يقول الرافعي رحمه الله: "عَلِمَ اللهُ! ما فَتَنَ المغرورين من شبابنا إلاّ ما أخذهم من هذه الحضارة
فإنَّ لها في زينتها ورونقها أخذةً كالسحر، فلا يميزون بين خيرها وشرها، ولا يفرّقون بين مبادئها وعواقبها
ثم لا يقتنون منها إلا ما يدعوهم إلى ما يميت ويصدهم عما يحيي
وما يحول بينهم وبين قلوبهم، فليس إلا المتابعة والتقليد".
[الرافعي: تحت راية القرآن]
لقد جبلت نفوسنا على الإنبهار من كل ما هو غريب، ويثير الفضول
ولكل ما يعطي لهذه النفس متاعا جديدا في هذه الحياة الفانية، هذا الإنبهار الذي نتج
تضاعف ويتضاعف بسرعة كبيرة من جراء ما نشاهده من نهضة وثورة علمية في الغرب
هذه النهضة الجديدة، أخضعت واقعنا الذي نعيش به الى معايير وأفكار جديدة تحارب أي فكر
لا يواكب أو يتماشى مع ما تضعه من قوانين، وأهم ما طرح والذي كان سبب مباشرا في اشتعال صراع
لحضارات هو فكرة العلمانية والإلحاد وغيرها، وتنظيمهم لقوانين من عقولهم لتنظيم مصالحهم
حسبما وكيفما يرونه صحيحا حسب معتقداتهم..
هذا الأمر وغيره، جعل بعض شبابنا يتعرضون لهزيمة قاسية، وهي الهزيمة النفسية
مما دعانا في الوقت الحاضر، الى الدخول بكثير من المناقشات والجدالات، مثل هذا النقاش:
الأول: كم هو عجيب أمرك، أو بالأحرى كم أنت متخلف ؟!
الثاني: أنا ؟!
الأول: نعم أنت يا صديقي!
الثاني: لماذا يا صديقي؟ ماذا فعلت حتى تتهمني بهذا الكلام ؟
الأول: أنت ما زلت تعيش بتأثير فكر قديم أو مقيد.. أنت من أصحاب الفكر الديني !!
الثاني: نعم أنا كمسلم أأمن بالإسلام وفكره وهو دين عمل وعبادة ..
وهو المنهج ولي الحق بالإبداع ضمن هذا المنهج ..
وهذا الإبداع والعمل يكون لكسب رضا الله تعالى، ومصلحة الجماعة والفرد ..
لكن أستميحك عذرا ..هل شرحت لي ماذا تقصد بالفكر القديم أو المقيد ؟!
الأول: إنظر الى نفسك .. وانظر الى حال بلدان المسلمين من حولك ..
هل هذا ما تفتخر به ، إنك لا تبدي حتى إعجابا أو إنبهارا بالدول المتحضرة ...
إنظر الى أين وصلو ونحن أين منهم ..
أعلمت لماذا أقول أنك مفيد وقديم، لأنك تفتخر بالتاريخ ولا تعيش الحاضر .. !!
الثاني: أنظر الى نفسي ؟ .. ها قد نظرت، فماذا بعد
وجدت نفسي إنسانا سعيدا والحمد لله، أعيش حياة أحاول بقدر ما أستطيع أن أقدم ما هو خير
وأبتعد عن ما هو شر، وهذا من فضل الله علي، وفي القلب من الفرح والأحزان منها ما هو مشكلة أمة
ومنها ما هو مشكلة شخص .. فما مشكلة نفسي ؟
اها، إنك تتحدث هنا عن دول الإسلام ككل، فإذا كان سؤالك عن حال بلدان الإسلام
نعم، فيمكن أن تكون جلها في قاع منحنى الحضارة .. أما الإسلام فيبقى عزيزا
وإنما ذللنا، لإبتعادنا عن ديننا، وعندما نعود للإسلام ..فسنعود على رأس منحنى الحضارة من جديد
ثم ممم ..
عن ماذا تتحدث يا صديقي، أنا فعلا لا أبدي إنبهارا من حضارتهم وما وصلو اليه
لكن بذات الوقت أنا لا أنفي إعجابي..أنت تتهمني بالتقييد، وتقول أنني قديم ..
فأما بخصوص أنني قديم، فأنا من مواليد 1992 ..فقد أكون قديما نوعا ما !!
اها أنت تقصد أن فكري قديم، وذلك بسبب نقطة الإنبهار!
يا صديقي، إن من اطلاعي البسيط على تاريخ أجدادي وحضارة أمتي
أصبت بأقصى آيات وذرات الإنبهار
وتعجبت من قدرتهم وذكائهم وإنجازاتهم وعلى مدار 1300 عام من القوة والحضارة ..
