مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر ، لتطعمه وتقوم بأوده
رضي الله عنها وأرضاها ، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد
وما يختص بها من المصيبة بالزوج ، وضيق ذات اليد وخدمة الناس
بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة فإنا لله وإنا إليه راجعون
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل "
وقال : " يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه "
ولم يزد هذا كل أيوب عليه السلام إلا صبراً واحتساباً وحمداً وشكراً
حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام ، ويضرب المثل أيضاً بما حصل
له من أنواع البلايا . وقد روى عن وهب بن منبه وغيره من علماء بني إسرائيل
في قصة أيوب خبر طويل ، في كيفية ذهاب ماله وولده
وبلائه في جسده والله أعلم بصحته
وعن مجاهد أنه قال : كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري
وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال :
فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص
وقال أنس : ابتلي سبع سنين وأشهراً
وألقى على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب
في جسده حتي فرج الله عنه وأعظم له الأجر وأحسن الثناء عليه
وقال حميد : مكث في بلواه ثماني عشرة سنة
وقال السدي : تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب
فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته ، فلما طال عليها
قالت : يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك ..?
فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحاً . فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟
فجزعت من هذا الكلام ، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها ، لعلمهم أنها امرأة أيوب
خوفاً أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته ، فلما لم تجد أحداً يستخدمها
عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدي ضفيرتيها بطعام طيب كثير ، فأتت به أيوب .
فقال : من أين لك هذا ؟ وأنكره
فقالت : خدمت به أناساً
فلما كان الغد لم تجد أحداً فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به ، فأنكره وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فكشفت عن رأسها خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقاً قال في دعائه :
" ربي أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "
حدثنا أبو سلمة ، حدثنا جرير بن حازم ، عن عبد الله ابن عبيد بن عمير قال :
كان لأيوب أخوان ، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه
فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه :
لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا
فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع مثله من شيء قط
فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت
ليلة قط شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني
فصدق من السماء وهما يسمعان
ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني
فصدق من السماء وهما يسمعان
ثم قال : اللهم بعزتك
وخر ساجداً ... فقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني
فما رفع رأسه حتى كشف عنه
وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً : حدثنا يونس بن عبد الأعلى
أنبأنا ابن وهب ، أخبرني نافع بن يزيد ، عن عقيل ، عن الزهري
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد
إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له ، كانا يغدوان إليه ويروحان
فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين
قال صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به
فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب :
لا أدرى ما تقول ؟ غير أنا الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان
فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق ))
قال : وكان يخرج في حاجته ، فإذا قفاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع
فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه :
أن " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب "
فاستبطأته فتلقته تنظر ، وأقبل عليها قد
أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان ، فلما رأته
قالت : أي بارك الله فيك ! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟
فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذا كان صحيحاً
قال : فإني أنا هو
قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين
فلما كانت إحداهما على أندر القمح
** ملاحظه:: المقصود به هنا بالاندران :: هوالبيدر اي بيدر شعير وقمح ::
أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض "
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل
حدثنا حماد ، أنبأنا على بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال :
وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية
فجاءت امرأته فلم تعرفه
فقالت : يا عبد الله أين ذهب هذا المبتلى الذي كان ها هنا ؟
لعل الكـــلاب ذهبت به أو الذئاب ...
وجعلت تكلمه ساعة
فقال : ويحك أنا أيوب !
قالت : أتسخر منى يا عبد الله ؟
فقال : ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي
قال ابن عباس : ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ، ومثلهم معهم
وقال وهب بن منبه : أوحي الله إليه : قد ردد ت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم
فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك وقرب من صحابتك قرباناً
واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك رواه ابن أبي حاتم
عن ...
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لما عافي الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب
فجعل يأخذ منه بيده ويجعل في ثوبه قال : فقيل له : يا أيوب أما تشبع ؟
قال : يارب ومن يشبع من رحمتك ؟ " اخرجه الامام احمد
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج
عن أبي هريرة : أرسل على أيوب رجل من جراد من ذهب
فجعل يقبضها في ثوبه ، فقيل : يا أيوب ألم يكفك ما أعطيناك ؟
قال : أي رب من يستغني عن ذلك
عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب
فجعل أيوب يحثى في ثوبه فناداه ربه عز وجل :
يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟
قال : بلى يارب ، ولكن لا غني لي عن بركتك" رواه البخاري
وقوله تعالى :
"بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ "
أي اضرب الأرض برجلك ، فامتثل ما أمر به ، فأنبع الله عيناً باردة الماء
وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها ، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذي
والسقم والمرض الذي كان في جسده ظاهراً وباطناً
وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة ، وجمالاً تاماً ومالاً كثيراً
حتى صب له من المال صباً ، مطراً عظيماً جراداً من ذهب
وأخلف الله له أهله ، كما قال تعالى :
" وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ"
فقيل : أحياهم الله بأعيانهم
وقيل :آجره فيمن سلف ، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم
وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة
وقوله تعالى : " رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا "
أي رفعنا عنه شدته ، وكشفنا ما به من ضر ، رحمة منا به ورأفة وإحساناً
" وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"
أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده
فله أسوة بنبي الله أيوب ، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم
من ذلك فصبر واحتسب حق فرج الله عنه
ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال : هي رحمة من هذه الآية فقد أبعد النجعة وأغرق النزع
وقال الضحاك عن ابن عباس : رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولداً ذكراً
وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ثم غيروا بعده دين إبراهيم
وقوله تعالى :
"وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ "
هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام ، فيما كان من خلفه ليضربن امرأته مائة سوط فقيل حلفه ذلك لبيعها ضفائرها ، وقيل لأنه عارضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان ، فحلف ليضربنها مائة سوط ، فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثاً وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ ، فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة ، ويكون هذا منزلاً منزلة الضرب بمائة سوط ويبر ولا يحنث
** ملاحظه:: معنى ضغثا :: حزمه من الخشب يختلط بها الرطب واليابس
وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه
ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة
المكابدة الصديقة البارة الراشدة ، رضي الله عنها
ولهذا عقب الله الرخصة وعللها
بقوله تعالى : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)44( "
وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ :
أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثاً وتسعين سنة ، وقيل إنه عاش أكثر من ذلك
وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه : أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء ، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء ، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء
المرجع { كتـــاب قصص الانبياء لأبن الكثير}
فوائد من القصه :
1- اخذ العظه والعبره من مصير الامم السابقه
2- ذكر فضل الصبر ومنزلته العظيمه
3- وجوب الاقتداء بنبي الله ايوب في صبره على البلاء
4- وجوب الصبر والاحتساب وعدم التسخط عند الابتلاء
ختاما اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا الا النار مصيرنا
يا ارحم الراحمين
اللهم اجعل اعمالنا الصالحه خالصه لوجهك الكريم
لا تنسوني من الدعاء في ظهر الغيب
بوركتم وبوركـ مسعاكمـ
المفضلات