المشاركة الأصلية كتبت بواسطة D.AS
"كونان المتحري"
سبق وأن قلت أن علي رضي الله عنه كان من الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس في الـمدينة في غزوة تبوك، فتكلّم الـمنافقون وقالوا: إن النبِي صلى الله عليه وسلم إنما ترك عليا في الـمدينة لأمر في نفسه يعني: بغضا لعلي أو استثقالا [مختصر تَاريخ ابن عساكر].
فبلغ عليا رضي الله عنه هذا الكلام فتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من الـمدينة، وفي رواية أنه يبكي رضوان الله تعالى عليه[مُخْتَصر تَارِيخ ابْن عَسَاكِر]
فقال: يا رسول الله أتخلّفني في النساء والصبية؟؟
فطيَّب النبِي صلى الله عليه وسلم خاطره وقال: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبِي بعدي) [صَحِيح الْبُخَارِيِّ].
قلتم: أن قول النبِي صلى الله عليه وآله وسلم : «ألا ترْضى أَن تكون منّي بمَنزلة هارون من موسَى » دليل على أن عليا رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؛ لأن هارون هو الخليفة بعْد موسى لـمّا خرج لـميقات ربّه، فعلي هو الخليفة بعد رسول الله .
وهذا باطل من وجوه:
الأول..
إن هارون لم يخلف موسى بل الـمشهور أن هارون عليه الصلاة والسلام توفي قبل موسى بسنة [تَاريخ الطَّبَرِيِّ].
الثاني..
إن هارون بقي في الـمدينة لما خرج موسى للقاء ربه ومع هارون العسكر والجيش وخرج موسى ومعه بعض الرجال للقاء ربه تبارك وتعالى، أمّا علي فلم يبْق أَحد من العسْكر معه إلا الذين عصوا أمر الله أو من أمره الرّسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء فاختلَف الأمر
الثالث..
إنّ النبي صلى الله عليه وسلم إنّما طيب خاطر علي رضي الله عنه لأن عليا هو الذي جاء واشتكى ولو لم يأت علي للنبي ما قال له هذا الكلام فبين له أن الأمر ليس كذلك، فأنا ما خلفتك بغضا لك، أتعلم أن موسى لـما خرج للقاء ربه ترك هارون ولم يكن هذا منقصة لِهارون عليْه السّلام. كذلك إذَا خرجت أنا وتركتك في المدينة فليس هذا منْقصة لك لذلك لو كان غير علي وقيل فيه ما قيل في علي وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم واشتكى بنفس الشّكوى التي اشتكاها علي لما كان يبعد أن يقول له النبِي هذا الكلام نفسه، وإنما اشتكى علي ولَم يشتك غيره لما تكلّم فيه الناس، لأن بقية الولاة ما كان النبِي صلى الله عليه وآله يتركهم مع النساء والصبية فقط بل كان يستخلفهم على رجال، ولم يكن النبِي صلى الله عليه وسلم يخرج بالجيش كلّه عادة.
فعلي رضي الله عنه لما رأى الأمر كأن فيه منقصة وتكلم المنافقون خرج خلف النبِي صلى الله عليه وسلم يسأله عن سبب هذا التّرك فبينَ له النبِي صلى الله عليه وسلم أنه ليس عن كره، ولا كما يدعي الـمنافقون، إنما كما أبقى موسى هارون، أنا أبقيك في أهلِي.
الرابع..
إن النبِي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبق عليا خليفة على المدينة في هذه الغزوة، بل استخلفه على أهل بيته خاصة، كما يذكر أهل السير كابن جرير[ تَاريخ الطَّبَرِيِّ] ، وابن كثير[الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة] وغيرهما أن الوالي على المدينة فى تلك الغزوة هو محمد بن مسلمة وليس علي بن أبي طالب.
الخامس..
كيف يمكن لنا أن نفهم أن هذا الترك من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي منقبة له وأنه لا ينبغى أن يخرج النبِي صلى الله عليه وسلم إلا وعلي خليفته ثم نرى عليا يخرج باكيا خلف النبِي صلى الله عليه وسلم؟
أفهمناها ولم يفهم علي رضي الله عنه؟
فلو كان ترك النبِي صلى الله عليه وسلم لعلي منقبة بحد ذاتها لما خرج خلفه، ولعلم أن النبِي لا يخرج إلا وهو خليفته من بعده.
السادس..
إن النبِي صلى الله عليه وآله استخلف غير علي بعده، فإنه بعد غزوة « تبوك » خرج إلى حجة الوداع وكان علي في اليمن ولم يترك عليا في المدينة.
المفضلات