1- ]رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[([1]).هذه الدعوة المباركة من دعوات أهل العلم والإيمان، سطّرها لنا ربنا في كتابه دعواتٍ تُتلى إلى يوم القيامة،دلالة جلية على أهميتها.فبعد أن ذكر اللَّه حُبَّ الناس الشهوات من النساء والبنين وغيرها من ملذات الدنيا، وإيثار بعضهم لهذه الدار على الآخرة، أعقب بذكر الدار الحقيقية التي لا يفنى نعيمها ولا ينفد، التي أعدها لأصحاب النفوس الزكيَّة، الذي كان من جليل أعمالهم وأقوالهم : ]يقولون ربنا إننا آمنا[: جاء بصيغة المضارع (يقولون) الذي يدلّ على الاستمرارية والتجدد في سؤالهم، وتضرّعهم بهذه الدعوات .]ربّنا إننا آمنا[: توسّلوا إلى اللَّه تعالى بربوبيته التي من مقتضاها الإجابة والعناية، وذلك أن ربوبية اللَّه تبارك وتعالى ربوبيتان: عامة: لجميع الخلائق بالرزق، والتدبير والإصلاح، وخاصة: لأوليائه التي تقتضي الحفظ، والعناية، والإجابة، وإصلاح أحوالهم وشؤونهم في دينهم ودنياهم، فهم توسّلوا بهذه الربوبية العليّة التي من مقتضاها إجابة دعائهم.]إنَّنا آمنَّا[: أكدوا إيمانهم بـ((إنَّ)) المؤكدة، دلالة على قوة إيمانهم، وصفاء توحيدهم من كل أدران الشرك والشك، أي آمنّا بك وبكتابك وبرسولك، وبكل ما جاء منك، قدموا توسلهم بإيمانهم باللَّه قبل سؤالهم؛ لأنه من أعظم الوسائل التي يحبها اللَّه ، أن يتوسّل العبد إلى ربّه تعالى بما منَّ عليه من الإيمان، والأعمال الصالحة، إلى تكميل نعم اللَّه تعالى عليه، بحصول الثواب الكامل، واندفاع العقاب))([2]).وقوله: ]فاغفر لنا[: ((الفاء هنا للسببية، أي بسبب إيماننا فاغفر لنا؛ لأن الإيمان لا شك أنه وسيلة للمغفرة، وكلما قوي الإيمان قويت أسباب المغفرة، والمغفرة : مأخوذة من الغفر، وهو الستر والوقاية .ومنه (المِغْفَر) الذي يلبسه المقاتل في رأسه ليستر الرأس، ويقيه السهام، فمغفرة الذنوب : سترها في الناس، والعفو عن عقوبتها))([3]).وقوله: ((ذنوبنا)): المراد كل الذنوب من الصغائر والكبائر.وقوله: ]وقنا عذاب النار[: أي اجعل بيننا وبين النار وقاية تجنبنا هذا الشر الأليم.تضمنت هذه الدعوة: التوفيق إلى الأعمال، والأقوال، والأخلاق التي تقي عذاب النار، والفوز بدار القرار.الفوائد:1- ((من صفات المؤمنين إعلانهم الإيمان باللَّه تبارك وتعالى.2- أنّ من صفات المتقين عدم الإعجاب بالنفس، وأنّهم مقصرون لطلبهم المغفرة من اللَّه تعالى .3- جواز التوسل بالإيمان ]ربّنا إنّنا آمّنّا[))([4]).4- أهمية البسط في الدعاء، فإنّ ((سؤال المغفرة يغني عن سؤال الوقاية من النار، إلا أنه في باب الدعاء ينبغي البسط لأربعة أسباب :أ- السبب الأول: أن يستحضرالإنسان جميع ما يدعو به بأنواعه.ب- أنّ الدعاء مخاطبة للَّه ، وكلّما تبسّط الإنسان مع اللَّه في المخاطبة كان ذلك أشوق،وأحبّ إليه مما لودعا على سبيل الاختصار.جـ- أنه كلما ازداد دعاء ازداد قربة إلى اللَّه.د- أنه كلما ازداد دعاء كان فيه إظهار لافتقار الإنسان إلى ربه U))([5]).5- أهمية التوسل بالعمل الصالح في الدعاء، وأنّ من أعظم أنواعه على الإطلاق التوسل بإيمان العبد بربه تعالى .6 - ينبغي للداعي أن يحرص في أدعيته على سؤال المغفرة، والوقاية من النار، فمن تحصَّل بهذين المطلوبين فاز في الدنيا والآخرة.7- أنه كلما أكثر العبد في التوسل كان أرجى في قبول دعوته، فقد توسلوا بوسيلتين:أ- بأسمائه تعالى الحسنى ﴿رَبَّنَا﴾.ب- بالعمل الصالح ﴿إِنَّنَا آمَنَّا﴾ .
[HR][/HR]([1]) سورة آل عمران، الآية: 16.
([2]) تفسير ابن سعدي، 1/ 363.
([3]) تفسير آل عمران للعلامة ابن عثيمين، 1/ 108.
([4]) المصدر السابق، 1/ 116.
([5]) تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين، 1/ 116.
المفضلات