رابعًا /
أحيانًا يظن العض - مخطئين - أن الحياة تبدو كمسرحية عبثية
لا سيما إذا توفر في حياة شخص ما أناس يتصرفون بعبث و لا ترى لهم رادعًا ،
و هذه مرحلة صعبة جدًا إذا لم يتنبه لها الشخص فإنه يصاب بالإحباط
و ربما يبتعد كثيرًا عن العقيدة الروحية ،
و لربما يضع لحياته نهاية بنفسه - أحيانًا - بأي شكل من الأشكال
متغافلًا عن الحل العملي الصحيح و المتمثل في : الادراك بأن الله له حكم لا نفهمها :
" لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا "
و لكن السر الذي ينبغي أن يتعرف عليه المؤمن هو " ونبلوكم بالشر والخير فتنة "
ومن هذه الآية ندرك أن هؤلاء العابثين اللاهين إنما يمثلون مشيئة إلهية هم أنفسهم لا يملكون القدرة على تحديد النتائج و النهايات لأعمالهم و ما يترتب عليها ، حتى لو قرروا البدايات لأن النتائج من اختصاص الله و أقداره
" و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله "
و الاحساس بأنه لم يتغير في الأمر ساكن ، فالسر يكمن في اختبار الله لقوة إيماننا فـالله
" لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها . فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم "
فكل ما خلق الله إنما هو ليؤدي رسالة إيجابية أو سلبية فنقول في النهاية " ربنا ما خلقت هذا باطلًا "
مرة أخرى فإنه متى ما التزم الشخص جانب الهدوء و العزيمة و الإيمان بالله فإنه سيجد كل شيء يعمل لمصلحته في نهاية المطاف لأن الإيمان ينقل الشخص من حالة إلى أخرى ، قال تعالى :
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يشركون بي شيئًا " لأنهم أسلموا أمورهم لله و هم موقنون " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور "
خامسًا / هناك مرتكزات عامة تدعم الإيمان العملي منها :
1- اجعل أهدافك واضحة حتى تستفيد من قوة الإيمان فزكريا عندما دعا ربه بقوله " إني وهن العظم مني "
لديه مشكلة و هذه مشكلته ، " وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً "
و هذا يعني التجاؤه إلى الله و إيمانه بأن الله يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه و لا يخلف الميعاد ، و أما هدفه " فهب لي من لدنك وليًا "
فهنا هدف واضح و مدروس و مرغوب فيه و يجعل لحياته معنى و يحققه زكريا بالإيمان و الدعاء و اليقين .
2- من مرتكزات الإيمان مواجهة الموقف بنية صادقة " إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما " و قس على ذلك .
3- أن تثق بقدراتك على اتخاذ القرار المناسب لأن هذا قدر الله فالإنسان على نفسه بصيرة و " وهديناه النجدين "
و الله يساعد من يساعد نفسه - على الحق طبعًا - " كلًا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك "
4- من مرتكزات الإيمان : استشعارك للحرية و التشبث بها لأن ذلك ما يريده الله لك " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "
فإن شعورك بالحرية في اتخاذ القرار الذي تراه صائبًا لنفسك و صوابًا يوافق منهج الدين الصحيح يخلق لديك رؤية صحيحة ، و اتخاذ الشخص لقراراته عن قناعة و بتوفر الشعور بالقدرة الذاتية يقوي جهده بمتابعة أهدافه متسلحًا بإيمانه الصحيح .
5- ضع في ذهنك أولًا و قبل كل شيء أن الإيمان يعني استشعار السكينة و الطمأنينة و الهدوء و الأمان ، و أنت تملك ذلك كله طالما تشعر أنك تأوي إلى ركن شديد لعلمك بأن الله بالغ أمره و أن الله قد جعل لكل شيء قدرًا فتمثل هذه المشاعر بصدق ،
و هذا كل ما تحتاج عمله بعد أن تبذل كل مافي وسعك من الناحية البشرية ثم أقم حاجزًا قويًا بينك و بين الشك و الريب و الخوف حيث كل ذلك ليس من الإيمان في شيء
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا "
6- تأمل بوسائل التأمل العلمي فإن التأمل في الآفاق و في الأنفس طريق قوي و جدير بأن يوصلك إلى الإيمان
7- الإيمان بالغيب لا يعني أن يرخي المرء رأسه و يسلم أموره بدون تفكير ،
و لكن على الانسان أن يستعمل بصيرته من خلال تحري الحقائق و النظر إليها ،
و إن لم تتوفر الحقائق فالإنسان مكلف بالتفكر في الآفاق و في الأنفس
و الاستدلال بذلك كله على ما يغيب - كالاستدلال على وجود الله - و البصيرة السليمة هدت الكثير من الناس إلى الإيمان بالله وحده بفضل منه مع أنهم لم يروه
" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب .... " الآية
وفي ذات الوقت عمى البصيرة يصرف البعض عن ذلك " أرنا الله جهرة "
و مهما يكن فإن هناك أشياءً نكرهها "كتب عليكم القتال و هو كره لكم "
و فيها الخير و العكس أشياء لا نملك وسيلة لمعرفتها و بالتالي لا نملك وسيلة لدفعها
" إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدًا و ما تدري نفس بأي أرض تموت "
وهذه نحاول أن نقلل من آثارها مؤمنين بأن كل شيء بقضاء و قدر - لكن هذا لا يعفينا من التعلم لمعرفة البدائل و المخارج و الخيارات المتاحة ( في حدود الشرع ) -
8 - ومن وسائل تقوية الإيمان أن نعرف و نوقن بأنا لا نعلم كل شيء عن كل شيء " و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا "
و أن ما يخفى علينا أكثر مما نعلم و أن كل شيء هو أولًا و أخيرًا من الله يستوي في ذلك الخير و الشر " و نبلوكم بالخير و الشر فتنة "
9- التركيز على اللحظة الحاضرة مع معرفة أن علينا مسؤولية تجاه الماضي لأن كثيرًا مما بين أيدينا يعود أساسه إلى الماضي و لكن المؤمن لا ينكفي على الماضي ،
فلو أن المسلمين انكفوا على ماضيهم في بداية عهد الاسلام يتذكرون عبادة الأصنام و جاهليتهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه ،
فالعيش في اللحظة الحاضرة من وسائل تقوية الإيمان ، فاستحضر نفسك أنك متصالح مع نفسك في هذه اللحظة ،
فإن أخطأت فاستغفر الله و تب إليه ، فالله يغفرالذنوب و يقبل التوبة طالما كنا نتيقن ذلك و نصدق فيها .
10- أن نؤمن أن الله لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء و ما هو مستحيل علينا ليس مستحيلًا على الله و كل ماهو أمامنا يؤكد ذلك " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا "
11- إن الله يقترب منا بقدر ما نقترب منه " إن معي ربي سيهدين "
و قال تعالى " فليعبدوا رب هذا البيت .. الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف "
و إذا تيقنّا هذه الحقيقة تزول دوافع الخوف .
هذا فقط ، و :
المفضلات