في العادة ، يبدأ الكاتب بكتابة مقدمة لموضوعه ، و من ثم الموضوع و من ثم الخاتمة ، و لكن .. يبدو أن في حالتنا هذه ، الموضوع هو المقدمة نفسها ، و هو الخاتمة أيضا ..
سأحكي لكم قصة واقعية ، حصلت لي أنا شخصيا ، منذ سنة تقريبا ، أو تنقص بضعة شهور ..
كنت جالسا في السيارة ، أمام إحدى محطات البترول في الدولة ، و نزل والدي لشراء بعض الحاجيات من السوبرماركت المتصل بالمحطة .. و أنا جلس في السيارة ، لمحت رجلا تبدو عليه مظاهر الشيخوخة و التعب و الفقر .. كان يبدو منهكا ، ربما بعد أن عمل في عمل متعب .. كان جالسا على الأرض ، بجانب السوبرماكت ، و لمحت في عينه مظاهر ألمه .. فخرج أحد الرجال من داخل السوبرماكت ، و أعطاه كيسا به قارورة ماء ، و زجاجة عصير .. و الله كل ما أذكر الحادثة أدعو لهذا الشخص .. ففرح ذلك الرجل ، و أخرج العصير ، و فتحه ، و شرب رشفة منه ، ثم أضاف إلى العصير القليل من الماء ، و شرب مرة أخرى ، و دواليك .. فظل يضيف الماء إلى العصير حتى يستمتع بالعصير لأكبر قدر ممكن ...
الشاهد من هذه القصة ، لم لا نتمتع نحن أيضا بما لدينا ؟ و نستمتع به قدر المستطاع بدلا من تمني ما عند ذلك و ذاك ؟ .. بدلا من الاسترسال في الشواهد ، أنقلكم معي إلى قصة أخرى ، ولكنها لم تحصل لي أنا ، بل ترجمتها من الانجليزية ..
قيل أنه كان هنالك رجلا غنيا جدا ، و له ولد صغير .. فأراد أن يعلمه معنى الثراء ، فاخرجه معه في نزهة .. فيتوقفوا عند أحد المزارع ليبيتوا عند أصحابها من الفقراء .. فمكثوا عندهم بضعة أيام و رحلوا ..
فلما رحلوا ، قال الوالد لابنه : أريت معنى الفقر ؟
قال الابن : بلى يا والدي ..
قال الوالد : إذا ماذا تعلمت ؟
أجابه : رأيت أن لنا كلبا واحدا ، و هم لديهم كلابا معهم ، و يعيشون معهم بألفة
رأيت أن لنا حضو سباحة في وسط منزلنا ، و هم لديهم جداول المياه تمر بين مزارعهم
رأيت أنه لدينا مصابيح اشتريناها لتضيء لنا الليل ، بينما هم لديهم النجوم
رأيت أن سور بيتنا نراه من عند الباب ، بينما سورهم هو الأفق البعيد
لدينا قطعة أرض صغيرة لنعيش عليها ، ولكن هم لديهم أراضي زراعية كبيرة
لدينا خدم يخدموننا ، و لكن هم يقدمون خدماتهم للآخرين
نحن نشري طعامنا ، و هم يستخرجونه طازجا من مزرعتهم
لدينا جدران حول ممتلكاتنا لتحمينا ، بينما هم لديهم أصدقاء ليفعلوا ذلك
عجز الوالد عن الكلام
فرد الابن : شكرا لك يا والدي لتبيينك لي كم نحن فقراء ..
أرأيتم ؟
حان وقت الاسترسال مجددا مع الشواهد ...
لا بد من القناعة .. فماذا تدري ؟ قد يكون الشخص الذي تتمنى أن يكون لديك ما عنده ، يتمنى هو لشيء ذاته ! قد تكون أن أغنى الأغنياء و أنت لا تعلم ... ققد تكون أنت تملك أعظم الأشياء و لست مدركا لذلك ، ولمَ ؟ لأنك دائما ترى ما عند فلان و علان ، و لا ترى لما بين يديك ..
لا تقل : " ليت عندي سيارة مثل سيارة فلان " بل قل : " الحمدلله الذي رزقني هذه السيارة " بل " الحمدلله الذي رزقني رجلا أمشيء بها "
لا تقل : " ليت عندي ما عند فلان " بل قل : " الحمدلله الذي رزقنا كل هذا من غير حول منا و لا قوة "
نعم ، أنت غني ، بل أنت ملك .. فكن على قناعة من هذا ..
فقد قيل في السابق : " القناعة كنز لا يفنى "
جعلنا الله من القنوعين ، الراضين بعطائه ..
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم المشتاق لكم / شينيتشي-كن
المفضلات