم .. ويثأر لعرض المسلمة العفيفة ..
    قام إليه جندي من جند الشيطان ..
    الذين لا يهمهم عرض المسلمات .. ولا صيانة المكرمات ..
    وإنما هم أحدهم متعة بطنه وفرجه ..
    قام رأس المنافقين .. عبد الله بن أُبيّ ابن سلول ..
    فقال : يا محمد أحسن في موالي اليهود وكانوا أنصاره في الجاهلية ..
    فأعرض عنه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. وأبـَى ..
    إذ كيف يطلب العفو عن أقوام يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا !!
    فقام المنافق مرة أخرى .. وقال : يا محمد أحسن إليهمـ ..
    فأعرض عنه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    صيانة لعرض المسلمات .. وغيرة على العفيفات ..
    فغضب ذلك المنافق .. وأدخل يده في جيب درع النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    وجرَّه وهو يردد : أحسن إلى مواليّ .. أحسن إلى مواليّ ..
    فغضب النبيـ صلى الله عليه وسلمـ والتفت إليه وصاح به وقال : أرسلنيـ ..
    فأبى المنافق .. وأخذ يناشد النبيـ صلى الله عليه وسلمـ العدول عن قتلهمـ ..
    فالتفت إليه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وقال : هم لكـ ..
    ثم عدل عن قتلهم .. لكنه صلى الله عليه وسلمـ أخرجهم من المدينة ..
    وطرَّدهم من ديارهم .. نعم المرأة العفيفة تستحق أكثر من ذلك ..
    كانت خولة بنت ثعلبة رضيـ الله عنها من الصحابيات الصالحات ..
    وكان زوجها أوس بن الصامت شيخاً كبيراً يسرع إليه الغضب ..
    دخل عليها يوماً راجعاً من مجلس قومه .. فكلمها في شيء فردت عليه ..
    فتخاصما .. فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي .. وخرج غاضباً ..
    كانت هذه الكلمة في الجاهلية إذا قالها الرجل لزوجته صارت طلاقاً ..
    أما في الإسلام فلا تعلم خولة حكمها ..
    رجع أوس إلى بيته .. فإذا امرأته تتباعد عنه ..
    وقالت له : والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت ..
    حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه ..
    ثم خرجت خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فذكرت له ما تلقى من زوجها .. وجعلت تشكو إليه ما سوء خلقه معها ..
    فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    يصبرها ويقول : يا خويلة ابن عمك .. شيخ كبير .. فاتقي الله فيه ..
    وهي تدافع عبراتها وتقول : يا رسول الله .. أكل شبابي .. ونثرت له بطني ..
    حتى إذا كبرت سنيـ .. وانقطع ولدي .. ظاهر منيـ .. اللهمـ إني أشكو إليكـ ..
    وهو صلى الله عليه وسلمـ ينتظر أن ينزل الله تعالى فيهما حكماً من عنده ..
    فبينما خولة عند رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    إذ هبط جبريل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    بقرآن فيه حكمها وحكم زوجها ..
    فالتفت صلى الله عليه وسلمـ إليها وقال : يا خويلة .. قد أنزل فيك ..
    وفي صاحبك قرآناً .. ثم قرأ "قد سمع الله قول التي تجادلك
    في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير "
    إلى آخر الآيات من أول سورة المجادلة ..
    ثم قال لهاصلى الله عليه وسلمـ مُريه فليعتق رقبة ..
    فقالت : يا رسول الله .. ما عنده ما يعتق ..
    قال :فليصم شهرين متتابعين ..
    قالت : والله إنه لشيخ كبير ما له من صيام ..
    قال : فليطعمـ ستين مسكيناً وسقاً من تمر ..
    قالت : يا رسول الله .. ما ذاك عنده ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ .. فإنا سنعينه بعرق من تمر ..
    قالت : والله يا رسول الله .. أنا سأعينه بعرق آخر ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ ..قد أصبت وأحسنت ..
    فاذهبي فتصدقي به عنه ..ثم استوصي بابن عمك خيراً ..
    فسبحان من وهبه اللين والتحمل مع الجميع ..
    حتى في مشاكلهم الشخصية .. يتفاعل معهم .. وقد جربت بنفسي ..
    التعامل باللين والمهارات العاطفية مع البنت والزوجة .. وقبل ذلك الأم والأخت ..
    فوجدت لها من التأثير الكبير .. ما لا يتصوره إلا من مارسه ..
    فالمرأة لا يكرمها إلا كريم .. ولا يهينها إلا لئيمـ ..
    ::لمحة ::
    ما كل ما يتمنى المرء يدركه .. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

  11. #211


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الثامن و الستـــــــــــون : لا تكن أُستاذيّاً !!..
    يقول الشيخـ :::: قارن بين ثلاثة آباء .. رأى كل واحد ولده جالساً ..
    عند التلفاز في أيام الامتحانات ..
    فقال الأول لولده : يا محمد .. ذاكر دروسك ..
    وقال الثاني : ماجد .. إذا ما ذاكرت دروسك والله لأضربك .. وأحرمك من المصروف .. و ..
    أما الثالث فقال : صالح .. لو تذاكر دروسك .. أحسن لك من التلفاز .. صح ؟!
    أيهم أحسن أسلوباً ..؟
    لا شك أنه الثالث .. لأنه قدم أمره على شكل اقتراح ..
    وكذلك في التعامل مع زوجتك .. سارة ليتك تعملين شاي ..
    هند أتمنى أتغدى مبكراً اليوم .. وكذلك ..
    عندما يخطئ إنسان .. عالج خطأه بأسلوب يجعله يشعر أن الفكرة فكرته هو ..
    ولدك يغيب عن الصلاة في المسجد ..
    قل له .. مثلاً .. سعد .. ما تريد تدخل الجنة .. بلى .. إذن حافظ على صلاتك ..
    في يوم من الأيام .. وفي خيمة أعرابي في الصحراء ..
    جعلت امرأة تتأوه تلد .. وزوجها عند رأسها ينتظر خروج المولود ..
    اشتد المخاض بالمرأة حتى انتهت شدتها وولدت ..
    لكنها ولدت غلاماً أسود !!
    نظر الرجل إلى نفسه .. ونظر إلى امرأته فإذا هما أبيضان ..
    فعجِبَ كيف صار الغلام أسود !! أوقع الشيطان في نفسه الوساوس ..
    لعل هذا الولد من غيرك !!
    لعلها زنى بها رجل أسود فحملت منه !! لعل ..
    اضطرب الرجل وذهب إلى المدينة النبوية ..
    حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وعنده أصحابه ..
    فقال : يا رسول الله .. إن امرأتي ولدت على فراشي غلاماً أسود !!
    وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط !!
    نظر النبيـ صلى الله عليه وسلمـ إليه .. وكان قادراً على أن يسمعه موعظة ..
    حول حسن الظن بالآخرين .. وعدم اتهام امرأته ..
    لكنه أراد أن يمارس معه في الحل أسلوباً آخر ..
    أراد أن يجعل الرجل يحل مشكلته بنفسه .. فبدأ يضرب له مثلاً يقرب له الجواب ..
    فما المثل المناسب له ..؟ هل يضرب له مثلاً بالأشجار ؟ أم بالنخل ؟ أم بالفُرْس والروم ؟
    نظر إليه صلى الله عليه وسلمـ فإذا الرجل عليه آثار البادية ..
    وإذا هو مضطرب تتزاحم الأفكار في رأسه حول امرأته ..
    فقال له صلى الله عليه وسلمـ : هل لك من إبل ؟
    قال : نعم ..
    قال : فما ألوانها ؟ قال : حمر ..
    قال : فهل فيها أسود ؟ قال : لا ..
    قال : فيها أورق ؟ قال : نعم ..
    قال : فأنى كان ذلك ؟!
    يعني : ما دام أنها كلها حمر ذكوراً وإناثاً .. وليس فيها أي لون آخر ..
    فكيف ولدت الناقة الحمراء ولداً أورق .. يختلف عن لونها ولون الأب ( الفحل ) ..
    فكر الرجل قليلاً .. ثم قال : عسى أن يكون نزعه عرق ..
    يعني قد يكون من أجداده من هو أورق .. فلا زال الشبه باقياً في السلالة ..
    فظهر في هذا الولد ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ .. فلعل ابنك هذا نزعه عرق ..
    سمع الرجل هذا الجواب ..فكر قليلاً فإذا هو جوابه هو .. والفكرة فكرته ..
    فاقتنع وأيقن .. ومضى إلى امرأته ..
    وفي يوم آخر .. جلسـ صلى الله عليه وسلمـ مع أصحابه .. فجعل يحدثهم عن أبوب الخير ..
    وكان مما ذكره .. أن قال : وفي بضع أحدكم صدقة .. أي وطء أحدكم امرأته له فيه أجر ..
    فعجب الصحابة وقالوا : يا رسول الله .. يأتي أحدنا شهوته .. ويكون له أجر ؟!!
    فأجابهم صلى الله عليه وسلمـ بجواب يشعرون به أن الفكرة فكرتهم ..
    فلا يحتاجون لنقاش لإقناعهم بها ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : أرأيتم لو وضعها في حرام .. أكان عليه وزر .. قالوا : نعم ..
    قال : فكذلك لو وضعها في حلال كان له أجر .. بل حتى أثناء الحوار مع الآخر ..
    تدرج معه عند النصح في الأشياء التي أنتما متفقان عليها ..
    خرج صلى الله عليه وسلمـ .. إلى مكة معتمراً في ألف وأربعمائة من أصحابه ..
    فمنعتهم قريش من دخول مكة ..
    ووقعت أحداث قصة الحديبية المشهورة ..في آخر الأمر وبعد مشاورات طويلة ..
    بين النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وقريش .. اتفقوا على صلح ..
    كان الذي تولى الاتفاق على بنود الصلح من جانب قريش هو سهيل بن عمرو ..
    اتفق النبيـ صلى الله عليه وسلمـ مع سهيل على شروط ..
    منها : أن يعود المسلمون أدراجهم إلى المدينة من غير عمرة ..
    وأن من دخل في الإسلام من أهل مكة وأراد أن يهاجر إلى المدينة ..
    فإن المسلمين في المدينة لا يقبلونه ..
    أما من ارتد عن إسلامه وأراد الذهاب إلى المشركين في مكة فإنه يقبل ..!!
    إلى غير ذلك من الشروط التي في ظاهرها أنها هزيمة للمسلمين وإذلال لهم ..
    كانت قريش في الواقع خائفة من هذا العدد الكبير من المسلمين ..
    وتعلم أن المسلمين لو شاءوا لفتحوا مكة .. ولهذا كانت قريش تضطر ..
    إلى التلطف والمصانعة .. وكأني بهم .. ما كانوا يحلمون أن يظفروا ولا بربع هذه الشروط ..
    كان أكثر الصحابة متضايقاً من شروط العقد ..لكن أنى لهم أن يعترضوا ..
    والذي يكتب العقد ويمضيه رجل لا ينطق عن الهوى ..كان عمر متحفزاً ..
    ينظر يميناً وشمالاً .. يتمنى لو يستطيع عمل شيء .. فلم يصبر ..
    وثب عمر فأتى أبا بكر .. وأراد أن يناقشه ..
    فمن حكمته .. لم يبدأ بالاعتراض .. وإنما بدأ بالأشياء التي هما متفقان عليها ..
    وجعل يسأل أبا بكر أسئلة جوابها .. بلى .. نعم .. صحيح ..
    فقال :يا أبا بكر .. أليس برسول الله ..؟!قال : بلى ..
    قال : أولسنا بالمسلمين ؟! قال : بلى ..
    قال : أوليسوا بالمشركين ؟! قال :بلى ..
    قال : أولسنا على الحق ؟ قال : بلى ..
    قال :أوليسوا على الباطل ؟قال : بلى ..
    قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟!
    فقال أبو بكر :يا عمر .. أليس هو رسول الله .؟
    قال : بلى .. قال : فالزم غِرْزه .. فإني أشهد أنه رسول الله ..
    أي كن وراءه تابعاً لا تخالفه أبداً .. كما أن غرزات الخيط في الثوب تكون متتابعة ..
    قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله .. مضى عمر .. حاول أن يصبر .. فلم يستطع ..
    فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فقال : يا رسول الله .. ألست برسول الله ؟! قال : بلى ..
    قال : أولسنا بالمسلمين .. ؟قال : بلى ..
    قال : أوليسوا بالمشركين .. ؟! قال : بلى ..
    قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟! فقال صلى الله عليه وسلمـ : أنا عبد الله ورسوله ..
    لن أخالف أمره .. ولن يضيعني ..
    سكت عمر .. ومضى الكتاب .. ورجع المسلمون إلى المدينة ..
    ومضت الأيام .. ونقضت قريش العهد .. وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فاتحاً مكة .. مطهراً البيت الحرام من الأصنام ..
    وأدرك عمر أنه كان في اعتراضه حينذاك على غير السبيل ..
    فكان رضيـ الله عنه يقول : ما زلت أصوم .. وأتصدق .. وأصلي .. وأعتق ..
    من الذي صنعت يومئذ .. مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ ..
    حتى رجوت أن يكون خيراً .. فلله در عمر .. ودر رسول الله صلى الله عليه وسلمـ قبله ..
    كيف نستفيد أكثر من هذه المهارة ؟
    لو كان ولدك لا يعتني بحفظ القرآن .. وتريده أن يزداد حرصاً ..
    ابدأ بالأشياء التي أنتما متفقان عليها .. ألا تريد أن يحبك الله ..
    ألا تريد أن ترتقي في درجات الجنة .. سيجيبك حتماً : بلى ..
    عندها قدم النصيحة على شكل اقتراح .. إذن فلو أنك شاركت في حلقة تحفيظ القرآن ..
    وكذلك أنتِ : لو رأيتِ امرأة لا تعتني بحجابها ..
    ابدئي معها بالأشياء التي أنتما متفقتان عليها ..
    أنا أعلم أنك مسلمة .. وحريصة على الخير .. ستقول : صحيح .. الحمد لله ..
    وامرأة عفيفة .. وتحبين الله .. ستقول : إي والله .. الحمد لله ..
    عندها قدمي النصيحة على شكل اقتراح : فلو أنك اعتنيت بحجابك أكثر ..
    وحرصت على الستر ..
    هكذا يمكننا أن نحصل على ما نريد من الناس من غير أن يشعروا ..


    :: بارقة ::
    تستطيع أن تأكل العسل دون تحطيم الخلية ..

