حلمُ النهارِ تجسدَ على طولِ العمودِ حينما أخفضَ بصره للطابقِ الأرضي
يا الهي, يالها من شجرةِ متعلقة بي !
هكذا ظنّ العمودُ الذي يشدّ من أزرِ الكرمةِ المتسلقة
عادَ العمودُ ببصره ووزعه على أحفاده الصغيرة هنا وهناك ورأى فروع العنبة متسطحةَ دونَ غطاءٍ يسترها أشعةَ الشمسِ!
اعتصرَ العمودُ حسرةً.. حبيبتهُ متكشفةٌ ومن أوراقها ما قدّ أكله الحرّ بأشعته
تمنى لو كانَ له أيد وأذرعٌ أخرى كي يضمها إلى قلبهِ
تساءلت الحجارة على سطح الدار في ألم "ألا تملّ أيها العمودُ نحيباً؟! أنظر لنفسك كيفَ ذابَ لحمك وصدأ مع الشمس وسنون وينقصمُ ظهركَ نصفين وتقع"
"لا!"
لوَح العمود نافياً مستنكراً "إنها حبيبتي, رأيتها منذ كانت بذرةً ونمت ونامت عليَّ عمراً وفردتْ عليّ ثوبها الأخضر وعلى أبنائي وأحفادي من بعدي. ألا ترى حفيفها وتراقصها مع كل نسمةِ هواءٍ قادمة من البحر. إنها تتراقص لي ولأبنائي. إنها تحبني"
"صه! كم هو أعمى! أقصدُ حبكَ" استاء الحجرُ الذي يرتكزُ عليهِ العمود
اغروقرقتْ الدموع في عينيّ العمودِ وقال " ألا تعرف الذي قال "لو يذكر الزيتونُ غارسه لصار الزيتُ دمعاً" وهي معي منذُ أن غرسها من ثبتني في حارتنا القديمة في الساحةِ الواسعة في سدر الدار"
اهتزت أوراقُ الكرمة وتمايلتْ وزادت من إتكائها على العمود وشبكته فابتهج العمود واكتست وجهه حمرةٌ لم يفهمها أيّ كان ظناً من الجميعِ أنّ الصدأ أكله!
وانتظرا الليل ليتسامرا والقمر!
المفضلات