إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ،
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، اللهم اجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه ، أما بعد :
[ الصــــــــــــــــــبر ]
فإن الصبر شعبة من شعب الإيمان , بل كما قيل : الإيمان نصفان ؛ نصف صبر ونصف شكر . وقد ذكر الله تعالى الصبر
في القرآن في نحو من تسعين موضعاً، وأضاف إليه أكثر الخيرات والدرجات وجعلها ثمرة له، بل قرنه الله تعالى
بالعبادات والأخلاق والفضائل .
فقرنه بالصلاة فقال جل شأنه : \" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) سورة البقرة .
وقرنه بالتسبيح والاستغفار فقال : \" وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) سورة الطور .
وقرنه باليقين فقال : \" وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) سورة السجدة.
وقرنه بالتوكل فقال : \" الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) سورة النحل .
كما ربطه بالشكر فقال : \"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) سورة إبراهيم .
وربطه بالتقوى فقال : \"وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) سورة آل عمران .
وربطه كذلك بالحق فقال : \" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر .
وربطه بالرحمة فقال :\" ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
سورة البلد .
وكذا ربطه بالجهاد في سبيل الله تعالى فقال : \" ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ
مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) سورة النحل .
والصابرون هم من أعظم الناس جزاءً , ومن أكثرهم سعادة يوم القيامة قال تعالى : \" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ
بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر .
وعَن أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِي رضي الله عنه أن نَاساَ مِنَ اَلأنصَارِ سَاَلُوا رَسُولَ الله ، صلى الله عليه وسلم ، فَأَعْطَاهُمْ ،
ثُم سَأَلُوُهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَى نَفِسَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : مَا يَكُونُ عِنْدِي مِن خَير فَلَنْ أَدخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ الله ،
وَمَنْ يَسْتَغْن يُغْنِهِ الله ، وَمَنْ يَتَصَبرْ يُصَبرهُ الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَد عَطَاء خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصبْر.أخرجه \"أحمد\"
3/93(11912) و(البُخارى) 2/151(1469) و\"مسلم\" 3/102(2388).
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِذَا جَمَعَ اللَّهُ
الْخَلاَئِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَادَى مُنَادٍ : أَيْنَ أَهْلُ الْفَضْلِ ؟ فَيَقُومُ نَاسٌ وَهُمْ يَسِيرٌ ، فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ سِرَاعًا ، فَتَلَقَّاهُمُ
الْمَلاَئِكَةُ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّا رَأَيْنَاكُمْ سِرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَمَنْ أَنْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْلُ الْفَضْلِ ، فَيَقُولُونَ : وَمَا فَضْلُكُمْ ؟
فَيَقُولُونَ : كُنَّا إِذْ ظُلِمْنَا صَبَرْنَا ، وَإِذَا أُسِيءَ إِلَيْنَا عَفَوْنَا ، وَإِذَا جُهِلَ عَلَيْنَا حَلُمْنَا ، فَيُقَالُ لَهُمُ : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ، فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : أَيْنَ أَهْلُ الصَّبْرِ ؟ فَيَتَقَدَّمُ نَاسٌ وَهُمْ يَسِيرٌ ، فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ سِرَاعًا ، قَالَ : فَتَلَقَّاهُمُ
الْمَلاَئِكَةُ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّا نَرَاكُمْ سِرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَمَنْ أَنْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ ، فَيَقُولُونَ : وَمَا صَبْرُكُمْ ؟
فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكُنَّا نَصْبِرُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيُقَالُ لَهُمُ : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ . أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/140 وهو ضعيف .
عن عبد الله بن مسعود قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:إن أفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من
الرجال كان كريمًا.
وعن مسروق قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع
الرأس باد الجسد ,ثم رفع صوته فقال ألا انه لا إيمان لمن لا صبر له وقال الصبر مطية لا تكبو.
وقال الحسن الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده وقال عمر بن عبد العزيز ما أنعم الله على
عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه وقال ميمون بن مهران ما بال أحد شيئا
من ختم الخير فما دونه إلا الصبر.ابن القيم : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين 19.
قال الشاعر : إذا لم تسامح في الأمور تعقدت* * * عليك فسامح واخرج العسر باليسر
فلم أر أوفى للبلاء من التقى* * * ولم أر للمكروه أشفى من الصبر
صبراً جميلاً على ما ناب من حدث * * * والصبر ينفع أحياناً إذا صبروا
الصبر أفضل شيء تستعين به * * * على الزمان إذا ما مسك الضرر
أيها الحبيب .. إذا ادْلَهَمّت الأمور واسودت الحياة وعظمت المصائب وكثرت الرزايا فالصبر ضياء.