  12. #212


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ التاسع و الستـــــــــــون : أمسك العصا من النصف !!
    يقول الشيخـ :::: أشكرك على اختيارك مهنة التدريس .. وقد آتاك الله أسلوباً حسناً ..
    وطلابك يحبونك كثيراً .. ولكن .. ليتك ما تتأخر على الدوام في الصباحـ ..
    أنت جميلة والبيت مرتب ولا أنكر أن الأولاد متعبون ..
    ولكن .. أتمنى أن تهتمي بملابسهم أكثر هكذا كان أسلوب صالح مع الناس ..
    يذكر الجوانب المشرقة عند المخطئ ثم ينبهه على أخطائه .. ليكون عادلاً ..
    عندما تنتقد حاول أن تذكر جوانب الصواب في المخطئ .. قبل غيرها ..
    حاول دائماً أن تشعر الذي أمامك أن نظرتك إليه مشرقة ..
    وأنك عندما تنبهه على أخطائه لا يعني ذلك أنه سقط من عينك ..
    أو أنك نسيت حسناته ولا تذكر إلا سيئاته ..
    لا .. بل أشعره أن ملاحظاتك عليه تغوص في بحر حسناته ..
    كان النبيـ صلى الله عليه وسلمـ محبوباً بين أصحابه ..
    وكان يمارس أساليب رائعة في التعامل معهم ..
    وقف مرة بينهم .. فشخص ببصره إلى السماء .. كأنه يفكر أو يترقب شيئاً ..
    ثم قال : هذا أوانُ يختلس العلم من الناس .. حتى لا يقدروا منه على شيء ..
    أي : يُعرض الناس عن القرآن وتعلمه .. وعن العلم الشرعي ..
    فلا يحرصون عليه ولا يفهمونه ..
    فيُختلسُ منهم .. أي : يرفع عنهم ..فقام صحابي جليل ..
    هو زياد بن لبيد الأنصاري وقال بكل حماس : يا رسول الله ، وكيف يختلس منا ؟!
    وقد قرأنا القرآن ! فوالله لنقرأنه ، ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا ..
    فنظر إليه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. فإذا شاب يتفجر حماساً وغيرة على الدين ..
    فأراد أن ينبهه على فهمه .. فقال :ثكلتك أمك يا زياد ،إني كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ..
    وهذا ثناء على زياد .. أن يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    أمام الناس إنه من فقهاء المدينة ..
    هذا ذكر لجوانب الصواب والصفحات المشرقة لزياد .. ثم قال صلى الله عليه وسلمـ ..
    هذا التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم ؟! ..
    أي ليست العبرة يا زياد بوجود القرآن ..
    وإنما العبرة بقراءته ومعرفة معانيه والعمل بأحكامه ..
    هكذا كان تعامله رائعاً .. وفي يوم آخر .. يمر صلى الله عليه وسلمـ ..
    ببعض قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلامـ ..
    وكان يختار أحسن العبارات لأجل ترغيبهم في الاستجابة له والدخول في الإسلام ..
    فمر بقبيلة منهم .. اسمهم : بنو عبد الله .. فدعاهمـ إلى الله ..
    وعرض عليهم نفسه .. وجعل يقول لهم : يا بنيـ عبد الله .. إن الله قد أحسن اسم أبيكم ..
    يعني لستم ببني عبد العزى .. أو بني عبد اللات .. وإنما أنتم بنو عبد الله ..
    فليس في اسمكم شرك فادخلوا في الإسلام ..
    بل كان من براعته صلى الله عليه وسلمـ .. أنه كان يرسل رسائل غير مباشرة إلى الناس ..
    يذكر فيها إعجابه بهم .. ومحبته الخير لهم .. فإذا بلغتهم هذه الرسائل ..
    عملت فيهم من التأثير أكثر مما تعمله .. ربَّما .. الدعوة المباشرة ..
    كان خالد بن الوليد رضيـ الله عنه بطلاً .. ولم يكن بطلاً عادياً ..
    بل كان بطلاً مغواراً .. يضرب له ألف حساب .. وكان النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    يتشوق لإسلامه .. لكن أنى له ذلك .. وخالد ما ترك حرباً ضد المسلمين إلا خاضها ..
    بل كان هو من أكبر أسباب هزيمة المسلمين في معركة أحد ..
    قال فيه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يوماً .. لو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره ..
    فكيف كان تأثير ذلك ؟
    خذ القصة من أولها .. كان خالد من أشداء الكفار وقادتهم ..
    لا يكاد يفوت فرصة إلا حارب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلمـ أو ترصّد له ..
    فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ مع المسلمين إلى الحديبية ..
    وأرادوا العمرة ..خرج خالد في خيل من المشركين ..
    فلقوا النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    وأصحابه بموضع يقال له : عسفان ..فقام خالد قريباً منهم يتحين الفرصة ..
    ليصيب رسول الله صلى الله عليه وسلمـ برمية سهم أو ضربة سيف ..
    جعل يترصد ويترقب .. فصلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    بأصحابه صلاة الظهر أمامهمـ .. فهموا أن يهجموا عليهم .. فلم يتيسر لهمـ ..
    فكأن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ علم بهمـ ..
    فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف ..
    أي قسم أصحابه إلى فريقينـ .. فريق يصلي معه وفريق يحرسـ ..
    فوقع ذلك من خالد وأصحابه موقعاً .. وقال في نفسه : الرجل ممنوع عنا ..
    أي هناك من يحميه ويمنع عنه الأذى !!
    ثم ارتحل صلى الله عليه وسلمـ وأصحابه .. وسلكوا طريقاً ذات اليمين ..
    لئلا يمروا بخالد وأصحابه ..
    وصل صلى الله عليه وسلمـ إلى الحديبية ..
    صالح قريشاً على أن يعتمر في العام القادم .. ورجع إلى المدينة ..
    رأى خالد أن قريشاً لا يزال شأنها ينخفض في العرب يوماً بعد يوم ..
    فقال في نفسه : أي شيء بقي ؟ أين أذهب ؟ إلى النجاشي ؟ ..
    لا .. فقد اتبع محمداً وأصحابه عنده آمنون ..فأخرج إلى هرقل ؟.. لا ..
    أخرج من ديني إلى نصرانية ؟.. أو يهودية ؟ وأقيم في عجم ؟..
    فبنما خالد يفكر في شأنه .. ويتردد .. والأيام والشهور تمضي عليه ..
    إذ جاء موعد عمرة المسلمين .. فأقبلوا إلى المدينة ..
    دخل صلى الله عليه وسلمـ مكة معتمراً ..
    فلم يحتمل خالد رؤية المسلمين محرمين .. فخرج من مكة ..
    وغاب أياماً أربعة وهي الأيام التي قضاها النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في مكة ..
    قضى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ عمرته ..
    وجعل ينظر في طرقات مكة وبيوتها .. ويستعيد الذكريات ..
    تذكر البطل خالد بن الوليد .. فالتفت إلى الوليد بن الوليد .. وهو أخو خالد ..
    وكان الوليد مسلماً قد دخل مع النبيـ صلى الله عليه وسلمـ معتمراً ..
    وأراد صلى الله عليه وسلمـ أن يبعث إلى خالد رسالة غير مباشرة ..
    يرغبه فيها بالدخول في الإسلام ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ للوليد : أين خالد ؟ فوجئ الوليد بالسؤال ..
    وقال : يأتي الله به يا رسول الله ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : " مثله يجهل الإسلام !!
    ولو كان جعل نكايته وَحَدَّه مع المسلمين .. كان خيراً له ..
    ثم قال : ولو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره ..
    استبشر الوليد .. وجعل يطلب خالداً ويبحث عنه في مكة .. فلم يجده ..
    فلما عزموا على الرجوع للمدينة ..كتب الوليد كتاباً إلى أخيه ..
    بسم الله الرحمن الرحيم .. أما بعد .. فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ..
    وعقلك عقلك ! ومثل الإسلام يجهله أحد ؟
    وقد سألنيـ رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    عنك وقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتي الله به ..
    فقال : مثله جهل الإسلام !! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّه مع المسلمين ..
    كان خيراً له .. ولو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره ..
    فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة ..
    قال خالد : فلما جاءنيـ كتابه .. نشطت للخروج .. وزادني رغبة في الإسلام ..
    وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    عني .. وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة .. فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة ..
    فقلت : إن هذه لرؤيا حق ..
    فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    قلت : من أصاحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ؟!
    فلقيت صفوان بن أمية .. فقلت : يا أبا وهب أما ترى ما نحن فيه ؟
    إنما نحن كأضراس يطحن بعضها بعضاً ..وقد ظهر محمد على العرب والعجم ..
    فلو قدمنا على محمد واتبعناه .. فإن شرف محمد لنا شرف ؟
    فأبى أشد الإباء .. وقال : لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً ..
    فافترقنا .. وقلت في نفسي : هذا رجل مصاب .. قتل أخوه وأبوه بمعركة بدر ..
    فلقيت عكرمة بن أبي جهل .. فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أمية ..
    فقال لي مثل ما قال لي صفوان بن أمية .. قلت : فاكتم علي خروجي إلى محمد ..
    قال : لا أذكره لأحد .فخرجت إلى منزلي .. فأمرت براحلتي فخرجت بها ..
    إلى أن لقيت عثمان بن طلحة .. فقلت : إن هذا لي صديق ..
    فلو ذكرت له ما أرجو .. ثم ذكرت من قتل من آبائه في حربنا مع المسلمين ..
    فكرهت أن أذكِّره .. ثم قلت : وما علي أن أخبره .. وأنا راحل في ساعتي هذه !..
    فذكرت له ما صار أمر قريش إليه .. وقلت ..
    إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر .. لو صُب عليه ذنوب من ماء لخرج ..
    وقلت له نحواً مما قلت لصاحبَيْ ..
    فأسرع الإستجابة وعزم على الخروج معي للمدينة !..
    فقلت له : إني خرجت هذا اليوم .. وأنا أريد أن أمضي للمدينة ..
    وهذه راحلتي مجهزة لي على الطريق ..
    قال : فتواعدنا أنا وهو في موضع يقال له "يأجج " ..
    إن سبقني أقام ينتظرني .. وإن سبقته أقمت أنتظره ..
    فخرجت من بيتي آخر الليل سَحَراً .. خوفاً من أن تعلم قريش بخروجنا ..
    فلم يطلع الفجر حتى التقينا في "يأجج" .. فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة ..
    فوجدنا عمرو بن العاص على بعيره .. قال : مرحباً بالقوم .. إلى أين مسيركم ؟
    فقلنا : وما أخرجك ؟ فقال : وما أخرجكم ؟
    قلنا : الدخول في الإسلام .. واتباعـ محمد صلى الله عليه وسلمـ ..
    قال : وذاك الذي أقدمني .. فاصطحبنا جميعاً حتى دخلنا المدينة ..
    فأنخنا بظهر الحرة ركابنا .. فأُخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فسر بنا ..
    فلبست من صالح ثيابي .. ثم توجهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلقيني أخي فقال :
    أسرع .. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. قد أُخبر بك فسُرَّ بقدومك وهو ينتظركم ..
    فأسرعنا السّير .. فأقبلت إلى رسول الله أمشي ..
    فلما رآني من بعيد تبسّم .. فما زال يتبسم إليَّ حتى وقفت عليه ..
    فسلمت عليه بالنبوة .. فرد على السلام بوجه طلْق ..
    فقلت : إني أشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله ..
    فقال : " الحمد لله الذي هداك .. قد كنت أرى لك عقلاً .. رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير " ..
    قلت : يا رسول الله .. إني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك ..
    معانداً للحق .. فادع الله أن يغفرها لي ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ .. " الإسلام يجب ما كان قبله " ..
    قلت : يا رسول الله .. على ذلك .. فاستغفر لي ..
    قال : " اللهم اغفر لخالد بن الوليد .. كل ما أَوْضع فيه .. من صد عن سبيل الله " ..
    ومن يعدها كان خالد رأساً من رؤوس هذا الدين ..
    أما إسلامه فكان برسالة غير مباشرة وصلت إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فما أحلمه صلى الله عليه وسلمـ وأحكمه ..
    فلنتبع مثل هذه المهارات في التأثير في الناس ..
    فلو رأيت شخصاً يبيع دخاناً في بقالة فأردت تنبيهه ..
    فأثن أولاً على بقالته ونظافتها .. وادعُ له بالبركة في الربح ..
    ثم نبهه على أهمية الكسب الحلال .. ليشعر أنك لم تنظر إليه بمنظار أسود ..
    بل أمسكت العصا من النصف ..كن ذكياً ..
    ابحث عن أي حسنات فيمن أمامك تغمر فيها سيئاته ..
    أحسن الظن بالآخرين .. ليشعروا بعدلك معهم فيحبوك ..

    :: لمحة ::
    عندما يقتنع الناس أننا نلحظ حسناتهم .. كما نلحظ سيئاتهم .. يقبلون منا التوجيه ..

