العباقرة _ الجزء الرابع والأخير
نعم، إنها العبقرية!
منتهى الإبداع والتميز مما لا نستطيع نحن أن نقدره حق قدره، وهل هناك إثبات أكبر من أن المصور ركز الكاميرا على قرعة رجل من الحضور ليأخذ بها (زووم) تصوير الفيديو، يمينًا ويسارًا، علوًا وانخفاضًا، قربًا وبعدًا؟! ولو أن الأمر كان فقط بدايةَ الفيديو لهان الأمر، ولكنه تكرر أكثر من مرة بعدها، ما دفع بنا إلى إغلاق جهاز الفيديو، والعودة بهذا الشريط النادر إلى صاحبته، مقدمين؛ بذلك؛ خدمة كبيرة إلى الجماهير التي تندفع للشراء.
وبما أننا تحدثنا عن الشاي مرارًا من قبل، فلنرجع إليه الآن في قصة أخرى من قصص العباقرة وسِيَرِهم، إذ دعانا أحد أصدقائنا لزيارته مرة، ويبدو أنه خاف أن يقصر في واجباتنا، فقام بإعداد الشاي قبل عدة ساعات من وصولنا، وجمع في الإبريق بين أعواد الشاي الرفيعة وأكياس الشاي معًا، وليس هنا موضع العبقرية وتميز العقول وفرادة الأذهان، فصديقنا ترك أكياس الشاي وأعواده في الإبريق كل تلك الساعات، ليقدم إلينا سائلًا شديد السواد كالليل البهيم، متجمدًا كالقطب الجنوبي أو الشمالي، سائلًا لو رآه شعراء العرب لتوقفوا عن تشبيه شعر المحبوبة بالليل، وشبهوه بالشاي الذي تنتجه أيادي العباقرة!
إلا أن عبقرية الدعوات الأروع والأكثر تميزًا، كانت مع صديق عزيز، هكذا يسمي نفسه، ولا أعرف هل يُعِزُّ نفسه إلى هذه الدرجة أم لا! وقد زرتُه وقتها، ثاني أيام عيد الأضحى، وجلسنا في الصالون نتحدث، وإذ بوالدته تناديه، فاستأذن ثم عاد محرجًا ليطلب إليَّ الانصراف الآن، ثم الرجوع بعد دقائق، لأنه سينزل معي ليشتري قطعة خاصة للجلاية الكهربائية، طلبها فَنِّي تصليح الأدوات الكهربائية.
وبغض النظر عن البعد الانعكاسي في ذهنه الشارد، إذ كان ينبغي أن يدعوني لمرافقته، والنزول معه، ويتقدمني إلى الباب، فلستُ في بيتي الخاص حتى أنتقل من غرفة إلى أخرى كما يحلو لي، إلا أنني لم أعترض على ذلك، بل أشرتُ إليه بيدي ليمشي، لتبدو نظرة حائرة في عينيه، طلبتُ إليه باللغة العربية العامية الواضحة الصريحة أن يمشي أمامي، ليسألني بغباء شديد: "لماذا"؟!
وبعد أن أفهمتُه (لماذا) نزلنا معًا، واشترى هو تلك القطعة، ورجعنا إلى بيته تحت إلحاح شديد منه، جلستُ في الصالون، وذهب هو إلى العامل ليسلمه القطعة الكهربائية، ولم يمضِ بضع ثوان إلا وصرخة هائلة رهيبة تدوي في البيت، ثم صراخ متفرق، وكأن هناك من يركض ويجري في كل الاتجاهات، ثم ارتفعت صوت صرخة أعتقد أنها زلزلت أركان البيت، حتى خطر ببالي أن جنيًا قد خرج لعائلة رفيقي من الجلاية الكهربائية!
لم أكن مخطئًا في تقديري، فقد خرج شيء من الجلاية الكهربائية، وربما لو كان جنيًا فعلًا لكان أخف وطأة واشمئزازًا من ذلك الجرذ الذي، وفق ما أخبرني به رفيقي بعد ذلك، انطلق في البيت كالقذيفة، وكانت أخته _ أخت رفيقي لا أخت الجني _ مستلقية على الأرض في ذلك الطقس الحار، وإذ بالجرذ يمشي عليها لتفيق المسكينة على تلك الحركة وترى الجرذ واقفًا على بطنها، فأطلقت صرخة مدوية، شعرت معها كأنها ستموت من فرط الرعب والقرف.
