الحلال بين والحرامـ بين هذا الحديث بحر لا ساحل له ، عليها مدار الإسلام , أصل كبير في
الورع وترك المتشابهات في الدين ، عليه لوائح أنوار النبوة ساطعة , ومشكاة الرسالة
مضيئة ، فأن الحلال واضح حله , جلي , ظاهر بأدلته المعروفة , وكذلك الحرام فهو واضح
تحريمه , جلي , ظاهر بأدلته المعروفة , وكلٌ منهما لم تتطرق إليه شبهة دخوله في الآخر ،
فالحلال البين هو ما وقع النص على تحليله , والحرام البين هو ما وقع النص على تحريمه ,
وكلٌ منهما تدركه العقول السليمة , وتحس به القلوب التي ما زالت على فطرتها الصافية
النقية ، فكل طيب حلال , وكل حرام خبيث ، فقد وضع لنا ميزاناً دقيقاً يجب وزن الأعمال به
قبل الإقدام عليها , إنه ميزان الحلال والحرام , فننظر هل هذا من الحلال فنقدم , أم من
الحرام فنجتنبه ونحجم ؟ فمن استبرأ لدينه فقد كمل دينه , ومن كمل دينه فقد كمل إيمانه,
فإتقاء الشبهات سبب لدخول الجنة , والتقحم فيها يؤدي بالمرء إلى المهلكات , والفتن
,فمن شرح الله صدره بنور اليقين , وكان لله تقياً , ينعم الله عليه بنور يفرق به بين الحق
والباطل , فلا ينشرح للإثم , ولا تفرح به نفسه فأن المباح إذا كان ذريعة إلى الحرام ولو نادراً
فالورع تركه ، فكل ما أعان على حرام فهو حرام , ومن أعان على محرم فهو شريك في الإثم
وأن من يسرف على نفسه , ويخرق حمى الله عز وجل بالتورط في المحارم , فهو ظالم
لنفسه , نابذٌ لتعاليم دينه , ومن تعدى الحلال , ووقع في الشبهات فقد قارب الحرام ، لذلك
وجوب السعي إلى إصلاح الطوية , وحسن السريرة , فإن من كانت طويته صالحة كان ما
ينبعث عنها من الأفعال صالحاً , ومن كان قلبه فاسداً , ونيته سيئة كانت الأفعال الصادرة
عنه فاسدة وسيئة ، ينبغي لكل مسلم أن يكون حارساً أميناً لنفسه على نفسه , فلا يدع
للشيطان منفذاً ينفذ منه إلى قلبه , فينتقص من تقواه , ويزيّن له ما حرم الله عز وجل ,
أو يقبّح له ما أحل الله عز وجل , ويدفعه إلى الرتع في الشهوات, والشبهات, فيستثقل
الطاعات , ولا يقنع بالحلال , وهذا هو دأب الشيطان مع الإنسان ، وأن هذا الحديث نعم
المرشد , وأقوى العون على قهر الشيطان , وسد باب الشر عن الإنسان ما مات النبي
صلوات ربي وسلامه عليه حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً , فالحلال بين والحرام بين ,
فمن أسكن الحياة الدنيا قلبه , أصبحت هي همه وغايته وسيعمى عن الآخرة
وتتشعب به الهموم , ويهلك في أودية الشبهات الموصلة إلى المحرمات

المفضلات