  13. #213


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ السبعــــــــــون : فهم الأخطاء ..
    يقول الشيخـ :::: كما أن الناس يختلفون في طباعهم وأشكالهمـ ..
    كذلك هم يختلفون في وجهات نظرهم .. وفي قناعاتهم وتصرفاتهمـ ..
    فإذا شعرت أن أحداً خالف الصواب .. ونصحته وحاولت إصلاح خطئه ولم يقتنع ..
    فلا تصنف اسمه من بين أعدائك .. وخذ الأمور بأريحية قدر المستطاع ..
    فلو حاولت إصلاح خطأ عند أحد زملائك فلم يستجب .. فلا تقلب الصداقة عداوة ..
    وإنما استمر في التلطف فلعله أن يبقى على خطئه ولا يزيد ..
    وقد قيل : حنانيك بعض الشر أهون من بعضـ ..
    إذا تعاملت مع الناس بهذه الأريحية .. فلم تغضب على كل صغيرة وكبيرة .. عشت سعيداً ..
    قالت عائشة رضيـ الله عنها .. ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ لنفسه قط ..
    وما ضرب شيئاً قط بيده .. ولا امرأة .. ولا خادماً ..
    إلا أن يجاهد في سبيل الله .. وما نيل منه شيء قط .. فينتقم من صاحبه ..
    إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله ..
    إذن .. كان صلى الله عليه وسلمـ يغضب .. لكنه غضبه لله .. لا يغضب لنفسه ..
    وحتى نفهم الفرق بين الغضبين :
    افرض أن ولدك الصغير جاءك ذات صباح وطلب ريالاً أو ريالين مصروفاً للمدرسة ..
    فبحثت في محفظة نقودك .. فلم تجد إلا فئة الخمسمائة ريال .. فأعطيتها له ..
    وقلت : هذه خمسمائة ريال .. اصرف منها ريالين .. وأرجع الباقي ..
    وأكدت عليه وكررت .. فلما رجع بعد الظهر فإذا المال كله قد صرفه ..
    فماذا ستفعل ؟.. وكيف سيكون غضبك ..؟ قد تضرب وتعنف وتمنعه من مصروفه أياماً ..
    ولكن لو رجعت مرة من صلاة العصر ووجدته يلعب بالكمبيوتر .. أو عند التلفاز ..
    ولم يصل في المسجد .. فهل ستغضب كغضبك الأول ؟
    أظننا نتفق أن غضبنا الأول سيكون أشد وأطول وأكثر تأثيراً من غضبنا الثاني ..
    أما رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فكان غضبه لله ..
    وكان يعرض النصيحة أحياناً ولا تقبل .. فياخذ الأمر بهدووووء .. فالهداية بيد الله ..
    قدم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ إلى تبوك على حدود الشام ..
    اقترب من مملكة الروم .. فبعث دحية الكلبي رضيـ الله عنه رسولاً إلى هرقل ملك الروم ..
    وصل دحية رضيـ الله عنه إلى هرقل .. دخل عليه ..
    ناوله كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلما أن رأى هرقل الكتاب دعا قسيسي الروم وبطارقتها ..
    ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال :
    " قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم .. وقد أرسل إليَّ أن يدعوني إلى ثلاث خصال ..
    يدعوني : أن أتبعه على دينه ..أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا ..
    أو نلقي إليه الحرب .. ثم قال هرقل :والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب ليأخذن أرضنا ..
    فهلمَّ فلنتبعه على دينه .. أو نعطيه مالنا على أرضنا .. فلما سمع القساوسة ذلك ..
    ورأوا أنه يدعوهم لترك دينهم ! غضبوا .. ونخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم ..
    أي سقطت أرديتهم من شدة الغضب والانتفاض !!
    وقالوا : تدعونا إلى أن نذر النصرانية .. أو نكون عبيداً لأعرابي جاء من الحجاز .!!
    أسقط في يد هرقل .. وأيقن أنه تورط بعرضه عليهم ..
    وكان هؤلاء القساوية لهم سطوة وجمهور قوي ..
    فعلم هرقل أنهم إن خرجوا من عنده .. أفسدوا عليه الروم ..
    فجعل يهدئهم .. ويقول : إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم ..
    كان هرقل يعلم أن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    هو الرسول الذي بشر به عيسى صلى الله عليه وسلمـ ..
    فأراد أن يتأكد من ذلك ..
    دعا هرقل رجلاً من عرب قبيلة "تجيب" .. كان من نصارى العرب ..
    وقال له : ادع لي رجلاً حافظاً للحديث .. عربيَّ اللسان .. أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه ..
    مضى ذاك التجيبي .. وجاء برجل من بني تنوخ .. من نصارى العرب ..
    دفع هرقل كتاباً لهذا التنوخي ليوصله لرسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وقال له : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل ..
    فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال ..
    انظر هل يذكر صحيفته إلى التي كتب بشيء ..؟
    وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل ؟ وانظر في ظهره هل به شيء يريبك ؟
    مضى التنوخي كفارقاً للشام .. حتى وصل إلى تبوك ..
    فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ جالس بين ظهراني أصحابه ..
    محتبياً على الماء .. فوقف التنوخي عليهم .. وقال : أين صاحبكم ؟
    قيل : ها هو ذا .. فأقبل يمشي حتى جلس بين يديه ..
    فناوله كتاب هرقل ..
    فأخذه صلى الله عليه وسلمـ .. فوضعه في حِجْره .. ثم قال : " ممن أنت " .. ؟
    قال : أنا أخو تنوخ ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : " هل لك إلى الإسلام .. الحنيفية .. ملة أبيك إبراهيم ؟
    كان صلى الله عليه وسلمـ راغباً في دخول هذا الرجل في الإسلام ..
    في الحقيقة لم يكن هناك ما يمنع التنوخي من اتباع الحق ..
    إلا التعصب لدين قومه .. فحسب !!
    فقال التنوخي بكل صراحة : إني رسول قوم .. وعلى دين قومي ..
    لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم ..
    فما رأى صلى الله عليه وسلمـ هذا التعصب .. لم يغضب .. ولم يعمل مشكلة ..
    وإنما ضحك وقال :
    " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " ..
    ثم قال صلى الله عليه وسلمـ بكل هدوء :
    يا أخا تنوخ .. إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه والله ممزقه وممزق ملكه ..
    وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها والله مخرق ملكه ..
    وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها ..
    فلن يزال الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير ..
    تذكر التنوخي وصية هرقل .. وقال في نفسه : هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي ..
    فخشي أن ينساها .. فأخذ سهماً من جعبته فكتبها في جنب سيفه ..
    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ناول الصحيفة رجلاً عن يساره ..
    فقال التنوخي : من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم ؟
    قالوا : معاوية ..
    بدأ معاوية رضيـ الله عنه يقرأ .. فإذا هرقل قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين !! فأين النار ؟
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : " سبحان الله ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!‍ أين الليل إذا جاء النهار " .
    فانتبه التنوخي أن هذه الثانية التي أمره هرقل بترقبها ..
    فأخذ سهماً من جعبته فكتبه في جلد سيفه ..
    فلما أن فرغ معاوية من قراءة الكتاب ..
    التفت صلى الله عليه وسلمـ إلى التنوخي .. الذي لم يقبل النصح ..
    ولم يدخل في الدين .. وقال له متلطفاً :
    إن لك حقاً وإنك لرسول .. فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها .. إنا سِفْر مُرمِلون ..
    يعني أتمنى أن أعطيك هدية .. لكننا كما ترانا مسافرين جالسين على الرمال !!
    فقال عثمان رضيـ الله عنه : أنا أجوزه يا رسول الله ..
    ثم قام عثمان ففتح رحله .. فأتى بحلة ولباس فوضعها في حجر التنوخي ..
    ثم قال صلى الله عليه وسلمـ الكريم : " أيكم ينزل هذا الرجل ؟ " ..
    يعني يقوم بحق ضيافته !! فقال فتى من الأنصار : أنا ..
    فقام الأنصاريـ وقام التنوخي يمشي معه ..
    وباله مشغول بالأمر الثالث الذي أمره هرقل أن يتأكد له منه ..
    وهو خاتم النبوة بين كتفي النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    مشى التنوخي خطوات .. وفجأة .. إذا برسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    يصيح به : " تعال يا أخا تنوخ " ..!!
    فأقبل التنوخي يهوي مسرعاً .. حتى قام بين يدي النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    فحل صلى الله عليه وسلمـ حبوته .. ثم أسقط رداءه عن ظهره .. فانكشف ظهره للتنوخي ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ :" هاهنا امض لما أمرت به " ..
    قال التنوخي : فنظرت في ظهره .. فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف ..
    مثل الحجمة الضخمة ..

    :: فكرة ::
    المقصود أن يدرك الناس أخطاءهم .. وليس شرطاً أن يصححوها أمامك .. فلا تغضب ..

  14. #214


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الحادي و السبعــــــــــون : اجعل معالجة الخطأ سهلة ..
    يقول الشيخـ :::: تتنوع الأخطاء التي تقع من الناس كبراً وصغراً ..
    ومهما كان حجم الخطأ فإنه يمكن علاجه ..
    نعم قد لا يفيد العلاج في إصلاح ما أفسده الخطأ 100% ..
    لكنه على الأقل يصلح أكثر الفاسد .. عدد غير قليل من الناس لا يسعى ..
    إلى إصلاح أخطائه لشكه في قدرته أصلاً على علاجها ..
    وأحياناً تكون طريقتنا في التعامل مع الأخطاء هي جزء من الخطأ نفسه ..
    يقع ولدي في خطأ فألومه وأحقره وأعظِّم عليه الخطأ حتى يشعر بأنه ..
    سقط في بئر ليس له قاع !! فييأس من الإصلاح .. ويبقى على ما هو عليه ..
    وقد تقع في الخطأ زوجتي أو يقع فيه صديقي ..
    فإذا أشعرته أنه أخطأ ولكن الطريق لم ينقطع بعد فمعالجة الخطأ سهلة ..
    والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ..
    جاء رجل إلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يبايعه على الهجرة ..
    وقال : إني جئت أبايعك على الهجرة .. وتركت أبوي يبكيان ..
    فلم يعنفه صلى الله عليه وسلمـ .. أو يحقر فِعْله .. أو يصغر عقله ..
    فالرجل جاء بنية صالحة ويرى أنه فعل الأصلح ..
    أشعره صلى الله عليه وسلمـ أن معالجة الخطأ سهلة ..
    فقال له بكل بساطة : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما وانتهى الأمر ..
    كان صلى الله عليه وسلمـ يتعامل مع الناس بأساليب تربي فيهم الرغبة في الخير ..
    وتشعرهم أنهم إلى الخير أقرب .. حتى وإن وقعوا في أخطاء ..
    وبين يدي حادثة مروّعة .. الشاهد منها آخرُها ..
    لكني سأوردها من أولها رغبة في الفائدة ..
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلمـ إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين نسائه ..
    فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه .. فلما أراد الخروج إلى غزوة بني المصطلق ..
    أقرع بينهن فخرج سهم عائشة .. فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وذلك بعدما أنزل الحجاب .. وكانت تحمل في هودج .. فإذا نزلوا نزلت من هودجها ..
    وقضت حاجاتها .. فإذا أرادوا الارتحال ركبت فيه ..
    فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلمـ من غزوته ..
    توجه قافلاً إلى المدينة .. حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فبات به بعض الليل ..
    ثم آذن الناس بالرحيل .. فبدأ الناس يجمعون متاعهم للرحيل ..
    فخرجت عائشة لبعض حاجتها .. وفي عنقها عقد لها فيه جزع ظفار ..
    فلما فرغت من حاجتها .. انسل العقد من عنقها وهي لا تدري ..
    فلما رجعت العسكر .. وأرادت الدخول في هودجها .. لمست عنقها فلم تجد العقد ..
    وقد بدأ الناس في الرحيل .. فرجعت سريعاً إلى مكانها الذي قضت فيه حاجتها ..
    فأخذت تبحث عنه .. وأبطأت .. وجاء القوم فحملوا هودجها وهم يظنون أنها فيه ..
    فاحتملوه .. فشدوه على البعير .. ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ..
    وسار الجيش .. أما عائشة فبعد بحث طويل .. وجدت العقد .. فعادت إلى مكان الجيش ..
    قالت عائشة :فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب .. قد انطلق الناس ..
    فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي ..
    فتلففت بجلبابي .. فبينما أنا جالسة في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت ..
    فوالله إني لمضطجعة إذ مرَّ بي صفوان بن المعطل ..
    وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته .. فلم يبت مع الناس ..
    فرأى سواد إنسان نائم .. فأتاني فعرفني حين رآني ..
    وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علينا ..
    فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .. ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ؟
    فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ..
    ووالله ما كلمني كلمة .. ولا سمعت منه غير استرجاعه ..
    حتى أناخ راحلته .. فوطئ على يديها ..
    فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس ..
    فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدوني حتى أصبحنا .. فوجدناهم نازلين ..
    فبينما هم كذلك .. إذ طلع الرجل يقود بي البعير ..
    فقال أهل الإفك ما قالوا .. وارتجَّ العسكر .. ووالله ما أعلم بشيء من ذلك ..
    ثم قدمنا المدينة .. فلم ألبث أن مرضت واشتكيت شكوى شديدة ..
    وأنا لا يبلغني من كلام الناس شيء ..
    وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وإلى أبويَّ ..
    وهم لا يذكرون لي منه قليلاً ولا كثيراً ..
    إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بعض لطفه بي ..
    كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي .. فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك ..
    بل كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال : كيف تيكم ؟ لا يزيد على ذلك ..
    حتى وجدت في نفسي .. فلما رأيت جفاءه لي قلت ..
    يا رسول الله .. لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرضتني .. قال : لا عليك ..
    فانتقلت إلى أمي ولا علم لي بشيء مما كان ..
    حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة ..
    فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح بنت خالة أبي بكر رضيـ الله عنه ..
    فوالله إنها لتمشي معي إذ تعثرت في مِرطها .. وسقطت أو كادت ..
    فقالت : تعس مسطح .. قلت : بئس لعمر الله ما قلت .. تسبين رجلاً قد شهد بدراً ؟
    فقالت : أي هنتاه .. أولم تسمعي ما قال ؟ أوما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ..
    قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك ..
    قلت : أوقد كان هذا ؟ قالت : نعم والله لقد كان ..
    فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت .. فازددت مرضاً إلى مرضي ..
    فوالله ما زلت أبكي .. حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ..
    وقلت لأمي : يغفر الله لك .. تحدث الناس بما تحدثوا يه .. ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً ..
    قالت :أي بنية خففي عليك الشأن .. فوالله لقلَّ ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ..
    ولها ضرائر إلا كثّرن .. وكثّر الناس عليها ..
    قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟
    فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت .. لا يرقأ لي دمع .. ولا أكتحل بنومـ ..
    ثم أصبحت أبكي ..هذا حال عائشة ..
    تتهم بذلك وهي الفتاة التي لم يتجاوز عمرها خمس عشرة سنة .. تتهم بالزنا ..
    وهي العفيفة الشريفة .. زوجة أطهر الناس .. التي ما كشفت سترها .. ولا هتكت عرضها ..
    هذا حالها تبكي في بيت أبويها ..
    أما حال رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فلا يبعد حزناً وهماً .. عن عائشة ..
    فلا جبريل يرسل .. ولا القرآن ينزل .. ويبقى صلى الله عليه وسلمـ متحيراً في أمره ..
    وقد كبر عليه اتهام المنافقين .. وكلام الناس في عرضه زوجه ..
    فلما طال الأمر عليه .. قام صلى الله عليه وسلمـ في الناس فخطبهم ..
    فحمد الله .. وأثنى عليه .. ثم قال :
    أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي .. ويقولون عليهم غير الحق ..
    والله ما علمت عليهم إلا خيراً .. ويقولون ذلك لرجل .. والله ما علمت منه إلا خيراً ..
    ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي ..
    فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلمـ تلك المقالة ..
    قام أمير الأوس سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفك إياهم ..
    وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم ..
    فلما سمع ذلك أمير الخزرج سعد بن عبادة قام .. وكان رجلاً صالحاً ..
    لكن أخذته الحمية ..قام فقال : كذبت لعمر الله .. ما تضرب أعناقهم ..
    أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ؟
    ولو كانوا من قومك ما قلت هذا ..
    فقال أسيد بن حضير : كذبت لعمر الله .. والله لنقتلنه ..
    ولكنك منافق تجادل عن المنافقين ..
    ثم ثار الناس بعضهم إلى بعض .. حتى كادوا أن يقتتلوا ..
    ورسول الله صلى الله عليه وسلمـ قائم على المنبر ..
    فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا .. وسكت ..
    فلما رأى صلى الله عليه وسلمـ ذلك .. نزل فدخل بيته ..
    ولما رأى أن الأمر لا يمكن حله من جهة عموم الناس ..
    أراد أن يجد حلاً من جهة أهل بيته .. وأخص الناس به ..
    فدعا علياً وأسامة بن زيد .. فاستشارهما ..
    فأما أسامة فأثنى على عائشة خيراً وقال : يا رسول الله ..
    أهلك وما نعلم منهم إلا خيراً .. وهذا الكذب والباطل ..
    وأما علي فإنه قال : يا رسول الله إن النساء لكثير .. وإنك لقادر على أن تستخلف ..
    وسل الجارية فإنها ستصدقك .. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بريرة ..
    فقال : أي بريرة .. هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟
    فقالت بريرة : لا .. والذي بعثك بالحق نبياً ..
    والله ما أعلم إلا خيراً .. وما كنت أعيب على عائشة شيئاً ..
    إلا أنها جارية حديثة السن .. فكنت أعجن عجيني .. فآمرها أن تحفظه فتنام عنه ..
    فتأتي الشاة فتأكله .. نعم .. كيف ترى الجارية على عائشة ريبة ..
    وهي الفتاة الصالحة التي رباها صديق الأمة أبو بكر .. وتزوجها سيد ولد آدم ..
    بل كيف تقع في ريبة .. وهي أحب الناس إلى رسول الله ..
    ولم يكن صلى الله عليه وسلمـ يحب إلا طيباً ..
    فهي البريئة المبرأة .. ولكن الله يبتليها ليعظم أجرها .. ويرفع ذكرها ..
    وتمضي على عائشة الأيام .. والآلام تلد الآلام.. وهي تتقلب على فراش مرضها ..
    لا تهنأ بطعام ولا شراب .. وقد حاول رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    أن يحل المشكلة .. بخطبة على رؤوس الناس فكادت أن تقع الحرب بين المسلمين ..
    وحاول أن يحلها في بيته ويسأل علياً وزيداً .. فلم يخرج بشيء ..
    فلما رأى ذلك .. أراد أن ينهي الأمر من جهة عائشة ..
    قالت رضي الله عنها : وبكيت يومي ذلك لا ترقأ لي دمعه .. ولا اكتحل بنوم ..
    ثم بكيت ليلتي المقبلة لا ترقأ لي دمعه ولا أكتحل بنوم ..
    وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي .. فأقبل يحث الخطى إلى بيت أبي بكر ..
    فاستأذن .. ودخل عليها وعندها أبوها وأمها .. وامرأة من الأنصار ..
    وهي أول مرة يدخل فيها بيت أبي بكر .. منذ قال الناس ما قالوا ..
    وما رأى عائشة منذ قرابة الشهر ..
    وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شيء في شأن عائشة ..
    دخل صلى الله عليه وسلمـ على عائشة .. فإذا طريحة الفراش ..
    وكأنها فرخ منتوف من شدة البكاء والهم ..
    وإذا هي تبكي .. والمرأة تبكي معها .. لا يملكان من الأمر شيئاً ..
    فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فحمد الله وأثنى عليه ..
    ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا .. وذكر صلى الله عليه وسلمـ ..
    خبر الإفك .. وما أشيع من وقوعها في خطأ كبير .. ثم أراد صلى الله عليه وسلمـ ..
    أن يبين لها أن الإنسان مهما وقع في خطأ فإن معالجة هذا الخطأ ليست صعبة ..
    فقال لها : فإن كنت بريئه فسيبرئك الله عز وجل .. وإن كنت ألممت بذنب ..
    فاستغفري الله عز وجل وتوبي إليه .. فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب .. تاب الله عليه ..
    هكذا .. حل سهل للخطأ .. إن كان قد وقع .. دون تعقيد وتطويل ..
    قالت عائشة : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    مقالته .. قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ..
    وانتظرت أبويَّ أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فلم يتكلما ..
    فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فيما قال .. فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلمـ !
    ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام ..
    فلما استعجما علي .. استعبرت فبكيت ؟
    ثم قلت : لا .. والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً ..
    إني والله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ..
    ولئن قلت لكم إني بريئة .. والله عز وجل يعلم إني بريئة .. لا تصدقوني ..
    وإن اعترفت لكم بأمر .. والله يعلم أني منه بريئة .. تصدقوني ..
    وإني والله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف :
    ] فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ ..
    قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ..
    وأنا والله أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ..
    ولكن والله ما كنت أظن أن يَنزِلَ في شأني وحيٌ يتلى ..
    ولشأني كان أحقرَ في نفسي من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى ..
    ولكن كنت أرجو أن يرى رسولُ الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    في النوم رؤيا يبرئني الله عز وجل بها ..
    فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلمـ مجلسه .. ولا خرج من أهل البيت أحد ..
    حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه .. وأنزل الله على نبيه ..
    فأما أنا حين رأيته يوحى إليه .. فوالله ما فزعت .. وما باليت ..
    قد عرفت أني بريئة .. وأن الله غير ظالمي .. وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ..
    ما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    حتى ظننت لتخرجن أنفسهما .. فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس ..
    فلما سُرّي عنه صلى الله عليه وسلمـ .. فإذا هو يضحك ..
    فجعل يمسح العرق عن وجهه .. وكان أول كلمة تكلم بها ..
    أن قال .. أبشري يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك .. فقلت : الحمدلله ..
    وأنزل الله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
    لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عظيم *
    لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ *
    لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [ ..
    وتوعد الله أولئك بقوله :] إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا
    لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ ..
    ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلمـ إلى الناس .. فخطبهم ..
    وتلا عليهم ما أنزل الله من القران في ذلك .. ثم أقام حد القذف على من قذف ..
    إذن .. ينبغي أن تتعامل مع المخطئ على أنه مريض يحتاج إلى علاج ..
    لا أن تبالغ في كبته وتعنيفه .. لأنه قد يصل إلى درجة يشعر معها أنك فرحٌ بهذا الخطأ
    والطبيب الناصح هو الذي يهتم بصحة مرضاه أكثر من اهتمامهم هم بأنفسهم ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ : إنما مثلي ومثل الناس .. كمثل رجل استوقد ناراً ..
    فلما أضاءت ما حوله .. جعل الفَرَاشُ وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها ..
    فجعل ينزعهن .. ويغلبنه فيقتحمن فيها !!
    فأنا آخذٌ بحجَزِكُم عن النار .. وأنتم تقحمون فيها ..
    :: رأي ::
    أحياناً تكون طريقتنا في التعامل مع الأخطاء أكبر من الخطأ نفسه ..