إذا نزل المكروه وحَلّ الأمر المخوف وعظم الجزع واحتيج لمصارعة الحُتُوف فالصبر التجاء.
إذا انسدت المطالب وهيمن القلق واشتد الخوف وعظمت الكربة فالصبر دواء.
إذا أصبح الدين في غربة والإسلام في كُربة وعمت المعاصي وعظمت الشبهات والشهوات فالصبر عزاء.
ومعني الصبر هو حبس النفس عن الجزع، والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن كل فعل
محرم كلطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور.
وهناك الصبر الجميل الذي قال فيه الله تعالى : \" فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً \" المعارج 5.
قال الشوكاني :\" معنى الصبر الجميل وقيل هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري بأنه مصاب\". فتح
القدير 5/404.
وقيل الصبر الجميل هو: الصبر الذي لا يكون معه تبرم ولا تسخط ولا شكوى لغير الله ولا ملل ولا اعتراض علي أمر
الله ولا انقطاع عن طاعة الله ولكن الصبر الذي يصاحبه الإيمان بقدر الله والرضا به وأن يؤمن بأن ما أصابه لم يكن
ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه .
وقيل :الصبر الجميل: هو الذي يبتغي به العبد وجه الله الجليل، لا حرجاً من أن يقول الناس: جزع، ولا أملاً في أن
يقول الناس صَبر، وإنما يبتغي بصبره وجه الله جل وعلا، يصبر واثقاً في الله، مطمئناً بقضاء الله وقدره، مستعلياً
على الألم، مترفعاً على الشكوى.
قال ابن زيدون هوَ الدّهرُ فاصبرْ للذي أحدَثَ الدّهرُ * * * فمن شيمِ الأبرارِ، في مثلها، الصّبرُ
ستصبرِ صَبرَ اليأسِ أو صبرَ حِسبَة * * * فلا تؤثرِ الوجْهَ الذي معهُ الوزرُ
حذارَكَ منْ أنْ يعقبَ الرُّزْءُ فتنة ً* * * يضيقُ لها، عن مثل إيمانِك، العذْرُ
[ أنــــــــــــواع الصــــــبر ]
وللصبر ثلاثة أنواع هي : الصبر على طاعة الله تعالى , والصبر عن معصية الله تعالى , والصبر على الأقدار
والمصائب والابتلاءات .
والصبر على الطاعة أفضل الأنواع الثلاثة لأن فعل الطاعة آكد من ترك المعصية، والصبر على الطاعة وعن المعصية
أكمل من الصبر على الأقدار، فإن الصبر فيها اختيار وإيثار، ومحبة، أما الصبر على المصيبة فإنه أمر جرى بغير اختيار
العبد ولا كسب له فيه فليس له فيها حيلة غير الصبر.
والعاقل هو الذي يدرك أن الدنيا دار هموم وغموم وبلاء , وليست دار راحة ونعيم وهناء , قال أبو الفرج ابن الجوزي
رحمه الله: \"ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تَعْتَوِرْ فيها الأمراضُ والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار،
فآدم يعاني المحن إلى أن خرج من الدنيا، ونوح بكى ثلاثمائة عام، وإبراهيم يكابد النار وذَبْحَ الولد، ويعقوب بكى
حتى ذهب بصره، وموسى يقاسي فرعون ويلقى من قومه المحن، وعيسى ابن مريم لا مأوى له إلا البراري في
العيش الضَّنْك، ومحمد يصابر الفقر وقَتْلَ عمه حمزة وهو أحب أقربائه إليه ونفور قومه عنه، وغير هؤلاء من الأنبياء
والأولياء مما يطول ذكره، ولو خُلِقت الدنيا للذة لم يكن حظّ للمؤمن منها\".
لما دخل سلمان الفارسي على صديق له يعوده فقال:\" إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه، فيكون
كفارة لما مضى، فيستعتب فيما بقي، وإن الله عز اسمه يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه، فيكون كالبعير عَقَلَه
أهله ثم أطلقوه، فلا يدري فيم عَقَلُوه حين عَقَلُوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه\". حلية الأولياء 1/206.