كل هذا طبيعي، ولكن العبقرية أسفرت عن وجهها هنا، بقدوم رفيقي إلى الصالون متجهم الوجه، مشيرًا إلى طاولة بعيدة منخفضة، فوقها صينية من المعمول المكشوف، ليخبرني بأن العامل وضع القطعة في الجلاية ليجد أن جرذًا يمد فمه ليتلقاها _ وكأننا نشاهد فلم كرتون هزلي_ وفجأة صرخ رفيقي، قائلًا لي بلهجة آمرة وحماسة نادرة: (كول معمول)! فرددتُ له بلهجة آمرة وحماسة نادرة: (آكلة تاكلك)!
هل هذا وقت المعمول المكشوف الموضوع فوق طاولة بعيدة منخفضة، وجرذكم يتنزه في بيتكم؟ ماذا لو أنه قد زار هذه الصينية قبل متابعته إلى الجلاية!! قلت لعل رفيقي نسي أنني لا آكل المعمول هذا بسبب ما يوضع فيه من السكر، لا بأس، لن أصفه بالعبقرية لسبب مثل هذا، ولكن أن يطلب إليَّ أن أتناول المعمول، في ظل احتمال زيارة الجرذ له؟ فهذه عبقرية نادرة، والعبقرية الأخرى أن أتناول المعمول، أو أي شيء آخر، مستمتعًا بأصوات الصراخ الذي ما تزال تدوي في البيت!
غاب رفيقي مرة ثانية، من دون أن يسمع أنني أريد المغادرة، وظلت الصرخات تدوي كل لحظة وأخرى، ثم انتهى ذلك، وساد الصمت، وعاد رفيقي إليَّ مرة أخرى، معلنًا بانتصار أنهم قد تغلبوا على الجرذ، وحاصروه، و(أجبروه على الانسحاب) إلى الشرفة، وهذه هي العبقرية الحقيقية، وأعتقد أنهم ألزموه بتوقيع معاهدة شبيهة بمعاهدة فرساي كذلك، ولكنهم يخبئون الحقيقة عنا!
نزلت مع رفيقي ليشتري قطعة أخرى للجلاية، بدلًا من تلك التي قضمها الجرذ، وما كدنا نصل مدخل البناية حتى قلت له: (السلام عليكم)، فَرَدَّ متحمسًا: (نعم، هذا هو)!
سألته، وقد ظننت بعقله الظنون: (ماذا تقصد)؟ فأجابني بسعادة عجيبة: (هكذا كانوا مِن قبلنا، أي شخصين يسيران معًا، فإن افترقا ولو ثانية واحدة، كأن يفرق بينهما عمود أو شجرة، عادا لإلقاء السلام على بعضهما)!
هتفت به ممتدحًا عبقريته النادرة، وذاكرته الفوتوغرافية، إذ لم يفرق بيننا منذ عاد حضرته إلى الصالون وحتى نزلنا أي شيء، إلا إن كان يظنني قد غصت تحت الدرج في بدايته، لأظهر آخره مثلًا! أفهمته أنني مغادر إلى بيتي، فحاول (إغرائي) بأنه سيشتري القطعة اللازمة، وسيتم تركيبها، وستنتهي المشكلة كلها (وكأنها مشكلتي وأريد أن أجلي بهذه الجلاية مثلًا)، وبعد ذلك نجلس في هدوء، وسلام، واطمئنان، وسنأكل... قاطعت عبقريته هنا، بهتاف متحمس أذكره؛ من خلاله؛ بالمعلومة الآتية: (آكلة تاكلك)! ومضيتُ في طريقي، عالمًا بأنني لا أستطيع تقدير العبقريات، وهل هناك أجمل من أن تأكل في بيت يتنزه فيه الجرذ كما يشاء؟!