  15. #215


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الثاني و السبعــــــــــون : قابل الإساءة بالإحسان ..
    يقول الشيخـ :::: عندما تتعامل مع الناس فإنهم يعاملونك في الغالب على ما يريدون هُمـ ..
    لا على ما تريد أنت فليس كل من قابلته ببشاشة بادلك بشاشة مثلها ..
    فبعضهم قد يغضب ويسيء الظن ويسألك : مم تضحكـ ؟!
    ولا كل من أهديت له هدية .. رد لك مثلها ..
    فبعضهم قد تهدي إليه ثم يغتابك في المجالس ويتهمك بالسفه وتضييع المال ..!!
    ولا كل من تفاعلت معه في كلامه .. أو أثنيت عليه وتلطفت معه في عباراتك قابلك بمثلها ..
    فإن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق ..
    والمنهج الرباني هو : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن
    فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) ..
    وبعض الناس لا حل له ولا إصلاح إلا أن تتعامل معه بما هو عليه .. فتصبر عليه أو تفارقه ..
    ذُكر أن أشعب سافر مع رجل من التجار ..
    وكان هذا الرجل يقوم بكل شيء من خدمة وإنزال متاع وسقي دوابـ ..
    حتى تعب وضجر .. وفي طريق رجوعهما .. نزلا للغداء ..
    فأناخا بعيريهما ونزلا .. فأما أشعب فتمدد على الأرض ..
    وأما صاحبه فوضع الفرش .. وأنزل المتاع ..
    ثم التفت إلى أشعب وقال : قم اجمع الحطب وأنا أقطع اللحم ..
    فقال أشعب : أنا والله متعب من طول ركوب الدابة ..
    فقام الرجل وجمع الحطب .. ثم قال : يا أشعب ! قم أشعل الحطب ..
    فقال : يؤذيني الدخان في صدري إن اقتربت منه .. فأشعلها الرجل ..
    ثم قال : يا أشعب ! قم أمسك علي لأقطع اللحم ..
    فقال : أخشى أن تصيب السكين يدي .. فقطع الرجل اللحم وحده ..
    ثم قال : يا أشعب ! قم ضع اللحم في القدر واطبخ الطعام ..
    فقال : يتعبني كثرة النظر إلى الطعام قبل نضوجه ..
    فتولى الرجل الطبخ والنفخ .. حتى جهز الطعام وقد تعب ..
    فاضجع على الأرض .. وقال : يا أشعب ! قم جهز سفرة الطعام ..
    وضع الطعام في الصحن ..
    فقال أشعب :جسمي ثقيل ولا أنشط لذلك ..
    فقام الرجل وجهز الطعام ووضعه على السفرة ..
    ثم قال : يا أشعب ! قم شاركني في أكل الطعام ..
    فقال أشعب :قد استحييت والله من كثيرة اعتذاري وها أنا أطيعك الآن ..
    ثم قام وأكل !! فقد تلاقي من الناس من هو مثل أشعب .. فلا تحزن .. وكن جبلاً ..
    كان المربي الأول صلى الله عليه وسلمـ يتعامل مع الناس بعقله لا بعاطفته ..
    كان يتحمل أخطاء الآخرين ويرفق بهم ..
    وانظر إليه صلى الله عليه وسلمـ وقد جلس في مجلس مبارك يحيط به أصحابه ..
    فيأتيه أعرابي يستعينه في دية قتيل .. قد قتل .. هو أو غيره .. رجلاً ..
    فأقبل يريد من النبيـ صلى الله عليه وسلمـ أن يعينه بمال .. يؤديه إلى أولياء المقتول ..
    فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ شيئاً .. ثم قال تلطفاً معه : أحسنت إليك ؟
    قال الأعرابي : لا .. لا أحسنت ولا أجملت ..
    فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه ..
    فأشار النبيـ صلى الله عليه وسلمـ إليهم أن كفوا ..
    ثم قام صلى الله عليه وسلمـ إلى منزله .. ودعا الأعرابي إلى البيت ..
    فقال له : إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك .. فقلت ما قلت ..
    ثم زاده صلى الله عليه وسلمـ شيئاً من مال وجده في بيته ..
    فقال : أحسنت إليك ؟
    فقال الأعرابي : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً ..
    فأعجبه صلى الله عليه وسلمـ هذا الرضى منه .. لكنه خشي أن يبقى ..
    في قلوب أصحابه على الرجل شيء .. فيراه أحدهم في طريق أو سوق ..
    فلا يزال حاقداً عليه .. فأراد أن يسلَّ ما في صدورهم ..
    فقال له صلى الله عليه وسلمـ : إنك كنت جئتنا فأعطيناك .. فقلت ما قلت ..
    وفي نفس أصحابي عليك من ذلك شيء ..
    فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي .. حتى يذهب عن صدورهم ..
    فلما جاء الأعرابي .. قال صلى الله عليه وسلمـ : إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه ..
    فقال ما قال .. وإنا قد دعوناه فأعطيناه .. فزعم أنه قد رضي ..
    ثم التفت إلى الأعرابي وقال : أكذاكـ ؟
    قال الأعرابي : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً ..
    فلما هم الأعرابي أن يخرج إلى أهله ..
    أراد صلى الله عليه وسلمـ أن يعطي أصحابه درساً في كسب القلوب ..
    فقال لهمـ : إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه ..
    فاتبعها الناس .. يعني يركضون وراءها ليمسكوها ..
    وهي تهرب منهم فزعاً .. ولم يزيدوها إلا نفوراً ..
    فقال صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي .. فأنا أرفق بها وأعلم بها ..
    فتوجه إليها صاحب الناقة فأخذ لها من قشام الأرض .. ودعاها ..
    حتى جاءت واستجابت .. وشد عليها رحلها .. واستوى عليها ..
    ولو أني أطعتكم حيث قال ما قال .. دخل النار ..
    يعني لو طردتموه .. لعله يرتدّ عن الدين .. فيدخل النار ..
    وما كان الرفق في شيء إلا زانه .. وما نزع من شيء إلا شانه ..
    ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه
    عداوة كأنه ولي حميم ) ..
    ذُكر أنه صلى الله عليه وسلمـ لما فتح مكة .. جعل يطوف بالبيتـ ..
    فأقبل فضالة بن عمير .. رجل يظهر الإسلام ..
    فجعل يطوف خلف النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    ينتظر منه غفلة .. ليقتله ..!!
    فلما دنا من النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    انتبه صلى الله عليه وسلمـ إليه .. فالتفت إليه وقال : أفضالة !!
    قال : نعم .. فضالة يا رسول الله .. قال : ماذا كنت تحدث به نفسكـ ؟
    قال : لاشيء .. كنت أذكر الله ..!!
    فضحك النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. ثم قال : أستغفر الله ..
    قال فضالة .. : ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يده على صدري ..
    فسكن قلبي .. فوالله ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يده عن صدري ..
    حتى ما خلق الله شيء أحب إلي منه ..
    ثم رجع فضالة إلى أهله .. فمر بامرأة كان يجالسها .. ويتحدث إليها ..
    فلما رأته .. قالت : هلم إلى الحديث ..
    فقال : لا .. ثم قال ..
    قالت هلم إلى الحديث فقلت لا ** يأبى عليك الله و الإسلام
    لو ما رأيت محمداً وقبيله ** بالفتح يوم تكسَّر الأصنامُ ..
    لرأيت دين الضحى بينا ** والشرك يغشى وجهه الإظلام
    وكان فضالة بعدها من صالحي المسلمين ..
    كان صلى الله عليه وسلمـ يملك قلوب الناس بالعفو عنهمـ ..
    يتحمل الأذى في سبيل التأثير فيهم .. وجرهم إلى الخير ..
    كان أبو طالب يكف عن النبي ، صلى الله عليه وسلمـ كثيراً من أذى قريش ..
    فلما مات أبو طالب .. ضيقت قريش كثيراً على النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في مكة ..
    ونالت من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمه أبي طالب ..
    فجعل صلى الله عليه وسلمـ يفكر في مكان آخر يلجأ إليه .. يجد فيه النصرة والتأييد ..
    فخرج إلى الطائف يلتمس من قبيلة ثقيف النصرة والمنعة .. دخل الطائف ..
    فتوجه إلى ثلاثة رجال هم سادة ثقيف وأشرافهم .. وهم أخوة ثلاثة ..
    عبد ياليل بن عمرو .. وأخوه مسعود ..وحبيب ..
    جلس اليهم .. دعاهم إلى الله .. كلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام ..
    والقيام معه على من خالفه من قومه ..
    فكان ردهم بذيئاً !! أما أحدهم فقال : أنا أمرط ثياب الكعبة .. إن كان الله أرسلك !!
    وقال الآخر : أما وجد الله أحداً يرسله غيرك ؟!
    وجعل الثالث يبحث متحذلقاً عن عبارة يرد بها .
    . حرص على أن تكون أبلغ من كلام صاحبيه ..
    فقال : والله لا أرد عليك أبداً .. لئن كنت رسولاً من الله كما تقول ..
    لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام .. ولئن كنت تكذب على الله ..
    فما ينبغي لي أن أكلمك ..
    فقام صلى الله عليه وسلمـ من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ..
    وخشي أن تعلم قريش أنهم ردوه .. فيزدادون أذى له ..
    فقال لهم : إن فعلتم ما فعلتم .. فاكتموا عليَّ ..
    فلم يفعلوا .. بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم ..
    فجعلوا يركضون وراء رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    يسبونه ويصيحون به .. وقد اصطفوا صفين .. وهو يسرع الخطى بينهم ..
    وكلما رفع رجلاً رضخوها بالحجارة ..وهو صلى الله عليه وسلمـ يحاول ..
    أن يسرع فيخطاه ليتقي ما يرمونه به من حجارة ..
    وجعلت قدماه الشريفتان صلى الله عليه وسلمـ تسيلان بالدماء ..
    وهو الكهل الذي جاوز الأربعين .. فأبعد عنهم .. ومشى .. ومشى ..
    حتى جلس في موضع آمن يستريح ..
    تحت ظل نخلة ..وهو منشغل البال .. كيف ستستقبله قريش .. كيف سيدخل مكة ..
    فرفع طرفه إلى السماء وقال : اللهم اليك أشكو ضعف قوتي ..
    وقلة حيلتي .. وهواني على الناس .. يا أرحم الراحمين .. أنت رب المستضعفين ..
    وأنت ربي .. إلى من تكلني ! إلى بعيد يتجهمني .. أم إلى عدو ملكته أمري !
    إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي .. ولكن عافيتك هي أوسع لي ..
    أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات .. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ..
    من أن تنزل بي غضبك .. أو تحل عليَّ سخطك .. لك العتبى حتى ترضى ..
    ولا حول ولا قوة الا بك .. فبينما هو كذلك ..
    فإذ بسحابة تظله صلى الله عليه وسلمـ .. وإذا فيها جبريل عليه السلام ..
    فناداه : يا محمد .. إن الله قد سمع قول قومك لك .. وما ردوا عليك ..
    وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ..
    وقبل أن ينطق صلى الله عليه وسلمـ بكلمة .. ناداه ملك الجبال ..
    السلام عليك يا رسول الله .. يا محمد .. إن الله قد سمع قول قومك لك ..
    وأنا ملك الجبال .. قد بعثني اليك ربك لتأمرني ما شئت ..
    ثم قبل أن ينطق صلى الله عليه وسلمـ .. أو يختار .. جعل ملك الجبال يعرض عليه ويقول ..
    إن شئت تطبق عليهم الأخشبين .. وهما جبلان عظيمان في جانبي مكة ..
    وجعل ملك الجبال ينتظر الأمر ..فإذا به صلى الله عليه وسلمـ ..
    يطأ على حظوظ النفس وشهوة الانتقام .. ويقول
    بل .. أستأني بهم .. فإني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً ..

