السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:
فحياكم إخواني في الله، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا
فقد رأيت ولله الحمد وفكرت بأن أكمل ما بدأت قديما في موضوع لي بالمنتدى بعنوان : " مع خواطر إبن الجوزي رحمه الله " ، وبما أني أهملت الموضوع لفترة طويلة ولما رجعت إليه لأرفعه لم يُرفع رأيت أن أضع بين أيديكم جزءا ثاني أكمل فيه ما بدأت راجيا من المولى أن تستفيدوا من خواطر إبن الجوزي الرائعة التي أنتقيها من كتابه الماتع " صيد الخاطر" ويُعد الكتاب من أفضل كتب الرقائق والمواعظ إن لم يكن أفضلها، حواه إبن الجوزي خبرته وتجربته في الحياة، فما أحوجنا جميعا إلى قراءته وتدبره والعمل بنصائحه والإستفادة من تجاربه، فأنعم به من مرب وأكرم به من موجه والله ولينا ووليه، وفقنا الله جميعا إلى سلوك المنهج القويم، والرجوع إلى الصراط المستقيم.
ولمن أراد الإستمتاع بالجزء الأول والإستفادة منه فإليه رابط الموضوع :
http://www.msoms-anime.net/t86866.html
ونبدأ الجزء الثاني في هذا الموضوع المتجدد وبالله نستعين :
تفاوت الناس في تقبل المواعظ:
قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة والغفلة، فتدبرت السبب في ذلك فعرفته.
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها، لسببين:
أحدهما: أن المواعظ كالسياط ، والسياط لا تؤلم-بعد انقضائها-إيلاَمَها وقت وقوعها " يعني أن الضرب بالسياط يكون أشد إيلاما ساعة وقوعه".
والثاني:أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مُزاح العلة، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح أن يكون كما كان؟.
وهذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر:
فمنهم من يعزم بلا تردد، ويمضي من غير التفات، فلو توقف بهم ركبُ الطبع لَضجوا، كما قال حنظلة عن نفسه: نافق حنظلة. ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحيانا ، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحيانا، فهم كالسنبلة تميلها الرياح ، وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه ، كماء دحرجته على صفوان "أي حجر أملس لا يثبت عليه الماء"
جواذب النفس بين الدنيا والآخرة:
جواذب الطبع إلى الدنيا كثيرة ، ثم هي من داخل ، وذكر الآخرة أمر خارج عن الطبع من خارج ، وربما ظن من لا علم له أن جواذب الآخرة أقوى، لِما يسمع من الوعيد في القرآن ، وليس كذلك ، لأن مثل الطبع في ميله إلى الدنيا، كالماء الجاري فإنه يطلب الهبوط ، وإنما رفعه إلى فوق يحتاج إلى التكلف .
ولهذا أجاب معاون الشرع : بالترغيب والترهيب يقوى جند العقل .فأما الطبع فجواذبه كثيرة ، وليس العجب أن يغلب ، إنما العجب أن يُغلَب.
وانتظرونا إن شاء الله تعالى مع مزيد من خواطر إبن الجوزي رحمه الله.
المفضلات