ولهذه القصة جزء ثان لم أشهد فصوله، وإن كنت السبب في حصول أحداثه، فأخت رفيقي علمت؛ فيما بعد؛ أن شابًا _أنا ولا فخر_ كان موجودًا في البيت وقت أطلقت صرختها التعيسة مع إفاقتها لترى جرذًا واقفًا على بطنها، وملأها هذا بالغضب، كيف يسمع الرجل الغريب صراخها؟ فخرجت إلى الشرفة مساء، وذلك (للثأر) من الجرذ، وأخذت تبحث عنه، وما كادت تراه ويتحرك من مكانه، حتى وثبت إلى الوراء وثبة تؤكد مدى استعدادها للثأر، لتصدم حاجز الشرفة صدمة عنيفة، ولن أدخل في التفاصيل، فأنا لا أعلم كيف حصلت، وهي خارج موضوعنا، كل ما علمته أن هذه الفتاة وجدت نفسها _ بطريقة ما_ تتدلى من الشرفة، متمسكة بالحديد، تصرخ بأعلى صوتها طالبة النجدة، وقد تمكن أهلها من نجدتها قبل أن تفلت يداها وتسقط من الطابق الثامن أو التاسع، أما كيف تجاوزت حاجز الشرفة وتمسكت بها من الخارج، فهذا ما لا أعرفه بعد!
نعم إنها العبقريات الفذة النادرة، العبقريات التي نقف إزاءها؛ أحيانًا؛ عاجزين حائرين عن قول شيء، سوى أن نشكر رب العالمين لأنه لم يجعلنا من العباقرة، كما حين توفي جدي _ رحمه الله _ من حوالي عشرين سنة، خرجنا إلى الدفن، وكنا في الشتاء، ولا تكاد الأمطار تهدأ، رجعت بعد الدفن إلى البيت، وغيرت الحذاء لامتلائه بالوحل، ورجعت بعدها إلى الجامع لصلاة المغرب، وقبل أن أدخل الجامع يبرز فجأة شاب مندفعًا نحوي بحماسة، ظننت أنه يريد أن يعزيني في جدي، وإذ به يهتف مبتسمًا: (مبارك لك هذا الحذاء الجديد)، بغض النظر عن كون (هذا الحذاء) قديمًا وشبه بالٍ، إلا أن الغريب أن يبارك لي وقد دفنَّا جدي منذ وقت قليل، أوضحتُ له ذلك، فكان رَدُّه العبقري الرائع (الحي أبقى من الميت)!
وبعد ذلك بحوالي ثماني سنوات، وإذ توفيت جدتي، رحمها الله، وخلال الدفن، يبرز لي رفيق رائع، سمع أو اخترع بعض النكات الجديدة، وبما أنه لم يرني منذ زمن، فقد خاف؛ فيما يبدو؛ أن ينسى النكات قبل أن يراني مرة أخرى، وهكذا كانت الكوميديا التراجيدية، يروي لي الأخ نكتة ويأخذ بالضحك، ما أجبرني على الضحك أحيانًا معه، إذ لم يستجب نهائيًا لأي محاولة مني لإسكاته، وظن من يمر بنا أنني أبكي! وسمعتُ أكثر من تعليق من حولي أن الأفضل أن أتمالك نفسي، وكلنا على هذا الطريق، وليرحم الله جدتي ويرحمنا!
وبعد ذلك بحوالي سنتين، كنت عائدًا من دفن جدي الثاني، رحمه الله، وكأن التاريخ يعيد نفسه، يبرز لي رجل في الموضع ذاته، ليبارك لي الهاتف الجديد! وأي هاتف جديد هذا؟ هاتف اشتريته من السعودية، شاشته صغيرة وليس فيه أي ميزات كانت، بل ليس فيه بلوتوث حتى، والأطرف من ذلك أن هذا الهاتف كان معي منذ شهور طوال، وليس جديدًا!
لم أجادل الرجل هذه المرة في شيء، لكني عاتبته على عدم التعزية بوفاة جدي، فكان رده أنه نسي ذلك، ويا للعبقرية التي تجعله ينسى أمرًا حصل منذ دقائق معدودة!
العباقرة رائعون فعلًا، وهل هناك أروع من أن تكون تدرِّس التلاميذ، ليركض نحوك أحد الصغار، مخرجًا من جيبه ورقة تفوح منها روائح العفونة، قد أكل الدهر عليها ليعطيك إياها على أنها (رسالة) من والده، فلا تمد يدك حتى للمس هذه الورقة، لجمالها طبعًا، وتطلب إليه أن يفتحها متوقعًا أن ينزل منها هيكل عظمي، وجمجمتان أو ثلاثًا، ويفتحها التلميذ لترى فيها أرقامًا ورموزًا كأنها من الأبجدية اليابانية مثلًا، فتظنها خريطة كنز حقيقية، قبل أن تدرك أنها وصفة طبية، أخذها شقيق هذا الولد منذ عشر سنوات حينما كان في مثل عمره، ويبدو أن الأب العبقري يريد أن يوفر أجرة معاينة طبية، فأرسل بهذه الوصفة إلى (الأستاذ) ليسأله إن كان يستطيع أن يعطي ابنه نفس الدواء!