    :: كن بطلاً ::
    وإن الذي بيني وبين بني أبي **** وبين بني عمــي لمخـتـلف جداً
    فإن أكلوا لحمـي وفرت لحومهم **** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
    وليســوا إلى نـصــري سراعـــاً **** وإن همدعوني إلى نصر أتيتهم شداً
    ولا أحمـل الحقــد القديــم عليهم **** وليس رئيـس القوم من يحمل الحقد

  16. #216


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الثالث و السبعــــــــــون : لا تلمني !! انتهى الأمر .. ؟
    يقول الشيخـ :::: يظن بعض الناس أنه عندما يلوم الآخرين على أخطائهمـ ..
    التي ربما تكون لا ترى إلا بالمجهر .. يظن أنه يتقرب منهم أكثر ..
    أو أنه يقوي شخصيته بذلك .. الحق أنه ليس الذكاء والفطنة أن تستطيع اللوم ..
    وإنما هو أن تتجنبه قدر المستطاع .. وتسعى إلى إصلاح الأشخاصـ ..
    بأساليب لا تجرح .. ولا تحرج .. أحياناً تحتاج في بعض الأمور أن تتعامى ..
    خاصة الأشياء الدنيوية .. والحقوق الخاصة ..
    ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابي
    والملوم يعتبر اللوم سهماً حاداً يوجه إليه .. لأنه يشعره بنقصه ..
    هذا أولاً .. ثانياً .. تجنب النصح في الملأ قدر المستطاعـ ..
    تغمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
    فإن النصـــح بين النـاس نــوع *** من التوبيخ لا أرضى استـماعـه
    بل .. إذا انتشر خطأ معين .. واضطررت إلى النصح العام ..
    فاعمل بقاعدة : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .. كما تقدم معنا .. إذنـ ..
    اللوم كالسوط الذي يجلد به اللائم ظهر الملومـ ..
    وبعض الناس ينفر الآخرين إما بكثرة لومه ..
    أو بلومه على أمور انتهت ولا يقدم اللوم أو يؤخر فيها شيئاً ..
    أذكر أن رجلاً فقيراً .. تغرب عن أهله إلى بلد آخر .. واشتغل سائق شاحنة ..
    كان في أحد الأيام متعباً لكنه ركب الشاحنة ومضى بها في طريق طويل بين مدينتينـ ..
    غلبه النوم أثناء الطريق .. فجعل يصارعه وأسرع قليلاً ..
    فتجاوز سيارة أمامه دون أن ينتبه إلى الطريق فإذا أماه سيارة صغيره فيها ثلاثة أشخاصـ ..
    حاول أن يتفاداها .. لم يستطع .. فاصطدم بها وجهاً لوجه .. ثار الغبار ..
    وجعل المارة يوقفون سياراتهم ويتفرجون على الحادثـ ..
    نزل سائق الشاحنة .. ونظر إلى السيارة المصدومة ..
    وإلى من بداخلها فإذا هم موتى .. أنزلهم الناس واتصلوا بالإسعافـ ..
    قعد سائق الشاحنة ينتظر وصول الإسعاف ..
    ويفكر فيما سيحصل له بعد الحادث من سجن ودية ..
    ويفكر في أولاده الصغار .. وزوجته ..
    مسكين .. هموم انهدت عليه كالجبال ..!! جعل الناس يمرون به ويلومونه ..
    عجباً ..!! أهذا وقت اللوم .. ألا يمكن أن يؤجل قليلاً ؟
    قال أحدهم : لماذا تسرع ؟ هذه عواقب السرعة ..
    وقال آخر : أكيد أنك كنت نعسان ومع ذلك استمريت في القيادة ..!
    لم توقف سيارتك وتنام ..؟
    وقال ثالث : المفروض أن مثلك لا تصرف لهم رخص قيادة !!
    كانوا يقولون هذه العبارات بأسلوب حاد .. فيه تعنيف وصراخـ ..
    كان الرجل واجماً .. جالساً على صخرة ساكتاً .. متكئاً برأسه على يديه ..
    وفجأة هوى على جنبه .. و .. و ..
    مااات ..قتلوه بلومهم .. ولو صبروا قليلاً لكان خيراً له ولهمـ ..
    ضع نفسك موضع الملوم .. المخطئ .. وفكر من وجهة نظره ..
    فأحياناً لو كنت مكانه قد تقع في خطأ أكبر من خطئه ..
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يراعي ذلك كثيراً ..
    لما انصرفـ صلى الله عليه وسلمـ من خيبر .. أطالوا المسير حتى تعبوا ..
    فلما أقبل الليل .. نزلوا في موضع في الطريق ليناموا ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننامـ ؟
    كان بلال رضيـ الله عنه متحمساً فقال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك ؟
    فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. ونزل الناس فناموا ..
    وقام بلال يصلي حتى تعب .. وقد كان متعباً من طول الطريق قبل ذلك ..
    فقعد واستند إلى بعيره مستريحاً .. واستقبل الفجر يرمقه .. فغلبته عينه .. فناااام ..
    كان الجميع في تعب شديد .. فطال نومه ونومهم .. ومضى الليل ..
    وطلع الصبح .. والكل نيام .. ولم يوقظهم إلا حر الشمسـ ..
    استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. وهبَّ الناس من نومهم ..
    فلما رأوا الشمس اضطربوا .. وكثر لغطهم ..
    الكل ينظر إلى بلال .. التفتـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    إلى بلال وقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟
    فأجاب بلال بجواب مختصر .. لكنه موضح للواقع تماماً ..
    قال : يا رسول الله .. أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ..يعني أنا بشر ..
    حاولت أن أقاوم النوم .. فلم أستطع .. غلبني النوم كما غلبكم !!
    فقال صلى الله عليه وسلمـ :صدقت .. وسكت عنه ..نعم فما فائدة اللوم هنا ..
    فلما رأى صلى الله عليه وسلمـ اضطراب الناسـ ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ : ارتحلوا .. فارتحلوا .. فمشى شيئاً يسيراً ..
    ثم نزل ونزلوا .. فتوضأ وتوضئوا .. ثم صلى بالناس .. فلما سلم ..
    أقبل على الناس فقال : إذا نسيتم الصلاة .. فصلوها إذا ذكرتموها ..
    فلله دره ما أعقله وأحكمه صلى الله عليه وسلمـ ..
    كان مدرسة لكل قائد ..
    ليس مثل بعض الرؤساء اليوم لا تكاد عصا اللوم والتقريع تنزل من يده ..
    بل كان صلى الله عليه وسلمـ يضع نفسه مكان من تحته ويفكر بعقولهمـ ..
    ويتعامل مع القلوب قبل الأجساد .. يعلم أنهم بشر .. وليسوا آلات !!
    في السنة الثامنة من الهجرة .. جمع الروم جيشاً .. وأقبل من جهة الشام ..
    لقتال النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. وأصحابه .. وقيل إنه صلى الله عليه وسلمـ ..
    جمع جيشاً لغزوهم ابتداءً ..بدأ صلى الله عليه وسلمـ يجهز جيشاً لإرساله إليهم ..
    فلم يزل يحث الناس حتى جمع ثلاثة آلاف .. فزودهم بما وجد من سلاح وعتاد ..
    قال لهم : أميركم زيد بن حارثة .. فإن أصيب زيد ..
    فجعفر بن أبي طالب على الناسـ ..
    فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة .. وخرج معهم صلى الله عليه وسلمـ يودعهم ..
    وخرج الناس يودعون الجيش ..
    ويقولون : صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحينـ ..
    كان عبد الله بن رواحة مشتاقاً إلى الشهادة فقال :
    لكنني أسأل الرحمن مغفرةً **** وضربةً ذات فرغ تقذف الزبدا
    أو طعنة بيدي حران مجهزة **** بحربة تنفذ الأحشــاء والكبدا
    حتى يقال إذا مروا على جدثي ياأرشد الله من غازٍوَقد رشدا ..
    ثم مضى الجيش حتى نزلوا "معان" من أرض الشام ..
    فبلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ..
    وانضم إليه من القبائل حوله مائة ألف .. فصار جيش الروم مائتي ألف ..
    فلما تيقن المسلمون من ذلك .. أقاموا في "معان" ليلتين ينظرون في أمرهم ..
    فقال بعضهم : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ نخبره بعدد عدونا ..
    فإما أن يمدنا بالرجال .. أو يأمرنا بما يشاء فنمضي له .. وكثر كلام الناس في ذلك ..
    فقام عبد الله بن رواحة .. ثم صاح بالناس
    وقال : يا قوم .. والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم تطلبون ..
    الشهادة في سبيل الله .. تفرون منها !!
    وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة .. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ..
    فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين .. إما ظهور وإما شهادة ..
    فمضى الناس .. يسيرون .. حتى إذا دنوا من جيش الرومـ ..
    في موقعة "مؤتة" فإذا أعداد عظيمة لا قبل لأحد بها ..
    قال أبو هريرة رضيـ الله عنه : شهدت يوم مؤتة .. فلما دنا منا المشركون ..
    رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة .. والسلاح .. والكراع .. والديباج .. والحرير .. والذهب ..
    فبرق بصري .. فقال لي ثابت بن أرقم : يا أبا هريرة .. كأنك ترى جموعاً كثيرة ؟
    قلت : نعم .. قال : إنك لم تشهد بدراً معنا .. إنا لم ننصر بالكثرة ..
    ثم التقى الناس فاقتتلوا .. فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    حتى كثرت عليه الرماح وسقط صريعاً شهيداً رضيـ الله عنه ..
    فأخذ الراية جعفر بكل بطولة .. فاقتحم عن فرس له شقراء فجعل يقاتل القوم ..
    وهو يقول :
    يا حبـذا الجنــة واقـترابها **** طيبة وبارد شرابها
    والروم روم قد دنا عذابها **** كافرة بعيدة أنسابها
    علي إن لاقيتها ضرابها أن جعفر أخذ اللواء بيمينه فقطعت ..
    فأخذ اللواء بشماله فقطعت .. فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ..
    قال ابن عمر : وقفت على جعفر يومئذ .. وهو قتيل ..
    فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره ..
    فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء ..
    إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعته نصفين .. فلما قتل جعفر ..
    أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه ..
    فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ويقول :
    أقسـمــــت يا نفــس لتنزلنه **** لتنزلنـ أو لتكـرهنـه
    إن أجلب الناس وشدوا الرنة **** مالي أراك تكرهين الجنة
    ثم قال :
    يا نفس إلا تقتلي تموتي **** هذا حمام الموت قد صليت
    وما تمنيـت فقد أعطيــت **** إن تفعلي فعلهما هديت
    ثم نزل .. فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم ..شد بهذا صلبك ..
    فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت .. فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ..
    ثم سمع الحطمة في ناحية الناسـ ..
    فقال : وأنت في الدنيا ! فألقاه من يده .. ثم أخذ سيفه ثم تقدم ..
    فقاتل حتى قتل رضيـ الله عنه .. فوقعت الراية .. واضطرب المسلمون ..
    وابتهج الكافرون .. والراية تطؤها الخيل .. ويغلوها الغبار ..
    فأقبل البطل ثابت بن أرقم .. ثم رفعها .. وصاح ..
    يا معاشر المسلمين .. هذه الراية .. فاصطلحوا على رجل منكم ..
    فتصايح من سمعه وقالوا : أنت .. أنت .. قال : ما أنا بفاعل ..
    فأشاروا إلى خالد بن الوليد .. فلما أخذ الراية .. قاتل بقوة ..
    حتى إنه كان يقول : لقد اندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ..
    فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية ..
    ثم انحاز خالد بالجيش .. وانحاز الروم إلى معسكرهم ..
    خشي خالد أن يرجع بالجيش إلى المدينة من ليلته .. فيتبعهم الروم ..
    فلما أصبحوا .. غير خالد مواقع الجيش .. فجعل مقدمة الجيش .. في المؤخرة ..
    وجعل مؤخرة الجيش مقدمة .. ومن كانوا يقاتلون في يمين الجيش ..
    أمرهم بالانتقال إلى يساره .. وأمر من في الميسرة أن يذهبوا للميمنة ..
    فلما ابتدأ القتال .. وأقبل الروم ..
    فإذا كل سرية منهم ترى رايات جديدة .. ووجوهاً جديدة ..
    فاضطرب الروم .. وقالوا : قد جاءهم في الليل مدد .. فرعبوا في القتال ..
    فقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة .. ولم يقتل من المسلمين إلا اثنا عشر رجلاً ..
    وانسحب خالد بالجيش .. آخر النهار من ساحة القتال ..
    ثم واصل مسيره نحو المدينة ..
    فلما أقبلوا إلى المدينة .. لقيهم الصبيان يتراكضون إليهمـ ..
    ولقيتهم النساء .. فجعلوا يحثون التراب في وجوه الجيش ..
    ويقولون : يا فرار .. فررتم في سبيل الله ..
    فلما سمع النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ذلكـ ..
    علم أنهم لم يكن أمامهم إلا ذلك ..وأنهم فعلوا ما بوسعهم ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ مدافعاً عنهم : ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار ..
    إن شاء الله عز وجل نعم انتهى الأمر .. وهم أبطال ماقصروا ..
    لكنهم بشر والأمر كان فوق طاقتهم ..
    إذن الصلاة على الميت الحاضر .. أحياناً انتهى الأمر فلا فائدة من اللومـ ..
    كان هذا منهجه صلى الله عليه وسلمـ دائماً ..
    لما سمع الكفار برسول الله صلى الله عليه وسلمـ قادماً بجيشه إلى مكة فاتحاً ..
    دخلهم الرعب .. فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلمـ..
    من يقول لهم : من دخل داره وأغلق عليه بابه فهو آمنـ ..
    ومن دخل المسجد فهو آمن .. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..
    فبدأ الناس يفرون من بين يديه صلى الله عليه وسلمـ ..
    فاجتمع بعض فرسان قريش .. وأردوا أن يحاربوا .. فأبى عليهم قومهم ..
    فاجتمع نفر منهم في مكان يقال له الخندمة .. اجتمع صفوان بن أمية ..
    وعكرمة بن أبي جهل .. وسهيل بن عمرو .. وجمعوا ناساً معهم بالخندمة ليقاتلوا ..
    وكان حماس بن قيس .. يعد سلاحاً قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويصلحه .. فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال : لمحمد وأصحابه ..!!
    كانت امرأته تعلم بقوة المسلمين ..
    فقالت : والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء !
    قال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم .. يعين ياسر بعضهم ويجيء بهم إليها خدماً ..
    ثم قال مفتخراً :
    إن يقبلوا اليوم فما لي علة .. هذا سلاح كامل وأله .. وذو غرارين سريع السلة ..
    ثم خرج من عندها .. إلى موقع "الخندمة" .. حيث اجتمع أصحابه ..
    فما هو إلا أن لقيهم المسلمون .. يتقدمهم سيف الله خالد بن الوليد ..
    فابتدأ القتال .. وصال الأبطال ..فقتل في لحظة واحدة ..
    أكثر من اثني عشر أو ثلاثة عشر .. من الكفار ..فلما رأى حماس بن قيس ذلك ..
    التفت إلى صفوان وعكرمة .. فإذا هما يفران إلى بيوتهما ..فانهزم معهمـ ..
    وذهب يعدو إلى بيته .. فدخله سريعاً ..
    وأخذ يصيح بامرأته فزعاً :أغلقي علي بابي فإنهم يقولون من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ..
    فقالت : فأين ما كنت تقول ؟ أن تهزمهم .. وتخدمني بعضهم ..!!
    فقال :
    إنك لو شهدت يـوم الخندمة **** إذ فر صفوان وفر عكرمة
    وأبـو يزيــد قائــم كـالمؤتمة **** واستقبلتهم بالسيوف المسلمة
    يقطعن كل ساعد وجمجمة **** ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة
    لهم نهيـت خلفنــا وهمهمة **** لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
    صحيح .. لو رأت امرأته ما رأى من شدة القتال .. ما نطقت في لومه كلمة ..
    وفي موقف آخر ..لما دخل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    مكة فاتحاً .. فقد كان يعلم عظمة البلد الحرام .. فقاتل قتالاً يسيراً ..
    ثم قال : إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض .. وإنما حلَّ لي ساعة من نهار ..
    فقيل له : يا رسول الله .. أنت تنهى عن القتل ..
    وهذا خالد بن الوليد في كتيبته .. يقتل من لقيه من المشركين ؟
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : قم يا فلان .. فأت خالد بن الوليد ..
    فقل له : فليرفع يده من القتل .. هذا الرجل يعلم أنهم الآن يعيشون حالة حرب ..
    وأن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ أمرهم قريشاً بالبقاء في بيوتهم لئلا يقتلوا ..
    فمن كان في غير بيته استحق المقاتلة ..
    ففهم من قول النبي صلى الله عليه وسلمـ : يرفع يده من القتل ..
    أي يقتل كل من وقف أمامه .. حتى يرفع يده بالسيف لأنه لا يجد من يقتل ..!!
    فأتى الرجل خالداً فصاح به : يا خالد .. إن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    يقول : اقتل من قدرت عليه ! فقتل خالد سبعين إنساناً ..
    فأتي رجل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. قال : يا رسول الله .. هذا خالد يقتل ..
    فعجب النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. كيف يقتل وقد نهاه ..؟ !فأرسل إلى خالد ليأتيه ..
    فأتاه .. فقال صلى الله عليه وسلمـ : " ألم أنهك عن القتل ؟ "
    فعجب خالد وقال : يا رسول الله .. جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه ..
    فأرسل النبي صلى الله عليه وسلمـ إلى ذاك الرجل .. فجاء ورأى خالداً ..
    فقال له صلى الله عليه وسلمـ :" ألم أقل يرفع يده من القتل ؟ "
    فأدرك الرجل خطأه .. لكن الأمر انتهى .. فقال : يا رسول الله .. أردتَّ أمراً ..
    وأراد الله أمراً .. فكان أمرُ الله فوق أمرك .. وما استطعتُ إلا الذي كان ..
    فسكت عنه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وما ردَّ عليه شيئاً ..
    من تأمل في مسيرة الحياة .. وجد هذا الأمر ظاهراً ..
    أحياناً يكون الشخص قد فعل أحسن ما يستطيع ..
    ركبت مع أحد الشباب في سيارته .. فإذا قيادته جيدة ..
    وكنت أعلم أنه وقع له حادث تصادم قبل اسبوع .. فسألته : ألاحظ أن قيادتك جيدة ..
    فلماذا صدمت قبل أسبوع ؟!قال : كان لا بد أن أصدم !! قلت عجباً !!
    قال : نعم .. كان لا بد أن أصدم .. أتدري لماذا ؟ قلت : لماذا ؟!
    قال : أقبلت بسيارتي على جسر .. وكنت مسرعاً ..
    فلما نزلت منه فإذا السيارات أمامي متوقفة صفوفاً ..
    لا أدري ما السبب .. حادث في الأمام .. أو نقطة تفتيش .. لا أدري ..
    المهم أني تفاجات بها ..
    كان أمامي أربعة مسارات كلها مليئة بالسيارات ..
    وكنت مخيراً بين أن أنحرف عنها كلها وأسقط من فوق الجسر ..
    أو أمسك فرامل بأقوى ما أستطيع وعندها ستلعب بي السيارة في الطريق ..
    أو الاختيار الثالث .. وهو أهونها ..
    قلت : وما هو ؟! قال : أن أصدم إحدى السيارات الأربع الواقفة أمامي ..
    ضحكت .. وقلت .. هاه وماذا فعلت ؟ قال : خففت سرعتي قدر استطاعتي ..
    واخترت أرخص السيارات التي أمامي .. و .. و .. صدمتها ..فكرت فيما قال ..
    فرأيت أنه لا يستحق اللوم كثيراً .. وذلك أن الاختيارات التي كانت أمامه محدودة ..
    يعني بعض المشاكل ليس لها حل شخص أبوه عصبي نصحه بجميع الأساليب ما نفع ماذا يفعل ؟

