أخي Goool
أظن بأنني وجدت الجواب على سؤالك فاستمع معي ... و أشكرك على سؤالك القيِّم ...
الهيبة هي المَخافَةُ، والتَّقِيَّةُ، كالمَهابَةِ.
ففي شخصية الإنسان شيء يخرج عن كل قاعدة ، و يهزأ بكل أصول ، هذا الشيء سرٌّ من أسرار الله تعالى ، إنه المهابة فإنسان قد يكون من أقوى الأقوياء ،أو من أغنى الأغنياء ومع ذلك ينزع الله منه المهابة ، و إنسان من أضعف الضعفاء ، ومع ذلك قد يلقي الله عليه المهابة .
هذا الشيء هو أن الله عز وجل يلقي على بعض المؤمنين المهابةَ ، وهناك أشخاص تُنزع عنهم المهابة ، تراه تافها لا قيمة له ، يبدو ظاهرُه على أنه قويٌّ ، وعلى أنه غنيٌّ ، ثم تراه حقيقة سخيفَ العقل ، مضطربَ الفؤاد ، إذًا هذا حال لابد أنْ يفهمه المؤمن ، لأنه من لوازم حياته .
وقد ورد في الأثر أنه : ( من هاب اللهَ هابه كلُّ شيء ، ومن لم يخف الله أخافه اللهُ من كل شيء )
هات إخلاصًا ، واستقامة ، وخذْ تكريمًا ومهابة ، وإذا فَتَرَ الإخلاص عند المسلمين ، وضعفت الاستقامة تهاوى قدر الإنسان ، واستُهين به ، واستخفَّ به ، واستهزأ به ، فاللهُ عزوجل له مقاييس دقيقة ، فالمؤمن من لوازمه أنه مُهاب ، واللهُ عزوجل يلقي عليه هيبة ، وهذه الهيبة ترفعه بين الناس ، من دون قصد منه .
أنا لا أعتقد على الإطلاق أن على وجه الأرض من دون استثناء رجل أعزَّه اللهُ كرسول الله ، مع أنه كان في منتهى التواضع
و قد روي في حديث هند بن أبي هالة و الذي يصف النبي صلى الله عليه و سلم فقال : (( كان رسولُ الله صلى الله عليه و سلم فخما مفخَّما ))
قال سيدُنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في وصف النبي صلى الله عليه و سلم : ( من رآه بديهة هابه و من خالطه معرفة أحبَّه )
إذًا فأولُ شيء في تقييم الإنسان الشكل ، ثم الكلام ثم المعاملة ، أكثر الناس على الاحتكاك الشديد ينزل قدرُه عندك ، على الاحتكاك الشديد ، وعلى المخالطة ، وعلى السفر ، وعلى المجاورة ، وعلى الشراكة وعلى المحاككة بالدرهم والدينار ، أو في الجوار تسقط هالته الكبيرة ، قد يكون ماديا ، وقد يكون أنانيا، لا يؤدِّي واجبه في السفر ، يأكل فقط ، قد يكون وصوليا ، و قد يكون فوقيا ، لكن الأشخاص الذين على الاحتكاك الحميم ، وعلى ضوء العلاقات الحميمة الزائدة تزداد حبًّا لهم ، هؤلاء عظماء ، و الشيء المألوف من شخص بأنه عن بُعدٍ جيِّد ، أما عن قرب فقد يكون غيرَ جيِّد ، وعن بُعد قد يكون مقبولاً ، أما على المحاككة اليومية فغير مقبول ، غير محتمل أساسا
أما إذا كان الشخصُ في منصب قيادي ، مثلاً معلِّم مدرسة ، رئيس دائرة مستشفى ، مدير ثانوية ، فهذا اسمه منصب قيادي ، فإذا لم تكن له مهابة من الله ، فلو عصرت نفسك لن تكون لك مهابة ، وإذا كانت هناك مهابة ، ولو كنت لطيفا ، ولو تباسطت، ولو مزحت ، فلك هيبتك ، ثم إنّ مزاحك اللطيف مع من دونك ، و مؤانستك لمن دونك ، سؤالك عن صحَّتهم ، وعن أحوالهم ، وعن أولادهم ، فهذه لا تنقص مهابتك ، والهيبة سر من الله عزوجل يلقيه اللهُ على بعض المؤمنين .
(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ )) .
و أخيرا فإنك قد ترى إنسانا فتجده شخصا له قيمته ، فإذا فحصتَه اضطرب ، والإنسان إذا كان في موقع الفاحص ، أو موقع الحاكم ، كالقاضي مثلاً ، فكمال أخلاقه يؤكِّد إخلاصه لله عزوجل ، فإنْ كنتَ كذلك فتواضعْ ، واجعَل غيرك يأنس بك و أعنه على هيبتك و لا تخفه .
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : (( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ لَهُ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ )) .
معذرة على الإطالة ... و هذه الكلمات من إحدى الدروس عن هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم ... و أتمنى أن تكون قد جاوبت على سؤالك .
المفضلات