(مر والدي من قبلي بموقف مشابه، أتاه والد أحد التلاميذ يسأله عن دواء معين، وهل ينفع إن أعطاه ابنه أم لا، ولكنني تميزت أنا بهذا الموقف العبقري، بخريطة، أقصد بوصفة طبية ربما استطاع الأب بعد سلسلة من المحاولات استرجاعها من مكبات النفايات، لأن روائحها ألعن من روائح النفايات نفسها).
العبقريات لا تتوقف عند حد، وأيام كنا في دار المعلمين، وجد الزملاء صعوبة في استيعاب مادة علم النفس التربوي الخاصة بالأطفال، مع أن فيها نظريات معقدة وليست فقط للأطفال، ولكنها كانت هوايتي تلك السنوات، وقد قرأت فيها خلال أربع سنوات قد خَلَتْ العديد من الكتب، ولحظت المعلمة تميزي، وأن التلاميذ يفهمون عليَّ أكثر منها، وتحول الأمر إلى أن تجلس المعلمة وأقوم أنا لأشرح الدرس لرفاقي، وأصرت العبقريات على الظهور هنا، فلقد هتفت بي زميلة لي تمتدحني أمام المعلمة (شرحك أفضل من شرح المعلمة بكثير، نحن نفهم عليك، ولا نفهم عليها)، وانتفضت المعلمة على كرسيها غاضبة من هذا الكلام... يا صديقتي العبقرية، ألم يخطر لكِ أن تبدي رأيكِ الرائع إلا أمام المعلمة؟! والمعلمة نفسها كانت عبقرية، امتدحتني مديحًا رائعًا بعد إجراء المسابقة وتصحيحها، وأعلنت أنني أستحق العشرين، وأنني كتبت بأفضل من الكتاب بمراحل، وربطت الأمور ببراعة، وأعطيت أمثلة واقعية، ورغم ذلك منحتني أدنى علامة في الصف، وذلك كي لا أصاب بالغرور! ومن بعدها، تحولت أنا نفسي إلى العبقرية في حصصها، فكنت أخرج مفتاح البيت من جيبي، وألقي به عاليًا، ثم ألتقطه قبل أن يسقط أرضًا، والمعلمة تراقبني باهتمام، قبل أن تعلن أن هناك شيئًا ناقصًا في حياتي، وأنني أجد هذا النقص بهذه الحركة ال... (لا أذكر ما هو المصطلح الذي قالته حضرتها)، ولكن من دون مصطلحات فلسفية، من لا يجد أن هناك شيئًا ناقصًا في حياته؟! ثم إن ما ينقصني أن أرى من يخنقكِ ويكسر يديكِ على هذه العلامة الظالمة، فقط!
وبما أننا ضمن مجال العبقريات المتعلقة بالبيئة المدرسية، فسأترك الختام لأبيِّن عبقرية أستاذ درَّسنا فترة ما، كان حضرته يسمع الدرس لأحد أصدقائنا في الصف، ونشهد للأخير بأنه كان يسمع بشكل نموذجي رائع، وإذ بالأستاذ يصرخ بغتة بصوت رهيب، بكلمة لم يفهمها أحد، ثم ينقض من مكانه على صديقنا، ثم يجمد مكانه، قبل أن يشير إلى المقعد الأول، حيث تجلس عادة فتاتان، إحداهما غائبة، ويقول الأستاذ لرفيقي، وإصبعه يشير تحديدًا إلى مكان جلوس التلميذة المتغيبة: (أين هي؟ أين خبأتها؟ اخرج بها من حيث خبأتها)!