    :: لفتة ::
    ضع نفسك موضع الملوم وفكر من وجهة نظره .. ثم احكم عليه ..

  17. #217


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الرابع و السبعــــــــــون : فِرَّ من المشاكل !!
    يقول الشيخـ :::: أظنه لو أجرى تحليلاً في مستشفى بدائي ..
    لاكتشف في جسمه عشرة أنواع من الأمراض .. أهونها الضغط والسكر ..
    كان المسكين يعذب نفسه كثيراً لأنه يطالب الناس بالمثالية التامة ..
    دائماً تجده متضايقاً من زوجته .. كسرت الصحن الجديد .. نسيت كنس الصالة ..
    أحرقت ثوبي الجديد بالمكواة .. وأولاده .. خالد إلى الآن لم يحفظ جدول الضرب ..
    وسعد .. لم يظفر بتقدير ممتاز .. وسارة .. وهند ..هذا حاله في بيته ..
    أما بين زملائه .. فأعظم .. أبو عبد الله قصدني لما ذكر قصة البخيل ..!
    والبارحة أبو أحمد يعنيني لما تكلم عن السيارات القديمة .. نعم يقصد سيارتي ..
    نعم .. كان ينظر إليَّ ..إلى آخر مواقف وتفكيرات هذا الرجل المسكين ..
    قديماً قالوا في المثل : إن أطاعك الزمان وإلا فأطعه ..
    أذكر أن أعرابياً .. من أصدقائي .. كان يردد مثلاً حفظه من جده ..
    كان يسمعني إياه كثيراً إذا بدأت أتفلسف عليه ببعض المعلومات ..
    فكان يخرج زفيراً طوييييلاً من صدره ثم يقول : ياااا شيخ ..
    اليد اللي ما تقدر تلويها صافحها ..!! .. وإذا تفكرت في هذا وجدته صحيحاً ..
    فنحن إذا لم نعود أنفسنا على التسامح وتمشية الأمور .. أو بمعنى آخر التغابي ..
    وعدم الإغراق في التفسيرات والظنون .. وإلا فسوف نتعب كثيراً ..
    ليس الغبي بسيد في قومه **** لكن سيد قومه المتغابي
    وأذكر أن شاباً متحمساً أقبل إلى شيخه يريده أن يساعده ..
    في اختيار زوجة تكون رفيقة دربه حتى الممات ..
    فقال الشيخ : ما هي الصفات التي ترغب وجودها في زوجتك ؟
    فقال : منظرها جميل .. وقوامها طويل .. وشعرها حرير.. ورائحتها عبير ..
    لذيذة الطعام .. عذبة الكلام .. إن نظرت إليها سرتني .. وإن غبت عنها حفظتني ..
    لا تخالف لي أمراً .. ولا أخشى منها شراً .. لها دين يرفعها .. وحكمة تنفعها ..
    وراح يسرد من صفات الكمال المتفرقة في النساء ويجمعها في امرأة واحدة ..
    فلما أكثر على الشيخ .. قال له : يا ولدي .. عندي طلبك ..
    قال : أين ؟ قال : في الجنة بإذن الله .. أما في الدنيا فعود نفسك التسامح ..
    نعم في الدنيا عود نفسك التسامح .. لا تعذب نفسك بالبحث عن مشاكل لإثارتها ..
    والنقاش حولها .. فيوماً تصرخ في وجه جليس : أنت تقصدني بكلامك ؟
    ويوماً في وجه ولدك : أنت تريد أن تحزنني بكسلك ؟
    ويوماً في وجه زوجتك : أنت تتعمدين إهمال بيتك ؟ ...
    وقد كان منهج النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. التسامح عموماً .. فكان يستمتع بحياته ..
    كان يدخل صلى الله عليه وسلمـ على أهله أحياناً .. في الضحى .. وهو جائع ..
    فيسألهم : هل عندكم من شيء .. عندكم طعام ..
    فيقولون : لا .. فيقول صلى الله عليه وسلمـ : إني إذا صائم ..
    ولم يكن يصنع لأجل ذلك مشاكل .. ما كان يقول : لِمَ لم تصنعوا طعاماً ..
    لِم لم تخبروني لأشتري .. إني إذا صائم .. وانتهى الأمر ..
    وكان في تعامله مع الناس .. يتعامل بكل سماحة ..
    قال كلثوم بن الحصين .. كان من خيار الصحابة ..
    قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلمـ غزوة تبوك ..
    فسرت ذات ليلة معه ونحن بوادي "الأخضر" .. أطالوا المشي .. فجعل يغلبه النعاس ..
    وجعلت ناقته تقترب من ناقة النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    ويستيقظ فجأة .. فيبعدها ..
    خوفاً من أن يصيب رحل ناقته رجل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    حتى غلبته عينه في بعض الطريق .. فزاحمت راحلته راحلة النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    وضرب رحله رجل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. فآلمه ..
    فقال النبيـ صلى الله عليه وسلمـ من حر ما يجد : " حسّ " ..
    فاستيقظ كلثوم .. فاضطرب وقال يا رسول الله .. استغفر لي ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ بكل سماحة : سِرْ .. سِرْ ..
    نعم : سِرْ .. ولم يعمل قضية .. لماذا تضايقني ؟ الطريق واسع ! ما الذي جاء بك بجانبي ؟!
    لا .. لم يتعب نفسه .. ضربة رجل .. وانتهت ..
    كان هذا أسلوبه صلى الله عليه وسلمـ دائماً ..
    جلس يوماً بين أصحابه .. فأقبلت إليه امرأة ببردة ..
    قطعة قماش فقالت :يا رسول الله .. إني نسجت هذه بيدي.. أكسوكها ..
    فأخذها النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. وكان محتاجاً إليها .. وقام ودخل بيته .. فلبسها ..
    ثم خرج إلى أصحابه وهي إزاره ..
    فقال رجل من القوم : يا رسول الله .. اكسنيها .. فقال صلى الله عليه وسلمـ : نعم ..
    ثم رجع صلى الله عليه وسلمـ .. فخلعها وطواها ..
    ولبس إزاراً قديماً .. ثم أرسل بها إلى الرجل ..
    فقال الناس للرجل : ما أحسنت .. سألته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلاً ؟!
    فقال الرجل : والله ما سألته .. إلا لتكون كفني يوم أموت ..
    فلما مات الرجل .. كفنه أهله فيها .. ما أجمل احتواء الناس بهذه التعاملات ..
    قام صلى الله عليه وسلمـ يوماً يؤم أصحابه في صلاة العشاء ..
    فدخل إلى المسجد طفلان .. الحسن والحسين .. ابنا فاطمة رضيـ الله عنها ..
    فأقبلا إلى جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. وهو يصلي ..
    فكان إذا سجد ..وثب الحسن والحسين على ظهره .. فإذا أراد صلى الله عليه وسلمـ ..
    أن يرفع رأسه .. تناولهما بيديه من خلفه تناولاً رفيقاً ..
    ووضعهما عن ظهره .. فجلسا جانباً ..فإذا عاد لسجوده .. عادا فوثبا على ظهره ..
    حتى قضى صلى الله عليه وسلمـ صلاته ..فأخذهما بكل رفق .. وأقعدهما على فخذيه ..
    فقام أبو هريرة رضيـ الله عنه.. فقال : يا رسول الله .. أردُّهما ..؟ يعني أعيدهما لأمهما ..؟
    فلم يعجل صلى الله عليه وسلمـ عليهما ..ثم لبث قليلاً .. فبرقت برقة من السماء ..
    فقال لهما صلى الله عليه وسلمـ : الحقا بأمكما .. فقاما فدخلا على أمهما .. وفي يوم آخر ..
    خرج النبي صلى الله عليه وسلمـ .. على أصحابه في إحدى صلاتي الظهر أو العصر ..
    وهو حامل الحسن أو الحسين .. فتقدم إلى موضع صلاته .. فوضعه ..
    ثم كبر مصلياً بالناس .. فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلمـ سجدة .. أطالها ..
    حتى خشي عليه أصحابه أن يكون قد أصابه شيء ..
    ثم رفع من سجوده .. وبعد انتهاء الصلاة .. سأله أصحابه .. قالوا : يا رسول الله ..
    لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها ..!! أشيء أمرت به ؟ أو كان يوحى إليك ؟
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : كل ذلك لم يكن .. ولكن ابني ارتحلني .. فكرهت أن أعجله ..
    حتى يقضي حاجته ودخل صلى الله عليه وسلمـ ..
    يوماً على أم هانئ بنت أبي طالب رضيـ الله عنه .. وكان جائعاً ..
    فقال : هل عندك من طعام نأكله ؟
    فقالت : ليس عندي إلا كسر يابسة .. وإني لأستحي أن أقدمها إليك ..
    فقال : هلمي بهن .. فأتته بهن .. فكسرهن في ماء .. وجاءت بملح فذرته عليه ..
    فجعل صلى الله عليه وسلمـ .. يأكل هذا الخبز مخلوطاً بالماء ..
    فالتفت إلى أم هانئ وقال : هل من إدام ؟
    فقالت : ما عندي يا رسول الله إلا شيء من "خلٍّ" .. فقال : هلميه ..
    فجاءته به .. فصبه على طعامه .. فأكل منه ..
    ثم حمد الله عز وجل .. ثم قال : نعم الإدام الخل .. نعم .. كان يعيش حياته كما هي ..
    يتقبل الأمور بحسب ما هي عليه ..
    وفي رحلة الحج ..خرج صلى الله عليه وسلمـ مع أصحابه .. فنزلوا منزلاً ..
    فذهب النبيـ صلى الله عليه وسلمـ فقضى حاجته .. ثم جاء إلى حوض ماء فتوضأ منه ..
    ثم قام صلى الله عليه وسلمـ ليصلي .. جاء جابر بن عبد الله رضيـ الله عنه ..
    فوقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وكبّر مصلياً معه .. فأخذ النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بيده .. فأداره حتى أقامه عن يمينه ..
    ومضيا في صلاتهما ..فجاء جبار بن صخر رضيـ الله عنه .. فتوضأ ..
    ثم أقبل فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    فأخذ صلى الله عليه وسلمـ بأيديهما جميعاً .. بكل هدوء .. فدفعهما حتى أقامهما خلفه ..
    وفي يوم كان صلى الله عليه وسلمـ جالساً ..
    فأقلبت إليه أم قيس بنت محصن بابن لها حديث الولادة ..
    ليحنكه ويدعو له ..فأخذه صلى الله عليه وسلمـ فجعله في حجره ..
    فلم يلبث الصغير أن بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلمـ ..
    وبلل ثيابه بالبول فلم يزد النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    على أن دعا بماء فنضحه على أثر البول .. وانتهى الأمر .. لم يغضب .. ولم يعبس ..
    فلماذا نعذب نحن أنفسنا ونصنع من الحبة قبة ..
    ليس شرطاً أن يكون كل ما يقع حولك مرضياً لك 100% ..
    وإن تجد عيباً فسدَّ الخللا **** جل من لا عيب فيه وعلا
    بعض الناس يحرق أعصابه .. ويكبر القضايا .. وبعض الآباء والأمهات كذلك ..
    وربما بعض المدرسين والمدرسات كذلك ..ولا تفتش عن الأخطاء الخفية ..
    وكن سمحاً في قبول أعذار الآخرين .. خاصة من يعتذرون إليك حفاظاً على محبتهم معك ..
    لا لأجل مصالح شخصية ..
    اقبل معاذير من يأتيـك معتــذراً **** إن برَّ عندك فيما قال أو فجرا
    فقد أطاعك من يرضيـك ظاهره **** وقد أجلّك من يعصيك مستتراً
    وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. وقد رقى منبره يوماً ..
    وخطب بأصحابه فرفع صوته حتى أسمع النساء العواتق في خدورها داخل بيوتهن ..!!
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه ..
    لا تغتابوا المسلمين .. ولا تتبعوا عوراتهم .. فإنه من يتبع عورة أخيه ..
    يتبع الله عورته .. ومن يتبع الله عورته .. يفضحه ولو في جوف بيته ..
    نعم لا تتصيد الأخطاء .. وتتبع العورات .. كن سمحاً ..
    وكان صلى الله عليه وسلمـ حريصاً على عدم إثارة المشكلات أصلاً ..
    في مجلس هادئ مع بعض أصحابه .. صفت فيه النفوس .. واطمأنت القلوب ..
    قال صلى الله عليه وسلمـ لأصحابه : ألا لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً ..
    فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ..
    :: لا تعذب نفسك ::
    لا تثر على نفسك الغبار ما دام ساكناً .. وإن ثار فسدَّ أنفك بِكُمِّك .. واستمتع بحياتك ..