وعندما أقارن إنجازات كل من الحضارات على المستوى العلمي والإجتماعي والفلسفي
فإني أقف عاجزا عن كذب الحاضر، وإن احتوى حقائق ..
صديقي، إنني أقرأ التاريخ لأدرس الماضي وأتعلم منه، وبهذا أفهم الحاضر، وأتنبأ بالمستقبل ..
أما بخصوص كلمة مقيد ..فلم أفهمها !! ..فلا يوجد على يدي أغلال ؟!
الأول: تحدثت بكلام كثير، لكن أنت مقيد بالفكر الديني
إنظر، نحن في القرن ال 21، وأنت ما زلت مقيدا بفكر ديني، وإنجازات ماضية ..
أنا أنظر الى الحاضر، لا تقلي ماذا كنت، لكن أرني من أنت ..
الثاني: صديقي، إنك تتحدث بكم كبير من المغالطات
صديقي إنك تخبرني بأني مقيد بالفكر الديني، وأنت ؟
ما هو منهجك في التفكير ؟
العقل؟ أم حضارة الآخر؟ أم هناك شيئا آخر؟
صديقي، مهما كان فكرك الذي اتخذته، وبنائا على ما تقول فأنت مقيد
حتى عندما نتحدث عن الحرية
فالحرية ليست مطلقة، فأنت إذا أصبحت أكثر تقييدا مني ..
فأنا على الأقل أستطيع التفكير في أمور العلم
والعقل التي تفكر بها، وأستطيع العلم عن ما وراء الطبيعة بما أخبرني به هذا المنهج ..
أما أنت فتعتمد على محدودية موارد العقل !! ..
أرجوك صديقي ..خاطبني بكلام عقلاني على أقل تقدير ..
ثم أخبرني يا صديقي اللاديني، أو العقلاني أو أيا كان منهجك، ماذا فعلت أنت؟
قبل أن تتحدث عني، فإن لم تفعل شيئا، فأرجوك أن تصمت
اها صحيح يا صديقي، نسيت أن أخبرك أن جميع الدول التي تتحدث عنها (دول الإسلام)
أي منها تطبق الفكر الإسلامي .. آها
أعتذر منك وبشدة ..فأصحاب الفكر الإسلامي هم من حكموا هذه الدول
منذ سقوط الخلافة العثمانية الى اليوم لذلك نحن نعيش بمعاناة بسببهم ..ّ!
أرجوك إرحمني!
الأول: لا تحدثني هكذا، فعلمائكم الذين تفتخرون بهم، قد كفرتموهم
وأخرجتموهم من الإسلام.. شاهد ابن سينا مثلا.. والعديد غيره ..
الثاني: صديقي لا أريد أن أرد عليك باسلوب ديني، ومن كفره ومن لا، هو أو غيره
لكني سأفترض والعياذ بالله - جدلا- أن علماء المسلمين الذين نتحدث عنهم جلهم كفارا ...
ليسوا مسلمين وخارجين عن الإسلام ..هل هذا يرضيك ؟!
لكن يا صديقي، هؤلاء العلماء كانو تحت ظل الدولة الرومانية؟ الفارسية؟ البيزنطية ؟ الأمريكية ؟
البريطانية ؟ أم الإسلامية؟
كانو تحت رعاية الدولة الإسلامية .. إذن لا تسمعني كلاما لا معنى له
تلك أمم قد خلت
وإنجازاتهم وعبقريتهم نفذت تحت ظل الدولة الإسلامية..
واذا أردت أن تتحدث بهذا المفهوم .. فسأقول لك مثلا أن كثير من الإنجازات والمراكز
والمناصب العملية والوظائف الهندسية لمسلمين نبذوا من أوطانهم، وهم يعيشون
الآن بدول كأميركا وبرطانيا وغيرها ..
ومع ذلك أن تقول الحضارة الغريبة والعقلية الغربية.. الخ
على الأقل يا صديقي ..اتبع معيارا واحدا لتكون منصفا ..
ملاحظة: حتى نخرج من نقطة التحاذق الكبيرة .. وخصوصا لمن لا يعلم
فإنني عندما أتحدث عن دين، وفكر ديني اسلامي ..فأنا أتحدث عن تفكير وإبداع، عمل وعبادة ..
فالعمل وحده لا يكفي .. والعبادة وحدها لا تكفي ..
(فكر يجب أن يسموا بك في عالم الروح وعالم الجسد)
ولا حول ولا قوة الا بالله ..
الإسلام حريةٌ وحضارةٌ ونهضة
المفضلات