احمر وجه رفيقنا لهذه الكلمات، وانطلقت الضحكات في الصف، قبل أن يصرخ الأستاذ مجددًا (طبقة، طبقة)... لنفهم أنه ظن أن صديقنا وضع الكتاب مفتوحًا في طبقة الزميلتين ليقرأ منه عن الحاضر، ومع أن هذا الأمر مستحيل علميًا وعمليًا، لبعد المسافة، ولضيق المقعد، ما يجعل محاولة القراءة من كتاب موضوع فيه أمرًا مستحيلًا، هذا لو كان هناك طبقة، فالمعقد الأول كان من دون طبقة خشبية أصلًا، ورغم أن رفيقنا اعترض سائلًا الأستاذ إن كان يظنه جنيًا، أو أخطبوطًا، مد يده أربعة أمتار لينتزع الطبقة أمام أعيننا وأعين الأستاذ ويخفيها بطريقة سحرية، كي لا يكتشف الأستاذ أنه يغش، إلا أن (عبقرية) الأستاذ لم تسمح له بأن يأخذ بهذه الاعتراضات (السخيفة) فمنح رفيقنا صفرًا! وهذا الأستاذ نفسه كان؛ قبل ذلك؛ قد أعطانا درسًا عن الكواكب، وأخذ يسمع للتلاميذ، ويمنحهم علامات من 6/20 نزولًا إلى 0/20، علمًا أن بعض الزملاء والزميلات سمعوا حرفيًا، وإذ وصل الدور في التسميع إليَّ، أعلن الأستاذ أن التسميع قد انتهى، ولن يعود إلى هذا الدرس مرة أخرى، وفي بداية الحصة التالية طلب إليَّ الأستاذ أن أقوم لتسميع الدرس، وما كدت أبدأ، بل قبل حتى أن أبدأ، شرد الأستاذ وبدا كأنه نائم في عالم آخر، فأخذت أتكلم عن المريخ الذي يمكن الوصول إليه بالصواريخ، وكوكب أورانوس الذي يظهر كلما أكلنا من الذُرَة كم عرنوس، وإذ نظرت إلى كوكب الزهرة في الشفق، قلبي نبض وبقوة خفق! وكانت النتيجة أنني نلت 18/20! وأكثر من ذلك أن الأستاذ العبقري، أخبر رفاقنا أنه ليس من المهم أن يسمِّعوا الدرس، بل أن يعرفوا (كيف) يسمِّعون الدرس، مثلي أنا!!
وختام عبقرية هذا الأستاذ تجلَّت مع رفيقنا الذي ذكرناه لكم منذ قليل، والذي كان ينقل من طبقة المقعد مع أن المقعد ليس له طبقة، طلب إليه الأستاذ في حصة لاحقة أن يسمِّع الدرس، فقام رفيقنا يصيح بالأستاذ بلهجة كوميدية تمتلئ سخرية وتهكمًا: (قييييف)! وطبعًا المقصود (قِفْ) ولكن رفيقنا مدَّها هكذا أسوة بالأستاذ الذي كان يصرخ بهذه الكلمة بالمد، كأنه يدرب ضباطًا في الكلية العسكرية، وتفجرت الضحكات حينما وقف الأستاذ فعلًا، ورفيقنا يتابع بسخرية لاذعة (وتأكد أنه لا يوجد طبقة أنقل من خلالها من الكتاب، الله يرضى عنك)... وإذ بعبقرية نادرة تستحق أن تُسَجَّل في كتب التاريخ الدولية، عبقرية لا مثيل لها بالفعل، فلقد احتقن وجه الأستاذ عن آخره، وهو يصرخ برفيقنا ناعتًا إياه بالحمق والغباء، وذلك لأنه لا توجد (طبقة) واحدة في العالم، بل هناك (سبع طبقات) للغلاف الجوي! أما كيف يطلب رفيقنا من الأستاذ أن يتأكد من طبقة من طبقات الغلاف الجوي، وكيف يمكن له أن ينقل منها، أو يضع فيها كتابًا، فهذا يدخل في باب العبقريات النادرة، والحمد لله تعالى.
نعم، إنهم العباقرة، وقصصهم لا تنتهي، فقديمًا كان العباقرة عملة نادرة، أما الآن، فإنهم يحيطون بنا في كل مكان، وكل مجال، ونسأل الله أن يرحمنا من وجودهم في حياتنا!
تمت والحمد لله تعالى
عمر قزيحة
11/1/2017
الساعة: 5:36 مساء
المفضلات