  18. #218


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ الخامس و السبعــــــــــون : مفاتيح الأخطاء!
    يقول الشيخـ :::: التعامل مع الأخطاء فن .. فلكل باب مفتاح .. وللقلوب دروب ..
    إذا وقع أحد في خطأ كبير .. وانتشر خبره في الناسـ ..
    وبدأ الناسـ يترقبون ماذا تفعل فأشغلهم بشيء ..
    حتى يكون عندك وقت لدراسة الأمر .. حتى لا يتجرّأ أحد على مثل فعله ..
    أو يتعودوا على مثل هذا الخطأ ..
    خرج صلى الله عليه وسلمـ مع أصحابه في غزوة بني المصطلق .. وأثناء رجوعهمـ ..
    نزلوا يستريحونـ .. فأرسل المهاجرون غلاماً لهم اسمه : جهجاه بن مسعود ..
    ليستقي لهم من البئر ماءً .. وأرسل الأنصار غلاماً لهم اسمه سنان بن وبر الجهني ..
    ليستقي لهم أيضاً .. فازدحم الغلامان على الماء ..
    فكسع أحدهما صاحبه .. أي ضربه على مؤخرته ..
    فصرخ الجهني : يااااا معشر الأنصار ..وصرخ جهجاه : يااااا معشر المهاجرينـ ..
    فثار الأنصار .. وثار المهاجرون ..واشتد الخلاف .. والقوم قادمون من حرب ..
    ولا يزالون بسلاحهم !! فانطلق صلى الله عليه وسلمـ ..
    حتى اطفأ ما بينهمـ .. فتحركت الأفاعيـ ..
    غضب عبد الله بن أبي بن سلول .. وعنده رهط من قومه الأنصار ..
    فقال : أوقد فعلوها !! قد نافرونا .. وكاثرونا في بلادنا ..
    والله ما أعدُّنا وجلابيب قريش هذه .. إلا كما قال الأول : سَـمِّن كلبك يأكلك ..
    وجوِّع كلبك يتبعك !! ثم قال الخبيث : أما والله لئن رجعنا الى المدينة ..
    ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ ..ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ..
    أحللتموهم بلادكمـ .. وقاسمتموهم أموالكمـ ..
    أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكمـ .. لتحولوا إلى غير داركمـ ..
    وجعل الخبيث يهدد ويتوعد .. والذين عنده من أنصاره المنافقين ..
    يؤيدونه ويشجعونه ..كان من بين الجالسين غلام صغير .. اسمه زيد ابن أرقمـ ..
    فمضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فأخبره الخبر ..
    وكان عمر بن الخطاب جالساً عند النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..
    فثار .. كيف يجرؤ هذا المنافق على رسول الله بهذا الأسلوب القبيح ..
    ورأى عمر أن قتل الأفعى أولى من قطع ذيلها ..
    ورأى أن قتل ابن سلول صلى الله عليه وسلمـ .. يقضي على الفتنة في مهدها ..
    ولكن أن يقتله رجل من قومه الأنصار .. أسلم من أن يقتله رجل من المهاجرين ..
    فقال عمر : يا رسول الله ..من مر به عباد ابن بشر الأنصاري فليقتله ..
    لكن رسول الله كان أحكمـ ..فهم قادمون من حرب .. والناس بسلاحهمـ ..
    والنفوس مشحونة .. وليس من المناسب إثارتهم أكثر ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : فكيف يا عمر اذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ؟!
    لا يا عمر .. ولكن آذن الناس بالرحيل .. وكان الناس قد نزلوا للتوّ واستظلوا ..
    فكيف يأمرهم بالرحيل .. في شدة الحر والشمس ..
    ولم تكن عادته صلى الله عليه وسلمـ أن يرتحل في شدة الحر ..
    ارتحل الناسـ ..وبلغ عبد الله بن سلول أن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    أخبره زيد بن أرقم بما سمع منه ..
    فأقبل ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    وجعل يحلف بالله .. ما قلت .. ولا تكلمت به .. كذب عليَّ الغلامـ ..
    وكان ابن سلول رئيساً في قومه .. شريفا عظيما ..
    فقال الأنصار : يا رسول الله .. عسى أن يكون الغلام أوْهمَ في حديثه ..
    ولم يحفظ ما قال الرجل .. وجعلوا يدافعون عن ابن سلول ..
    فأقبل سيد من سادة الأنصار .. أسيد بن حضير .. فحياه بتحية النبوة وسلمـ عليه ..
    وقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. والله لقد رحت في ساعة منكرة ..
    ما كنت تروح في مثلها !!
    فالتفت إليه وقال : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال : أي صاحب يا رسول الله ؟
    قال : عبد الله بن أبي .. قال : وما قال ؟
    قال :زعم أنه ان رجع الى المدينة أخرج الأعزُّ منها الأذلَّ ..
    فثار أسيد وقال : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئتـ ..
    هو والله الذليل .. وأنت العزيز ..ثم قال أسيد مخففاً على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    يا رسول الله .. ارفق .. لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ..
    فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً ..
    فسكت النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. ومضى براحلته ..
    والناس منهم من يجمع متاعه .. ومنهم من يرحل راحلته .. وجعلت الحادثة تنتشر ..
    وصارت أحاديث الجيشـ .. لماذا ارتحلنا في هذا الوقت ..
    ماذا قال ؟ كيف تعامل معه ؟ صدق ابن سلول .. لا بل كذب ..
    وبدأت الشائعات تزيد .. والكلام يزاد فيه ويُنقَص .. واضطرب الجيش ..
    وهم في طريقهم من قتال .. ويمرون بقبائل أعداء يتربصون بهم ..
    فشعر صلى الله عليه وسلمـ أن الجيش بدأ ينقسمـ ..
    فأراد أن يشغلهم عن المشكلة .. وعن النقاش فيها .. لأنهم يزيدون أوارها ..
    ويشعلون الفتنة بين المهاجرين والأنصار ..
    وصار الناسـ يترقبون متى ينزلون حتى يجتمع بعضهم إلى بعض ويتحدثوا في الأمر ..
    فمشى صلى الله عليه وسلمـ بالناس يومهم ذلك والشمس فوقهمـ ..
    ومشى ومشى حتى غابت الشمسـ .. فظن الناس أنهم سينزلون للصلاة ويرتاحون ..
    فلم ينزل إلا دقائق معدودات .. صلوا ثم أمرهم فارتحلوا ..
    وواصل المشيـ ليلتهم حتى أصبح .. ثم نزل فصلى الفجر .. ثم أمرهم فارتحلوا ..
    ومشوا صباحهمـ حتى تعبوا .. وآذتهم الشمس ..
    فلما شعر أن الإرهاقـ والتعب سيطر عليهمـ .. فليس فيهم جهد للكلامـ ..
    أمرهم فنزلوا .. فما كادتـ أجسادهم تمس الأرضـ ..
    حتى وقعوا نياما .. وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عما حدث ..ثم أيقظهمـ ..
    وارتحل بهم .. وواصل حتى دخل المدينة .. وتفرق الناس في بيوتهم عند أهليهمـ ..
    وأنزل الله تعالى سورة المنافقينـ : ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَاتُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ
    حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَايَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا
    إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُوَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَايَعْلَمُونَ ) ..
    فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    ثم أخذ بأذن الغلام زيد بن أرقم .. وقال : هذا الذي أوفى لله بأذنه ..
    وبدأ الناس يسبون ابن سلول .. ويلومونه .. فالتفت صلى الله عليه وسلمـ ..
    إلى عمر وقال : أرأيت يا عمر .. لو قتلته يوم ذكرتـ ذلكـ ..
    لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ..
    ثم سكت عنه صلى الله عليه وسلمـ .. فلم يتعرض له بشيء ..
    وأحياناً إذا وقع الخطأ أمام الناس قد تحتاج أن تنكر عليه بأسلوب مناسبـ ..
    وإن كان أمام الناسـ .. بينما رسول الله صلى الله عليه وسلمـ جالساً يوماً مع أصحابه ..
    وكانوا في أيام قحط .. واحتباس مطر .. وقلة زرع .. إذ أتاه أعرابيـ ..
    فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس .. وضاعت العيال .. ونهكت الأموال ..
    وهلكتـ الأنعام ..فاستسقـ الله لنا .. فإنا نستشفعـ بك على الله ..
    ونستشفع بالله عليك .. فتغير رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    لما سمعه يقول نستشفع بالله عليك .. فالشفاعة والواسطة تكون من الأدنى إلى الأعلى ..
    فلا يجوز أن يقال إن الله يشفع عند خلقه .. بل يأمرهم جل جلاله ..
    لأنه أعلى وأرفع .. فقال صلى الله عليه وسلمـ .. ويحك !! أتدري ما تقول ؟!!
    ثم جعل صلى الله عليه وسلمـ يقدس الله .. ويردد .. سبحااان الله .. سبحااان الله ..
    فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه .. ثم قال ..
    ويحك !! إنه لا يُسْتَشفعُ بالله على أحد من خلقه .. شأنُ الله أعظم من ذلكـ ..
    ويحك !! أتدري ما الله ؟! إن عرشه على سماواته لهكذا ..
    وقال بأصابعه مثل القبة عليه .. وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكبـ ..
    ولكن إذا وقع الخطأ من الشخص لوحده قد يكون هناك شيء من اللين ..
    أتى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ إلى بيت عائشة صريعآ رضيـ الله عنها في ليلتها ..
    فوضع نعليه من رجليه .. ووضع رداءه .. واضطجع على فراشه .. فلبث كذلك ..
    حتى ظن أن عائشة قد رقدت فقام من على فراشه ولبس رداءه ونعليه رويداً ..
    ثم فتح الباب رويداً .. وخرج .. وأغلقه رويداً .. فلما رأت عائشة ذلك ..
    دخلتها غَيْرةُ النساء .. وخشيت أنه ذهب إلى بعض نسائه ..
    فقامت .. ولبست درعها .. وخمارها .. وانطلقت في إثره .. تمشي وراءه ..
    دون أن يشعر بها فانطلق صلى الله عليه وسلمـ .. يمشي في ظلمة الليل ..
    حتى جاء مقبرة البقيع .. فوقف عندها .. ينظر إلى قبور أصحابه ..
    الذين عاشوا عابدين .. وماتوا مجاهدين ..
    واجتمعوا تحت الثرى .. ليرضى عنهم من يعلم السرَّ وأخفى ..
    أخذ صلى الله عليه وسلمـ ينظر إلى قبورهم .. ويتذكر أحوالهمـ ..
    ثم رفع يديه فدعا لهم .. ثم أخذ ينظر إلى القبور .. ثم رفع يديه ثانية فدعا لهمـ ..
    ثم لبث ملياً .. ثم رفعها فاستغفر لهم ..وأطال القيام .. وعائشة تنظر إليه من بعيد ..
    ثم التفت صلى الله عليه وسلمـ وراءه راجعاً .. فلما رأت ذلك عائشة ..
    انحرفت إلى ورائها راجعة .. خشية أن يشعر بها ..
    فأسرع صلى الله عليه وسلمـ مشيه .. فأسرعت عائشة ..
    فهرول .. فهرولتْ .. فأحضرَ .. أي جرى مسرعاً - فأحضرتْ وجرتـ ..
    حتى سبقته إلى البيت فدخلت ..ونزعت درعها وخمارها ..
    وأقبلت إلى فراشها فاضطجعت عليه .. كهيئة النائمة .. ونفَسها يتردد في صدرها ..
    فدخل صلى الله عليه وسلمـ البيت .. فسمع صوت نَفَسها ..
    فقال : مالك يا عائش .. حشياً رابية ..
    قالت : لا شيء .. قال : لتخبرني .. أو ليخبرني اللطيف الخبير ..
    فأخبرته بالخبر .. وأنها غارت عليه .. فانطلقت تنظر أين يذهبـ ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : أنت الذي رأيتُ أمامي ؟ قالت : نعمـ ..
    فدفعها في صدرها .. دفعة .. ثم قال :أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ..
    فقالت عائشة : مهما يكتمِ الناسُـ .. يعلمه الله عز وجل ..؟
    قال : نعم .. ثم قال صلى الله عليه وسلمـ ..
    مبيناً لها خبر خروجه : إن جبريل عليه السلام .. أتاني حين رأيتـ ..
    ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ..فنادانيـ ..
    فأخفى منك فأجبته وأخفيته منكـ .. وظننت أنك قد رقدت .. فكرهت أن أوقظكـ ..
    وخشيت أن تستوحشي .. فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفرَ لهم .. نعم ..
    كان صلى الله عليه وسلمـ .. سهلاً لـيِّناً لا يكبر الأخطاء ..
    بل كان يرددها في الناس ويقول كما عند مسلم : لا يفرك مؤمن مؤمنة ..
    إن كره منها خلقاً .. رضي منها آخر ..
    أي لا يبغضها بغضاً تاماً .. لأجل خلق عندها .. أو طبعٍ يلازمها ..
    بل يغفر سيئتها لحسنتها .. فإذا رأى خطأها تذكر صوابها ..
    وإذا شاهد سوءها تذكر حسنها .. ويتغاضى عما يكرهه من خلقها .. وما لا يرضاه من تعاملها ..

    :: إضاءة ::
    ليس اللوم على من لا يقبل النصيحة .. وإنما على من يقدمها بأسلوب غير مناسب ..