اصبر ففي الصبر خير لو علمت به * * * لطبت نفساً ولم تجزع من الألــم
واعلم بأنك لو لم تصطبر كرمـــــاً * * * صبرت رغماً على ما خط بالقلم
[ مراتـــــب الناس حــــال الــــــــمصيبة ]
الناس حال المصيبة على مراتب أربع :
المرتبة الأولى: التسخط، وهو على أنواع: النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخّط على ربه يغتاظ مما قدره الله
عليه، فهذا حرام وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11]. النوع الثاني: أن يكون التسخّط باللسان، كالدعاء
بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا حرام. النوع الثالث: أن يكون التسخّط بالجوارح، كلطم الخدود وشق الجيوب ونتف
الشعور وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.
رأَى بعضهم رجلاً يشكو إِلى آخر فاقةً وضرورة ، فقال : يا هذا ، تشكو من يَرْحَمُكَ إِلى مَنْ لا يرحمك! ثمّ أَنشده
وإِذا اعْتَرَتْكَ بليّةٌ فاصبِر لها * * * صَبْرَ الكريمِ فإِنَّه بك أَرحمُ
وإِذا شكوتَ إِلى ابن آدم إِنّما * * * تشكو الرّحيم إِلى الَّذى لا يرحم
روي أنه كان في زمن حاتم الأصم رجل يقال له : معاذ الكبير . أصابته مصيبة ، فجزع منها وأمر بإحضار النائحات وكسر الأواني . فسمعه حاتم فذهب إلى تعزيته مع تلامذته ، وأمر تلميذاً له . فقال : إذا جلست فاسألني عن قوله تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود } فسأله فقال حاتم : ليس هذا موضع السؤال . فسأله ثانيا ، وثالثا . فقال : معناه أن الإنسان لكفور ، عداد للمصائب ، نساء للنعم ، مثل معاذ هذا ، إن الله تعالى متعه بالنعم خمسين سنة ، فلم يجمع الناس عليها شاكراً لله عز وجل . فلما أصابته مصيبة جمع الناس يشكو من الله تعالى ؟!!.فقال معاذ : بلى ، إن معاذاً لكنود عداد للمصائب نساء للنعم فأمر بإخراج النائحات وتاب عن ذلك . مدارج السالكين لابن القيم 2 / 175.
المرتبة الثانية: الصبر، وهو كما قال الشاعر:
والصبرُ مثلُ اسمه مُرٌّ مَذَاقُهُ * * * لكنْ عواقبه أحلى من العَسَلِ
فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه، لكنه يحتمله، وهو يكره وقوعه، ولكن الصبر يحميه من السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده، وهذا واجب؛ لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
أبو علي محمد بن محمد الأنباري
إذا ما ألمَّت شدةٌ فاصطبر لها* * *فخيرُ سلاحِ المرءِ في الشِّدَّةِ الصَّبْرُ
وإنّي لأَستحي من اللهِ أن أُرَى * * * إلى غيره أشكو وإن مَسَّني الضُرُّ
عسى فَرَجٌ يأتي به الدهرُ حازماً * * * صَبوراً فإن الخيرَ مِفْتاحُه الصبرُ
فكم من هُمومٍ بعد طولٍ تكشَّفت * * * وآخرُ معسور الأمور له يُسْرُ
المرتبة الثالثة: الرضا، بأن يرضى الإنسان بالمصيبة، بحيث يكون وجودها وعدمها سواء، فلا يشق عليه وجودها ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً، وهذه مستحبة وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر؛ لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا، أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه، لكن صبر عليها.
وقال إبراهيم بن العباس:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى * * * ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * * * فرجت وكنت أظنها لا تفرج
المرتبة الرابعة: الشكر، وهو أعلى المراتب، وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة، حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته، وربما لزيادة حسناته، عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب ، وَلاَ وَصَب ، وَلاَ هَمِّ ، وَلاَ حَزن ، وَلاَ أَذىً ، وَلاَ غَمّ ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.أخرجه أحمد 2/303(8014) و\"البُخَارِي\" 7/و\"مسلم\" 8/16(6660).راجع : فتاوى ورسائل ابن العثيمين 2/86.