  19. #219


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ السادس و السبعــــــــــون : ارض بما قسم الله لك ..
    يقول الشيخـ :::: كنت في رحلة إلى أحد البلدان لإلقاء عدد من المحاضراتـ ..
    كان ذلك البلد مشهوراً بوجود مستشفى كبير للأمراض العقلية ..
    أو كما يسميه الناس "مستشفى المجانين" ..
    ألقيت محاضرتين صباحاً .. وخرجت وقد بقي على أذان الظهر ساعة ..
    كان معيـ عبد العزيز .. رجل من أبرز الدعاة ..التفت إليه ونحن في السيارة ..
    قلت : عبد العزيز .. هناك مكان أود أن أذهب إليه ما دام في الوقت متسعـ ..
    قال : أين ؟ صاحبك الشيخـ عبد الله .. مسافر .. والدكتور أحمد اتصلت به ولم يجبـ ..
    أو تريد أن نمر المكتبة التراثية .. أو ..قلت : كلا .. بل : مستشفى الأمراض العقلية ..
    قال : المجانين !! قلت : المجانينـ ..
    فضحك وقال مازحاً : لماذا .. تريد أن تتأكد من عقلكـ ..
    قلت : لا .. ولكن نستفيد .. نعتبر .. نعرف نعمة الله علينا ..
    سكت عبد العزيز يفكر في حالهم .. شعرت أنه حزينـ ..
    كان عبد العزيز عاطفياً أكثر من اللازم أخذني بسيارته إلى هناكـ ..
    أقبلنا على مبنى كالمغارة .. الأشجار تحيط به من كل جانب .. كانت الكآبة ظاهرة عليه..
    قابلنا أحد الأطباء .. رحب بنا ثم أخذنا في جولة في المستشفى ..
    أخذ الطبيب يحدثنا عن مآسيهم .. ثم قال : وليس الخبر كالمعاينة ..
    دلف بنا إلى أحد الممراتـ .. سمعت أصواتاً هنا وهناك ..
    كانت غرف المرضى موزعة على جانبي الممر ..
    مررنا بغرفة عن يميننا .. نظرت داخلها فإذا أكثر من عشرة أسرة فارغة ..
    إلا واحداً منها قد انبطح عليه رجل ينتفض بيديه ورجليه ..
    التفتُّ إلى الطبيب وسألته : ما هذا !!
    قال : هذا مجنون .. ويصاب بنوبات صرع .. تصيبه كل خمس أو ست ساعاتـ ..
    قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله .. منذ متى وهو على هذا الحال ؟
    قال : منذ أكثر من عشر سنوات ..كتمت عبرة في نفسي .. ومضيت ساكتاً ..
    بعد خطوات مشيناها .. مررنا على غرفة أخرى .. بابها مغلقـ ..
    وفي الباب فتحة يطل من خلالها رجل من الغرفة .. ويشير لنا إشارات غير مفهومة ..
    حاولت أن أسرق النظر داخل الغرفة .. فإذا جدرانها وأرضها باللون البنيـ ..
    سألتـ الطبيب : ما هذا ؟!! قال : مجنون ..
    شعرت أنه يسخر من سؤالي .. فقلت : أدري أنه مجنون ..
    لو كان عاقلاً لما رأيناه هنا .. لكن ما قصته ؟
    فقال : هذا الرجل إذا رأى جداراً .. ثار وأقبل يضربه بيده .. وتارة يضربه برجله ..
    وأحياناً برأسه .. فيوماً تتكسر أصابعه .. ويوماً تكسر رجله .. ويوماً يشج رأسه ..
    ويوماً .. ولم نستطع علاجه .. فحبسناه في غرفة كما ترى ..
    جدرانها وأرضها مبطنة بالإسفنجـ .. فيضرب كما يشاء .. ثم سكت الطبيبـ ..
    ومضى أمامنا ماشياً ..أما أنا وصاحبي عبد العزيز ..
    فظللنا واقفين نتمتم : الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به ..
    ثم مضينا نسير بين غرف المرضى ..
    حتى مررنا على غرفة ليس فيها أسرة .. وإنما فيها أكثر من ثلاثين رجلاً ..
    كل واحد منهم على حال .. هذا يؤذن .. وهذا يغني .. وهذا يتلفت ..
    وهذا يرقص ..وإذا من بينهم ثلاثة قد أُجلسوا على كراسي ..
    وربطت أيديهم وأرجلهم .. وهم يتلفتون حولهم .. ويحاولون التفلت فلا يستطيعون ..
    تعجبت وسألت الطبيب : ما هؤلاء ؟ ولماذا ربطتموهم دون الباقين ؟
    فقال : هؤلاء إذا رأوا شيئاً أمامهم اعتدوا عليه .. يكسرون النوافذ ..
    والمكيفاتـ .. والأبواب ..لذلك نحن نربطهم على هذا الحال .. من الصباح إلى المساء ..
    قلت وأنا أدافع عبرتي : منذ متى وهم على هذا الحال ؟
    قال : هذا منذ عشر سنوات .. وهذا منذ سبع .. وهذا جديد ..
    لم يمض له إلا خمس سنين !! خرجت من غرفتهم .. وأنا أتفكر في حالهم ..
    وأحمد الله الذي عافاني مما ابتلاهم .. سألته : أين باب الخروج من المستشفى ؟
    قال : بقي غرفة واحدة .. لعل فيها عبرة جديدة .. تعال ..
    وأخذ بيدي إلى غرفة كبيرة .. فتح الباب ودخل .. وجرني معه ..
    كان ما في الغرفة شبيهاً بما رأيته في غرفة سابقة .. مجموعة من المرضى ..
    كل منهم على حال .. راقص .. ونائم .. و .. و .. عجباً ماذا أرى ؟؟
    رجل جاوز عمره الخمسينـ .. اشتعل رأسه شيباً .. وجلس على الأرض القرفصاء ..
    قد جمع جسمه بعضه على بعضـ .. ينظر إلينا بعينين زائغتين .. يتلفت بفزعـ ..
    كل هذا طبيعي .. لكن الشيء الغريب الذي جعلني أفزع .. بل أثور ..
    هو أن الرجل كان عارياً تماماً ليس عليه من اللباس ولا ما يستر العورة المغلظة ..
    تغير وجهي .. وامتقع لوني .. والتفت إلى الطبيب فوراً .. فلما رأى حمرة عيني ..
    قال لي .. هدئ من غضبكـ .. سأشرح لك حاله ..هذا الرجل كلما ألبسناه ثوباً
    عضه بأسنانه وقطعه .. وحاول بلعه ..
    وقد نلبسه في اليوم الواحد أكثر من عشرة ثيابـ .. وكلها على مثل هذا الحال ..
    فتركناه هكذا صيفاً وشتاءً .. والذين حوله مجانين لا يعقلون حاله ..
    خرجت من هذه الغرفة .. ولم أستطع أن أتحمل أكثر ..
    قلت للطبيب : دلني على الباب .. للخروج .. قال : بقي بعض الأقسامـ ..
    قلت : يكفي ما رأيناه .. مشى الطبيب ومشيت بجانبه ..
    وجعل يمر فيـ طريقه بغرف المرضى .. ونحن ساكتانـ ..
    وفجأة التفت إليّ وكأنه تذكر شيئاً نسيه ..
    وقال : يا شيخ .. هنا رجل من كبار التجار .. يملك مئات الملايين ..
    أصابه لوثة عقلية فأتى به أولاده وألقوه هنا منذ سنتين ..
    وهنا رجل آخر كان مهندساً في شركة .. وثالث كان ..
    ومضى الطبيب يحدثني بأقوام ذلوا بعد عز .. وآخرين افتقروا بعد غنى .. و ..
    أخذت أمشي بين غرف المرضى متفكراً ..
    سبحان من قسم الأرزاق بين عباده .. يعطي من يشاء .. ويمنع من يشاء ..
    قد يرزق الرجل مالاً وحسباً ونسباً ومنصباً .. لكنه يأخذ منه العقل ..
    فتجده من أكثر الناس مالاً .. وأقواهم جسداً ..
    لكنه مسجون في مستشفى المجانين ..
    وقد يرزق آخر حسباً رفيعاً .. ومالاً وفيراً .. وعقلاً كبيراً .. لكنه يسلب منه الصحة ..
    فتجده مقعداً على سريره .. عشرين أو ثلاثين سنة .. ما أغنى عنه ماله وحسبه ..!!
    ومن الناسـ من يؤتيه الله صحة وقوة وعقلاً ..
    لكنه يمنعه المال فتراه يشتغل حمال أمتعة في سوق أو تراه معدماً فقيراً ..
    يتنقل بين الحرف المتواضعة لا يكاد يجد ما يسد به رمقه ..
    ومن الناس من يؤتيه .. ويحرمه .. وربك يخلق ما يشاء ويختار .. ما كان لهم الخيرة ..
    فكان حرياً بكل مبتلى أن يعرف هدايا الله إليه قبل أن يعد مصائبه عليه ..
    فإن حرمك المال فقد أعطاك الصحة .. وإن حرمك منها .. فقد أعطاك العقل ..
    فإن فاتك .. فقد أعطاك الإسلام .. هنيئاً لك أن تعيش عليه وتموت عليه ..
    فقل بملء فيك الآن بأعلى صوتكـ : الحممممدلله ..
    وكذلك كان الصحابة الكرام رضيـ الله عنهمـ ..
    بعث رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. عمرو بن العاص رضيـ الله عنه..
    جهة الشامـ .. في غزوة ذات السلاسل .. فلما صار إلى هناك رأى كثرة عدوه ..
    فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يستمده ..
    فبعث إليه صلى الله عليه وسلمـ أبا عبيدة بن الجراح .. أميراً على مدد ..
    فيه المهاجرون الأولون .. وفيهم أبو بكر وعمر .. وقال صلى الله عليه وسلمـ ..
    لأبي عبيدة حين وجهه : لا تختلفا .. فخرج أبو عبيدة ..
    حتى إذا قدم على عمرو قال له عمرو : إنما جئت مدداً لي ..
    فقال له أبو عبيدة : لا ولكنـ على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه ..
    وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً .. هيناً عليه أمر الدنيا ..
    فقال له عمرو : بل أنت مددي ..
    فقال له أبو عبيدة : يا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ قد قال لي :
    لا تختلفا .. وإنك إن عصيتني أطعتك ..
    فقال له عمرو .. فإني أمير عليك .. وإنما أنت مدد لي ..
    قال : فدونك .. فتقدم .. عمرو بن العاص رضيـ الله عنه .. فصلى بالناس ..
    وبعد الغزوة .. كان أول من وصل المدينة .. عوف بن مالك رضيـ الله عنه ..
    فمضى إلى رسول صلى الله عليه وسلمـ ..
    فلما رآه .. قال له صلى الله عليه وسلمـ .. أخبرني ..
    فأخبره عن الغزوة .. وما كان بين أبي عبيدة وعمرو بن العاص ..
    فقال صلى الله عليه وسلمـ : يرحم الله أبا عبيدة بن الجراحـ ..
    نعم .. يرحم الله أبا عبيدة رضيـ الله عنه ..
    :: فكرة ::
    انظر للجوانب المشرقة من حياتك .. قبل أن تنظر للمظلمة .. لتكون أسعد ..

  20. #220


    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المـشـــاركــات
    553
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: منـ أروعـ ماقرأتـ ->::.. استمـــتعـ بحياتــــــكـ ..::<-

    الموضوعـ السابع و السبعــــــــــون : نختلف ونحن إخوانـ !
    يقول الشيخـ :::: ذُكر أن الشافعيـ رحمه الله تناظر يوماً مع أحد العلماء ..
    حول مسألة فقهية عويصة .. فاختلفا .. وطال الحوار .. حتى علت أصواتهما ..
    ولم يستطعـ أحدهما أن يقنع صاحبه ..وكأن الرجل تغير وغضبـ ..
    ووجد في نفسه ..فلما انتهى المجلس وتوجها للخروجـ ..
    التفت الشافعيـ إلى صاحبه .. وأخذ بيده وقال :
    ألا يصح أن نختلف ونبقى إخواناً ..! وجلس بعض علماء الحديث يوماً .. عند الخليفة ..
    فتكلمـ رجل في المجلس بحديث ..فاستغرب العالم منه ..
    وقال :ما هذا الحديث !! من أين جئت به ؟
    تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ؟ ..
    فقال الرجل : بل هذا حديث .. ثابتـ ..
    قال العالم : لا .. هذا حديث لم نسمع به .. ولم نحفظه ..
    وكان في المجلسـ وزير عاقل ..
    فالتفت إلى العالم وقال بهدوء : يا شيخـ ..
    هل حفظت جمييييع أحاديثـ النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ..؟
    قال : لا .. قال : فهل حفظتـ نصفها ؟ قال : ربما ..
    فقال : فاعتبر هذا الحديث من النصف الذي لم تحفظه ..وانتهت المشكلة ..
    كان الفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك صاحبين لا يفترقانـ ..وكانا عالمين زاهدينـ ..
    عنَّ لعبدالله بن المبارك فخرج للقتال والرباط في الثغور ..
    وبقي الفضيل بن عياض في الحرم يصلي ويتعبد ..
    وفي يوم رق فيه القلب .. وأسبلت الدمعة ..
    كتب الفضيل إلى ابن المبارك كتاباً يدعوه فيه إلى المجيء والتعبد في الحرم ..
    والاشتغال بالذكر وقراءة القرآنـ ..
    فلما قرأ ابن المبارك الكتاب .. أخذ رقعة وكتب إلى الفضيل :
    ياعــابد الحرميــن لو أبصرتنـــا *** لعلمت أنك في العبادة تلعـب
    من كان يخضــب خده بدموعه ***فنحــــورنا بدمائنـــا تتـخـضـب
    أو كان يتعب خيلــه في باطـل *** فخيولنا يوم الصبيحة تتـعــب
    ريح العبير لكــم ونحن عبيــرنا *** رهج السنابك والغبار الأطيـب
    ولقد أتانا من مـقـال نبـيــــــنـا *** قول صحيح صــادق لا يكــذب
    لا يستوي وغبار خيل الله في *** أنف امريء ودخان نار تلهــب
    هذا كتــاب الله ينـطـق بيننـــا *** ليس الشهيد بميت لا يكــذب
    ثم قال : إن من عباد من فتح الله في الصيام .. فيصوم ما لا يصومه غيره ..
    ومنهم من فتح له في قراءة القرآن .. ومنهم من فتح له في طلب العلم ..
    ومنهمـ من فتح في الجهاد .. ومنهمـ من فتح له في قيام الليل ..
    وليس ما أنت عليه بأفضل مما أنا عليه ..
    وما أنا عليه .. ليسـ بأفضل مما أنت عليه .. وكلانا على خير ..
    وهكذا كان منهج الصحابة .. اجتمع الكفار وتألبوا لحرب المسلمين في المدينة ..
    وجاؤوا في جيش لم تشهد العرب مثله كثرة وعتاداً ..
    فحفر المسلمون خندقاً لم يستطع الكفار أن يتجاوزوه لدخول المدينة ..
    فعسكر الكفار وراء الخندق .. وكان في المدينة قبيلة بني قريظة ..
    وهم يهود يتربصون بالمؤمنينـ ..فأقبلوا إلى الكفار يمدونهمـ ..
    ويعيثون في المدينة فساداً ونهباً ..
    وقد انشغل المسلمون عنهم بالرباط عند الخندقـ ..
    ومضت الأيام عصيبة .. حتى أرسل الله على الكفار ريحاً وجنوداً ..
    من عنده فتمزق جيشهم .. وانقلبوا خائبين ..
    يجرون أذيال هزيمتهم في ظلمة الليل ..
    فلما أصبحـ رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
    انصرفـ عن الخندق راجعاً إلى المدينة ..
    ووضع المسلمون السلاحـ .. ورجعوا إلى بيوتهمـ ..
    ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بيته .. ووضع السلاح واغتسل ..
    فلما كانت الظهر .. جاءه جبريل ..
    فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. من خارج البيت ..
    فقام رسول الله صلى الله عليه وسلمـ فزعاً ..
    فقال له جبريل عليه السلام : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟
    قال : نعم ..
    قال جبريل : ما وضعت الملائكة السلاح بعد .. وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ..
    طلبناهمـ حتى بلغنا حمراء الأسد ..
    إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة .. فإني عامد إليهم فمزلزل بهمـ ..
    فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلمـ مؤذناً فأذن في الناسـ ..
    " من كان سامعاً مطيعاً .. فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة " ..
    فتسابق الناس إلى سلاحهم .. وسمعوا وأطاعوا .. ومضوا إلى ديار بني قريظة ..
    فدخل عليهم وقت العصر وهم في الطريقـ ..
    فقال بعضهم لا نصليـ العصر إلا في بني قريظة ..
    وقال بعضهم : بل نصلي لم يرد منا ذلك .. يعني إنما أراد الإسراع إليهم ..
    فصلوا العصر وأكملوا مسيرهمـ ..
    وأخرها الآخرون .. حتى وصلوا بني قريظة .. فصلوها ..
    فذكر ذلك للنبيـ صلى الله عليه وسلمـ فلم يعنف واحداً من الفريقين ..
    فحاصرهم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. حتى نصره الله عليهم ..

    :: وجهة نظر::
    ليست الغاية أن نتفق .. لكن الغاية أن لا نختلف ..

صفحة 11 من 12 الأولىالأولى ... 23456789101112 الأخيرةالأخيرة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...