ويقول أحد المعزين في لطائف التعازي لقاضٍ من قضاة بلخ توفيت أمه قال له:إن كانت وفاتها عظة لك فأعظم الله أجرك على موتها، وإن لم تكن لك عظة فأعظم الله أجرك على موت قلبك، ثم قال: أيها القاضي: أنت تحكم بين عباد الله منذ ثلاثين سنة ولم يرد عليك أحدٌ حكماً، فكيف بحكم واحد عليك من الواحد الأحد ترده ولا ترضى به؟ فسري عنه وكشف ما به وقال: تعزيت تعزيت.
تعز بحسن الصبر عن كل هالك * * * ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطبارا وخشية * * * سلوت على الأيام مثل البهائم
وليس يذود النفس عن شهواتها * * * من الناس إلا كل ماضي العزائم
[ أمور تساعـــــــــد المسلم علــــــي الصــــــبر ]
- أن يعلم المصاب أن الذي ابتلاه بالمصيبة أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل البلاء ليهلكه ولا ليعذبه، وإنما ابتلاه به ليمتحن صبره، ورضاه عنه، وإيمانه، ويسمع تضرعه وابتهاله وليراه طريحًا على بابه لائذًا بجنابه، مكسور القلب بين يديه رافعًا قصص الشكوى إليه، إن كان غافلاً فحري به أن يرجع إلى الحق، وإن كان تقيًا كان ذلك سببًا لرفع درجاته، قال الفضيل : إن الله عز وجل ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالخير \" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ\" [البقرة: 155].
حكي عن يحيى البكاء أنه رأى ربه عز وجل في المنام، فقال: يا رب كم أدعوك ولا تجيبني؟ فقال: يا يحيى إني أحب أن أسمع صوتك. صيد الخاطر 21.
قال الشاعر: وكم من ليلة بت في كربة * * * يكاد الرضيع لها يشيب
فما أصبح الصبح إلا أتى * * * من الله نصرٌ وفتح ٌ قريب
- أن الصبر على المصيبة كنز عظيم من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم ,فالصبر سمة الأنبياء والصالحين قال سبحانه: \" وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ\" [الأنبياء: 85]، وقد أثنى الله على أيوب عليه السلام لما ابتلي بالمرض فصبر: \"إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ\" [ص: 44]، قال ابن القيم في عدة الصابرين: (فأطلق عليه نعم العبد لكونه وجده صابرًا وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد).
- العلم بأن المصاب ليس أول من أصيب بهذه المصيبة وهذا مما يهون وقع المصيبة عليه ولذلك أهل النار أغلق الله عز وجل عليهم الباب قال سبحانه: \" وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ\" [الزخرف: 39]، وذلك زيادة في عذابهم، فمن فقد ولده فليحمد الله أن أبقى له أولاده الآخرون، ومن أصيب بمرض فليتذكر من هو أشد منه مرضًا.
قال شريح رحمه الله: (إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عز وجل عليها أربع مرات: أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، إذ لم يجعلها في ديني).
- ومما يهون المصيبة أن الله سبحانه قد أراد بعبده المبتلى خيرًا فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ ، عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ ، أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ ، حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.أخرجه التِّرْمِذِي (2396).
روي أن أحد الصالحين حينما أخبروه بموت ولده نزل من على دابته وخر ساجداً لله , فلما سألوه قال لهم : ألم يقل الله تعالى : \" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ \" .
[ ثـــــــــمار وفؤائــــــد الصــــبر ]
للصبر فوائدة عظيمة ومنها :-
- يعوض الله تعالي الصابرين خيراً :- عَن مُصعب بْنِ سعد ، عَن أَبِيهِ سعد بن أَبي وَقاصِ ؛ قَالَ :قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله ، أَيُّ اَلناسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟ قَالَ : اَلآنبِيَاءُ ، ثُم الأمثل قالأَمْثَلُ ، يُبْتَلَى اَلْعَبْدُ على حَسَبِ دِينِهِ ، فَإنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُنبًا اَشتَد بَلأَوهُ ، وإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقة أبتُلِيَ على حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ ألبَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتُّىَ يَترُكَهُ يَمشِي على ألأَرضِ ، ومَا عَلَيهِ مِن خَطِيئَةِ.أخرجه أحمد 1/172(1481) و\"الدارِمِي\" 783 2 والتِّرْمِذِيّ\" 2398 , الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 1 / 225.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: \" ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها \" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله ، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي خيرًا منه: رسول الله .
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: \"ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه\".
+|| المصدر ||+
هذا وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آل محمد
كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم كما باركت
علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي إبراهيم
وعلي آل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد
المفضلات